Ads 468x60px

الاثنين، 27 أغسطس 2012

أفهم الشريعة من لسان الرسول وآل البيت ﴿عليهم السلام﴾


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعداء آل محمد من الاولين والاخرين من بدء الزمان الى قيام يوم الدين

القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني



لقد بين الرسول الكريم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ كمال الشريعة الإسلامية من جميع جوانبها ووضع المسلمون على الخط الصحيح الذي رسمه الله لعباده الصالحين حين بلغهم بكمال الدين وتمام النعمة قال تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾﴿[1].
وسوف نأتي الآن لبيان هذه النعمة التي انعم الله بها على الأمة الإسلامية جمعاء :


الثقلين هم النعمة :
اكتمال الدين بأمرين : أحدهما كتاب الله سبحانه ، والآخر سُنة نبيه الكريم وعترته الطاهرة أما الكتاب فقد عَرفنا الله تعالى مكانته وسعة علومه ومعارفه بقوله تعالى : ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾﴿[2].
فلا شك أن المراد من لفظة ﴿كل شيء﴾ هو كل شيء أنيط بيانه إلى سفرائه وأنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف والمناهج والتعاليم التي لا يصل الفكر الإنساني إليها مهما بلغ ما بلغ من الكمال والرقي في العقل والتفكير . فهذه الأمور تكفل الكتاب الكريم ببيانها وذكر خصوصياتها وقد بدأ العديد من علماء العلوم كافة من ذكر الإعجاز القرآني في العلم الحديث وقد بينوا أن العديد من النظريات العلمية كانت موجودة في كتاب الله منذ أكثر من الف سنة .
إن هذه النظريات قد توصل اليوم العلماء إلى جزء يسير منها وبهذا يكون الكتاب الكريم قابلا لتبيان جميع المعارف والعلوم وسيتيسر استخراج علوم الكتاب ومعارفه في زمن الظهور حين يأتي صاحب القدرات العلمية فيستخرج جميع الحقائق والمعارف من بطون الآيات والسور الشريفة .
لقد تكفل الكتاب الكريم ببيان كل شي يحتاجه الناس فكان الثقل الأكبر الذي تركة لنا رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وقد بين لنا رسول الله وآل بيته عظمة هذا الكتاب المنزل على نبينا الخاتم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ في روايات كثيرة وأخبار متواترة منها ما جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ونحن نعلمه﴿[3]. وجاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ أيضاً انه قال : ﴿قد ولدني رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنة وخبر النار ، وخبر ما كان ، وخبر ما هو كائن ، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي ، إن الله يقول : " فيه تبيان كل شيء" ﴾﴿[4].
وأما الثقل الثاني فكانت سنته وعترته التي تكفلت ببيان السُنة الصحيحة فأما مكانة السُنة فيكفي فيها قوله سبحانه : ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾﴿[5]. وقوله سبحانه : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾﴿[6].
وغير ذلك من الآيات التي تنص على لزوم إقتفاء أثر النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وتصرح بوجوب إتباعه وعدم مخالفته في شيء بل قرن الله طاعة الرسول بطاعته وذلك في قوله تعالى : ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أرسلنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾﴿[7]. وقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾﴿[8].
وأما العترة الطاهرة فقد عدها رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بالثقل الثاني حيث أوصى بالتمسك بكتاب الله وعترته أهل بيته ﴿عليهم السلام﴾ الذين هم مرآة سنته وحفاظ دينه . فلن يفترقا حتى يردا الحوض عند نبي الله الأعظم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، وقد نُقل حديث الثقلين في مصنفات المسلمين جميعاً فقد جاءعن أبي سعيد أنه قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿ إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ﴾﴿[9].
وجاء عن زيد بن ارقم قال : قام فينا ذات يوم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ﴿ اما بعد ايها الناس إنما انا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فاجيبه وانى تارك فيكم الثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتى اذكركم الله تعالى في أهل بيتى ثلاث مرات﴿[10].
وجاء عن أبى هريرة أنه قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿ إنى قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما كتاب الله وسنتى ولن تفرقا حتى يردا على الحوض﴿[11].
فلا خلاف عندنا بين السُنة والعترة فكلاهما واحد فالعترة مرآة السُنة والسُنة قد أوصتنا بالتمسك بالعترة فلا خلاف عندنا من قبول الحديثين فما أتانا عن الرسول نأخذه وما أتانا عن العترة ناخذه أيضاً وقد صرح بذلك العديد من قدماء الإمامية وعدو الكتاب والسُنة والعترة أصولا للأحكام الشرعية فقد حصر الشيخ المفيد الأحكام الشرعية في منابع ثلاثة فقط وذكرها قائلاً : ﴿إعلم أن أصول الأحكام الشرعية ثلاثة أشياء : كتاب الله سبحانه ، وسُنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تسليما، وأقوال الأئمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه﴾﴿[12].
وعلى ذلك تكون الشريعة الإسلامية شريعة كاملة الجوانب قد بينتمعارفها وأحكامها بكتاب الله العزيز وسُنة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾وأقوال الأئمة الطاهرين ﴿عليهم السلام﴾ فلم يبق مجال للرجوع إلى غيرهم وهذه الحقيقة التي تكشف عنها الآية بوضوح وإن الدين اكتمل في حياة النبي بفضل كتاب الله وسُنة نبيه والعترة الطاهرة ﴿عليهم السلام﴾ وهذا مما أطبقت عليه كلمات الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وسنأتي ببعض ما ورد عنهم في هذا المقام فقد صرح أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بأنه ما من شيء إلا وله أصل في الكتاب والسُنة وهذا هو ما يظهر من كلماتهم ونصوصهم المتواترة فقد روي عن الصادق ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿ إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن الكريم تبيان كل شيء حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج العباد إليه إلا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا نزل في القرآن إلا وقد أنزل الله فيه﴾﴿[13] . وجاء عن الإمام الباقر ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة ، إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله ، وجعل لكل شيء حدا وجعل عليه دليلاً يدل عليه﴾﴿[14]. وجاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿ ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلا وله حد كحد الدار ، فما كان من الطريق فهو من الطريق وما كان من الدار فهو من الدار ، حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة﴾﴿[15]. وجاء عنه ﴿عليه السلام﴾ أيضاً أنه قال : ﴿ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة﴾﴿[16] . وعن سماعة عن أبي الحسن موسى ﴿عليه السلام﴾ قال قلت له : أكل شيء في كتاب الله وسُنة نبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أو تقولون فيه ؟ قال : ﴿بل كل شيء في كتاب الله وسُنة نبيه صلى الله عليه وآله﴾﴿[17]. وجاء عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر ﴿عليه السلام﴾ يقول في هذه الآية : ﴿﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ فأومأ بيده إلى صدره﴾﴿[18].
والروايات في هذا المعنى كثيرة جداً نقلها الكليني والصدوق والحر العاملي والمجلسي وغيرهم في مصنفاتهم فجزاهم الله عنا كل خير ورحمهم الله برحمته .
هذا هو حال الكتاب والسُنة عند أئمة العترة الطاهرة ﴿عليهم السلام﴾ ، فلو لم نجد حكم الكثير من الموضوعات والحوادث في الكتاب والسُنة ولا وقفنا على جملة من المعارف والعقائد فيهما فما ذلك إلا لأجل قصور فهمنا وقلة بضاعتنا وعجز عقولنا عن إدراك الكتاب الكريم حق إدراكه ففيه رموزا وإشارات وتنبيهات وتلويحات منها تعرف أحكام الحوادث والموضوعات ويهتدي بها الإنسان إلى المعارف والعقائد وقد اختص علمها بهم دون غيرهم كما أن عندهم سُنة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾التي لم يصل الكثير منها إلى أيدي الناس .
هذه هي حقيقة الحال من أئمة العترة الطاهرة ﴿عليهم السلام﴾ ولذلك فقد روي عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿ أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل سبب شرحا ، وجعل لكل شرح علما ، وجعل لكل علم بابا ناطقا ، عرفه من عرفه ، وجهله من جهله ، ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن﴾﴿[19].
ولذلك جاء التاكيد النبوي على التمسك بالعترة الطاهرة فعن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أنه قال : ﴿ أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق﴿[20].
إننا لو راجعنا المصنفات الحديثية والروائية لوقفنا على كيفية إستدلال الأئمة الطاهرين ﴿عليهم السلام﴾ بالآيات والسُنة النبوية على كثير من المعارف والأحكام ولتبين لنا عظمة هذا البيت النبوي الشريف وعظمة علمهم الغزير الناتج عن امتلاكهم لعلم الكتاب بالمعنى الجامع الوسيع كما أن عندهم السُنة النبوية بعامتها وهذا ما ميز العترة الطاهرة عن غيرهم فقد استدلوا بالكتاب والسُنة على أمور وأحكام مما لم تصل إليه أفهام الناس وإنما خص علم ذلك بهم دون غيرهم فإذا كان الشارع قد أعلن عن خاتمية الرسالة وكمال الشريعة الإسلامية فذلك لعلة وجودهم فَهُم الناطقين بعلم الله العالمين بأحكام الله كيف لا ؟ وهم عيبة علم الله وبابه الذي منه يؤتى فقد أكدوا ﴿سلام الله عليهم﴾ على هذا المعنى في أكثر من مناسبة منها ما ذكره أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ حين قال : ﴿هذا كتاب الله الصامت ، وأنا كتاب الله الناطق﴿[21].


