العلامة المجلسي يبين انحراف مدرسة العرفاء والتصوف
جاء في كتابه عين الحياة : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر رحمه الله : يا أباذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، ويرون انّ لهم الفضل بذلك على غيرهم ، أولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض. يا أباذر ألا أخبرك بأهل الجنّة ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : كلّ أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه به ، ولو أقسم على الله لأبرّه. قال المجلسي : اعلم انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما انّه عالم بجميع العلوم بالوحي الإلهي ، ومطلع على جميع الرموز الغيبية ، فلمّا ذكر مدح التواضع والانكسار ولبس الصوف كان يعلم بمجيء جمع من ذوي البدع وأصحاب الضلال بعده يخدعون الناس بهذا اللباس ، فلذا ذكر انّ جمعاً سيأتون هكذا علامتهم وهكذا لباسهم فهم ملعونون ، كي لا ينخدع الناس بهم. ولم يكن لغير الفرقة الضالة المبتدعة الصوفية هذه العلامة والسمة ، وإخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بوجودهم فيما بعد من معاجزه العظيمة ، وقرن كلامه الذام لهم بالإعجاز كي لا تبقى شبهة لأحد فيه ، ومن أنكر مع هذه الآية البيّنة فعليه لعنة الله تعالى وملائكته. ولم يكن منشأ لعنهم لبس الصوف فحسب ، بل انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم بالوحي الإلهي أنهّم سيبطلون شرعه ويحرّفون دينه ، وسيذهبون في عقائدهم إلى الكفر والزندقة ، وسيتركون العبادة ويلجؤون إلى المخترعات والمبتدعات التي عملوها ، فيصدون الناس عن العبادة ، فلذا لعنهم صلّى الله عليه وآله وسلّموجعل هذه الهيأة واللباس علامة لهم كي يُعرفوا. عزيزي ! لو فتحت عصابة العصبيّة عن عينيك ، ونظرت بعين الإنصاف لكفاك في بطلان هذه الطائفة المبتدعة الصوفية هذه الفقرة الشريفة من الحديث مع قطع النظر عن الأحاديث الكثيرة الواردة تصريحاً أو تلويحاً على بطلان أطوارهم وأعمالهم ، وذمّ شيوخهم وكبارهم. ولقد ذمّهم أكثر القدماء والمتأخرين من علماء الشيعة رضوان الله عليهم ، وألّفوا كتباً في ردّهم كعليّ ابن بابويه حيث كان يبعث إلى الإمام الحجة عليه السلام رسائل وكان يأتيه الجواب ، وابنه السعيد محمد ابن بابويه وهو رئيس محدّثي الشيعة حيث ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات الله عليه ، ويشتمل دعاؤه عليه السلام له على مدحه أيضاً. وكالشيخ المفيد الذي هو عماد مذهب التشيع و إنّ أكثر المحدثين والفضلاء المعروفين من تلامذته ، وخرج التوقيع من صاحب الأمر عليه السلام له مشتملاً على مدحه ، وقد ألّف كتاباً مبسوطاً في ردّهم. وكالشيخ الطوسي وهو شيخ طائفة الشيعة وعظيمها ، وتنسب أكثر أحاديث الشيعة إليه ، وكالعلامة الحلّي رحمه الله المشهور في الآفاق بالعلم والفضل ، وكالشيخ علي في كتابه (مطاعن المجرمية ) وابنه الشيخ حسن في كتابه ( عمدة المقال ) ، والشيخ العالي القدر جعفر بن محمد الدرويستي في كتاب الاعتقاد ، وابن حمزة في كُتب. والسيد المرتضى الرازي في كتب ، وزبدة العلماء والمتورعين مولانا أحمد الأردبيلي قدس الله أرواحهم وشكر الله مساعيهم ، وغيرهم من علماء الشيعة رضوان الله عليهم ، وذكر