Ads 468x60px

الاثنين، 27 أغسطس 2012

الكشــــف عن بطلان علم الرجال عند الاصوليين

الكشــــف عن بطلان علم الرجال عند الاصوليين


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعداء آل محمد من الاولين والاخرين من بدء الزمان الى قيام يوم الدين

القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني



لا تقل أهمية السُنة الواردة عن الرسول وآله عند الإمامية عن غيرهم من الفرق الإسلامية إلا أن الحال مختلف بعض الشيء حيث اعتبر الإمامية أن السُنة ما ورد عن الرسول والأئمة من آله ﴿عليهم السلام﴾ فلا تكاد تجد في كتب الإمامية من الأخبار ما يروى عن الصحابة أو التابعين إلا القليل النادر .
لقد ذكرنا فيما تقدم كيف ان علم الرجال تأسس في مدارس العامة وبدأ بالفعل عند أصحاب الخليفة الثالث وبعد ذلك جرى عليه فقهاء العامة جيلاً بعد جيل وبينا أيضاً نقاط الضعف في هذا العلم الوضعي إلا أن ما يؤلمنا صراحةً هو انتقال هذا العلم إلى مدارس الإمامية خصوصاً بعد غيبة ولي الله ﴿عليه السلام﴾حيث اعتبر فقهاء الإمامية ما اعتبره العامة في علم الرجال وراحوا يصنفون الأحاديث وفق القواعد الرجالية إلى أقسام عدة .
يقول جعفر السبحاني في تعريفه لعلم الرجال ما هذا نصه : ﴿علم يبحث فيه عن أحوال الرواة من حيث اتصافهم بشرائط قبول أخبارهم وعدمه. وإن شئت قلت: هو علم يبحث فيه عن أحوال رواة الحديث التي لها دخل في جواز قبول قولهم وعدمه. وربما يعرف بأنه علم وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا، مدحا وقدحا ... والمطلوب المهم في هذا العلم حسبما يكشف عنه التعريف، هو التعرف على أحوال الرواة من حيث كونهم عدولا أو غير عدول، موثقين أو غير موثقين، ممدوحين أو مذمومين، أو مهملين، أو مجهولين والاطلاع على مشايخهم وتلاميذهم وحياتهم وأعصارهم وطبقاتهم في الرواية حتى يعرف المرسل عن المسند ويميز المشترك، إلى غير ذلك مما يتوقف عليه قبول الخبر ﴾ كليات في علم الرجال - الشيخ السبحاني - ص 11.
وقال الشيخ محمد مهدي الاصفي ما هذا نصه : ﴿ان مسألة الطريق إلى أحاديث أهل البيت ﴿ع﴾ مسألة علمية تابعة لقواعد التوثيق في علمي الدراية والرجال ولا يختلف المسلمون في هذه القواعد اختلافا كبيرا﴾ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني- ص117
إن المراد من علم الرجال عند الإمامية هو نفس المراد عند العامة فقبول الخبر يتوقف على رجال السند ان كانوا عدولا أو موثوقين قُبل الخبر وإلا فلا، وهذه هي طريقة العامة كما ذكرنا في موضوع سابق لم ترد في خبر صريح .

إن مسألة تقسيم الأحاديث مرت بعدة مراحل فكانت أول تلك المراحل هي تقسيم الخبر حسب عدد الرواة حيث قسمت الأحاديث إلى أقسام عدة منها المتواتر وغير المتواتر كما قسم الثاني إلى مقترن وغير مقترن وحدث خلاف في غير المقترن بين الفرق الإسلامية ككل والإمامية أيضاً وهذا ما سنبينه فيما يلي :



أولاً : تقسيم الخبر حسب عدد الرواة :
ينقسم الخبر عند الفقهاء على أساس وفرة رواته وعدمها إلى اقسام هي :


1- الخبر المتواتر :
وهو الخبر الذي ينقلة جماعة إثر جماعة من المعصوم إلى المنقول إليه ولا ينظر في مثل هذه الحالة إلى توثيق الناقلين أو عدالتهم ولا حتى فسقهم إذا تحقق التواتر فقد اتفق الفقهاء على أن الخبر المتواتر يفيد القطع بصدوره عن المعصوم .
إن من شروط المتواتر أن ينقله عدد كثير، وقد اضطربت الأقوال في تقدير العدد الذي يحصل معه العلم اليقيني بالخبر، والأرجح عند أكثر الفقهاء عدم اعتبار عدد معين من الناقلين إنما يعرف المتواتر ما تنقله جماعة إثر جماعة وهذا يكفي لتحقق الخبر المتواتر .

إن الخبر المتواتر في كتب الحديث عند الإمامية يتصف بشيء من الندرة لقلة التواتر في أحاديث الإمامية مما يجعله بعيداً عن ساحة النزاع بينهم .



2 – الخبر الغير متواتر :
وهو الخبر الذي يرويه فرد أو جماعة لم يبلغ تعدادهم حد التواتر وقسم الفقهاء الخبر الغير متواتر على أساس اقترانه بقرينة تدل على صدقه بما يفيد القطع بصحته أو العدم حيث قسم إلى قسمين :

أ - الخبر المقترن : وهو الذي تصحبه قرينة تدل على القطع بصدوره عن المعصوم. ولا خلاف بينهم في القطع بصدوره لدلالة القرينة أو القرائن على صحة الخبر.
ب - الخبر غير المقترن : وهو المجرد عن القرينة المفيدة للقطع بالصدور. إن هذا الخبر المجرد قال عنه الأصوليون بأنه لا يتعدى في مستوى دلالته حدود الظن ولذلك أصبحت الأحاديث المجردة من القرائن محل النزاع بين الفقهاء وقد عبروا عن هذه الأحاديث بخبر الواحد أو خبر الآحاد أو خبر الثقة أو خبر العدل أو الخبر المجرد أو الخبر غير المقترن فكل هذه المسميات تدل على الخبر المجرد من القرائن الدالة على صحته عندهم .



خبر الواحد :
ذكرنا بأن الخبر الغير مقترن بالقرائن الدالة على صحته عند الفقهاء هو ما يسمى في عرف الفقهاء بخبر الواحد وعليه فإن الباحثين عن حجية الأخبار وفق التقسيمات التي وضعها الفقهاء وجدوا أن أغلب الأحاديث عند الإمامية هي أخبار آحاد لا تبلغ حد التواتر الا في بعض الأخبار القليلة فمن هنا تأتي أهمية البحث في خبر الواحد عند الفقهاء ، إذ أن التفصيل ببيان أغلب الأحكام لا طريق إليه إلا خبر الواحد .



تعريف خبر الواحد :
إن خبر الواحد أو الاحاد هو الخبر الذي يأتي عن واحد من الرواة أو أكثر بحيث لا يبلغ تعدادهم حد التواتر وقد اعتبره العلامة الحلي في ﴿مبادئ الوصول﴾ لا يفيد إلا الظن وذلك في قوله : ﴿هو ما يفيد الظن، وان تعدد المخبر﴾
وجاء في ﴿المعالم﴾ للعاملي: خبر الواحد: ﴿ وخبر الواحد : هو ما لم يبلغ حد التواتر - سواءً كثرت رواته أم قلت - وليس شأنه إفادة العلم بنفسه . نعم قد يفيد بانضمام القرائن إليه وزعم قوم أنه لا يفيد العلم وإن انضمت إليه القرائن﴾ معالم الدين – العاملي - ص 342
وفي ﴿التعريفات﴾ للجرجاني : خبر الواحد : ﴿وهو الحديث الذي يراد به واحد أو الإثنان فصاعدا ما لم يبلغ الشهرة والتواتر﴾ .
لقد عد فقهاء الإمامية الخبر الذي يأتي عن راوي واحد أو أكثر بخبر الواحد وقد اختلفوا في حجيته كما سيأتي .

إن أول من اثار هذا الموضوع –اي خبر الواحد- هم فقهاء العامة، وقد اختلفت الفرق الإسلامية في حجية خبر الواحد بحيث أصبح لكل طائفة منهم قول أو أكثر في هذه المسألة حتى انهم اختلفوا في حجية خبر الواحد هل هو حجة في الأحكام والعقائد فذهبوا إلى حجيته في الأول وبطلانه في الثاني قال جعفر السبحاني ما هذا نصه: ﴿ ولذلك نرى أئمة الفقه يعملون بأخبار الآحاد في مجال الأحكام والفروع العملية ولا يشترطون إفادتها القطع أو اليقين ، وهذا بخلاف العقائد التي يفترض فيها اطمئنان القلب ورسوخ الفكرة في القلب والنفس ، فيرفضون خبر الآحاد في ذلك المجال ويشترطون تواتر النص أو استفاضته إلى حد يورث العلم ﴾ أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - ص 596.

إن من المسائل التي يتبين من خلالها ضعف التقسيمات التي أحدثها الفقهاء في علم الحديث هي مسألة خبر الواحد حيث انهم قبلوا خبر الواحد إذا كان متعلق بالأحكام الشرعية أما إذا كان متعلقاً بالعقائد فإنهم يرفضونه ويسقطونه من طاولة الاحتجاج وهنا سؤال يتوجه اليهم إذا كانت طريقتكم شرعية من وجه نظركم وجب عليكم استخدامها في الدين ككل اما تعاملكم مع أحاديث الأحكام بطريقة مختلفة عن تعاملكم مع أحاديث العقيدة فهذا يوحي لكل إنسان بفشل طريقتكم التي وضعتموها فإن زعمتم بأن طريقتكم تعطي نتائج صحيحة وجب ان تكون نتائجها صحيحة في كل تطبيقاتها وهذا غير ممكن بالنسبة إليكم وبحسب ما تعملون به .
لقد ذكر الشيخ الطوسي اختلاف الفرق والطوائف الإسلامية بالعمل بخبر الواحد حيث قال ما هذا نصه : ﴿اختلف الناس في خبر الواحد ، فحكى عن النظام انه كان يقول : انه يوجب العلم الضروري إذا قارنه سبب. وكان يجوز في الطائفة الكثيرة ألا يحصل العلم بخبرها . وحكى عن قوم من أهل الظاهر أنه يوجب العلم ، وربما سموا ذلك علما ظاهرا . وذهب الباقون من العلماء ، من المتكلمين والفقهاء ، إلى أنه لا يوجب العلم ، ثم اختلفوا : فمنهم من قال : لا يجوز العمل به. ومنهم من قال : يجب العمل به. واختلف من قال : لا يجوز العمل به . فقال قوم : لا يجوز العمل به عقلا. وقال آخرون : انه لا يجوز العمل به ، لأن العبادة لم ترد به وان كان جائزا في العقل ورودها به. وربما قالوا وقد ورد السمع بالمنع من العمل به . واختلف من قال يجب العمل به : فمنهم من قال : يجب العمل به عقلا وحكي هذا المذهب عن أبن سريج وغيره . وقال آخرون : إنما يجب العمل به شرعاً والعقل لا يدل عليه ، وهو مذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين ممن خالفنا . ثم اختلفوا : فمنهم من قال : يجب العمل به ولم يراع في ذلك عددا . ومنهم من راعى في ذلك العدد وهو أن يكون رواته أكثر من واحد وهذا المذهب هو المحكي عن أبي علي..﴾ عدة الأصول - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 97 – 101.


موقف الإمامية من خبر الواحد :
تسلل موضوع خبر الواحد من ساحة فقهاء العامة إلى ساحة فقهاء الإمامية كغيره من الامور التي تسللت بعد الغيبة مما جعل الإمامية يختلفون في حجية خبر الواحد كغيرهم من الفرق وقد ذكر اختلافهم السيد الخوئي في قوله : ﴿وقع الخلاف بين الاعلام في حجية خبر الواحد فذهب جماعة من قدماء الأصحاب إلى عدم حجيته ، بل ألحقه بعضهم بالقياس في أن عدم حجيته من ضروري المذهب ، وذهب المشهور إلى كونه حجة ﴾ مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئي - للبهسودي - ج 2 - ص 148.
لقد أختار جماعة من فقهاء الإمامية عدم حجية خبر الواحد كالسيد المرتضى وأبن إدريس بل نسب إلى الكثير وإن اختلفوا في إمكان التعبد به وعدمه واختار آخرون حجيته كالشيخ الطوسي وغيره كثير أما المتأخرون من الفقهاء فقد أجمعوا على حجيته .
إن أول من أعلن المنع من العمل بخبر الواحد في الشرعيات هو السيد المرتضى ونسب المنع إلى إجماع الطائفة بذلك إلا أن أول من خالف المرتضى وخرق الإجماع المزعوم هو تلميذه الشيخ الطوسي حيث ذهب إلى القول بحجية خبر الواحد إذا كان راويه من الإمامية وعلى صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها وهذا الخرق لقانون الإجماع يعد من المسائل التي تبطل حجية الإجماع الذي وضع اسسه السيد المرتضى كما ذكرنا .
إن الإجماع الذي زعمه السيد المرتضى على القول بعدم حجية خبر الواحد قوبل بإجماع آخر ادعاه الشيخ الطوسي على حجية العمل بخبر الواحد !
لقد ذكر الشيخ الأنصاري دعوى الإجماع الذي ادعاه السيد المرتضى والشيخ الطوسي على عدم حجية خبر الواحد وذكر أيضاً الإجماع الآخر وهو على النقيض والذي ادعاه الشيخ الطوسي على حجية العمل بخبر الواحد وقد ذكر الأنصاري هذا الأمر في قوله : ﴿وأما الجواب عن الإجماع الذي ادعاه السيد والطوسي ﴿قدس سرهما﴾ : فبأنه لم يتحقق لنا هذا الإجماع ، والاعتماد على نقله تعويل على خبر الواحد ، مع معارضته بما سيجئ : من دعوى الشيخ - المعتضدة بدعوى جماعة أخرى - الإجماع على حجية خبر الواحد في الجملة ، وتحقق الشهرة على خلافها بين القدماء والمتأخرين﴾ فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 1 - ص 252 - 253.
نحن لا ندري هل دخل المعصوم بيت السيد المرتضى وأشترك في الإجماع الذي ادعاه ام دخل في بيت الشيخ الطوسي واشترك في ذلك الإجماع ؟
إن هذه المسألة من المظالم التي تعرض ويتعرض لها المعصوم في كل الاجيال فلهم ان يقولوا وعلى المعصوم ان يرضى ويدخل في إجماعهم شاء أم أبى حتى وان كان إجماعهم متناقض فهل بعد هذا الظلم للمعصوم ظلم ؟

إن آخر من قال بعدم حجية خبر الواحد من فقهاء الإمامية هو الشيخ أبن إدريس الحلي ونسب العمل بخبر الواحد إلى هدم الإسلام وذلك في قوله : ﴿ولا أعرج إلى أخبار الآحاد ، فهل هدم الإسلام إلا هي﴾- السرائر - أبن إدريس الحلي - ج 1 - ص 51.
ولا يخفى في قول أبن إدريس هذا الطعن بمن عمل بأخبار الاحاد كالشيخ الطوسي وغيره ونسبتهم إلى هدم الإسلام على حد زعم أبن إدريس وهذه المسألة من المسائل التي شنع بها أبن إدريس على مخالفيه من الفقهاء كالطوسي على وجه الخصوص وكما ذكرنا في مرحلة أبن إدريس .
إن مسألة التخلي عن أخبار الاحاد تعني انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية لندرة الخبر المتواتر في الأحاديث التي جمعها الإمامية ولهذا السبب قال أبن داود في رجاله حين ذكر أبن إدريس الحلي وكما ذكرنا بانه ﴿أعرض عن أخبار أهل البيت بالكلية﴾ رجال أبن داود - أبن داوود الحلي - ص 269.
إن مسألة الإعراض عن خبر الواحد هي إعراض عن أخبار أهل البيت بالكلية لأن الخبر المتواتر قليل جداً ولذلك استعاض أبن اديس عن الأخبار بأستحداثه لدليل العقل بانه إذا فقدت الثلاثة –اي الكتاب والسُنة والإجماع- فالمعتمد في المسألة الشرعية التمسك بدليل العقل فيها ، فإنها مبقاة عليه وموكولة إليه ، وهذه المسألة تتناقض مع العديد من الأخبار التي تؤكد بأن العقل لا يدرك العلل من كون الأحكام الشرعية إلا أن أبن إدريس قد اعرض عن أخبار أهل البيت ولهذا السبب توجه إلى أدوات المخالفين وزجها في جملة أدوات الفقه الإمامي وأدعى الاجاع عليها وذلك في قوله : ﴿فإذا فقدت الثلاثة فالمعتمد في المسألة الشرعية - عند المحققين الباحثين عن مآخذ الشريعة - التمسك بدليل العقل﴾ فهذا القول تصريح بالإجماع !
إن مسألة القول بخبر الواحد أو رفضه انتهت في عهد المحقق الحلي حيث ضعف الخط الأول القائل بعدم الحجية وأصبح الخط الثاني هو المهيمن على الوسط العلمي فكان التصريح بجواز العمل بخبر الثقة مطلقا ولهذا السبب بدأ الإمامية بتقسيم خبر الواحد إلى تقسيمات جديدة ظهرت في عهد أبن طاووس واشتهرت على يد تلميذه العلامة الحلي ثم تناقلها القوم جيلاً بعد جيل .

اختلف الفقهاء في المدرسة الإمامية كما ذكرنا في مبحث الإجتهاد إلى فريقين هم الأكثر شهرة بين فرق الإمامية وهما الأصولية والأخبارية وقد ذكرنا المسائل التي اختلفوا فيها وكان من المسائل الخلافية بينهم هي مسألة طريقة قبول الأخبار والروايات وردها فالأخبارية قالوا بصحة جميع الأخبار الواردة في الكتب الأربعة وغيرها واعتبروها قطعية الصدور عن المعصوم ﴿عليه السلام﴾ ورفضوا تقسيم الأخبار وتوثيق الرجال وتضعيفهم أما الأصوليون فقد قسموا الأخبار ﴿خبر الواحد﴾ وفق قواعد علم الرجال إلى أقسام أربعة .



ثانياً : طريقة الأصوليين في تقسيم الأحاديث ﴿خبر الواحد﴾
قسم العلامة الحلي وشيخه أبن طاووس من قبل أخبار الاحاد إلى أربعة أقسام أو أكثر هي :
1 ـ الخبر الصحيح : وهو ما كان جميع رواته عدولاً امامية أي ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات فالعدل: هو الذي يأتمر بأوامر الدين وينتهي بنواهيه. ولا يطلق في الاصطلاح الأصولي إلا على الإمامي المتشرع في سلوكه وهذه النوعية من الأخبار هي النوعية الوحيدة التي قبلها الشيخ الطوسي من أخبار الاحاد وشذ عن استاذه المرتضى .
2 ـ الخبر الموثق : ويقال له القوي أيضاً وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته بأن كان من أحد الفرق الإسلامية المخالفة للإمامية أو كان من الإمامية المنحرفين فالثقة يراد به في لغة الفقهاء الإنسان الذي يؤتمن على الشيء مع عدم مراعاة عقيدته أو مذهبه .
3 ـ الحسن : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من الإمامية ولكنهم لم يعدلوا بل مدحوا فقط .
4 ـ الضعيف : وهو ما لم يكن واحداً من الأقسام الثلاثة، بأن يشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال أو ما دون ذلك كالوضاع .

إن هذا التقسيم وحتى التقسيم الأول لم يرد في شيء من الروايات أبداً كما ان هذا التقسيم لم يُذكر على لسان من سبق العلامة الحلي وشيخه أبن طاووس حيث تم اختراع هذا التقسيم في ذلك الزمن وهو مشابه إلى حدٍ ما تقسيم العامة للحديث بل هو مأخوذ من طريقهم ومسلكهم كما ذكر ذلك الاسترابادي والحر العاملي والمحقق البحراني وجملة من الأخبارية وهذا الأمر جعله خصوم الأصوليين من المؤاخذات والطعون على الطريقة الأصولية كونه قد سرق واخذت معالمة من كتب المخالفين .

إن الخبر الصحيح عند الأصولية معروف الحجية إلا إنهم اسقطوا هذه الحجية بذريعة أمر غاية في الخطورة وهو إذا خالف الخبر الصحيح ما هو مشهور عندهم أي وبمعنى اقرب إذا كان الفقهاء مجمعين على فتوى في مسألة ما وصل بهذه الفتوى حد الشهرة وكانت هنالك رواية صحيحة السند عندهم تخالف تلك الفتوى المشهورة فبمن يأخذ هل بفتوى الفقهاء المشهورة ام بالرواية الصحيحة التي جاءت عن إمام معصوم ؟
لقد اسقط الفقهاء الأصوليون حجية الخبر الصحيح إذا خالف ما هو مشهور عندهم !! إلا أن السيد الخوئي اختار عدم السقوط بعد أن كان يوافق المشهور في سقوط الحجية عن الخبر الصحيح إذا كان يخالف الشهرة الفتوائية !! مصباح الاُصول – ج 2 - ص 203 .
في الحقيقة إن هنالك فرق بين الشهرة الفتوائية والشهرة العملية عند الفقهاء إذ الشهرة العملية هي الاستناد إلى العمل بالرواية عند الفقهاء وهذا الاستناد لا ينظر من خلاله إلى صحة الرواية أو ضعفها بل تكون الحجة فيه قول الفقهاء بإستثناء الصحة أو الضعف في الرواية المستند إليها في الفتوى فعن النائيني انه قال : ﴿وأما الشهرة العملية فهي عبارة عن اشتهار العمل بالرواية والاستناد إليها في مقام الفتوى وهذه الشهرة هي التي تكون جابرة لضعف الرواية وكاسرة لصحتها﴾ فوائد الأصول - ج 3 - ص 53.
أما الشهرة الفتوائية فهي شهرة لا تستند إلى رواية ولا يهم عندهم وجود الرواية من عدم الوجود حتى لو كانت هنالك رواية تخالف هذه الشهرة فهي ساقطة وان كانت صحيحة، فقد ورد في فوائد الأصول عن النائيني أنه قال : ﴿وأما الشهرة الفتوائية : فهي عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى في مسألة لا استناد إلى رواية ، سواءً لم تكن في المسألة رواية ، أو كانت رواية على خلاف الفتوى ، أو على وفقها ولكن لم يكن عن استناد إليها ، وهذه الشهرة الفتوائية لا تكون جابرة لضعف الرواية ، ... ، ولكن تكون كاسرة لصحة الرواية﴾ فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج 3 - ص 153 - 154.
وقد استدلوا على صحة الشهرة الفتوائية بقوله ﴿عليه السلام﴾ في رواية أبن حنظلة : ﴿ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكماً به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 68
نقول : إن صدر الرواية يتحدث عن ترجيح اختلاف الروايات عن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فإن من قواعد الترجيح بين الأخبار الأخذ بالمشهور من الأخبار وترك الشاذ النادر منها اما الشهرة الفتوائية فهي لا تستند إلى الروايات من الأساس كما يقول النائيني بل هي عبارة عن اشتهار فتوى عند الفقهاء وليس اشتهار خبر أو حديث حتى نطبق عليه قاعدة الشهرة فهذا تناقض عجيب .
إن من مهازل الدهر هو اسقاط كلام المعصوم وهم يعترفون بصحته سنداً وفق قواعدهم الرجالية واعلاء الشهرة الفتوائية عليه والتي صدرت من أناس فاقدي للعصمة وقولهم لا يقارن أبداً بقول المعصوم فقد جعلوا قول الفقهاء حجة ولم يجعلوا قول المعصوم حجة !!
أما الخبر الموثوق فقد اختلفوا فيه أيضاً فكثير من الرواة وثقهم بعض أصحاب الرجال وقدح بهم آخرون والنتيجة فإن خبر الموثوق وقع فيه خلاف بين الفقهاء لذلك اختلفوا في موثوقية الكثير من الأخبار .
أما الخبر الحسن فَهُم مختلفون في حجيته فقد اختار الشيخ النائيني والسيد الخوئي حجيته ((راجع: مصباح الاُصول -ج 2- ص 200)) وخالفهم كثير.
أما الخبر الضعيف فالمعروف عندهم عدم حجيته إلا أن العجب في قولهم هو ان الخبر الضعيف إذا وافق المشهور من فتاويهم فإنه يرتقي إلى مستوى الحجية ويصبح حجة يحتج بها الفقهاء !! قال البرجوردي : ﴿ أن الرواية كلما ازدادت ضعفا ازدادت قوة إذا عمل بها الأصحاب﴾ تقريرات في أصول الفقه - ص 296.

إن مسألة التلاعب في حجية الأخبار أصبحت من المسائل المكشوفة فإن فقهاء الأصوليين يقبلون الخبر إذا كان موافق لفتاويهم وان كان ضعيف قد نقله الفساق أو المجاهيل أما إذا خالف الخبر فتاويهم فإنهم يسقطونه حتى وان كان صحيح السند قد نقله لنا جملة من الإمامية العدول !!





الخبر المرسل :
ومن التقسيمات الأخرى ما يطلق عليه بالـ﴿الخبر المرسل﴾ وهو الخبر الذي لا يُذكر فيه أسماء بعض رجال السند ، كما هو الحال في بعض الروايات فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في حجية المراسيل على أقوال متعددة منها القول بعدم الحجية مطلقاً باعتبار عدم احراز وثاقة الواسطة المبهمة ومنها القول بإستثناء مراسيل جماعة عن غيرها ومنها إستثناء مراسيل الصدوق بين ما إذا عبر: قال الصادق ﴿عليه السلام﴾ وبين ما إذا عبر: روي عن الصادق ﴿عليه السلام﴾. حيث قالوا بحجية الأول دون الثاني وهذه المسألة مما لا دليل عليها شرعاً فإنها تلاعب بالألفاظ ليس إلا .




بعض المؤاخذات على طريقة الأصوليون :


1- طريقة الأصوليين فاقدة للشرعية :
إن الإصطلاح الجديد الذي وضعه العلامة الحلي - بل وحتى التقسيم الأول للأحاديث- فاقداً للشرعية حيث لم يرد في الشريعة تأيداً لها على الإطلاق وقد اثبتنا في مبحث الإجتهاد ان الشرعية يجب ان تأتي من الكتاب والسُنة لا غيرهما وقد علمنا بأن طريقة العلامة في تقسيم الأحاديث لم تستند إلى شرعية أبداً سوى استنادها إلى الإجتهاد والظن الشخصي فضلاً عن استنساخ هذه الطريقة من كتب المخالفين كما بينا ولهذا فإنها تعد من المسائل الوضعية التي لا تنسب إلى الشريعة أبداً بل إنها تنسب إلى أشخاص استحسنوا هذا الاصطلاح وراق لهم فجعلوه من الدين وهذه المسألة من المحظورات في الشريعة الإسلامية كما بينا.
وسوف نثبت من خلال البحث تناقض هذه الطريقة مع وصايا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فأنتظر .




2- طريقة العلامة والأصوليين لا تبقي من الأحاديث شيء :

إن طريقة العلامة وجمهور الأصوليين لا تبقي من أحاديثنا شيء بل تجعل أغلب الأحاديث ضعيفة ولا يصح منها الا القليل النادر مع ان أصحاب الحديث قد بذلوا جهودهم في جمع الأحاديث خصوصاً الكليني والصدوق ﴿رحمهم الله﴾ وقد بينا في بحثنا هذا ان هذه الطبقة من المحدثين كانت ملازمة للسفراء فمن البعيد جداً ان لا يعرضوا كتبهم على السفراء لتنقيحها وتصحيحها وهم على مقربة من نواب الحجة ﴿عليه السلام﴾ .
وفي هذا السياق بين المحقق البحراني في الحدائق بطلان طريقة الأصوليين التي اخترعها العلامة الحلي وشيخة أبن طاووس وذكر على بطلان اصطلاح العلامة وجوه عديدة لا يسع المقام لذكرها إلا إنه بين مسألة في غاية الأهمية وهي ان هذا الاصطلاح الجديد لو تم لما بقي في أحاديثنا شيء الا القليل وهذا نص كلامه : ﴿إنه لو تم ما ذكروه وصح ما قرروه للزم فساد الشريعة وابطال الدين ، لأنه متى اقتصر في العمل على هذا القسم الصحيح أو مع الحسن خاصة أو بإضافة الموثق أيضاً ورمي بقسم الضعيف باصطلاحهم من البين والحال أن جل الأخبار من هذا القسم كما لا يخفى على من طالع كتاب الكافي أصولا وفروعا وكذا غيره من سائر كتب الأخبار وسائر الكتب الخالية من الأسانيد﴾ الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 21 - 22.
وقال الحر العاملي في هذا المقام ما هذا نصه : ﴿أن الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحققة في زمن الأئمة ، وفي زمن الغيبة﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 260.
لقد بين الحر العاملي ان طريقة العلامة تستلزم ضعف أكثر الأحاديث التي نقلها قدماء المحدثين بل يحرم تدوينها وان شهادة هؤلاء المحدثين بصحة الأخبار التي جمعوها تعد كذباً وزوراً : ﴿أنه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث ، التي قد علم نقلها من الأصول المجمع عليها ، لأجل ضعف بعض رواتها ، أو جهالتهم أو عدم توثيقهم ، فيكون تدوينها عبثا ، بل محرما ، وشهادتهم بصحتها زورا وكذبا﴾ نفس المصدر السابق.
إن هذه المسألة تنافي وثاقة المحدثين وقد علمنا بأن الإمامية مجمعة على وثاقتهم خصوصاً من عاصر الغيبة الصغرى منهم فكيف يصح من الثقة ان يدون الأحاديث الضعيفة ويزجها مع الصحيحة إلا إذا كان على يقين بصحة أحاديثه وهذا هو الحق إلا أن طريقة العلامة ومن تابعه من الأصوليين تؤدي بنا على ضعف أغلب الأحاديث قال العاملي : ﴿أن أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قد شهدوا بصحة أحاديث كتبهم ، وثبوتها ونقلها من الأصول المجمع عليها . فإن كانوا ثقاة : تعين قبول قولهم وروايتهم ونقلهم لأنه شهادة بمحسوس . وإن كانوا غير ثقات : صارت أحاديث كتبهم - كلها - ضعيفة لضعف مؤلفيها ، وعدم ثبوت كونهم ثقات بل ظهور تسامحهم وتساهلهم في الدين وكذبهم في الشريعة . واللازم باطل فالملزوم مثله﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 265 - 264 .




3- اختلاف الاسانيد وتشابه المتون :
إن من المسائل التي تؤكد لنا صحة الكثير من الأخبار التي صنفها الفقهاء بالضعيفة هي مسألة ورود الخبر بأكثر من اسناد فقد ذكر الحر العاملي على سبيل المثال العديد من الأخبار التي جاءت بأكثر من طريق فقد نقل من الأخبار عن الشيخ الطوسي ثم ذكر السند إلى المعصوم ﴿عليه السلام﴾... ثمّ ذكر في نهاية الحديث ما نصه : ﴿ ورواه الكليني عن ...﴾ .
إن هذا التعبير في كتب الحديث يدل على ان الرواية قد جاءت بسندين مختلفين وربما أكثر فإذا فرض ضعف الحديث من الطريق الأول وصحة الحديث من الطريق الثاني فهنا يقول الفقهاء بصحة الحديث لأن ما يكفيهم صحة السند وقد تحقق في الطريق الثاني فلا ينظرون إلى الطريق الأول .
وهنا بيت القصيد حيث ان الطريق الذي زعم الفقهاء ضعفه قد نقل خبراً صحيحاً من ناحية المتن لأنه موافق للخبر الذي جاء وفق الطرق الرجالية الصحيحة وهذا مما يؤكد بأن هنالك الكثير من الأخبار التي يحسبها الفقهاء ضعيفة هي في حقيقة الأمر ليست كذلك والدليل على هذا ما ذكرناه .
إن هذه المسألة من المسائل الأخرى التي تؤكد لنا ضعف القواعد الرجالية وعدم قطعيتها في معرفة الأخبار الصحيحة من الأخبار السقيمة .



4- تصديق كلام المخالفين والتشكيك بكلام المعصوم :

إن من المسائل المهمة الأخرى والتي ذكرها العاملي في الوسائل هي ان أصحاب الأصول من الإمامية عند نقلهم لكلام أبي حنيفة وغيره يحصل لهم العلم بمجرد النقل إلا أن هذا العلم ينقلب ظناً إذا كان النقل عن إمام معصوم وهذا نص كلامه : ﴿والعجب أن هؤلاء المتقدمين بل من تأخر عنهم كالمحقق والعلامة ، والشهيدين ، وغيرهم : إذا نقل واحد منهم قولاً عن أبي حنيفة ، أو غيره من علماء العامة ، أو الخاصة ، أو نقل كلاما من كتاب معين ، ورجعنا إلى وجداننا نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه وصحة نقله ، لا الظن ، وذلك علم عادي - كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا ، والبحر لم ينقلب دما - فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم ، ولا يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن ؟ مع أنه لا يتسامح ولا يتسأهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني ، وربما يتسأهل في الأول ؟ والطرق إلى العلم واليقين كانت كثيرة بل بقي منها طرق متعددة كما عرفت . وكل ذلك واضح لولا الشبهة والتقليد ؟ !﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 258.
إن هذه المسألة توحي لنا بعظيم التأثر الذي حدث لفقهاء الإمامية بفقهاء العامة وطريقتهم في التعامل مع الأحاديث وغيرها من المسائل حتى أصبح الحال إلى أن يشككوا بالأحاديث التي تروى عن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ويطمئنوا لأحاديث العامة ! فكيف جاز لهم هذا ؟ مع العلم بأن الناقلين لأحاديث الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ أغلبهم من الإمامية ان لم نقل كلهم الا النادر اما أحاديث العامة فإن أغلبهم من المخالفين فكيف جاز لنا التشكيك بنقل المعتقدين بعقيدة الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ والاطمئنان بقول من خالف ؟ فهذه المسألة من المسائل الكثيرة التي خالف بها الإمامية وصايا الأئمة ﴿علهم السلام﴾ فقد جاء عن علي بن سويد قال : كتب إلي أبي الحسن ﴿عليه السلام﴾ وهو في السجن : ﴿... لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا ، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين ، الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ... فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكتة ، ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 150.
فكيف جاز لكم التصديق بما ينقله المخالف عن فقهاء العامة والتشكيك بما ينقله الموالي عن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ؟



5- تعامل الأصوليين مع رجال الإمامية :
إن طريقة الأصوليين الرجالية قد ضعفت العديد من رجال الإمامية الثقاة لعلة نقل بعض الأخبار التي تذم هؤلاء الافذاذ ونحن على سبيل المثال سنذكر بعض هذه الأخبار التي وردت في اقدم الكتب الرجالية فإن قالوا بصحة علم الرجال وجب عليهم الأخذ باقدم الأخبار الواردة في حال رجال الإمامية وإلا فإن التأويل والتلاعب بالألفاظ ما هو إلا سبيل الضعفاء، فأما أن يقبلوا أقدم ما كتب عن حال الرجال ويعتبروه أو ان ينكروا هذه الكتابات وهذا النكران يؤدي بطبيعة الحال إلى نكران العلم بالكلية، لأن ما كَتبه القدماء يُعتبر الأساس في هذا البنيان أو يشككوا بصحة هذه الأخبار وبالنتيجة فإنهم يشككون بصحة المدونين لتلك الأخبار فإن تدوين الموضوع من الأحاديث يُعد تدليساً للأحاديث ولهذا اعتبر المحدثون ما دونوه في كتبهم حجة بينهم وبين الله وشهدوا بصحة الأحاديث التي جمعوها .
إن أقدم الكتب الرجالية عند الإمامية هو كتاب رجال الكشي المنسوب للكشي ؛ وهو لم يصل إلينا إلا أن الشيخ الطوسي قد املاه على أحد تلاميذه في القرن الخامس الهجري تقربيا مما جعل الكتاب ينسب للشيخ الطوسي أيضاً ويسمى ﴿اختيار معرفة الرجال﴾ وهو موجود الآن في المكتبات بهذا العنوان وينسب أيضاً للشيخ الطوسي ويسمى بتسمية أخرى وهي ﴿رجال الكشي﴾ .
لقد ورد في أحاديث هذا الكتاب وكتب أخرى أخبار تذم جهابذة الأصحاب فقد ورد في هذه الأخبار ذم لشخصيات طالما عهدناها بالوثاقة وعظيم القدر وسوف نطلع فيما يلي على بعض منها :

1- زرارة بن أعين :
اختلف الفقهاء وأصحاب الرجال في تحديد وثاقة زرارة من عدمها فقد قال فيه الحائري : ﴿أجمعت العصابة على تصديقه والإنقياد له﴾ جامع الرواة - ج1 - ص324.
إلا أن الكشي وهو من اقدم فقهاء الإمامية الذين كتبوا عن الرجال نقل أخبار بذمه منها ما ذكره عن علي ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت : ﴿ ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ قال : أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم قلت : ما هو ؟ قال : هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب قال : قلت : الزنا معه ؟ قال : الزنا ذئب ﴾ اختيار معرفة الرجال – المعروف برجال الكشي - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 358.
ويروى أيضاً عن كليب الصيداوي انهم كانوا جلوساً ومعهم عذافر الصيرفي وعدة من أصحابهم معهم أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ فقال: ﴿لعن الله زرارة لعن الله زرارة لعن الله زرارة ثلاث مرات ﴾ المصدر السابق - ص361.
وروى عن ليث المرادي قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿لا يموت زرارة الا تائها﴾ المصدر السابق - ص 365.
عن عمران الزعفراني قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول لأبي بصير : ﴿يا أبا بصير وكنى أثنى عشر رجلا ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع ، لعنه الله ، هذا قول أبي عبد الله ﴾ المصدر السابق.
وروايات أخرى في قدح زرارة وذمه حاشاه من ذلك .

2- أبو بصير ليث المرادي :
حال أبي بصير في أخبار الكشي كحال زرارة حيث روى الكشي عن حماد النائب أنه قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ليطلب العلم فلم يؤذن له فقال : ﴿لو كان معنا طبق لأذن قال: فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير قال: أُف أُف ما هذا؟ قلت: هذا كلب شغر في وجهك﴾ المصدر السابق - ص 155.
وروى أنه كان يدخل بيوت الأئمة وهو جنب(المصدر السابق).
وكان يتهم الصادق ﴿عليه السلام﴾ بجمعه للمال وحبه للدنيا ومن ذلك ما رواه الكشي عن أبي يعفور أنه قال : ﴿خرجت إلى السواد أطلب دراهم للحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي قال: قلت له يا أبا بصير اتق الله وحج بمالك فإنك ذو مال كثير فقال: اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه﴾ المصدر السابق.
وروى أيضاً بأنه كان لا يؤمن بإمامة موسى بن جعفر ﴿عليه السلام﴾ ويتهمه بعدم العلم ومعرفة الأحكام(المصدر السابق).

3- محمد بن مسلم :
لم يختلف حال محمد بن مسلم عن غيره من الثقاة في أخبار الكشي فقد روى في حال محمد بن مسلم عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿لعن الله محمد بن مسلم كان يقول: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون﴾ المصدر السابق - ص155.
وروى الكشي أيضاً وعن جعفر بن محمد ﴿عليهم السلام﴾ قال عنه وعن زرارة : ﴿أنهما ليسا بشيء من ولايتي﴾ المصدر السابق - ص156.
وروي عن مفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿لعن الله محمد بن مسلم كان يقول إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون﴾ المصدر السابق - ص 394.

4- بريد بن معاوية العجلي :
وهو من أصحاب الباقر والصادق ﴿عليهما السلام﴾ وهو من الثقاة المعروفين بالوثاقة إلا إنه قد جاء في رجال الكشي عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿ لعن الله بريدا ولعن الله زرارة﴾ المصدر السابق - ص 364.
وروى عن عبد الرحيم القصير ، قال ، قال لي أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ايت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها ؟ اما علمتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : كل بدعة ضلالة . قلت له : اني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، فقال : والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر ، فاما بريد فقال : لا والله لا أرجع عنها أبدا﴾ المصدر السابق - ص 364.

5- أبو حمزة الثمالي :
لم يسلم أبو حمزة الثمالي من روايات الكشي وغيره من أصحاب الرجال حيث كُتب في رجال الكشي بأن أبو حمزة الثمالي كان يشرب النبيذ ومتهم به ، إلا إنه قال : ترك قبل موته(راجع: المصدر السابق - ج 2 - ص 455).
وروى أيضاً عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، قال : ﴿كنت أنا وعامر أبن عبد الله بن جذاعة الأزدي وحجر بن زائدة جلوسا على باب الفيل إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله : يا عامر أنت حرشت علي أبا عبد الله عليه السلام فقلت أبو حمزة يشرب النبيذ . فقال له عامر : ما حرشت عليك أبا عبد الله عليه السلام ولكن سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسكر ، فقال : كل مسكر حرام ، وقال : لكن أبا حمزة يشرب ، قال ، فقال أبو حمزة : أستغفر الله منه الان وأتوب إليه﴾ المصدر السابق - ج 2 - ص 456.
نكتفي بهذا القدر من البيان ونقول : هذا حال الثقاة في كتب أصحاب الرجال ؛ فإن أوثق الرواة وأبرزهم يتهم بهذه الاتهامات ! فكيف هو الحال من كان دونهم من الأصحاب ؟ فإن الذي ذكرناه مسطور في اقدم الكتب الرجالية وان أقل ما ذكر في أحوال هؤلاء الرواة يجعل القول بصحة مروياتهم باطلة من الأساس فإنهم على حد زعم أصحاب الرجال ملعونين على لسان الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بل عدوهم من أهل البدع والضلالات فكيف يصح في علم الرجال خبر يرويه مثل هؤلاء؟!

إن الحق يقال ان علم الرجال من العلوم الباطلة ويعطي في أغلب الاحيان نتائج باطلة خصوصاً في الظروف التي مرت بأهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وأصحابهم فالكثير من الأخبار جاءت تقية وحفاظاً على سلامة الأصحاب من كيد الاعداء فهذه من الامور التي يجب ان تأخذ بالحسبأن إلا أن أصحاب الرجال غضوا البصر عن هذا الأمر في كثير من الأخبار.
وليس ما ذكرنا فقط فالكثير من الأخبار يصعب تحديد موارد التقية فيها مما جعلهم يدونون الكثير من الأخبار التي لا تصح معتقدين بصحتها كما مر من أخبار ذم الثقاة ، فإن علموا ببطلانها لا يصح حين ذاك تدوينها وزجها في الأحاديث وان تنزلنا جدلاً فإن عليهم بيان موارد التقية فيها إلا أن الطوسي لم يفعل ذلك مما عقد الامور أكثر حتى اختلف الباقي من أصحاب الرجال في حجية هذه الأخبار فقال بعضهم بانها تقع ضمن موارد التقية وسكت فريق عنها وتحاشاها آخرون وشنع الخصوم بها على الإمامية ككل لما فيها من الذم على اساطين الأصحاب .
إن الدليل على بطلان هذه الأخبار يكمن في شذوذها عن الكثير من الروايات التي جاءت بمديح هؤلاء الثقاة حتى أصبحت وثاقتهم من الواضحات وقد أُمرنا من قبل أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بترك الشاذ النادر فتأمل .

إن الأصوليين ان قالوا بصحة علم الرجال وجب عليهم الأخذ بما رواه الشيخ الطوسي من الأحاديث الذامة لهؤلاء الافذاذ فإن الشيخ الطوسي والكشي هم اقرب إلى عصر الرواة منا فقولهم وفق العقل يجب ان يكون اولى من قولنا كما ان وثاقتهم تشهد على صدق ما ينقلوه فعلى الأصوليون توثيق أول كتاب يخص الرجال عندهم وهو كتاب رجال الكشي الذي الفه الشيخ الطوسي وكما مر بيانه.
ان من المسائل التي تجلب الانتباه عند مطالعة كتب الرجال أنك تجد قلة المتصفين بالعدالة من رجال الإمامية بل ندرتهم وهذا يستلزم ضعف جميع الأحاديث كما بينا فيما سلف .
أما المجاهيل في رجال الإمامية فحدث ولا حرج فإن السيد الخوئي على سبيل المثال في موسوعته الرجالية ترجم لـ15678 راوي ، من بينهم أكثر من 8071 مجهول هذا فضلاً عن الضعيف والكذاب والملعون ... الخ
فإذا كان أكثر من نصف رواة الحديث مجاهيل فعلى الإسلام السلام . اما الشيخ على النمازي الشهرودي في كتابه مستدركات على رجال الحديث إستدرك على أصحاب الموسوعات الثلاثة وهم المامقاني والأردبيلي والخوئي وأشار إلى المجاهيل الذين لم يذكرهم الثلاثة بعبارة ﴿لم يذكروه﴾ فتخيل أخي الكريم كم نسبة المجاهيل في رجال الإمامية وقد عد فقهاء الأصوليين خبر المجهول كالخبر الضعيف أيضاً كما فعل العامة من قبل فهذه من المسائل التي قلد بها الفقهاء طريقة العامة .
بعد أن أنصدم أصحاب الرجال بأعداد المجاهيل الهائلة وكثرة الضعفاء والملعونين وقلة العدول ذهبوا إلى توثيق أصحاب المذاهب الفاسدة واعتماد أقوالهم !!
يقول الشيخ الطوسي: ﴿كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم معتمدة﴾ الفهرست - الشيخ الطوسي - ص 32.
لم يقف الفقهاء عند هذا الحد فحسب بل ذهب جمهور الأصوليين إلى توثيق من لا إيمان لهم ومن كان يعتقد بغير عقيدة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أيضاً يقول السيد الخوئي : ﴿ أن حجية الرواية لا تتوقف على الإيمان في رواتها ، لما قررناه في محله من حجية خبر الثقة ولو كان غير الاثني عشري من سائر الفرق إذا فليكن ...﴾ كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 220.
نقول : كيف يمكن توثيق المعتقدين بغير عقيدة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وقد وصفهم الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بالخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم وكما تقدم ذكره ؟
إن هذا التوثيق لهذه الطبقات جاء بعد أن أنصدم أصحاب الرجال بما نتج عن تقسيم الأحاديث حيث ضعف أكثر الرواة ونتج عنه ندرة من يتصف بالعدالة فراحوا يوثقون من هب ودب حتى وإن كان عديم الإيمان أو مُنكِر لعقيدة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ كل هذا لأجل إبقاء راية علم الرجال خفاقة في ساحة الأصوليين .
لقد بين السيد المرتضى ضعف جميع الروايات عند التحقيق لماذا ؟ لأن رجال الروايات لم يوثقوا وذلك في قوله : ﴿فإن معظم الفقه وجمهوره بل جميعه لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة ، إما أن يكون أصلاً في الخبر أو فرعا " ، راويا " عن غيره ومرويا " عنه . وإلى غلاة ، وخطابية ، ومخمسة ، وأصحاب حلول ، كفلان وفلان ومن لا يحصى أيضاً " ذكرة . وإلى قمي مشبه مجبر . وأن القميين كلهم من غير إستثناء لأحد منهم إلا أبا جعفر بن بأبويه ﴿رحمة الله عليه﴾ بالأمس كانوا مشبهة مجبرة ، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به . فليت شعري أي رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف أو غال ، أو قمي مشبه مجبر ... ومن كانت هذه صفته عند الشيعة جأهل بالله تعالى ، لا يجوز أن يكون عدلا ، ولا ممكن تقبل أخباره في الشريعة ... وفي رواتنا ونقلة أحاديثنا من يقول بالقياس ويذهب إليه في الشريعة ، كالفضل أبن شاذان ويونس وجماعة معروفين ... فمن أين يصح لنا خبر واحد يروونه ممن يجوز أن يكون عدلا مع هذه الأقسام التي ذكرناها حتى ندعي أنا تعبدنا بقوله﴾ رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 3 - ص 310 - 317.
نعم لقد ضعف أصحاب الرجال الاعم الأغلب من رواة الحديث حتى عدوا المتصف بالعدالة بالنادر كل هذا لتخلو الاجواء من أخبار الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لكي يكونوا في الهواء الطلق لممارسة عملية الإجتهاد وفق الأصول العملية التي ابتدعها العامة وتسللت إلى الإمامية بعد غيبة ولي الله ﴿عليه السلام﴾ حتى وصل الحال بالسيد المرتضى ان يقول : ﴿ودعنا من مصنفات أصحاب الحديث من أصحابنا ، فما في أولئك محتج ، ولا من يعرف الحجة ، ولا كتبهم موضوعة للاحتجاجات﴾ المصدر السابق - ج 1 - ص 26 - 27.
نعم هكذا أصبحت كتب الحديث التي صنفها الإمامية حيث ينظر إليها نظرة الاستهزاء ولا يعار إليها ادنى اهتمام كما هو الحال فيما تقدم وكل هذا قد نشأ تحدت غطاء علم الرجال .
إن علم الرجال لو كان حقاً لكان على الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بيانه وتوضيح قواعده وقوانينه إلا أن العكس ما حدث كما سيأتينا فأنتظر .

6- النتائج التي افرزتها تقسيمات العلامة وجمهور الأصوليين :
إن نتائج التصنيف التي خرج بها الأصوليون وفق تقسيم العلامة الحلي للأحاديث واعتمادهم المطلق عليه أنهم وزنوا على سبيل المثال أحاديث الكافي بالجملة على ذلك التقسيم فنتج عن ذلك أن الكافي يشتمل على﴿16121﴾ حديث منها ﴿5072﴾ حديث صحيح و﴿9485﴾ حديث ضعيف والباقي بين موثوق وحسن وغيرها من التسميات، إلا أن ما يهمنا بيانه هو عدد الصحيح وعدد الضعيف والملاحظ بأن عدد الضعيف يساوي ضعف الصحيح تقريباً بل أكثر بكثير حيث ذكر السيد مرتضى العسكري ما هذا نصه : ﴿وقد ألف أحد الباحثين في عصرنا صحيح الكافي اعتبر من مجموع 16121 حديثاً من أحاديث الكافي 3328 حديثاً صحيحاً وترك 11693 حديثاً منها لم يراها حسب إجتهاده صحيحة﴾ معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري - ج 3 - ص 282 – 283.
وقال أيضاً : ﴿وان أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكرا وأكثرها شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني ، وقد ذكر المحدثون بمدرسة أهل البيت ان فيها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع 16121 حديث ﴾ معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري - ج 3 - ص 282.
إن محمد باقر البهبودي صاحب كتاب صحيح الكافي قد اسقط أكثر من 79% من أحاديث الكافي الشريف حسب إجتهاده !! كما يقول مرتضى العسكري وقد اسقط أصحاب الرجال من فقهاء الأصوليين أكثر من 58% من أحاديث الكافي الشريف على حسب إجتهادهم أيضاً !! وهذه طامة كبرى فهل يعقل يا أصحاب العقول ان يؤلف ثقة الإسلام الكليني وهو مجاورٌ لنواب الحجة ﴿عليه السلام﴾ كتاباً يحوي على أكثر من ﴿79% أو 58%﴾ من أحاديثه ضعيفة فإذا كان هذا صحيح يتوجب عليهم ان يسقطوا لقب ثقة الإسلام عن الشيخ الكليني حيث لا يمكن أن يسمى شخص بالثقة وقد ملئ أكثر من ثلاثة ارباع كتابه بالأحاديث الضعيفة !! فكيف يستقيم هذا الأمر مع وثاقة الشيخ الكليني ؟
إن وثاقة الشيخ الكليني ﴿رحمة الله﴾ من الثوابت التي لا تشوبها شائبة ولا يحتاج هذا الجبل الاشم إلى توثيق أصحاب الرجال أبداً بعد أن عرفنا مكانته وعظيم منزلته في بحثنا هذا وقد ذكرنا ما بذله من الجهود الجبارة وعلى طوال أكثر من عشرين عاماً في تأليف كتابه الشريف اضافةً إلى قربه من سفراء الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ مما يعطيه ميزة أخرى تؤكد لنا صدق الأحاديث التي جمعها في كتابه الشريف أما إجتهاد القوم في تضعيف هذه الأخبار فإنه لا يعد في شيء لأن هذا الإجتهاد مبني على قواعد استحسنها القوم بعقولهم لا تمت إلى الشريعة بشيء أبداً بل هي على النقيض لوصايا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كما سيأتي فتأمل .






موقف الأخباريين من تقسيم الأحاديث :

هاجم الأخباريون وعلى رأسهم المولى محمد امين الاسترابادي العلامة الحلي بسبب تقسيمه للأحاديث إلى الأنواع الاربعة التي ذكرناها حيث لم يكن هذا التقسيم موجوداً قبل العلامة الحلي وشيخه أبن طاووس مما جعل المولى الاسترابادي وجمهور الأخباريين يعارضون هذا التقسيم الموضوع بعد أن قبله فقهاء الأصوليين إلى يومنا هذا وجعلوه دستوراً في معرفة الأحاديث وقد علق الاسترابادي على هذا التقسيم قائلاً : ﴿إعلم أن تقسيم الحديث إلى أقسامه المشهورة كان أصله من غيرنا، ولم يكن معروفا بين قدماء علمائنا ، ... وأول من استعمل ذلك الاصطلاح العلامة الحلي، فقسم الحديث إلى الصحيح والحسن والموثق والضعيف والمرسل وغير ذلك، وتبعه من بعده إلى اليوم﴾ أعيان الشيعة- محسن الامين- ج ٥ - ص ٤٠١.
وقال الحر العاملي في الوسائل ما نصه : ﴿الاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم ، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع ... وقد أمرنا الأئمة عليهم السلام باجتناب طريقة العامة ﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 259.
وقال أيضاً : ﴿أن هذا الاصطلاح مستحدث في زمان العلامة ، أو شيخه أحمد أبن طاووس كما هو معلوم ، وهم معترفون به . وهو إجتهاد وظن منهما فيرد عليه جميع ما مر في أحاديث الاستنباط ، والإجتهاد ، والظن في كتاب القضاء وغيره . وهي مسألة أصولية لا يجوز التقليد فيها ولا العمل بدليل ظني ، اتفاقا من الجميع ، وليس لهم هنا دليل قطعي ، فلا يجوز العمل به . وما يتخيل - من الاستدلال به لهم - ظني السند أو الدلالة ، أو كليهما ، فكيف يجوز الاستدلال بظن على ظن ، وهو دوري ؟ ! مع قولهم عليهم السلام : شر الأمور محدثاتها﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 261.
وقد ذكر صاحب ﴿المنتقى﴾ : ﴿أن أكثر أنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث بين المتأخرين من مستخرجات العامة، بعد وقوع معانيها في أحاديثهم ، وأنه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا﴾ منتقى الجمان - ج 1 - ص 10.
بعد أن رفض الأخباريون طريقة العلامة في تقسيم الأحاديث قاموا ببيان عقيدتهم حيث قالوا بصحة جميع الأخبار خصوصاً الواردة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب الأخرى واعتبروها قطعية الصدور عن المعصوم ﴿عليه السلام﴾ ولهم في هذا الاعتقاد أدلة طرحوها في كتبهم منها ما ذكره الحر العاملي في الفائدة التاسعة في ذكر الأدلة على صحة أحاديث الكتب المعتمدة في كتابه وسائل الشيعة حيث ذكر اثنان وعشرين وجه استدل ببعض هذه الوجوه على صحة الكتب الاربعة وقطعية صدور رواياتها عن المعصومين ﴿عليهم السلام﴾ وكان دليله في قوله : ﴿شهادة الشيخ ، والصدوق ، والكليني ، وغيرهم من علمائنا بصحة هذه الكتب والأحاديث ، وبكونها منقولة من الأصول والكتب المعتمدة . ونحن نقطع - قطعا ، عاديا ، لا شك فيه - : أنهم لم يكذبوا ، وانعقاد الإجماع على ذلك إلى زمان العلامة ﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 258.
إننا بكلامنا هذا لا نشكك في صدق المحدثين إلا إنهم يبقون بشر غير معصومين عن الخطأ والسهو فمن الممكن جداً صدور الخطأ من هؤلاء المحدثين إلا إننا لا نرفع الوثاقة عن الذين عاصروا السفراء منهم فإنهم فوق مستوى الشبهات إلا إنهم غير معصومين فلا بد من التحقق من صحة الأخبار التي جمعوها وفق القواعد الشرعية التي سنها أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ والتي سوف نبينها، فلعلهم قد غفلوا عن بعض الأحاديث إلا أن الغفلة والخطأ إذا وجد في كتبهم فإنه لا يصل إلى ما ذكره الأصوليون بحيث عدوا أكثر الأحاديث التي جمعوها ضعيفة بل اننا نقول : ان نسبة الصحة بهذه الأحاديث أكثر بكثير مما قاله الأصوليون بل ان الضعيف هو النادر من بين الأحاديث كما ان طريقة الأخباريين لا تخلوا من الخطأ أيضاً حين عدوا جميع ما ورد في الكتب الاربعة وغيرها بالصحيح .
ومن المسائل الأخرى التي اثارت الإشكال بين الفريقين هي مسألة ذكر السند في الأخبار والروايات فقد عبر الأخباريون عن العلة من ذكر السند في الأحاديث والتي اعتمدها المحدثون بانها مماشاة للعامة وقد ذكر هذا الأمر العاملي بقوله : ﴿والفائدة في ذكره مجرد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانية ودفع تعيير العامة الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة ﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص258.
إن مسألة ذكر السند في الأحاديث تبقى من المسائل المحترمة وليس كما قال العاملي والدليل على هذا ما رواه المفيد عن الباقر ﴿عليه السلام﴾ أنه سُئل عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال : ﴿إذا حدثت الحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي عن جدي عن أبيه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل﴾ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - ص 167.
إلا أن هذه المسألة ليست هي الكل بالكل أبداً ولهذا السبب لم يذكرها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ من جملة القواعد التي تراعى في معرفة صدق الحديث بل ان الذي يكفي في المسألة وثاقة المصنف لتلك الأخبار كالكليني والصدوق أما مسألة تعيير العامة فهذه من المؤاخذات على الأخباريين إذ كيف جاز لهم كما يدعون السير بما يرضي العامة وقد أُمرنا كما ذكروا هم أنفسهم في أكثر من مقام بمخالفتهم بل أنهم شنعوا على العلامة وطريقة الأصوليين في تقسيم الأحاديث بانهم ساروا على ما سار عليه العامة وها هم أيضاً يذكرون الاسناد مماشاة للعامة !!



تدوين الأحاديث الضعيفة والموضوعة يعد تدليساً :

إن مسألة تدوين الأحاديث الضعيفة والموضوعة هي من المسائل التي تدعوا إلى رفع الوثاقة عن المدونين لتلك الأحاديث لأنهم على منزلة كبيرة من العلم فلا بد أنهم على علم بكذب هذه الأحاديث فإذا صح هذا يصح تدليسهم للأحاديث وهذا ممتنع عند الأخباريين والأصوليين فقد ثبتت وثاقتهم عند الجميع ولهذا فإنهم بعيدين عن التدليس خصوصاً وانهم قد شهدوا على صحة الأحاديث التي جمعوها وقد ذكر أحوالهم جملة من الفقهاء منهم الحر العاملي في قوله : ﴿وقد علمنا : أنهم لم يقصروا في ذلك ، ولو قصروا لم يشهدوا بصحة تلك الأحاديث ، بل المعلوم من حال أرباب السير والتواريخ : أنهم لا ينقلون من كتاب غير معتمد مع تمكنهم من النقل من كتاب معتمد فما الظن برئيس المحدثين ، وثقة الإسلام ورئيس الطائفة المحقة ؟ ؟ ؟ ثم نقلوا من غير الكتب المعتمدة كيف يجوز - عادة - أن يشهدوا بصحة تلك الأحاديث ؟ ويقولوا : إنها حجة بينهم وبين الله ؟ ومع ذلك يكون شهاداتهم باطلة ولا ينافي ذلك ثقتهم وجلالتهم ؟ ؟ هذا عجيب ممن يظنه بهم .﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص 253.

إن فترة الشيخ الكليني والشيخ الصدوق كانت تتمتع بوجود النواب عن الحجة ﴿عليه السلام﴾ ولهذا السبب فإن كتبهم اقوى بكثير من كتب الشيخ الطوسي لعلة اللقاء بالنائب وإمكان التحقق من صحة الأحاديث اما فترة الشيخ الطوسي فكانت فاقدة لهذه الميزة ولذلك فقد رد على أحاديث الشيخ جملة من الأخباريين وقالوا بأن الشيخ الطوسي قد وقع في كتابه التهذيب في السهو والغفلة والتحرف والنقصان في متون الأخبار وقلما يخلو خبر من علة من ذلك حتى أن كثيراً ممن يعتمد في المراجعة عليه ولا يراجع غيره من كتب الأخبار ، وقعوا في الغلط أيضاً .((راجع: لؤلؤة البحرين - ص 293 – 298))
إننا نحب أن نبين هنا بأن الأحاديث التي كتبها قدماء المحدثين تتمتع بالقوة إلا إنها ليست كما يتصور البعض بانها على درجة من الصحة تغنينا عن التحقيق فيها إلا أن الخلاف ليس هذا بل الخلاف في طريقة التحقيق وهذا ما سنبينه فأنتظر .
طريقة قدماء المحدثين تخالف الأصوليين والأخباريين :
إن طريقة القدماء كانت تختلف عن الطريقة التي استحدثها العلامة والشاهد على هذا الاختلاف أن قدماء المحدثين كانوا يعتمدون على الأحاديث الضعيفة وفق قواعد العلامة وبنفس الوقت قد اسقطوا الأخبار الصحيحة في عرف العلامة وقد تحدث الحر العاملي عن طريقة القدماء قائلاً : ﴿كثيراً ما يطرحون الأحاديث الصحيحة عند المتأخرين ويعملون بأحاديث ضعيفة على اصطلاحهم ... وكثيراً ما يعتمدون على طرق ضعيفة مع تمكنهم من طرق أخرى صحيحة كما صرح به صاحب المنتقى وغيره وذلك ظاهر في صحة تلك الأحاديث بوجوه أخر من غير اعتبار الأسانيد ، ودال على خلاف الاصطلاح الجديد﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 30 - ص257.

فإذا كانت طريقة العلامة وجمهور الأصوليين صحيحة وهي الحجة في معرفة الأحاديث فما الذي دعا قدماء المحدثين إلى العمل بخلافها ؟ بل بنقيضها ! كما تقدم في قول العاملي ، حيث كان القدماء يسلكون الطرق الضعيفة على حسب اعتقاد العلامة والأصوليون ويتركون الطرق التي عدها العلامة بالصحيحة، فإذا كانت هذه الطرق التي سنها العلامة حجة كان يجب أن يُعمل بها من قبل الكل، إلا أن الحقيقة تتبين عند البحث والتحقيق وقد ثبت من خلال البحث بأن طرق العلامة وأبن طاووس ما هي إلا إجتهاد واستحسان من قبلهم ثم تبعهم بعد ذلك جمهور الأصوليين دون تدبر وتمعن وهذا إن دل على شيء إنما يدل على تقليد الرجال دون فحص لأقوالهم وهذا مما لا يرضاه رب العالمين فكيف رضيتم به لأنفسكم وقد شهد الكتاب أن التقليد بهذا المعنى مرفوض خصوصاً إذا علمنا بأن هذه المسألة أصولية يجب التحقيق فيها عند الأصوليين إلا أن العكس ما صنعوه فقد سلكوا مسلك العامة في الأصول والفروع فراحوا يصنفون الأحاديث وفق تصنيفات المخالفين ناسين أو متناسين وصايا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بمخالفة أهل السُنة فأين هذه الوصايا من هذه الأفعال التي صدرت في أعقاب غيبة ولي الأمر ﴿عليه السلام﴾ .
إن طريقة القدماء تخالف ما عليه الأخباريين أيضاً فإذا كانت كل الأحاديث صحيحة كما ذكروا فكيف جاز لهم ان يتركوا بعض الأحاديث وعملوا ببعض كما قال العاملي نفسه فإذا كانت الأحاديث صحيحة بجملتها فلماذا ترك القدماء بعضها وعملوا بالبعض الآخر يا ترى ؟

إن من المسائل الأخرى التي تؤكد لنا وجود الأحاديث والروايات الموضوعة في تلك الأخبار هو ما اورده القدماء من القواعد الشرعية التي أوصانا بها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لمعرفة صحة الحديث من عدمه فإذا كانت جميع الأخبار صحيحة فما فائدة ذكر هذه القواعد إذا لم يعمل بها وكيف يعمل بها والأحاديث بجملتها صحيحة كما قال الأخباريون !!



الطريقة الوسطى بين الأخباريين والأصوليين :
لقد اشتهرت القواعد التي سنها العلامة حتى غالى بعض الفقهاء في اعتمادهم على هذه القواعد فعرض جميع الأخبار والأحاديث عليها فعدوا مثلاً أحاديث من السيرة لا يصدق محتواها ولا يمكن ان تقع في الواقع بموجب هذا الميزان صحيحة كما ضعف هذا التقسيم العديد من الأحاديث الصحيحة التي عمل بها الأصحاب في زمن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وفي زمن النواب أيضاً وقد صحح هذا التقسيم أيضاً العديد من الأحاديث المتناقضة ناسين أو متناسين النسخ في الأحاديث مما جعلهم يعتقدون بصحة الناسخ والمنسوخ ! كما ضعف هذا التقسيم أحاديث تشابهت من حيث المتن بأحاديث أخرى صنفت بنفس هذا الميزان بالصحيحة وكما ذكرنا .
اما جانب الأخباريين فقد غالى فقهائهم أيضاً حين قالوا بصحة جميع ما ورد في الكتب الاربعة وما شاكلها من كتب الحديث .
إن الحق يقال لقد وقع كلا الجانبين الأخباري والأصولي في تهافت عجيب لا يصح ان يصدر من أناس قضوا سنين العمر في التعلم والتعليم، فقد ابتعدوا عن الصواب في معرفة الحديث فالأصوليين وضعوا هذا التقسيم وفق عقولهم وآرائهم الشخصية حيث وكما ذكرنا لم يرد فيه نص صريح يدل على شرعية هذا التقسيم للأحاديث، أما الأخباريين فقد ابتعدوا عن الصواب حين صرحوا بصحة جميع الأحاديث الواردة في كتب الحديث وفي تلك الأحاديث ما يدل على كثرة الكذابين والوضاعين المحسوبين من جملة أصحاب الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ .


كيفية معرفة الحديث الصحيح :

لقد وضع أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ القواعد والقوانين التي تُعرّفنا على صحة الحديث من كذبه وقد نقل لنا جمهور المحدثين هذه القواعد التي سنذكرها سائلين المولى عز وجل التوفيق والسداد :



1- الدين لا يعرف بالرجال :
إن من أعظم الطعون على علم الرجال هو قول أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ حين سُئل عن اختلاف الشيعة فقال : ﴿إن دين الله لا يعرف بالرجال ، بل بآية الحق ، فاعرف الحق تعرف أهله ، إن الحق أحسن الحديث ، والصادع به مجاهد وبالحق أخبرك فأرعني سمعك ﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 135.
وقال أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ : ﴿الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله﴾ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 31.
إن لقول أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ معاني عديدة إذ ان الرجال مهما بلغوا في العلو والكمال فإنهم غير معصومين عن الخطأ والسهو فإن صدق الحديث يعرف بالقرائن الدالة على صدقه ولا يعرف بمعرفتنا للرجال كما فعل الأصوليون حين وضعوا طريقتهم الرجالية .
إن قول أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ وحده ينسف الطريقة الرجالية بالجملة ولا يبقي من اركانها شيء أبداً فإن القول بتوقف معرفتنا على صدق الحديث على معرفتنا بحال الرجال منافي لما ذكره أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ من الأساس فليت شعري أعلموا هذا القول أم لا أم غضوا عنه البصر وتغافلوا عن وصايا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كما تغافلوا عن وصايا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بحرمة الإجتهاد وحرمة متابعة العامة وغيرها من الامور .



2- عرض الأحاديث على الكتاب والسُنة :
إن القاعدة الثانية في علم الحديث والتي سنها النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ثم أكد عليها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في أكثر من حديث وخبر جاء عنهم هي عرض الأحاديث والأخبار على الكتاب والسُنة الشريفة حيث جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : خطب النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بمنى فقال : ﴿أيها الناس ما جاء كم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاء كم يخالف كتاب الله فلم أقله﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 69.
كما جاءت الأخبار عن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لتؤكد لزوم عرض الأحاديث على الكتاب والسُنة الشريفة ليعرف ما يوافقهما فيأخذ به فقد جاء عن الحسن بن الجهم ، عن الرضا ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، فقال : ﴿ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منا ...﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 121.
إن هذه القاعدة من أهم القواعد في معرفة صدق الحديث من عدمه ولهذا قال المحقق البحراني بعدم الحاجة إلى طرق الأصوليين واكتفائه بهذه القاعدة لمعرفة صدق الحديث وذلك في قوله : ﴿أنه لا ضرورة تلجئ إلى اصطلاحهم ، لأنهم ﴿عليهم السلام﴾ قد أمرونا بعرض ما شك فيه من الأخبار على الكتاب والسُنة فيؤخذ بما وافقهما ويطرح ما خالفهما ، فالواجب في تمييز الخبر الصادق من الكاذب مراعاة ذلك ، وفيه غنية عما تكلفوه ، ولا ريب أن إتباع الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ أولى من إتباعهم﴾ الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 16.
نعم إن إتباع الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ اولى من إتباع غيرهم فَهُم أولي الأمر وأهل الذكر الذي أُمرنا بسؤالهم ومعرفة الدين لا تتم إلا بهم فَهُم النعمة التي انعم الله بها عليها .
لقد وصف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ الفقهاء في أقوالهم بانهم المتمسكون بسُنة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فقد جاء عن أبأن بن تغلب ، عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ أنه سُئل عن مسألة فأجاب فيها ، قال : فقال الرجل : إن الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال : ﴿يا ويحك وهل رأيت فقيها قط ؟ ! إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسك بسُنة النبي صلى الله عليه وآله﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 70.
فعلى الفقهاء التمسك بسُنة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ومن السُنة عرض الأحاديث على الكتاب والسُنة الشريفة لا عرضها على أحوال الرجال كما فعل العامة .



3- المحكم والمتشابه في الأحاديث :

ومن القواعد الأخرى التي يجب الاهتمام بها هي معرفة المحكم من المتشابه وتمييزه في أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ومعرفة كيفية التعامل مع هذه النوعية من الأخبار حيث جاء عن الرضا ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ ، ثم قال ﴿عليه السلام﴾ : ﴿إن في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 115.

إن هذه المسألة من المسائل الخطرة جداً حيث يجب علينا تمييز المحكم من المتشابه في أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لكي يؤخذ المحكم ويعمل به بعد الإيمان به أما المتشابه فيجب ان لا يعمل به طبعاً بعد الإيمان به أيضاً فقد ورد عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿ إن القرآن فيه محكم ومتشابه فاما المحكم فنؤمن به فنعمل به وندين به واما المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به وهو قول الله تبارك وتعالى فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم﴾ بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - ص 223.
إن هذه المسألة مما لا يلتفت إليه في علم الحديث فقد غُض البصر عنها كما هو الحال في أغلب القواعد فإن اهتمام القوم منصب على معرفة أحوال الرجال وطبقات الرواة فإن مثل هذه المسائل لا تولى ادنى اهتمام كما هو الحال في كتب الأصوليين .



4- الناسخ والمنسوخ في الأحاديث :
كما ذكرنا المحكم والمتشابه في أحاديث الرسول وأهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ فإن في أحاديثهم ناسخ ومنسوخ أيضاً فقد جاء عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ لا يتهمون بالكذب ، فيجيئ منكم خلافه ؟ قال : ﴿إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 64 – 65
إن مسألة الناسخ والمنسوخ من المسائل التي دعت إلى الاختلاف في الأحاديث إلا أن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بينوا الطريقة السليمة لمعرفة الناسخ من المنسوخ في الأحاديث فقد جاء عن المعلى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ ؟ فقال : ﴿خذوا به حتى يبلغكم عن الحي ، فإن بلغكم عن الحي فخذوا قوله ﴾ ... وفي حديث آخر ﴿خذوا بالأحدث﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 67 / وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 109
وجاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال لأحد الأصحاب : ﴿أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ ؟ قال : قلت : كنت آخذ بالأخير ، فقال لي : رحمك الله﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 67
إذن فعلينا ان نتحرى الأحاديث التي يشملها قانون النسخ وخير طريقة هي الأخذ بالأحدث من أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ .



5- عدالة الراوي ليست حجة قطعية على صدق الحديث :
إن مسألة حجية الخبر عند الأصوليين تتوقف بالدرجة الأساس على عدالة الراوي إلا إنهم حين انصدموا بقلة العدول في رواة الإمامية ذهبوا لتوثيق العديد من الرجال الذين اتصفوا بصفات ذميمة مثل انعدام الإيمان أو اعتناق المذاهب الفاسدة والمنحرفة كل هذا ليجعلوا شرعية لعلم الرجال حتى يندفع بذلك تعيير العامة !!
إن مسألة حجية الخبر عند الأصوليين أصبحت لا تتوقف على عدالة الراوي بل ان خبر الثقة أصبح حجة يحتج بها عندهم وقد بينا فيما تقدم من هم الثقاة عند الأصوليين إلا أن ما يهمنا بيانه الآن هو ما اعطاه الأصوليون لخبر الثقة من الحجية المطلقة وكأنه من أوامر الله ، حيث اعتبروا قوله حجة دون ان يراعى الخطأ أو الشذود عند الثقة ، حيث قال السيد محمد باقر الصدر ما هذا نصه : ﴿والثقة وإن كان قد يخطئ أو يشذ أحياناً ولكن الشارع أمرنا بعدم إتهام الثقة بالخطأ والشذوذ واعتبر روايته دليلا وأمرنا بإتباعها ، دون أن نعير احتمال الخطأ أو الشذوذ بالا ﴾ المعالم الجديدة للأصول - السيد محمد باقر الصدر - ص 9.
إن هذا الكلام ليس عليه دليلاً من الأحاديث الشريفة أو الآيات القرآنية ولم يقدم السيد الصدر الدليل على أمر الشارع هذا بل ان في روايات الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ما ينافي ويعارض هذا الكلام بالجملة فقد جاء عن أبن أبي يعفور انه قال : سألت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ؟ قال : ﴿إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاء كم به أولى به﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 69 /وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 110/ ورواه البرقي في المحاسن.
إن هذا الخبر ينسف القواعد الرجالية نسفاً حيث سُئل الإمام عن خبر الثقة وخبر فاقد الوثاقة فلم يقل الإمام بأن خبر الثقة هو الصواب ولم يأمرنا بالأخذ بكلام الثقة باعتباره دليلاً دون أن نعير لاحتمال الخطأ أو الشذوذ بالا كما يقول السيد الصدر بل ان الإمام ﴿عليه السلام﴾ أمرنا بعرض خبر من نثق به وخبر من لا نثق به على كتاب الله وسُنة نبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فإن وجدنا شاهداً له من كتاب الله تعالى أو قول نبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ كان حقاً علينا تصديقه وإلا فالذي جاءنا به أولى به إن كان ثقة أو لا وهذا الأمر على العكس تماماً لما ذهب إليه السيد الصدر وجمهور الأصوليين .
لقد بين لنا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ اربعة طبقات من الرواة ليس لهم خامس وهؤلاء الاربعة هم الذين ينقلون كلاما يخالف الحق أو ما يسمى خبرهم عند الأصوليين بالضعيف ، إلا أن مصداقهم لا يتوافق مع المصداق الذي فرضه الأصوليون في تقسيمهم للحديث حيث فرضوا ان الخبر الضعيف ما كان ناقله مجروح بالفسق أو مجهول الحال أو وضاع للحديث وهذا خلاف لما ذكره أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ لسُليم بن قيس الهلالي حين سأل أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ عن السبب باختلاف حديث الناس عن حديثه وحديث أصحابه كسلمان والمقداد وأبي ذر فأجاب أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ قائلاً : ﴿ قد سألت فافهم الجواب . إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كذب على رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده ، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب ، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه ، وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل : " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 62 - 64.
لقد بينا فيما تقدم صعوبة الكشف عن هذه النوعية من الرواة فإن مسألة النفاق من المسائل التي أخفيت عن انظار الناس ولم يُعرف أصحابهم في العلن الا نادراً وقد ذكرنا بأن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ كان لا يعلمهم بنص القرآن الكريم فكيف بنا ونحن دون رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ في العلم والمعرفة بل لا توجد أي مقارنة بيننا وبينه من هذا الوجه .
فإن كان جميع المنافقين معروفين لكان من السهل على سُليم بن قيس معرفتهم وتجنب كلامهم وهو من العقلاء إلا إنه وبحسب ظاهر الحديث كان لا يعلمهم ولا يعلم كذبهم والا لماذا سأل الإمام عن اختلاف الحديث ؟ ولماذا بين الإمام لسليم هذه النوعية من الرواة ؟
أما النوع الثاني من الرواة الذين ينقلون كلاما غير صحيح فقد ذكرهم أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في قوله : ﴿ .. ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمد كذباً فهو في يده ، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه﴾ المصدر السابق.
وهنا لنا وقفه أخرى مع هذه النوعية الثانية من الرواة والغريب ان هذه النوعية من الثقاة ولكنهم توهموا حين سمعوا من رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فنقلوا للناس وهمٌ ، والدليل على انه ثقة هو قول الإمام عنه : ﴿ولم يتعمد كذبا﴾ وقوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ولو علم هو أنه وَهَمَ لرفضه﴾ وهذان الأمران يدلان على ثقة هذه النوعية من الرواة فكيف يقبل السيد الصدر هذه النوعية ولا يعير لتوهمهم بالاً ؟!
ولعل سائل يسأل فيقول : كيف يستطيع السيد الصدر معرفة توهم الراوي الثقة ؟ نقول : يتوجب على من يدعي الاعلمية أن يكون قادراً على عرض الرواية على القواعد الشرعية التي أُمرنا بها من قبل أهل الذكر ﴿عليهم السلام﴾ فإذا كان الجواب لا يستطيع ذلك إذن فهو ليس بأعلم بل يكون مصداق الأعلم هو من يستطيع معرفة الروايات الصحيحة من خلال عرضها على القواعد الشرعية التي أُمرنا بإتباعها لكي .

أما النوعية الثالثة من الرواة الذين ينقلون كلاماً غير صحيح فقد بين أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ هذه النوعية في قوله : ﴿ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه ﴾ الكافي – الشيخ الكليني- ج 1 - ص 62 – 64.
وهذا النوع من الرواة أيضاً ثقة ولكنه سمع المنسوخ من الأحاديث وحفظه ولم يسمع الناسخ لكي يعلم ببطلان قوله ولو علم ان ما في يديه منسوخ لرفضه وهذا الرفض يدل على وثاقة هذه النوعية من الرواة وتورعهم من الكذب والافتراء فهل لنا ان نسمع كلام هذا الثقة ولا نرده كما يقول السيد الصدر.

ويكمل مولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في تعداد الرواة فيصل إلى الراوي الرابع والاخير فيقول : ﴿وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال الله عز وجل في كتابه : " ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا " فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا . ﴾ الكافي – الشيخ الكليني- ج 1 - ص 62 – 64.
ومن قول أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ نفهم وثاقة هذا النوع من الرواة بل أنه مؤكد في وثاقته ولكنه لم يستطع فهم كلام رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ على وجهه الصحيح فكلام رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وأهل بيته ﴿عليهم السلام﴾ عام وخاص وقد وصف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ من يعرف وجوه كلامهم بانه افقه الناس فقد جاء عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إن الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ، ولا يكذب﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 117.
إن النتيجة التي نخرج بها من صفة الراوي الرابع انه ثقة بل ومؤكد الوثاقة إلا إنه لم يستطع فهم الكلام على الوجه الصحيح حيث خلط بين العام والخاص وبالنتيجه ان كلام هذا الثقة غير صحيح أيضاً ويحتاج للفحص والتدقيق وفق القواعد الشرعية وكما أمرنا محمد وآل محمد ﴿عليهم السلام﴾ ان نتبعة في ديننا وعقيدتنا .

إن هؤلاء الرواة الذين تحدث عنهم أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ هم الذين ينقلون روايات وأحاديث غير صحيحة فهم اربعة لا خامس لهم وهؤلاء الاربعة ثلاثة منهم ثقاة وواحد منهم كذاب أي ان نسبة الثقاة الذين ينقلون كلاما غير صحيح هي نسبة 75% من جملة الروايات الغير صحيحة فكيف يصح ان نأخذ بكلام الثقة دون ان نعير لاحتمال الخطأ والشذوذ بالاً ؟
وقد يشتبه البعض ويقول : إن الرواة لم يبقى فيهم راوي ينقل لنا خبراً صحيحاً ؟ نقول : إن الرواة الاربعة الذين ذكرهم أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في كلامه هم من ينقلون الحديث الخطأ وهم غير الذين ينقلون الحديث الصحيح ولو رجعنا إلى بداية الرواية لوجدنا ان سُليم بن قيس قد سأل أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ عن سبب الاختلاف بين حديث الناس من جه وحديثه ﴿عليه السلام﴾ وحديث أصحابه كسلمان والمقداد وأبي ذر من جهة أخرى فأجاب أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ قائلاً : ﴿ وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس﴾ أي ان ماسمعته يا سُليم من الحديث الذي يتناقله الناس والذي يخالف قول أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ وأصحابه قد خرجت هذه الأحاديث المخالفة للحق من اربعة رواة ليس لهم خامس والحق كما مر هو في قول أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ وأصحابه والرواة الاربعة الذين ليس لهم خامس هم الناس الذين ينقلون الأحاديث الغير صحيحة .

وبعد ما تقدم من البيان يتبين لنا وبشكل واضح ان وثاقة الراوي ليست حجة قطعية على صدق الحديث كما زعم الأصوليون ذلك وعدوه من الثوابت التي لا نقاش فيها فقد ثبت بأن الثقة يتوهم ويجهل الناسخ من المنسوخ ويخلط بين العام والخاص فكيف بعد كل هذا البيان أن نأخذ بكلام الثقة دون ان نعطي الخطأ والشذوذ ادنى اهتمام .


6- مخالفة العامة :
ومن القواعد الأخرى التي وضعها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ عند اختلاف الأحاديث هي عرض الأحاديث على ما ذهب إليه العامة فالحديث الذي يوافق مذهبهم يترك والذي يخالفهم يؤخذ به وعلى هذه القاعدة جاءت العديد من الأخبار منها ما روي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قال الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ إذا ورد عليكم حديثان مختلفإن فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 118.
وجاء عن علي بن أسباط قال : قلت للرضا ﴿عليه السلام﴾ : يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، قال : فقال : ﴿ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 115 – 116.
إن هذه القاعدة ليست هي القاعدة الاولى في معرفة الحديث حيث إننا إذا وجدنا حديثين مختلفين لا يمكننا أن نعرضهما على أقوال العامة مباشرةً بل لا بد من عرضهما على كتاب الله وسُنة نبيه في أول الأمر فإن لم نجد بعد علمنا بالناسخ والمنسوخ والمحكم والتشابه من الأحاديث وجب علينا في هذه الحالة ان نعرضهما على أخبار العامة ونأخذ حين ذاك بخلافهم .
أما الدليل على صدق الحديث إذا خالف العامة فإن ذلك يرجع لمخالفتهم لأهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ولذلك اطلق عليهم تسمية المخالفين لأنهم كانوا يخالفون الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في كل شيء ولذلك فإن في خلافهم الرشاد وعلى هذا المعنى جاءت الأخبار عن آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ .
منها ما جاء عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟﴾ فقلت : لا أدري فقال : ﴿إن عليا ﴿عليه السلام﴾ لم يكن يدين الله بدين ، إلا خالفت عليه الأمة إلى غيره ، إرادة لابطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم ، جعلوا له ضدا من عندهم ، ليلبسوا على الناس﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 116.
ولأفعال العامة هذه شواهد عديدة لا يسع المقام لذكرها نختصر منها ما كان يقوله أبا حنيفة عن مخالفته للأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في قوله : ﴿ قال علي عليه السلام وأنا أقول خلافاً لقوله وحكى عنه أنه كان يقول خالفت جعفر بن محمد في جميع أقواله وفتاواه ولم يبقى الا حالة السجود فما أدري أنه يغمض عينيه أو يفتحها حتى أذهب إلى خلافه وأفتي الناس بنقيض فعله﴾ الكشكول – يوسف البحراني – ج3 – ص 46 /فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 1 - ص 615.
ولهذا السبب كان في خلافهم الرشاد إلا أن الأصوليين كما ذكرنا في أكثر من مقام أصبح الأمر عندهم على العكس تماماً حيث انهم اخذوا أكثر اعتقادات العامة وأصولهم الفقهية وزجوها في كتبهم زعماً منهم بأن العقل هو الحكم في هذه الأصول متناسين أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بمخالفة العامة وبُعد العقول عن اصابة الأحكام والأصول .





7- خروج الأحاديث تقية :
إن الظروف التي مرت على أهل بيت النبوة ﴿عليهم السلام﴾ كانت على أعلى مستويات الاضطهاد والظلم مما جعل الانظار والعيون تتلفت من حولهم وعلى طول حياتهم الشريفة ولذلك فإنهم كانوا يفتون الناس في بعض الاحيان بشيء من التقية فقد جاء عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ قال : قال لي : ﴿يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشيء من التقية ؟﴾ قال : قلت له : أنت أعلم جعلت فداك ، قال : ﴿إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجرا﴾ . وفي رواية أخرى : ﴿إن أخذ به أوجر ، وإن تركه والله أثم﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 65.
لقد وضع الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ قانوناً لمعرفة الأحاديث التي خرجت وفق ظروف التقية حيث جاء عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية ، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 123
إن المقصود بالناس في الخبر هم من خالف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فما خرج من الأحاديث موافق لما عليه المخالفون ففيه تقية أما حكم هذه الأحاديث من ناحية العمل بها فقد صرح الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بجواز العمل بالأحاديث التي خرجت تقية فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿لا يسع الناس حتى يسألوا ، ويتفقهوا ويعرفوا إمامهم ، ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كان تقية﴾ المصدر السابق - ص 110 - 111.

إن الأحاديث التي خرجت من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لا يمكن أن يكون بها معصية لله تبارك وتعالى لأنه لا يمكن أن يعصى الله بحجة التقية ولهذا السبب كان العمل بأحاديث التقية جائز .



8- العمل بالمشهور :
إن من القواعد الشرعية لترجيح الأحاديث المتعارضة هي قاعدة العمل بالمشهور وترك الشاذ من الأحاديث فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿... ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكماً به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه...﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 67.
إن المجمع عليه في الأحاديث هي الأحاديث التي ينقلها أكثر من شخص حتى يصل الحال إلى حد الشهرة ففي هذه الحالة يؤخذ بالمشهور ويترك الشاذ النادر وهذه المسألة لا تفسر بالإجماع الذي زعم الأصوليون حجيته لأن الإجماع الذي جاء في الخبر بمعنى الشهرة التي يتمتع بها الخبر وليس إجماع الفقهاء دون دليل من الكتاب والسُنة فتأمل .


9- السعة عند اختلاف الحديث وتعسر معرفة الخبر الصحيح :
بعد أن ذكرنا قواعد الحديث وقوانينه وتعرفنا من خلال هذه القوانين على طريقة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ التي اعطوها لأصحابهم لكي يميزوا بها الحديث الصحيح عن غيره أما إذا تعسر الأمر علينا ولم نستطع وفق كل هذه القواعد أن تمييز الحديث الصحيح ففي هذه الحالة وسّع الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على شيعتهم ومواليهم أن يأخذوا بأحد الخبرين المتعارضين من باب التسليم إلى يوم ظهور القائم ﴿عليه السلام﴾ فقد جاء عن سماعة ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه : أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ فقال : ﴿يرجئه حتى يلقي من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه ،﴾ وفي رواية أخرى ﴿بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 66 / وسائل الشيعة-الحر العاملي-ج 27- ص 108.
إن هذه المسألة من المسائل التي جاءت لتيسير الدين على الرعية فإن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر فإن استطعنا تمييز الأخبار وفق القواعد الشرعية التي سنها النبي والأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كان بها وإذا اعيتنا المسألة فموسع علينا الأخذ بأي الخبرين ولذلك قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 67



خلاصــــة الموضـــوع :
إن خلاصة الموضوع هو وجوب التمسك بالقواعد التي سنها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لمعرفة صحة الخبر المروي عنهم وقد بينا هذه القواعد وقد ثبت من خلال البحث ضعف التقسيمات التي وضعها الفقهاء لتمييز الحديث فلم ترد أيٍ منها في أخبار الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ليكون بذلك قولهم حجة علينا، وقد تبين أيضاً عدم صحة القول الذي تبناه الأخباريون حين صرحوا بصحة جميع ما ورد في الكتب الاربعة وغيرها .
لقد ذكر أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ بأن الحق لا يعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحق تعرف اهله، والحق ما قاله الأئمة ﴿عليهم السلام﴾، فإن معرفتنا لهذا الحق تعصمنا من الوقوع بأخطاء الرجال مهما بلغوا من مقامات فلا يعد قولهم بقول المعصوم أبداً ولا يقارن بالمرة مهما بلغ في الوثاقة فإن الاعتماد على وثاقة الرجال –كما ذكرنا- لا تؤدي بنا في كل الاحول إلى القطع بصحة كلامه فإن الثقة يتوهم وينسى ويغلط لعلة فقدانه العصمة، فالفيصل بيننا وبين أي مقالة يتبناها أي فقيه هي معرفة أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في حجية هذه المقالة .
لقد ثبت لدينا من خلال مطالعة أخبارهم ﴿عليهم السلام﴾ بأن علم الرجال الذي وضعته العامة وتسلل إلى ساحة الإمامية بعد الغيبة لا حجية له من الأساس بل الحجية كلها لأقوالهم التي بينت القواعد والقوانين الدالة على صدق الحديث فإن أي حديث يمر على هذه القوانين فيثبت من خلالها صحته فهو صحيح والا فهو باطل وليس ضعيف كما سموه وبهذا البيان نكون قد انتهينا من مناقشتنا لكيفية تعامل المسلمين بشكل عام مع السُنة الشريفة والإمامية بشكل خاص .


(( هذا الموضوع ومواضيع أخرى تجدونها في كتابنا سقيفة الغيبة ))







0 التعليقات:

إرسال تعليق