المشرع هو الله وحده :
بين أهل البيت ﴿عليه السلام﴾ بأن الله قد خص أوليائه بعلمه ولم يجعل لأوليائه التشريع ولم يكل أمر ذلك إلى أحد غيره جل جلاله ولكن بلغ أنبيائه وأصفيائه عن طريق ملائكته بما يحب وما يكره فبلغ أنبيائه الناس وعلموهم حلال الله وحرامه فلم يكن لأنبياء الله ولا لأوليائه حق التشريع مع كمال عقلهم وفضلهم ، فلا يدركون علل الأحكام وأسباب الحلال والحرام إلا ما علمهم ربهم من ذلك ولهذا المعنى جاء قول أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ في حديث طويل قال فيه : ﴿ وإن الله لم يجعل العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه ، لا إلى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته ، فقال له : قل كذا وكذا ! فأمرهم بما يحب ، ونهاهم عما يكره ، فقص عليهم أمر خلقه بعلم ، فعلم ذلك العلم ، وعلم أنبيائه وأصفياءه من الأنبياء والأصفياء ... إلى أن قال : ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ، ثم قال : فمن أعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة ... إلى أن قال : في قوله تعالى : ﴿ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾ فإنه وكل بالفضل من أهل بيته والاخوان والذرية وهو قوله تعالى : إن تكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به لا يكفرون به أبداً ، ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم ، الذي ليس فيه كذب ، ولا اثم ، ولا زور ولا بطر ولا رئاء ... إلى أن قال : فاعتبروا أيها الناس فيما قلت ، حيث وضع الله ولايته ، وطاعته ، ومودته ، واستنباط علمه ، وحججه ، فاياه فتقبلوا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم جل وعز ، لا تصل ولاية الله إلا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقاً على الله أن يذله ، وأن يعذبه﴾﴿[22].
ومن قول الباقر ﴿عليه السلام﴾ هذا نفهم بانه لم يفوض أمر التشريع إلى أحد غير الله وانه سبحانه قد علم أوليائه واصفيائه علمه فعلموا ذلك وأصبحوا أهلاً لاستنباط علم الله لا يقولها غيرهم إلا كاذب ، فقد وضع الله لاستنباط علمه أهلاً وهم الصفوة من بيوتات الأنبياء ومن كلف نفسه هذا المقام وزعم إنه من أهل الاستنباط أو وضع لنفسه أهلاً لاستنباط علم الله من غير الصفوة المختارة فقد خالف الله وجعل للجهال مقاماً ما أنزل الله به من سلطان فضلوا واضلوا أتباعهم وأين مفرهم من عذاب الجبار يوم يلقونه فلا حجة لهم يوم ذاك فقد إلقيت عليهم الحجج في هذه الحياة الدنيا فما قبلوها وجعلوا لهم اربابا يحللون لهم ما حرم الله ويحرمون ما احل الله ، فقبلوا بهم واستبدلوهم بخير خلق الله الصفوة المختارة علماء آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ الانوار الاثني عشر في ظلمات الجهل المقيت ، فإن كفر القوم بهذه النعمة فقد وكل الله سبحانه أهل بيت نبيه ﴿عليهم السلام﴾ بالإيمان الذي أرسل الله به نبيهفي قوله تعالى : ﴿ فإن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾﴿[23] . وهم بذلك علماء أمة الرسول وولاة أمر الله وأهل استنباط علمه الذي لا يشوبه الكذب ولا الآثام . فبهم وضع الله ولايته وبهم الزم الناس طاعته ومودته فَهُم العروة الوثقى للمؤمنين المتقين المتمسكين بهم المفارقين لغيرهم فَهُم بذلك محلا لرحمة الله وكرامته .


كذب المخالفين بادعائهم معرفة الدين :
لقد بين أئمة الهدى من آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ حقيقة المخالفين لأمر رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وكيف انهم ادعوا ما ليس لهم ، فقد ادعوا بانهم اثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة ولم يكن لديهم في ذلك من علم فليس كل علم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾قد علموه ولا صار إليهم ولا عرفوه وكانوايُسألون ولم يكن عندهم شيء من علم الله ولا من علم رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فكانوا يستحون أن ينسبهم الناس للجهل فقالوا برأيهم وقياسهم في الدين فوضعوا علما ما انزل الله به من سلطان فغروا الناس به وزعموا أنه من علم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فوضعوا القواعد والأصول من عند أنفسهم ومن وحي إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وتركوا الاثار الشريفة ودانوا بالبدع ونبيهم قد حذرهم من ذلك فقال لهم : كل بدعة ضلالة . فلو انهم سألوا من أمرهم الله بسؤالهم لعرفوا الحق من الضلال ولم يكن اختلاف . ولكنهم اطاعوا الشيطان وقد أمروا أن يكفروا به فأغواهم بما اغوى به الأمم السالفة فكانوا له طائعين كما كان السابقين .
ولهذه المعاني التي ذكرناها ما يؤيدها من كلام الأئمة الهداة فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ - في حديث - قال : ﴿يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء علماء أنهم قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة ، وليس كل علم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾علموه ، ولا صار إليهم من رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ولا عرفوه ، وذلك أن الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ويستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا ، فيطلب الناس العلم من معدنه ، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله ، وتركوا الآثار ودانوا بالبدع ، وقد قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾: كل بدعة ضلالة ، فلو أنهم إذا سألوا عن شيء من دين الله فلم يكن عندهم فيه أثر عن رسول الله ، ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾﴿[24].