كلام هؤلاء الفضلاء العظماء شأناً والأخبار التي ذكروها في هذا الأمر يوجب التطويل ، وسأقوم بتأليف كتاب مستقل في هذا المطلب إن شاء الله تعالى. فان كنت تعتقد بيوم الجزاء فهيىء حجتك اليوم كي تجيب غداً عند الله لو طلب منك الحجة بجواب شاف ، ويكون لك عذر موجه ، ولا أدري كيف تكون معذوراً عند الله تعالى بعد ورود هذه الأحاديث الصحيحة من أهل بيت الرسالة عليهم السلام ، وبعد شهادة هؤلاء العظماء من علماء الشيعة رضوان الله عليهم على بطلان هذه الطائفة والطريقة ومتابعتهم. أتقول : انّي تابعت الحسن البصري الملعون في عدّة أحاديث ؟ أو تابعت سفيان الثوري المعادي للإمام الصادق عليه السلام والمعارض له ، وقد ذكرنا بعض أحواله في أوّل هذا الكتاب ؟ أو تعتذر عند الله بمتابعة الغزالي الناصبي يقيناً ، والقائل في كتبه انّه : كما يكون علياً إمام فأنا أيضاً إمام ، والقائل : انّ من لعن يزيد فهو مذنب ، وألّف كتباً في لعن الشيعة والرد عليهم ككتاب (المنقذ من الضلال) وغيرها. أو تحتج بمتابعة أخيه الملعون أحمد الغزالي القائل بأنّ الشيطان من أكابر أولياء الله ، أو تتشفّع بالمولى الرومي القائل بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام سيشفع لابن ملجم فيدخل الجنّة ، وانّ أمير المؤمنين عليه السلام قال له : لا ذنب عليك ، هكذا قُدّر وكنت مجبوراً في فعلك. ولم تجد صفحة من ديوان المثنوي لم يذكر في أشعاره الجبر ، أو وحدة الوجود ، أو سقوط العبادة ، أو غيرها من الاعتقادات الفاسدة ، وكما هو المشهور منه والذي قبله تابعيه انّ الغناء والمزمار و... عبادة. أو تلجأ إلى محي الدين (ابن عربي) وقد سمعت خزعبلاته في أوّل الكتاب وآخره ، والقائل انّ جمعاً من أولياء الله يرون الرافضة على صور الخنازير ، والقائل إني لمّا عرجت رأيت رتبة عليّ أقلّ من رتبة أبي بكر وعثمان ، ورأيت أبا بكر في العرش فلمّا رجعت قلت لعليّ : كيف كنت تدّعي في الدنيا أنّك أفضل منهم و رأيتك الآن في أدنى المراتب. وله ولأمثاله كثير مثل هذه الأمور ، والتوجه إليها يوجب طول الكلام ، فلو انخدعت بدعاويهم ألا تحتمل انّهم فعلوا ذلك لحبّ الدنيا ؟ فلو شئت امتحنت هذا القائل بعلمه بجميع أسرار الغيب ، وانكشاف جميع الأشياء له ، وانّه يذهب إلى العرش في كلّ ليلة عشر مرّات ، بسؤال من شكيّات الصلاة ، أو مسألة عويصة من الميراث أو غيره ، أو سألته عن معنى حديث صعب ، فلو كان صادقاً فيما ادعاه لبيّن لك هذا أيضاً. روي بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال : انّ آية الكذّاب بأن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب ، فإذا سألته عن حرام الله وحلاله لم يكن عنده شيء . فلماذا هذا المدعي لفهم مسألة وحدة الوجود الغامضة ، وقصرت عقول جميع الفضلاء عن فهمها ؟ ، فلماذا لم يفهم مطلباً سهلاً حتى لو ذكّر به خمسين مرّة ولم يفهم ما يقوله هؤلاء الذين فهموا دقائق المعاني ؟ ومع هذا لو اعترفوا انّ الكشف والانكشاف يجتمع مع الكفر ، وانّ كفار الهند ذوو كشف ـ على تقرير انّ كشفهم واقعيّ ولم يريدوا الخدعة ـ فأيّ دلالة له على فضلهم ؟ المصدر : عين الحياة , المجلسي , ج2 ص 402- 407. | ||
الكاتب: خادم المهدي
المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق