Ads 468x60px

الجمعة، 16 نوفمبر 2012

الرد على احتجاج الاصوليين باجتهاد رواة الحديث

الرد على احتجاج الاصوليين باجتهاد رواة الحديث








الرد على احتجاج الاصوليين باجتهاد رواة الحديث








المرحوم
عالم سبيط النيلي

الرد احتجاج الاصوليين باجتهاد رواة الحديث







المسألة (38) : الرد على احتجاجهم باجتهاد الرواة

واعتمّدوا أيضاً على نصوص ذكروا أن الرواة اجتهدوا فيها واتخذوا منه دليلاً على جواز الاجتهاد بمعناه الأصولي وفيه حديثان :

الحديث الأوّل
:

قالوا فمن ذلك حديث ابن بكير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو اكثر من ذلك كم يقضي من صلاته ؟ . قال (عليه السلام) : ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء ؟ كلّما غلب الله عليه من أمر فالله اعذر لعبده . ثم قال هذا من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب.
أقول احتجاج الأصوليين به عجيب لأنه إنما يثبت بطلان الاجتهاد بمعناه الأصولي تحديداً . إذ لو نظرت إلى عملية الاجتهاد كلّها لوجدتها تطلب معذرية المكلّف فيما غلب الله عليه من أمر خصوصاً – إذ لا إشكال فيما فيه نص صريح إذ القاعدة : (( لا اجتهاد في النص )) - تطلبها من الإصرار على معرفة الحكم ولو ظناً . تُرى فما معنى الاجتهاد إذن ؟ أهو إظهار الحكم الشرعي للمكلّف فيما ليس فيه نص ؟ إذن فهذا الحكم ليس حكما شرعيا ما دام النص مفقوداً . أم هو نفس النص بعد التحقق منه ؟ لكنهم قالوا : أن الحكم هو ذاته الخطاب أي النص على التعريف فماذا يفعل المجتهد للنص ؟ . بالطبع يضع عليه توقيعه بالموافقة والقبول أو الرفض ! .
لقد وجدتُ عشرات النصوص العلمية خصوصاً في علم الفيزياء والفلك والنجوم وضعت عليها إشارات الضعف وتعليقات تنبئ عن الرفض لعدم انطباقها على علم الهيئة والطبيعيات القديم ومنها مثلاً :حديث جبل قاف ، حديث السماوات السبع والارضين السبع للرضا(عليه السلام) ، حديث المدائن التي في السماء ، حديث عوالم السماء ، حديث الزلزال ، … الخ في وقت تضمّنت تلك النصوص مفاتيح لآخر ما توصلت إليه أبحاث علوم الفلك والفيزياء في هذا العصر وأخصّ منها علوم التسعينات تحديداً . لماذا ضعِّفت تلك النصوص ؟ وهل حدث مثل هذا لنصوص شرعية؟ . بالطبع لأن الذين ضعّفوها قوم جهال من الجهتين من جهة فهم لغة النص والخطاب الإلهي عموماً ومن جهة جهلهم بالأشياء المحيطة بهم في الطبيعة ! .
وإذا كان هذا هو حكم الفقيه في نصوص الطبيعة بالرغم من تأكيد القرآن ومعراج الرسول على تعدد العوالم وسعة الكون وكثرة أسراره ومجهولاته ، ترى ماذا كان مقدار الصدق والصحة في حكمهم على نصوص العقائد وما يخص الشرائع والمعاد والموت والبرزخ والجنة والنار والحساب وما يتعلق بها ؟ بالطبع نحن لا نقول لا تدرس النص واحفظه و ردّده كما يفعل الببغاء ! بل نقول لا تحكم على النص وهو آتيك من فوق ، إذا جهلت معناه ولم تدرك مغزاه وتعارض مع مسلماتك فدعه جانباً ولا تحكم عليه لأنك إذا أخطأت حكم عليك بل إذا صدقت في الحكم شكى النص إلى مرجعه ، شكى إلى الله لأن مصدره الفعلي هو الله والمعصوم (عليه السلام) ناقل أمين لا غير .
كلّ ما يفعله المجتهد إذن هو أنه يتحقّق من ظنّية الحكم أي أنّه يحقق اليقين بكون الحكم حكما ظنياً بيد أنّه يقول هو حجّة والعمل به مبرئ للذمة بينما العكس هو الصحيح وهو غياب العلم بكونه ظناً هو المبرئ للذمة لأن ما ليس فيه نص فهو من الباب الذي (غلب الله عليه من أمر ) فهو فيه اعذر لعبده .
قال بعضهم معلـّقا على الحديث السابق :
( فتنطبق هذه القاعدة على بعض الموارد الغير منصوصة واستنباط الحكم منها لا يخرج عن الاجتهاد )

أقول : إن كان يقصد به الاجتهاد بمفهومه اللغوي فهو كذلك . لكن المعلوم ليس هذا المقصود لأنهم اقروا بغياب هذا الاصطلاح في ذلك العهد كما ذكر ذلك المحقق الصدر وغيره . فأين هو الاستنباط الذي يجري على هذه القاعدة ؟ .
إذ أول شيء يفهم منها هو معذرية المكلّف فيما هو مظنون وليس فيه نص كما اقرّ هو في العبارة ! إذن فقد اسقط العملية الاجتهادية كلّها بنفس العبارة ولم ينتبه للأمر لأن القاعدة تعالج الموارد غير المنصوصة فلا يبقى شغل للمجتهد . إذن فلا يوجد شيء هنا يسمّى ( الاستنباط) في عملية الاجتهاد لأن الاستنباط قد تمّ كاملا على يد المعصوم (عليه السلام) ، فإذا كان يسمّي تطبيق القاعدة على الحالات التابعة لها استنباطاً فقد توهم إذا المكلّف هو الذي يفعل ذلك لا الفقيه وعلى الفقيه تقع مسؤولية نقل هذه القاعدة فقط وما وصله من علم مرتبط بتطبيقها على حالاتها فيساعد الجاهل في إجراء التطبيق لا غير.
والدليل على أنّ عملية الاستنباط قد اكتملت بنفس حديث الإمام (عليه السلام) اعتراف الأصولي بأنّها قاعدة فماذا يفعل الأصولي إذا كانت الأحاديث تنطوي على القواعد التي يحاول التوصل إليها ؟
فالقواعد إذن موجودة وهي ذات النصوص لا غيرها . الفقيه إذن يقوم كما يفهم بفهم هذه القواعد ، الفقيه إذن هو المحدث الذي يحفظ النصوص بوعي وإدراك وإيمان بها ! وعليه حديث الأربعين الشهير وليس الفقيه هو الذي يحكم على النصوص بقواعد يضعها خارج الخطاب وفق مبادئ عقليّة اتفق عليها مع الأصولي .
ماذا يفعل ابن بكير حينما اخبره الإمام (عليه السلام) بالقاعدة ؟ هل هناك دليل على أن ابن بكير إذا جاءه رجل يسأل نفس المسألة يقول له مجيبا : ليس عليك إعادة بحيث لا يعلم المكلّف لماذا وكيف ومن أين جاءت الإجابة ؟ كلا بالطبع . بل يخبره بنفس القاعدة فلعله يستخرج منها أبوابا من مليون باب يفتح منها كما قال الإمام . والدليل على ذلك أن ابن بكير ما اخبرنا أن من أغمي عليه لا يقضي الصلاة ! بل نقل لنا أنّه سأل كذا وأجيب عليه بكذا .
أما رسائل الفقهاء اليوم فإنها لا تتضمن أيّة قواعد يتفقّه المكلّف بها في دينه بل أحكاما جاهزة بألفاظ الفقهاء الملتوية والتي فيها عشرة احتمالات في كلّ مسألة بحيث أن اغلب المكلّفين لا يحسنون الفرز بين تلك الاحتمالات ولا يعلم المكلّف من أين جاءت ؟ و كأن واجبهم احتكار النصوص ومحاربة معارف الأئمة من أن تصل إلى المكلّف والدليل على ذلك أنّهم يقفون بوجه كلّ وجيهٍ وكلّ محبٍ لآل البيت (عليه السلام) حينما يرغب بنشر وطباعة أحاديثهم وينشرون بين العامة أن تلك النصوص ليست للائمة (عليه السلام) وأنها منتحلة ! .
فمن أين يعلم ملكوت السماوات والأرض حتى يزعم أن حديث الرضا ( عليه السلام ) في السماوات السبع والارضين السبع مخالف ( للمعقول والحس ) حسب تعبيره ؟ لأنه بزعمه يناقض علم الهيئة ! كما صرح به الشهرستاني . عن أيّ علم هيئة يتحدّث هؤلاء وليس لديهم من علم الهيئة إلا قبة بطليموس الفلكية ؟ أم يزعم أن أوهام بطليموس هي أصحّ من كلام الإمام الرضا ؟ فالآن أخزى الله القائل بعلم الفلك الحديث حينما اكتشف أن بطليموس وقبته ليست الا أوهام عجائز لا أساس لها من الصحة وأن الارضين السبع منفصلة وكلّ ارض لها سماءها الخاصة بها كما قال الرضا (عليه السلام) .
أما قوله في الاحتجاج بالحديث أن هذا ( لا يخرج عن الاجتهاد ) فهو كذلك ولو على اصطلاح الفقهاء لكن عدم خروجه لا يعني أن عملية الاجتهاد هي كذلك بكاملها لأن اغلب الاجتهاد هو ما ارتبط بقواعد وضعها الأصولي لا المعصوم وهي موضوع الخلاف ومحل النزاع فأين الإجابة وأين الدليل ؟ .