موقف أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ من الرأي والإجتهاد :
إن الأئمة من أل محمد ﴿عليهم السلام﴾ لم يكن في قولهم إجتهاداً ولا رأي إطلاقاً فلم يكن قولهم إلا عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فقد روي عن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : ﴿أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال له : مه ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ لسنا من : " أرأيت " في شيء﴿[25].
وجاء عن سماعة عن أبي الحسن ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : ﴿كل شيء تقول به في كتاب الله وسنته أو تقولون برأيكم ؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنته﴿[26].
ومن هذا يتبين لنا موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ من الآراء والإجتهادات التي اعتاد القوم عليها وأصبحت عندهم من ضروريات الدين .
لقد بين لنا أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ مصدر علمهم هذا في أكثر من خبر ومنهاما جاء عن الفضيل ، عن أبي جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿إنا على بينة من ربنا بينها لنبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فبينها نبيه لنا ، فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس﴾﴿[27].
وجاء عن الحارث بن المغيرة النضري قال : قلت لأبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿علم عالمكم أي شيء وجهه ؟ قال : وراثة من رسول الله وعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ، يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إليهم﴿[28].
وجاء عن أبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ روايات كثيرة بلغها أصحابه منها ما جاء في رسالة طويلة له إلى أصحابه أمرهم بالنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ومن جملتها قوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أيتها العصابة المرحومة المفلحة ! إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا في دينهم بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، وهم أهل الذكر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم ...﴾ . إلى أن قال : ﴿وقد عهد إليهم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾قبل موته فقالوا : نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به ، مخالفا لله ولرسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه ، والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾وبعد موته ، هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحداً ممن أسلم مع محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه ؟ فإن قال : نعم فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيداً ، وإن قال : لا لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقر بالحجة على نفسه ، وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾.... إلى أن قال : ﴿وكما أنه لم يكن لأحد من الناس مع محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافا لأمر محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾كذلك لم يكن لأحد بعد محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه ، ثم قال : واتبعوا آثار رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾وسنته فخذوا بها ، ولا تتبعوا أهواءكم ورأيكم فتضلوا ، فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله ، وقال : أيتها العصابة! عليكم بآثار رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾وسنته ، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾من بعده وسنتهم ، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل ، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم﴿[29].
إن لهذه الرسالة معانٍ عديدة في غاية الأهمية فهي زبدة البيان وخلاصة الدين القويم . واننا حين نقرأ كلماتها النيرة نجدها مصداقا لآيات الله سبحانه ومرآة تعكس لنا حقيقة الأوامر الإلهية وما يجب علينا فعله لكي نحظى بالخلاص الابدي . فقد بين لنا الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ إن خير الله قد اكتمل بوجود السلالة الطاهرة من البيت النبوي الشريف فبهم اتم الله تعالى نعمته علينا فلا علم إلا ما جاء نوره من هذا البيت الشريف وانه ليس من علم الله ولا من أمره أن ناخذ في دينه بهوى أو رأي أو مقاييس فقد انزل الله كتابه وجعل فيه تبيان كل شيء وما ترك الله شيئاً تحتاج إليه الأمة في دينه إلا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد أن يقول : لو انزل الله هذه المسألة في كتابه وبينها لنا إلا وانزلها الله في كتابه القرآن وجعل للقرآن أهلاً فَهُم أهل الذكر وأولي الأمر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم وقد عهد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ إلى أمته بالعترة الطاهرة وأوصى الأمة بهم ثلاثا حين قال : ﴿ وأهل بيتى اذكركم الله تعالى في أهل بيتى ثلاث مرات﴿[30].
فهل يسع العاقل أن ياخذ بغير هذه العروة الوثقى ويدعي بأن ما اجتمع عليه رأي الناس فهو الصواب بعد أمر النبي هذا وعهده إلينا فما جزاء من يقدم المفضول على الفاضلولله على خلقه الطاعة وإتباع أمره في حياة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾وبعد رحيله وإتباع آثار الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ والأخذ بسنتهوآثار الأئمة الهداة من أهل بيت نبينا ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾من بعده وسنتهم ولا نتبع الآراء والأهواء فنضل بعد أن هدانا الله .
لقد كان موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ واضحاً مع الذين إتبعوا آرائهم وإجتهاداتهم الشخصية فقد القوا عليهم الحجج والبراهين ببطلان مسلكهم هذا وكان التصدي من النبي الخاتم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وآله الاطهار ﴿عليهم السلام﴾ على طول حياتهم الشريفة فقد ورد عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ انه قال : ﴿ قال الله عز وجل : ما آمن بي من فسر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني ﴾﴿[31].
واستمر آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ بعد رحيل جدهم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بمحاربة أصحاب الرأي والإجتهادات فنراهم قد شمروا عن سواعدهم لمحارب البدع والأهواء التي ظهرت بعد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، بدءًا من مولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ وانتهاءا بالمهدي من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ فنرى مواقفهم الصارمة إتجاه طرق المخالفين وقواعدهم التي وضعوها بانفسهم وتروي لنا كتب الحديث من هذه المواقف الكثير الكثير فقد ورد في نهج البلاغة خطبة لمولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يذم اختلاف الفقهاء في الفتيا قال فيها : ﴿ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد . أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه . أم نهاهم عنه فعصوه . أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه . أم كانوا شركاء له . فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ فيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً﴾ . وإن القرآن ظاهره أنيق . وباطنه عميق . لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به﴾﴿[32].
إن كلام أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يدلنا على مدى الاختلاف الذي حصل بعد رحيل النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ إلى حد أن المسألة الواحدة يفتى بها بأكثر من قول حتى وصل الأمر بهم إلى عدة أقوال متناقضات ولكنهم مع هذا التناقض في القول يصوب إمامهم الذي إستقضاهم آرائهم جميعاً وهذا مما لا يقبله الدين والرب .
فهل يقبل الله تعالى بأن يكون حلاله وحرامه على حد سواء؟! إن هذا الأمر الذي عليه المسلمين كافة لا يجتمع مع كمال الشريعة بل يضاده ويخالفه مما الجأ أصحاب الاختلافات إلى القول بعدم كمال الدين من حيث الأصول والفروع وأن رسول الله﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكل شيء .
وتلك المقالة الردية المضادة لحديث الكمال اعطت شرعية مزيفة للاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾بل قبيلها أيضاً . فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار وافترقوا فرقتين أو فرقا حتى انتهوا إلى سبعين فرقة بل إلى سبع مائة فرقة ومع هذا الاختلاف نجد آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ قد ساروا على نفس النهج المحمدي الاصيل فلم يقولوا برأيهم في شيء من المسائل بل كانوا على العكس من هذه الفرق المتناحرة ، فكانت أقوالهم كلها نابعة من الكتاب والسُنة الشريفة وحثوا أتباعهم على هذا النهج القويم .


موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ مع الذين حاولوا الإجتهاد :
أراد أصحاب الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ أيضاً أن يسلكوا طرق المخالفين في الرأي والقياس فهذا أبو بصير يسال الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ عن النظر في الأشياء التي ليس يعرفها من الكتاب والسُنة فجاءه الردع من الإمام ﴿عليه السلام﴾ فقد ورد عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة فننظر فيها ؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل﴿[33].
وهذا محمد بن حكيم جاء يسال الإمام الكاظم ﴿عليه السلام﴾ عن الشيء الذي يأتيه وجماعة من الأصحاب وليس عندهم جواباً له فهل يسعهم النظر فيه وقياسه على احسن ما يحضرهم واوفق الاشياء التي جاءت عن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ والتي تشابه هذا الشيء ؟ فجاء جواب الإمام ﴿عليه السلام﴾ بالنهي أيضاً والتحذير من السير في هذه الطرق التي هلك فيها اقوام من السابقين ومن المسلمين أيضاً وإليكم نص الحوار الذي دار بين محمد بن حكيم وأبي الحسن موسى ﴿عليه السلام﴾ حين سأل محمد بن حكيم الإمام ﴿عليه السلام﴾ قائلاً : ﴿جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به ؟ فقال هيهات هيهات ، في ذلك والله هلك من هلك يا أبن حكيم ، قال : ثم قال : لعن الله أبا حنيفة كان يقول : قال علي ، وقلت . قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم : والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياس﴾﴿[34].
ولم تكن هذه المحاولات مقتصرة على أبي بصير ومحمد بن حكيم فحسب بل أن أغلب الأصحاب كانوا يستاذنون الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في النظر في الأحكام والقياس والرأي وكانوا يقابلون بالرفض الرادع من قبل الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فهذا سماعة بن مهران يحذو حذو محمد بن حكيم في المسألة ذاتها حين جاء إلى الإمام أبي الحسن موسى ﴿عليه السلام﴾ يسأله قائلاً : ﴿أصلحك الله إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شيء إلا وعندنا فيه شيء مسطر وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شيء فينظر بعضنا إلى بعض ، وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه ؟ فقال : ومالكم وللقياس ؟ إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ، ثم قال : إذا جاء كم ما تعلمون ، فقولوا به وإن جاءكم ما لا تعلمون فها - وأهوى بيده إلى فيه - ثم قال : لعن الله أبا حنيفة كان يقول : قال علي وقلت أنا ، وقالت الصحابة وقلت ، ثم قال : أكنت تجلس إليه ؟ فقلت : لا ولكن هذا كلامه ، فقلت : أصلحك الله أتى رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بما يكتفون به في عهده ؟ قال : نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة ، فقلت : فضاع من ذلك شيء ؟ فقال : لا هو عند أهله﴿[35].
استمرت هذه المحاولات من قبل الأصحاب بالسؤال والاستفهام من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على جواز النظر والاستنباط وفق الإجتهاد العقلي والرأي والمقاييس وكانوا يقابلون في كل مرة بالرفض والانكار من قبل الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فقد راينا إنكار الصادق ﴿عليه السلام﴾ للإجتهاد والنظر على أبي بصير وقد راينا أيضاً ردع الإمام أبي الحسن موسى ﴿عليه السلام﴾ لسماعة بن مهران ومحمد بن حكيم حين أرادوا الاستأذان للعمل بالإجتهاد العقلي إلا أن هذا الانكار والردع لم يؤخذ به من قبل بعض الأصحاب كل الأخذ فقد عمل جماعة من الأصحاب في زمن الإمام الرضا ﴿عليه السلام﴾ بالإجتهاد وفق القواعد العقلية والقياسية فتبرء منهم الإمام ﴿عليه السلام﴾ وقال بأن هؤلاء قوم لا حاجة بهم إلينا قد خرجوا من طاعة الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ودانوا بدين ما هو بدين جعفر من شيء إن هذه الحادثة رواها لنا أحمد بن محمد بن أبي نصر حيث قال : قلت للرضا ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ جعلت فداك إن بعض أصحابنا يقولون : نسمع الأمر يحكى عنك وعن آبائك ، فنقيس عليه ونعمل به ، فقال : سبحان الله ! لا والله ما هذا من دين جعفر ﴿عليه السلام﴾ هؤلاء قوم لا حاجة بهم إلينا ، قد خرجوا من طاعتنا وصاروا في موضعنا فأين التقليد الذي كانوا يقلدون جعفرا وأبا جعفر ﴿عليهما السلام﴾ ؟ قال جعفر : لا تحملوا على القياس ، فليس من شيء يعدله القياس إلا والقياس يكسره﴿[36].
لقد بات لدينا فهماً واضحاً لدين النبي وآله الاطهار ﴿عليهم السلام﴾ من حيث ما هو واجب على المسلمين فقد بينوا لنا بأن الدين دين الله وأن أوامر الدين ونواهيه من الرب وليس من العبد فليس للعبيد أن يضعوا للشريعة القوانين والأصول بآرائهم وعقولهم القاصرة فقد ذكر رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ في حديث إلى أن قال : ﴿ولا رأي في الدين ، إنما الدين من الرب أمره ونهيه﴿[37].
وعن أمير المؤمنين ﴿عليهم السلام﴾ أنه قال في كلام له : ﴿الإسلام هو التسليم ... إلى أن قال : إن المؤمن أخذ دينه عن ربه ولم يأخذه عن رأيه﴿[38] .
وعن الصادق ﴿عليه السلام﴾ انه قال في تفسير قول الله عز وجل : ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ حيث قال : ﴿أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى رضوانك وجنتك ، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك﴿[39].
فإذا علمنا بأن الآراء والإجتهاد العقلي قد حرم على النبي والعترة فكيف بنا نحن أصحاب العقول القاصرة أن ندرك العلل من وراء الأحكام فكم من حكم لا نعلم علته وكم من مسألة لا يسعنا فهمها فهماً كاملاً إلا من خلال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وليس ذلك التوضيح والافهام الذي يبلغوه للناس صادراً من أنفسهم ﴿عليهم السلام﴾ بل ما هو إلا وراثة عن جدهم عن رب العزة فَهُم امتداد للنبوة الخاتمة .


وحدة الهدف والطريقة بين الأئمة والأنبياء ﴿عليهم السلام﴾ :
لم تكن طريقة الأئمة ﴿عليهم السلام﴾في تبليغ الأحكام خاصة بهم أبداً بل هي طريقة الأنبياء والأولياء جميعاً فهذا سيدنا الخضر ﴿عليه السلام﴾ حين اخبر كليم الله موسى ﴿عليه السلام﴾ بتأويلأفعاله من أمر السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار فلم تكن أفعال سيدنا الخضر ﴿عليه السلام﴾ عن نفسه بل انه ذكر لنبي الله موسى ﴿عليه السلام﴾ في نهاية الامر أمر ما فعله قائلاً: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾﴿[40].
ومن هذه القصة نفهم بأن العقل البشري مهما بلغ من الكمال فهو عاجز عن التشريع حتى عقول الأنبياء والأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وذلك ليس تنكيلا بهم والعياذ بالله ولكن الله لم يجعل أمر التشريع إلى أحد من خلقة -كما بينا- بل أرسل رسولا منملائكته فبلغ أنبياءه بما يحب وما يكره فبلغ الأنبياء الناس وعلموهم حلال الله وحرامه . وقد ذكر سيدنا الخضر ﴿عليه السلام﴾ لنبي الله موسى ﴿عليه السلام﴾ قبل أن يصطحبه بأن القياس لا مجالله في علم الله وقد ورد ذلك عن الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ في حديثه عن قصة سيدنا الخضر وكليم الله ﴿عليهما السلام﴾ فذكر فيها ما قاله الخضر لموسى : ﴿ فقال له الخضر : إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً ؟﴾﴿[41]


ماهو تكليفنا كمسلمين ؟ :
إننا حين نقول : باننا مسلمون ينبغي علينا أن نفعل ما نقول فالإسلام هو التسليم والطاعة وليس التقدم على الله في حلاله وحرامه وقد بين لنا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ذلك في بيانهم فقد ورد عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿إنما كلف الناس ثلاثة : معرفة الأئمة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه﴿[42].
إن معرفة الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بعد معرفة الله ورسوله وهو الإسلام بعينه كيف لا ؟ وهم أهل الذكر وأولي الأمر فبهذه المعرفة والتسليم والطاعة يكون المسلم بعيداً عن القول بالآراء والأهواء وهذا هو التوحيد بعينه . فقد جاء عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : قلت لأبي الحسن الأول ﴿عليه السلام﴾ : ﴿بما أوحد الله ؟ فقال : يا يونس لا تكونن مبتدعا ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ضل ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر﴿[43].
إن التمسك بأمر الله لهو عين الدين وكمال الطاعة ولا يضرنا من ضل إن اهتدينا فقد اخبر رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ عن تفرق الأمة من بعده كما انه اعطى صفات الناجين وهم المتمسكون بولاية أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ الذين لا يعملون برأيهم في دين الله فقد جاء عن يحيى البكاء ، عن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية والباقون هالكون ، والناجون الذين يتمسكون بولايتكم ، ويقتبسون من علمكم ، ولا يعملون برأيهم ، فأولئك ما عليهم من سبيل﴾﴿[44].
وجاء عن حبيب قال : قال لنا أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ما أحد أحب إلي منكم إن الناس سلكوا سبلا شتى ، منهم من أخذ بهواه ، ومنهم من أخذ برأيه ، وانكم أخذتم بأمر له أصل﴿[45].
لم يكن هذا التفرق والاختلاف حكراً على المخالفين لآل الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بل أن هنالك فرق من الذين يظهرون المودة والطاعة لال الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وهم في حقيقة الأمر الخطر الأعظم على عقول الناس وكما سنبين في فصول هذا الكتاب بانهم قد لبسوا لباس الموالون ولكن أجسادهم أجساد المخالفين فغروا الناس بمودتهم لأهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ظاهرا وهم في حقيقة الأمر سائرون على النهج المخالف والطريق المارق عن جادة الحق والصواب ذلك الحق المتمثل بالعترة الطاهرة ﴿عليهم السلام﴾ وما يؤيد هذا الكلام ما جاء عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ ... إن اليهود تفرقوا من بعد موسى ﴿عليه السلام﴾ على إحدى وسبعين فرقة منها فرقة في الجنة وسبعون فرقة في النار وتفرقت النصارى بعد عيسى ﴿عليه السلام﴾ على إثنين وسبعين فرقة، فرقة منها في الجنة وإحدى وسبعون في النار وتفرقت هذه الأمة بعد نبيها ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة ومن الثلاث وسبعين فرقة ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودتنا اثنتا عشرة فرقة منها في النار وفرقة في الجنة وستون فرقة من سائر الناس في النار﴾﴿[46].
إن مسألة التفرق بعد الأنبياء هي من السُنن التأريخية والتي لا بد من إنطباقها في أمة آخر الأنبياء والمرسلين ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وهذا ما وضحته الرواية التي ذكرناها قبل قليل .