الحديث الثاني :
قالوا : ومنه حديث عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : عثرت فانقطع ضفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء ؟
قال (عليه السلام) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله تعالى قال :
(( ما جعل عليكم في الدِّين من حرج)) امسح عليه .
قال المدافع : ( يدل هذا بوضوح على جواز الرجوع إلى القواعد العامة المذكورة في الكتاب الكريم واستنباط الحكم منها ) .
أقول هذا غريب جدا مع فرض صحته ! لأني أتساءل عن القواعد التي أخرجها الأصوليون من الكتاب الكريم ؟ قطعاً ليست هناك قاعدة واحدة أخرجها الأصوليون من الكتاب ولا يستطيعون . بل عرضنا المستقلات العقليّة كما رأيت على كتاب الله وعلى السنة فإذا هي أوهام و مخالفة للكتاب . ومن أوضح الأباطيل الحكم بحجّية الظّن وتقسيمه إلى معتبر وغيره مع أن صريح الكتاب لا يجعل أيّ قيمة للظن ولو كنسبة احتمالية لأنه قال :
(( وان الظّن لا يغني من الحقّ شيئاً ))28/53
وإذن فهو لا يغني شيئاً من الحقّ إذ لو أغنى بنسبة واحد بالمائة من الحقّ لما قال هذه العبارة . وإذن فالظّن لا قيمة علمية له مطلقاً أوَ ليس هذه قاعدة واضحة في الكتاب وقد خالفوها . والأغرب من ذلك هو المضي قدماً في مخالفة هذا النص الإلهي الذي يتحدّث عن القيمة العلمية للظنّ تحديداً بدعوى ورود نفس اللفظ ( الظّن ) في مورد مديح للمؤمنين حيث قال تعالى :
(( الذين يظنون أنّهم ملاقوا ربهم ))-46/2
يحتجون بهذه الآية مع أن الموضوع مختلف كالاختلاف بين عالم الغيب وعالم الشهادة .
إذ يجب التفريق بين أنواع اللقاء أوّلاً وموضوعه ، لتتعرّف على قيمة الظّن في كلّ موضوع . فالظّن إذ يرد في قبال الحقّ والحكم الشرعي وهو في الخطاب والخطاب هو الحقّ فإن الظّن لا قيمة له من الناحية العلمية .
ولكن إذ جاء الظّن في موضوع غيبي أنكره أكثر الناس باستثناء أهل اليقين وهو المعصوم فإن الظّن بوقوعه هو درجة من درجات الإيمان توجب المدح لأنها توصل إلى اليقين في النهاية خلافاً للظن في الواقع الموضوعي . ولذلك قال تعالى :
(( و هدى و رحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون))154/6
ذلك أن الآخرين كذب أكثرهم بهذا اللقاء قال تعالى :
(( الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين )) -45/10
(( وان كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون )) -8/30
(( الا أنّهم في مرية من لقاء ربهم ))-154/41
(( وأما الذين كفروا و كذبوا بآياتنا و لقاء الآخرة أولئك في العذاب محضرون))
إن لقاء الله مختلف جداً عن لقاء الآخرة . فالمؤمن إذا أيقن بلقاء الآخرة فلن يوقن بلقاء الله الا بإشارة إلهية مبشرة بهذا اللقاء لأن لقاء الله فيه الخير كلّه فهو غير متحقّق مع الذين كفروا وإن كان المتحقق لقاء الآخرة إذ لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم كما ذكرته آيات أخرى ، فانتبه الآن للعلاقة الآتية :
لقد ارتبط الخسران بتكذيب لقاء الله إذ لم يأت بمفردة معه تدل على العذاب بل المنع من الخير والهداية فافهموا نظام القران أوّلاً قبل أن تحتجّوا به لأن ما تذكرونه من الاستشهاد بالكتاب إنما هو ورطة عليكم وحجّة تثبت جهلكم الشنيع به قال تعالى :
(( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ))-
إذن فاليقين بلقاء الله مرحلة عليا من الإيمان علل الخطاب ( تفصيل كلّ شيء) بها . فانظر إذن كيف انقلبت المعادلة وذلك حيث قال:
(( يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون )) -2/13
وعلى ذلك فالظّن بلقاء الله إنما يحكي مرحلة دون هذه ولكنها متقدّمة جداً بالإيمان لأنها أعلى من اليقين بلقاء الآخرة لاختلاف اللقاءين بل لاختلاف الحكم نفسه كما سأوجز . ولكن لو اقتصروا على موارد الظّن في الواقع الموضوعي من غير فحص ولا تدقيق لكان فيها الكفاية على بطلان هذا الزعم لأنه قرن هذا الظّن بالأكثرية المنحرفة وبأهل الضلالة والذين لا يريدون أصلاً تحقيق علم فعلي بالأشياء أو الأحكام الشرعية :
(( وما لهم بذلك من علم أن هم الا يظنون ))-24/45
((أن يتبعون الا الظّن وما تهوى الأنفس وقد جاءهم من ربهم الهدى ))-23/53