وجوب معرفة مصدر العلم :
لقد حث الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ أصحابهم بالتمسك بذلك الأصل المتصل بالله تعالى وأكدوا ﴿سلام الله عليهم﴾ لأتباعهم على وجوب التأكد من العلم وأصوله الذي يتعلموه عمن يأخذوه فإن كان من آل محمد فهو خير وإن خرج من غيرهم فهو باطل فقد جاء عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ في قول الله عز وجل : ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ﴾ قال : ﴿ قلت : ما طعامه ؟ قال : علمه الذي يأخذه عمن يأخذه﴿[47].
وجاء أيضاً عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿لا تتخذوا من دون الله وليجة فلا تكونوا مؤمنين فإن كان سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع إلا ما أثبته القرآن﴿[48].
وجاء معنى ﴿وليجة﴾ في الكافي الشريف بأنه بطانة الرجل وخاصته ومن يعتمد عليهم في أموره والمراد هنا المعتمد عليه في أمر الدين ، ومن اعتمد في أمر الدين وتقرير الشريعة على غير الله يكون متعبدا لغير الله فلا يكون مؤمنا بالله واليوم الآخر وذلك لأن كل ما لم يثبته القرآن من النسب والقرابة والوليجة والبدعة منقطع لا تبقى ولا ينتفع بها في الآخرة فلا يجامع الإيمان بالله واليوم الآخر الاعتماد عليها في أمر الدين﴿[49].
وما يؤكد معنى ﴿وليجة﴾ هو ما نقل عن أبأن انه قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿ ... لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، إنا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ﴾﴿[50].
ومن هنا نفهم بأن من اتخذ من دون الله وليجه خرج من ساحة الإيمان إلى ساحة النفاق والكفر ولذلك حث الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على أن يكون عمل العامل وفق علم صحيح ولا يكون عملنا كعمل العامل بغير بصيرة فهذا الذي يعمل بلا علم ولا بصيرة عُد في أحاديث الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كالسائر على غير الطريق كلما تقدم في عمله ازداد بعدا عن طريق الحق والهداية فقد روي عن طلحة بن زيد قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلا بعدا﴿[51].
إن العامل بغير علم لا يبتعد عن طريق الحق فحسب بل ورد بأن ما يفسده أكثر مما يصلحه فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح﴾﴿[52].
لقد تبين لنا مما تقدم ما هو واجبنا تجاه الدين والشريعة فقد علمنا بأن واجبنا هو بمعرفة الإمام والتسليم له والحذر من الوقوع في فتن الآراء وإتباع الأهواء في شريعة الله فقد أمرنا الله بطاعة من أمرنا بطاعتهم والتسليم لهم وهم الأئمة المعصومون المكرمون عند ربهم ومن مظاهر التسليم لآل الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ هو العمل بأحاديثهم الشريفة وكلماتهم النيرة ومنها ما ذكرناه من نبذ الآراء في دين الله والنظر فيما نأخذه من العلوم والمعارف هل هي من الله أم هي من وحي الشيطان ولهذا أكدوا على أصحابهم معرفة مصدر العلم الذي يأخذونه عمن يأخذون مصداقا لقوله تعالى : ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ ﴾﴿[53] .


كل علم لم يخرج من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فهو باطل :
لقد ذكر الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بأن العلم الصحيح هو ما خرج من البيت النبوي الشريف وما عداه فهو من الباطل . ولهذا المعنى روايات عديدة منها ما جاء عن فضيل قال : سمعت أبا جعفر ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿ كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل﴿[54] . وعن أبي مريم قال : قال أبو جعفر ﴿عليه السلام﴾ لسلمه بن كهيل والحكم بن عتيبة : ﴿ شرقا وغربا ، فلا تجدان علما صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت﴿[55] . وعن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في وصيته لكميل أبن زياد قال : ﴿ ... يا كميل ! هي نبوة ورسالة وامامة ، وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين ، أو مبتدعين ، إنما يتقبل الله من المتقين ، يا كميل ! لا تأخذ إلا عنا تكن منا﴿[56] . وعن يونس بن ظبيان ، عن الصادق ﴿عليه السلام﴾ - في حديث - قال : ﴿يا يونس ! إن أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت ، فإنا ورثنا وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب فقلت : يا أبن رسول الله كل من كان من أهل البيت ورث ما ورثت من كان من ولد علي وفاطمة ﴿عليهما السلام﴾ ؟ فقال : ما ورثه إلا الأئمة الاثنا عشر﴿[57] . وجاء عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ في حديث الاستطاعة حيث قال : ﴿الناس كلهم مختلفون في إصابة القول وكلهم هالك ، قال : قلت : إلا من رحم ربك ، قال ، هم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله : ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ يقول : لطاعة الإمام الرحمة التي يقول : ﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾ يقول : علم الإمام ووسع علمه الذي هو من علمه كل شيء ، هم شيعتنا إلى أن قال : * ﴿ يحل لهم الطيبات - أخذ العلم من أهله - ويحرم عليهم الخبائث ﴾ والخبائث قول من خالف﴿[58] . وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ، ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق ، إلا ما خرج من عندنا أهل البيت ، وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطأ منهم ، والصواب من علي ﴿عليه السلام﴾﴾﴿[59].
لقد بين أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ بأن المسألة ما هي إلا نبوة ورسالة وإمامة وما بعدها إلا موالين متبعين لا يتقدمون على الله في أمره ولا يتأخرون . فالمتقدم زاهق والمتأخر قد مرق من الدين وكلاهما - أي المتقدم والمتأخر – عد في ساحة المبتدعين الخارجين عن طاعة الله والداخلين في معصية الله فما علينا إلا الموالاة والإتباع لمن أمرنا الله بموالاتهم وإتباعهم وهم الصفوة من بيوتات الأنبياء ﴿عليهم السلام﴾ فَهُم أمناء الله على دينه وشريعته والدليل على ذلك هو قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ﴾ حيث جاء عن أبا جعفر ﴿عليه السلام﴾ في تفسير ﴿أولي الأمر﴾ قال ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا . . . ﴾﴿[60].


العلة من طاعة الأولياء دون غيرهم :
إن العلة في طاعة الأنبياء والرسل والأئمة ﴿عليه السلام﴾ تكمن في كونهم لا يأتيهم الباطل أبداً ولا يقولون برأيهم أبداً وكل ما لم يخرج منهم فهو باطل ولا نقاش في بطلانه فقد تواترت الأخبار بهذا الشأن وقد نقلنا اليسير من هذه الأخبار الشريفة فإن علم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ لم يورثة حق وراثته إلا الأئمة من آله ﴿عليهم السلام﴾ دون غيرهم ومن يدعي خلاف ذلك فهو كاذب قد أدعى مقاماً ليس أهلاً له أن يدعيه .
ونرى من أدعى ذلك - من المسلمين كافة وحتى الإمامية منهم - لا يزالون مختلفين فيما بينهم قد اخذوا يمينا وشمالا وخالف الواحد منهم حتى نفسه في بعض أقواله وتناقضوا في الأقوال والأفعال . وهؤلاء المختلفون في إصابة القول الحق كلهم هالكون إلا من عصمه الله عن القول بلا علم وهم المشمولون بالرحمة الإلهية وهو قوله تعالى : ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾﴿[61] . فقد بينت الروايات الشريفة بأن طاعة الإمام هي الرحمة . فعلم الإمام وسع كل شيء ومن تمسك بهذا العلم لا يظل الطريق ولا يقع فيما وقع فيه أهل الاختلاف . وما يحل لهؤلاء المتمسكين بطاعة أولي الأمر اخذ الخبائث والتي جاء تأويلها فيما تقدم بأنها قول من خالف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ . فما يحل لهم إلا الطيبات وهي اخذ العلم من أهله وهم الأئمة الهداة الميامين ﴿عليهم السلام﴾ .
إننا نرى هؤلاء الذين تشعبت بهم الأمور وفعلت بهم الآراء ما تفعله الريح بالشجر فراحوا يهتزون اهتزاز الشجر من رياح الخريف فتساقطت منهم الآراء كتساقط الورق الأصفر وراحت آرائهم تأخذ يمينا وشمالا وهذا لا لشيء سوى تكلفهم بأشياء ما جعلها الله لهم فأجابوا الناس عن أشياء لا يعلمونها خشية أن ترميهم الناس بالجهل وحبا لأنفسهم الأمارة بالسوء . فكان الخطأ منهم والصواب كل الصواب من علي وولده ﴿عليهم السلام﴾ .