(( إن تتبعون الا الظّن وإن انتمّ الا تخرصون ))148/6
لاحظ أن الظّن هنا مقترن بالتخرّص وهو في مقابل العلم والهدى واتباع لما تهوى الأنفس فلا يحمل أيّة قيمة علمية بالمرة . فلماذا إذن امتدح الذين يظنون أنّهم ملاقوا ربهم ؟ . لأن هذا هو موضوعنا فانتبه جيداً : إذ لو كانوا على يقين من لقاء الله لكان ذلك حكماً مستقلاً ، إذ لا يحكم بهذا حتى الأولياء لأن لقاء الله تعالى يترتب عليه ثواب ، هو دخول الجنة فمن ذا يحكم حكماً قطعياً أنّه سيدخل الجنة؟
فالاستشهاد بالآية إذن معكوس لأن موضوع الظّن هنا مختلف وموضوعه هو ذاته موضوع البحث فهو سبحانه يمتدح هؤلاء لأنهم لم يحكموا حكماً قطعياً في أنّهم سيلاقوا ربهم بالرغم من أن وعد الآخرة وعد حتمي وفق النص إذ لا قدرة لأحد أن يزكي نفسه إلا بتزكية من الشارع نفسه . وما اخبر به المعصوم (عليه السلام) عن فضل نفسه إنما هو جزء ضئيل جداً مما اخبره به الشارع ومع ذلك يبقى لقاء الله تعالى بالنسبة له ظناً لأنه تعالى لا يلاقيه إلا موقن باللقاء . وهذا اليقين هو باللقاء عموما لا لقاءه هو . فلاحظ الاختلاف بين الفعل والاسم في قوله تعالى (( يظنون أنّهم ملاقوا ربهم )) والاسم في قوله تعالى (( لعلهم بلقاء ربكم توقنون ))- وليس بلقائكم ربكم بل باللقاء نفسه كواقعة .
وعلى ذلك يصبح الظّن مرتبطاً بموضوعه فإذا كان موضوعه الحكم على أمر غيبي مستقل عن أخبار الشرع تفصيلا ومندرج في عمومه فإنه يحسن وإذا كان الحكم على النص نفسه وعلى التفاصيل ذاتها فإنه قبيح فاصبح الظّن جزءان بعضه أثم وبعضه حسن ولذلك قال تعالى :
(( اجتنبوا كثيراً من الظّن أن بعض الظّن إثم ))-12/49
لأنه جمع الظّن كلّه في لفظ المعرف ولم يربطه بموضوع محدّد فيقول ظن بكذا وكذا ولذلك قسمه إلى قسمين لأن الظّن الحسن داخل في المجموع مثل ظن موسى (عليه السلام) عن عاقبة فرعون حيث قال له
(( وأني لأظنك يا فرعون مثبوراٍ))-102 /17
فهذا حدث مستقبلي من الغيب ومنشؤه قوة إيمان موسى (عليه السلام) و حدسه الإلهامي ومع ذلك فلا يقول أنّه مستيقن من عاقبة فرعون لأن الأمر لله أن شاء ثبره وأن شاء هداه فلا يسبق موسى (عليه السلام) ربه بالحكم وهو ظّن مختلف بل مناقض للظن في موضوع العلم والحقّ المرتبط بالحكم الشرعي الواصل إلينا إذ يقبح فيه الظّن ولا يغني عن الحقّ شيئاً.
نعم الإعتباط اللغوي هذا ديدنه دائماً فهو يأتي بالشواهد التي هي ضده غير مبال بالنتائج لأنه لا ينظر إلى النصوص الأخرى ولا يحاول استخراج قواعد ومبادئ يزول بها التناقض بين النصوص بل ذكرنا مرارا أن التناقض الظاهري الوهمي هو من مبتدعات الإعتباط ونتيجة محتومة لطرائقه اللغوية .
إن موضوع البحث هو الخطاب الشرعي فإذا تحول الحكم الشرعي إلى ظّن فماذا يبقى من الدِّين ؟
سيقول كلّ فرد بالظّن بما يحلوا له و يقول هذا ظنّي الخاص وهو معتبر عندي وعند اتباعي فلا يبقى شرع ولا نبوة ولا حكم من الأحكام فإذا جاء الخطاب وهو ( هدى ) أوجب ذلك زوال الظّن . وهل هناك أوضح من هذه الآية :
(( أن يتبعون الا الظّن وما تهوى الأنفس وقد جاءهم من ربهم الهدى))-23/53
فلنرجع إلى الحديث ونرى مدى صحة قول المدعي : أنّه يدل على جواز الرجوع إلى الكتاب الكريم واستنباط الأحكام منه !
أفلا تلاحظ المغالطة في هذا الاستنتاج ؟ لأن الذي يفعل ذلك لابد له من استبعاد أيّ حكم عقليّ أوّلاً ولا بد من معرفة شاملة بالكتاب ثانياً و بالأشياء موضوع الأحكام ثالثا وهذا ما لا يفعله إلا المعصوم (عليه السلام) فيرجع الحكم إليه مرة أخرى و ينتفي هذا الاستنتاج . ودليل ذلك فيه فالإمام (عليه السلام) هو الذي استخرج القاعدة ولم يأمر باستخراج القواعد من الكتاب . فإذا صدقوا فليأتوا بنص واحد فيه إذن من المعصوم بهذا العمل فضلاً عن الأمر . بل ذكرت أحاديث الأئمة عكس ذلك تماماً وهو أن المعصوم (عليه السلام) هو الذي يستخرج الأصول من الكتاب وهذا يدل على أن أحاديثهم (عليه السلام) هي الأصول . ولذلك سماها الكليني ( الأصول ) .
ومنه حديث هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) قال :
(( إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول و عليكم أن تفرعوا))