التفقه واجب عيني :
لقد حث الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ الناس عموماً وأتباعهم على وجه الخصوص بالتعلم وعدم البقاء على الجهل المقيت . فقد اوجب رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ على المسلمين طلب العلم وعد ذلك فريضة عليهم جميعاً في قوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿طلب العلم فريضة على كل مسلم ، إلا أن الله يحب بغاة العلم﴾﴿[62].
ولم يكن هذا التبليغ قد انقطع بعد رحيل النبي الأعظم أبداً بل استمر الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ واحد تلو الأخر بتبليغ الناس بوجوب التعلم وطلب العلم فقد ورد في هذه المسألة العديد من الأخبار منها ما روي عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله وأبو جعفر ﴿عليهما السلام﴾ : ﴿لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته ﴾﴿[63] . وفي حديث آخر عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه في الدين لأوجعته﴾﴿[64] . وعن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿ليت السياط ، على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام﴾﴿[65].
إن لطلب العلم والتفقه في الدين أبعاد عديدة منها ما يعود نفعه على الإنسان نفسه ومنها ما يعود على الناس جميعاً . وهذا ما دأب آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ عليه فقد حثوا الأصحاب على بث علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وعدوا ذلك أحياءا لأمر أهل هذا البيت المبارك وقد ورد في ذلك أحاديث وروايات كثيرة منها ما روي عن عبد السلام الهروي ، عن الرضا ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿رحم الله عبدا أحيى أمرنا ، قلت : كيف يحيي أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ، ويعلمها الناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا﴿[66].
لو علم الناس محاسن كلام العترة الطاهرة لإتبعوا أمرهم ولكن ومع شديد الأسف قد نقل من المحسوبين على هذه المدرسة المحمدية العلوية صورة مشوهة ومؤلمة في ذات الوقت عن هذا الثقل العظيم الذي أوصانا نبينا الأكرم بالتمسك به بعد كتاب الله جلوعلا .
إن مدرسة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أجل وأعظم من أن يمثلها أشخاص قد اتبعوا خطوات الشيطان وغرتهم النفس الأمارة بالسوء فحللوا الخبائث على أنفسهم وعلى أتباعهم أيضاً وحرموا عليهم الطيبات التي انعم الله علينا بها وما هذه الطيبات إلا أنوار تخرج من أفواه الكواكب الدرية الإثني عشر ﴿عليهم السلام﴾ والتي لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن لا لشيء إلا لحلاوتها فلا يحتملها هؤلاء في قلوبهم من الحلاوة التي أصابتهم من كلام العترة حتى يخرجوا ما سمعوه إلى غيرهم وهذا ما أكدته الروايات الشريفة منها ما جاء عن محمد بن عيسى ، عن رجل قال : كتبت إلى أبي محمد ﴿عليه السلام﴾ : ﴿روي عن آبائكم : أن حديثكم صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن ، قال : فجاءه الجواب : إنما معناه : أن الملك لا يحتمله حتى يخرجه إلى ملك مثله ، ولا يحتمله نبي حتى يخرجه إلى نبي مثله ، ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن مثله ، إنما معناه : أنه لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه إلى غيره﴿[67].
ومع هذه الحلاوة التي تصاب بها قلوب السامعين والحافظين لكلام الرسول وأهل بيته ﴿عليهم السلام﴾ جاءت المكافئة العظمى من الرسول الاكرم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ لمن حفظ أربعين حديثاً من السُنة هذه المكافئة المتمثلة بنيل شفاعة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ والتي لا ينالها الا ذو حظ عظيم فقد ورد عن النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ قال : ﴿من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السُنة كنت له شفيعا يوم القيامة﴿[68].
ولم تنتهي المكافئات على حفاظ الحديث إلى هنا فقط بل زاد في ذلك رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ حين قال : ﴿من حفظ عني من أمتي أربعين حديثاً في أمر دينه يريد به وجه الله والدار الآخرة ، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما﴿[69].
إن العلة في حفظ حديث الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ من بعده كان الغرض من ورائه تحصين الناس من الوقوع في الإفتاء المبني على رأي وعقل المفتي دون الرجوع إلى الثقلين معدن العلم والمعرفة .


حرمة الافتاء بغير علم :
جاء التأكيد المحمدي على أن ما يعذب به اللسان لا يعذب به شيئاً من جوارح الإنسان بمثله لا لشيء سوى ما يخرج منه من كلمات تطوف المشارق والمغارب فيسفك بها الدم الحرام وينهب بها المال الحرام وتنتهك بها الحرمات دون علم ولا دراية . فقد جاء ما يؤكد هذا المعنى عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح فيقول : أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً ، فيقال له : خرجت منك كلمة ، فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام ، وعزتي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئاً من جوارحك﴿[70].
إن شر ما يخرج من اللسان هو ما يكذب به على الله وأي كذب أعظم من الافتراء على الله بحلاله وحرامه ومن يفعل هذا فقد وضع نفسه بموضعين : الأول قد حاد الله وجلس في موضع الله وراح يحلل للناس ويحرم وكأنه المشرع وصاحب الشريعة وهذا ما فعله أحبار اليهود ورهبأن النصارى وسار عليه المسلمون حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة فقد ورد عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ حين سأله الراوي عن قوله تعالى : ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ ؟ فقال ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراماً ، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون ﴾﴿[71].
ومن هذا الكلام نفهم بأن هؤلاء المفتون قد وضعوا أنفسهم أرباباً لأتباعهم واضداء لله حيث أحل وحيث حرم وما يؤكد هذا المعنى أيضاً هو ما جاء عن أبو جعفر ﴿عليه السلام﴾ في قوله : ﴿من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم﴿[72].
وهذا هو الموضع الأول الذي وضعوا أنفسهم فيه وهم لا يحسدون على عاقبته . أما الموضع الثاني فقد وضعوا أنفسهم محلا للعن اللاعنين فقد ذكر أبو جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ هؤلاء اللاعنين للذين يفتون بما لا يعلمون في قوله : ﴿من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه﴿[73].
إن مسألة الفتوى بغير علم صادر عن إمام معصوم مفترض الطاعة لهي من اخطر المسائل التي بقيت لزمان طويل بل منذ نزول ادم ﴿عليه السلام﴾ محلا للابتلاء والتمحيص فكم من واقعة يرويها لنا التأريخ الإنساني تحكي عن أناس جلسوا محل أولياء الله وراحوا يفتون الناس بغير علم فما هي عاقبتهم ؟ إن عاقبتهم اللعن والبراءة وكما حدث مع الأحبار والرهبأن وكما مر في تأريخنا الإسلامي أيضاً .
لقد كان الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ دائمي النصح لأتباعم وطلابهم بعدم القول بغير علم أو الإفتاء بغير علم ومن هذه النصائح ما نقل عن مفضل بن مزيد قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال : أنهاك أن تدين الله بالباطل ، وتفتي الناس بما لا تعلم﴿[74] . وجاء النصح أيضاً لعبد الرحمن بن الحجاج حيث قال : قال لي أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك : إياك أن تفتي الناس برأيك ، أو تدين بما لا تعلم﴿[75] . ونصح أبي جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ زياد بن أبي رجاء قائلاً : ﴿ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم إن الرجل لينتزع الآية يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض ﴾﴿[76] .
لم يكن هذا النصح لهذا الحد فقط بل عد أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ مسألة الفتوى بغير علم وابتداع الآراء وحب الناس وبغضهم عليها على حد الشرك بالله فقد جاء عن أبي العباس قال : سألت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا ، فقال : ﴿من ابتدع رأيا ، فأحب عليه وأبغض﴾﴿[77].
فكم من فقيه ومتفقه أحب الناس وأبغضهم على رأي لم يقام دليله من الثقلين فهذا تأريخنا وحاضرنا يشهد علينا عند رب الأرباب وملك الملوك .
وقد يتساءل البعض عن موقفنا تجاه الشريعة الإسلامية بحلالها وحرامها فنقول : إن هذا التساؤل من أفضل التساؤلات التي يجب على كل إنسان مؤمن أن يسأل نفسه به ولا بد أن يأتيه الجواب من إمام معصوم عن الخطأ فإن هذا التساؤل على خطورته قد أجيب عليه بعدة أجوبة من قبل أناس يدعون العلم والمعرفة في دين الله فما كان جوابهم جواب حق كما كانت إجابات الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ .
إن موقفنا تجاه الشريعة الإسلامية هو موقفنا من حق الله علينا وحق الله علينا هو أن نقول بما نعلم وأن نقف عند المسائل التي لا علم لنا بها . وهذا هو جواب آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ عندما كانوا يسألون عن حق الله على عباده فقد ورد عن زرارة أبن أعين قال : سألت أبا جعفر ﴿عليه السلام﴾ ما حق الله على العباد ؟ قال : ﴿أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون﴿[78].
وفي هذا المعنى روايات عديدة منها ما روي عن هاشم صاحب البريد قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ - في حديث : ﴿ أما انه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا﴾﴿[79] . وجاء عن جابر عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة﴿[80]. وجاء عن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في كلام له : ﴿قولوا ما قيل لكم ، وسلموا لما روي لكم ، ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم ، واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة﴿[81].
الى هنا نكون قد انتهينا من بيان أوامر الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وكلماتهم النيرة التي وجهت إلى شيعتهم وأتباعهم على وجه الخصوص وإلى المسلمين على وجه العموم وقد فهمنا من كلماتهم ﴿عليهم السلام﴾ ما هو واجبنا تجاه الشريعة الإسلامية . وعلمنا كل العلم بأن الواجب على كل مسلم هو الإمتثال والطاعة لأوامر رب العالمين وهذه الأوامر تارة تأتي من الكتاب الكريم وتارة من الثقل الثاني والمتمثل بالأئمة الأطهار ﴿عليهم السلام﴾ . وقد أُمرنا بالتسليم والطاعة لأولي الأمر فطاعتهم مفروضة علينا كباقي الفروض التي فرضها الإسلام على معتنقيه بل هي من أهم الفروض وأعظمها .


أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وأصول الفقهاء :
إن من سمات الطاعة والتسليم معرفة أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فقد كثر الكلام حول علم الأصول أو ما يسمى بعلم أصول الفقه وقد كثر فيه القيل والقال وكثر فيه السؤال بين رافض له بالجملة وبين مبجل له إلى حد القدسية . وحين رجوعنا إلى كلام الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وجدنا لهذا العلم ما يؤكد وجوده في كلماتهم ولكن أي أصول يذكرها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ؟ وهل لها ترابط موضوعي بين ما يتناقلوه فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم في مصنفاتهم من قواعد أصولية وبين ما بينه أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ من أصولهم التي القوها على طلابهم وشيعتهم ؟
إننا حين نطلع على أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ نجدها نابعة من الكتاب الكريم والسُنة الشريفة فلم يلقوا علينا أي من الأصول التي يعتمدها القوم في أيامنا هذه وما سبقها واقصد القواعد العقلية وقواعد الإجماع والملازمة وغيرها والتي سنأتي على ذكرها بالتفصيل إن شاء الله تعالى .
لقد بين لنا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بأنهم سوف يلقون علينا الأصول وعلينا التفريع وهذا ما نقله أبن إدريس الحلي عن جامع البزنطي صاحب الرضا ﴿عليه السلام﴾ عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، قال : ﴿ إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول ، وعليكم أن تفرعوا ﴾﴿[82] . ونقل أيضاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ علينا إلقاء الأصول إليكم ، وعليكم التفرع ﴿[83].
إن هذه الرواية من أعظم الحجج على أصحاب الأصول أنفسهم حيث إنها تبطل العديد من قواعدهم الأصولية التي وضعها الأصوليون للشريعة الإسلامية حيث أن هذين الخبرين لا يدلان على العمل بالأصول العقلية وغيرها من القواعد التي أعتمدها الفقهاء النابعة من منابع المخالفين لآل محمد ﴿عليهم السلام﴾ على حد قولهم حيث لا يخفى أن ألقاء الأصول الذي ورد ذكره في الخبرين لا يكون إلا منهم ﴿عليهم السلام﴾ بمعنى حصر إلقاء الأصول فيهم ﴿عليهم السلام﴾ كما إن في دلالة الخبرين بطلان الأصول الخارجة عن غيرهم فالمراد من الكلام أن القول بالأصول وقواعده لا يتم إلا من خلال أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وإنما علينا التفريع عليها فكل أصل لا يوجد ما يسنده من الأخبار ولا دليل عليه من كلامهم ﴿عليهم السلام﴾ فهو بمقتضى الخبرين مردود لا يجوز العمل به والاعتماد عليه .
وقد علق الحر العاملي على هذين الخبرين قائلاً : ﴿ هذان الخبران تضمنا جواز التفريع على الأصول المسموعة منهم ، والقواعد الكلية المأخوذة عنهم ﴿عليهم السلام﴾ لا على غيرها ... مع أنه يحتمل الحمل على التقية وغير ذلك﴾﴿[84].
لقد بين أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أن ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال فقد جاء عن المعلى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال﴾﴿[85].
وما يؤكد بُعد الكتاب عن التفسير بالعقل والرأي هو ما جاء عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿ ليس شيء أبعد من عقول الرجال عن القرآن ﴾﴿[86] .
وبعد أن عرفنا منابع الأصول عند الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ سنورد فيما يلي جملة من الأصول التي ألقاها أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ على طلابهم وشيعتهم ومنها :
1- روي عن إسحاق بن عمار أنه قال : قال لي أبو الحسن الأول ﴿عليه السلام﴾ : ﴿إذا شككت فأبن على اليقين ، قال : قلت : هذا أصل ؟ قال : نعم﴾﴿[87].
2- محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن أبن محبوب ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : ﴿ قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل . قال الله تعالى : ﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ ، امسح عليه ﴾﴿[88].
3- عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبن مسكان ، قال : حدثني محمد بن ميسر قال : ﴿سألت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان ؟ قال : يضع يده ، ثم يتوضأ ، ثم يغتسل ، هذا مما قال الله عز وجل : ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾﴾﴿[89]. عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير قال : ﴿ قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ إنا نسافر ، فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية ، فتكون فيه العذرة ، ويبول فيه الصبي ، وتبول فيه الدابة ، وتروث ؟ فقال : إن عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا ، يعنى افرج الماء بيدك ، ثم توضأ ، فإن الدين ليس بمضيق ، فإن الله يقول : ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾﴿[90].
4- وسأل زُرارة وبكير الإمام أبا جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ عن وضوء رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، فدعا بطست ، إلى أنْ قال : ﴿ إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ ... ﴾ فليس له أنْ يدع شيئاً مِن وجهه إلاّ غسله ، وأمر أنْ يغسل اليدين إلى المرفقين ، فليس له أنْ يدع شيئاً مِن يديه إلى المرفقين إلاَّ غسله ؛ لأن الله تعالى يقول : ﴿ ... فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ ...﴾﴿[91].
5- وعن حكم بن الحكم ، قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول ، وسُئل عن الصلاة في البْيَع والكنائس ، فقال : ﴿ صلِّ فيها ، قد رأيتها ما أنظفها ﴾ قلت : أيُصلَّى فيها وإنْ كانوا يصلِّون فيها ؟ فقال : ﴿ نعم ، أما تقرأ القرآن ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيل ﴾ صلِّ إلى القبلة وغرّ بهم ﴾﴿[92].
6- وفي حديث عن الإمام أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تبارك وتعالى : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإن لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأبن السَّبِيلِ ... ﴾ ، فنحن أصحاب الخُمس والفيء ، وقد حرَّمنا على جميع الناس ما خلا شيعتنا ﴾﴿[93].
7- وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : جُعلت فداك ، يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرني نيّة زيارة قبر أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، فأزوره وأفطر ذاهباً وجائياً ؟ أو أُقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال : ﴿أقمْ حتى تُفطر﴾ . فقلت له : جعلت فداك ، فهو أفضل . قال : ﴿ نعم ، أما تقرأ في كتاب الله ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾﴾﴿[94] .
نكتفي بهذا العدد من الروايات التي تحكي لنا عن كيفية إلقاء الأصول التي كان يعتمدهاالأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ونكتفي بهذا القدر من البيان فلسنا هنا في مقام التوسيع في الفقه وأصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فليس هذا مرادنا من البحث أساساً وإنما كان هدفنا ومرادنا هو معرفة طريقة الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في معرفة الأحكام الشرعية وقد بينا طريقتهم فيما أوردناه من الروايات الاستدلالية والتي تحكي عن كيفية تعليم الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ طلابهم وأصحابهم الأصول القرآنية التي يعتمدونها في الأحكام الشرعية وقد دلت روايات عديدة تركناها مراعاةً للاختصار على حصر الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ للأصول في الكتاب والسُنة دون غيرهما وعدوا ما سواه مما كلفه الشيطان لأتباعه وهو مما ليس عليه بيان من الثقلين ، فقد ورد في تفسير العياشي ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عن علي ﴿عليه السلام﴾ في حديث قال : ﴿فما دلك عليه القرآن من صفته ، وتقدمك فيه الرسول من معرفته ، فائتم به واستضئ بنور هدايته وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه ، ولا في سُنة الرسول وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين﴾﴿[95].
وفي هذا الخبر وفي الأخبار الكثيرة المروية عن آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ والتي ذكرنا بعضها فيما تقدم نجد تركيز الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على مسألة البعد الكبير بين ما يدركه العقل البشري من الأسباب وبين علل الأحكام الإلهية ، ولا نقصد هنا جميع الأحكام فقد بين الله لعباده بعض العلل لبعض الأحكام الشرعية والأمور العقائدية ، وأخفى عن عباده الكثير منها وذلك بسكوته عنها حيث لم يدعها نسيانا منه جل جلاله وحاشاه من النسيان .
إن المسائل التي سكت الله عنها لم يجز لنا تكلفها والخوض في بحوثها وعللها وأسبابها وهذا ما ذكره أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في قوله : ﴿إن الله افترض عليكم الفرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها﴿[96]. وقوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ... ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم ، واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة﴾﴿[97].
ولذلك نجد الكثير من المسائل والفروض إنما يعملها المكلف تعبداً كما يصطلح عليها وبمعنى مبسط أننا لا نعلم سبب الحكم الإلهي أو المصلحة في هذه الأحكام وإنما نقوم بها إمتثالاً لأوامر رب العالمين تبارك وتعالى .
وبعد ما تقدم نقول : مع شديد الأسف إننا نلاحظ اليوم فقهاء المسلمين عموماً والإمامية على وجه الخصوص قد خاضوا في أشياء قد سكت الله عنها فتكلفوها ببحوثهم وراحت الآراء تتساقط منهم يمينا وشمالا وصارت الأقوال عندهم بعدد أنفاس الخلائق ولم يتفقوا على قول واحد في أي مسألة من المسائل بل انفرد كل واحد منهم بقول أو أكثر !!
إن مسألة الطاعة لقول المعصوم يجب أن يكون مصداقها في أفعالنا وكلامنا وبحوثنا فإننا حين نقدم على أشياء قد ورد النهي عنها إنما نحن نقدم على الهلاك والتيه بأنفسنا والله يقول : ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ ﴾﴿[98].
إننا سندع مناقشة الآراء الفقهية والمسائل التي اختلفوا فيها والأصول التي يعملون بها إلى المباحث القادمة إن شاء الله تعالى فالمهم في هذا الفصل هو تسليط الأضواء على كلمات العترة الطاهرة ﴿عليهم السلام﴾ ووصاياهم التي أوصوا بها شيعتهم ومواليهم وخصوصاً ما يتعلق بطرق معرفة الأحكام الشرعية وأصولها التي ألقاها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على طلابهم وقد لاحظنا بأن أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كلها نابعة من الكتاب والسُنة ، فلم يرد في قولهم إجماع ولم يقولوا في أحكام الله بالعقل ولا قياس في دين وهذه هي سمات الدين الإسلامي . وقد حث الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على التمسك بهذه المبادئ ولا تذهب بنا المذاهب يميناً وشمالا فقد جاء عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ لا تذهب بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل﴾﴿[99].
الى هنا نكتفي بما تقدم وسنتعرف فيما يلي على حال المدرسة الإمامية القديمة والمتمثلة بفقهاء كان دأبهم الاهتمام بالحديث والتفسير ولهذه المدرسة مؤلفات معروفة ورجال معروفون سنتعرف على سمات هذه المدرسة في المبحث التالي باذنه تعالى والله الموفق والمستعان .



(( هذا الموضوع ومواضيع أخرى تجدونها في كتابنا سقيفة الغيبة ))


[1] - سورة المائدة آية 3
[2] - سورة النحل آيه 89
[3] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 61
[4] - نفس المصدر السابق
[5] - سورة النجم آية 3
[6] - سورة الحشر آية 7
[7] - سورة النساء آية 80
[8] - سورة محمد آية 33
[9] - مسند أحمد الحديث رقم 10681
[10] - السنن الكبرى – البيهقي ج 10 ص114
[11] -جامع الاحاديث جلال الدين السيوطي - ج10 - ص163 - رقم الحديث 9325
[12] - التذكرة بأصول الفقه - الشيخ المفيد - ص 28
[13] - الكافي – المحدث الكليني - ج 1 - ص 48
[14] - نفس المصدر السابق
[15] - نفس المصدر السابق
[16] - نفس المصدر السابق
[17] - نفس المصدر السابق
[18] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 213
[19] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 90
[20] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 34
[21] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 34
[22] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 35 - 36
[23] - سورة الانعام آية 89
[24] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 61
[25] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 58
[26] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 173 - 174
[27] - نفس المصدر السابق
[28] - نفس المصدر السابق
[29] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 37 - 38
[30] - السنن الكبرى – البيهقي - ج 10 - ص 114
[31] - الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 55 – 56
[32] - نهج البلاغة - خطب الإمام علي ﴿ع﴾ - ج 1 - ص 54 - 55
[33] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 56
[34] - نفس المصدر السابق
[35] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 57
[36] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 58 - 59
[37] - نفس المصدر السابق - ص 61
[38] - نفس المصدر السابق - ص 45
[39] - نفس المصدر السابق - ص 49
[40] - سورة الكهف آيه 82
[41] - علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 59
[42] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 67
[43] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 56
[44] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 49 - 50
[45] - نفس المصدر السابق - ص 50
[46] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 224
[47] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 65
[48] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 59
[49] - نفس المصدر السابق- هامش ص 59
[50] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
[51] - نفس المصدر السابق - ص 24
[52] - نفس المصدر السابق - ص 25
[53] - سورة عبس آية 24
[54] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 74 – 75
[55] - نفس المصدر السابق - ص 43
[56] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 30
[57] - نفس المصدر السابق - ص 72
[58] - نفس المصدر السابق - ص 67 - 68
[59] - نفس المصدر السابق - ص 68 – 69
[60] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 276
[61] - سورة هود آية 118 - 119
[62] - الكافي – الشيخ الكليني - ج 1 - ص 30
[63] - المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي - ج 1 - ص 228
[64] - نفس المصدر السابق
[65] - نفس المصدر السابق - ص 229
[66] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 92
[67] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 93
[68] - نفس المصدر السابق - ص 94
[69] - نفس المصدر السابق
[70] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 21 – 22
[71] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 53
[72] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 41 - 42
[73] - نفس المصدر السابق - ص 20
[74] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 21
[75] - نفس المصدر السابق
[76] - نفس المصدر السابق - ص 22
[77] - نفس المصدر السابق - ص 60
[78] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 23
[79] - نفس المصدر السابق - ص 70
[80] - نفس المصدر السابق - ص 75
[81] - نفس المصدر السابق - ص 102 - 103
[82] - مستطرفات السرائر - أبن إدريس الحلي - ص 575
[83] - نفس المصدر السابق
[84] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 62
[85] - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 555
[86] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 203
[87] - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 351
[88] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 1 - ص 464
[89] - نفس المصدر السابق - ص 152
[90] - نفس المصدر السابق - ص 163
[91] - الحدائق الناظرة- المحقق البحراني - ج 2 - ص 243
[92] - الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 7 - ص233
[93]- الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 285 - 286
[94]- وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 10 - ص 183
[95]- وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 10 - ص 183
[96] - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 126 - 127
[97] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 102 - 103
[98] - سورة البقرة آية 195.
[99] - الكافي – الشيخ الكليني - ج 2 - ص 73





0 التعليقات:

إرسال تعليق