أليس غريباً بعد ذلك أن يؤتى بهذا النص للاستشهاد بجواز الاجتهاد بالمعنى المذكور ووضع قواعد لأصول الفقه ، لأن الإمام جعل الأصول من واجباته هو بلفظ ( علينا ) و جعل التفريع من واجبات المكلّفين بلفظ ( عليكم ) .
ولكن البعض يتكلّمون كما يشاءون والناس تصدّقهم فيما يقولون فقد قال المدافع بصدد هذا الحديث : ) إن وظيفة المعصومين (عليه السلام) بيان الأصول والقواعد العامة ووظيفة فقهاء الرواة تفريع الأحكام عليها واستنباطها منها )

وهذه جملة ملتوية متناقضة :
أوّلاً : إن المعصوم (عليه السلام) إذا بيّن الأصول والقواعد العامة فقد انتهى الأمر إذ لم يبق موضوع لعلم الأصول فماذا يقول إذا قلنا ( من فمك أدينك ) ! .
ثانياً : إنه سماهم فقهاء رواة للإيحاء بقيامهم بنوع من وضع الأحكام أو القواعد العامة بينما هم رواة فهم فقهاء على المعنى القرآني لا المعنى الأصولي .
ثالثاً : قال أن وظيفتهم تفريع الأحكام فهذا ما فعله الأصوليون في الواقع فحصل الالتباس في الأقسام وخلط بينها ، لأنهم أدخلوا آراءهم وفرّعوا الأحكام نفسها بينما التفريع يجب أن يكون للقواعد نفسها .
رابعاً : أضاف من عنده لفظ ( استنباطها ) ليوهم القارئ أن الراوي كان يضع أحكاماً أصوليةً بجوار أحكام المعصوم وقواعده وهي أشياء لا وجود لها في النص .
هل تسمى هذه الطرائق في الإثبات من الأدّلة العلمية في شيء ؟ .




هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي









الكاتب: خادم المهدي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق