Ads 468x60px

الاثنين، 27 أغسطس 2012

الكشف عن كيفة ادعاء الفقهاء النيابة عن الامام المهدي ع




الكشف عن كيفة ادعاء الفقهاء النيابة عن الامام المهدي ع

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد والعن اعداء آل محمد اجمعين


القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني




إن الحركة الإجتهادية التي تزعم زمامها المحقق والعلامة استمرت بالتطور شيئاً فشيئاً على يد الفقهاء الذين تلو العلامة وكان من اشهر هؤلاء فخر الدين ﴿أبن العلامة الحلي﴾ المتوفى سنة 771 هـ والشهيد الأول المتوفى سنة 876 هـ والفاضل المقداد المتوفى سنة 826 هـ وأبن فهد الحلي المتوفى سنة 841 هـ وغيرهم ممن كانوا في هذه العصور والذين ساهموا بشكل فعال في تغيير العديد من القواعد والإتيان بقواعد جديدة على الفكر الإمامي من خلال قراءة الأحاديث والأخبار بقراءة أخرى وكان هذا هو السبب الرئيسي في اختلافهم في الأصول، فكان كل فقيه يقرأ النص من زاوية فهمه ورأيه ولم تكن هنالك ضوابط لفهم النصوص ولعل أكثر التغيير الذي بدى واضحا في قراءة النصوص كان في زمن المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي المتوفى سنة 940 ه‍ فقد بدأ هذا الشيخ بتفسير النصوص تفسيرا مغايرا لما عليه ثوابت السابقين حيث لم نشهد فقيهاً شيعياً أدعى النيابة عن الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ بالمعنى المتعارف عليه سبق الشيخ الكركي ولم تكن هذه الدعوى بالأساس من الشيخ وإنما هي عبارة عن منصب حكومي منحه الشاه طهماسب للشيخ الكركي سنة 930 هـ .
ذكر المحقق البحراني في كتابه لؤلؤة البحرين المحقق الكركي في قوله : ﴿كان " المحقق " من علماء دولة الشاه طهماسب الصفوي ، جعل أمور المملكة بيده ، وكتب رقما إلى جميع الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ المذكور ، وأن أصل الملك إنما هو له ، لأنه نائب الإمام عليه السلام ، فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتبا بدستور العمل في الخراج ، وما ينبغي تدبيره في شؤون الرعية﴿[1].
وكما ذكر ذلك محقق كتاب رسائل الكركي في قوله : ﴿ولما تولى الشاه طهماسب سنة 930 ه‍ ، قرب المحقق الكركي ، ومنحه لقب نائب الإمام﴾﴿[2].
وذكر الشيخ محمد الحسون محقق كتاب رسائل الكركي المناصب الحساسة التي كان يتقلدها المحقق الكركي منها : ﴿الأمير ، وشيخ الإسلام في أصفهان ، ونائب الإمام ، والمفتي ، ومروج المذهب ، وشيخ الإسلام في طهران . وشغل الكركي منصب شيخ الإسلام في أصفهان زمن الشاه إسماعيل الصفوي وعند تولي الشاه طهماسب سنة 930 ه‍ تولى الكركي منصب نائب الإمام﴾﴿[3] .
وقبل أن نناقش هذه المسائل نحب أن نبين بعض معالم رجال الدولة الصفوية فقدتبدلت الاوضاع في زمن الشاه إسماعيل الصفوي وأصبحت الدولة تحاول تقمص الشرعية الدينية فقد أدعى الشاه إسماعيل الصفوي بانه التقى بالإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ واخذ الاجازة منه بالحرب ضد التركمان الذين كانوا حكاما لايران آنذاك﴿[4].
ولم يتوقف الشاه إسماعيل بهذه الدعوى فقط بل زاد في قوله حتى أدعى بانه نائب الله وخليفة الرسول والأئمة الاثني عشر وممثل الإمام المهدي في غيبته﴿[5].
وبعد أن تولى الشاه طهماسب أبن الشاه إسماعيل زمام الحكم تخلى عن منصب نائب الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ الذي كان يدعيه والده ومنحه إلى الشيخ الكركي، والمحقق الكركي من جهته تقبل المنصب بكل رحابة صدر والعجيب انه أدعى بأن هذا المنصب متفق عليه عند الأصحاب وذلك في قوله : ﴿اتفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أن الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى ، المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل - وربما استثنى الأصحاب القتل والحدود مطلقا - فيجب التحاكم إليه ، والإنقياد إلى حكمه ، وله أن يبيع مال الممتنع من أداء الحق إن احتيج إليه ، ويلي أموال الغياب والأطفال والسفهاء والمفلسين ، ويتصرف على المحجور عليهم ، إلى آخر ما يثبت للحاكم المنصوب من قبل الإمام عليه السلام ﴾﴿[6].
نقول : إن هذا الاتفاق لا ينفع في شيء ان لم يكن هنالك نص معتبر على ما قالوا به وقد احتج المحقق الكركي برواية عمر بن حنظلة والتي اقتطع منها ما يفيد اثبات ما يدعيه حيث قال ما هذا نصه : ﴿والأصل فيه ما رواه الشيخ في التهذيب باسناد إلى عمر بن حنظلة ، عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : ﴿ أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، وهو راد على الله ، وهو على حد الشرك بالله ﴾﴿[7].
قبل أن نناقش متن الرواية نحب أن نبين بأن هذه الرواية ضعيفة عند الأصولين لمجهولية عمر بن حنظلة حيث قال أصحاب الرجال عنه ما هذا نصه : ﴿عمر بن حنظلة : العجلي يكنى أبا صخر كوفي - مجهول - من أصحاب الباقر والصادق ﴿ ع ﴾ ﴾﴿[8].
وقالوا أيضاً : ﴿ نسب للمشهور من الأصحاب عدم توثيق عمر بن حنظلة ولا الاعتداد به﴾﴿[9].
هذا من حيث السند علما بأن الأصوليون لا يقبلون الروايات الضعيفة في باب الطهارة والنجاسة فكيف قبلوا هذه الرواية ولقبوها بالمقبولة ؟!
أما إذا ناقشنا متنها فنقول : ان المحقق قد اقتطع صدر الرواية وإليكم النص الذي رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام عن عمر بن حنظلة قال : ﴿سألت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك ؟ فقال ﴿عليه السلام﴾ : من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاً لأنه اخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل ان يكفر بها ، قلت : كيف يصنعان ؟ قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله عز وجل﴾﴿[10].
نقول : إن الراوي قد حدد نقطة النزاع بين الطرفين وهي ﴿الدَين والميراث﴾ والدَين هنا بفتح الدال وجمعه ديون وليس دين أي بمعنى الاعتقاد كما توهم البعض والذي جمعه أديان فالامور التي وكل بها الراوي لحديث أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ حل الخلافات فيما يتعلق بالدَين والميراث والدليل على ذلك هو بقية الرواية فإننا حين نتأمل ألفاظها وهو قوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاً﴾.
وهذا ما يؤكد بأن النزاع يتعلق بأموال اما دَين أو ميراث كما ان قول الإمام ﴿عليه السلام﴾ يؤكد على مسألة الرجوع إلى راوي الحديث العالم بحلال أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وحرامهم وليس إلى المجتهد في الأحكام الشرعية كما يقول المحقق الكركي فإن المجتهد يخطئ ويصيب في أحكامه ولذلك فإن قوله لا يمكن الوثوق به ولا يمكن اعتباره من أقوال العترة الطاهرة ﴿عليهم السلام﴾ لأن قول المجتهد في الأحكام الشرعية متأرجح بين الخطأ والصواب والشرط الذي وضعه الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ للرجوع إلى الفقيه هو ان يكون ذلك الفقيه ممن قد روى حديث أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وعلم حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم وفي هذه الحالة يكون الرد على قوله رد على أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ لأن قوله في حقيقة الأمر هو قول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لأنه راوي لحديثهم ﴿عليهم السلام﴾ وليس قوله نابع من إجتهاده الشخصي فيجب التفريق بين المعنيين .
وبعد ما تقدم نحب أن نقول : إن مسألة النيابة عن الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ لم يدعيها الفقهاء في بادئ الأمر ولكن صدرت عن بلاط السلاطين واهديت بعدها إلى الفقهاء كما تهدى الهدايا والعطايا وبعد أن تقلدها الفقهاء من السلاطين قاموا بتأويل المعاني لكي يضيفوا إليها شيئاً من الشرعية الدينية وهذا ما حصل بالضبط في زمن المحقق الكركي فقد تقلد منصب نائب الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ من الشاه طهماسب بعد أن كان قد ادعاه الشاه إسماعيل والد الشاه طهماسب وكما مر ذكره .
إن هذا التغير الجوهري الذي حدث في زمن الدولة الصفوية لهو من المهازل الكبرى في تأريخنا الإسلامي فكيف يمكن ان يدعي شخصا النيابة عن الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ معتمدا على رواية ضعيفة السند في الأصول الرجالية الذي يعتمدها هو علاوة على كونها تتحدث عن نزاعات مالية بين شخصين وفيها تخصيص لحادثة معينة هي الدَين والميراث فكيف جاز لهم التعميم على غير هذا التخصيص، كما ان هذه الرواية بعيدة كل البعد عن ما يدعيه المحقق الكركي بل ان الفقهاء السابقين لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه فهذا العلامة الحلي حين تعرض إلى مسألة صرف الزكاة في كتابه تحرير الأحكام قال : ﴿يجوز للمالك أن يتولى التفرقة بنفسه ، ويستحب صرفها إلى الإمام أو نائبه ، ولو تعذر ، صرفت إلى الفقيه المأمون من الإمامية ﴾﴿[11].
وقول العلامة يفهم منه أن منصب النائب لم يكن موجودا بدليل قوله يستحب صرفها إلى الإمام أو نائبه ولو تعذر ذلك صرفت إلى الفقيه المامون فلم يعطي للفقيه النيابة عن الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ فتأمل.
لقد أصبحت نيابة الإمام سلعة يهديها من يشاء لمن يشاء فبعد أن قبلها المحقق الكركي قام باعطاء الشاه طهماسب اجازة بحكم البلاد نيابة عن نائب الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ كما يقول السيد نعمة الله الجزائري في كتابه شرح غوالي اللئالئ ما هذا نصه : ﴿ لما قدم الشيخ الكركي إلى اصفهان وقزوين في عصر السلطان العادل طهماسب مكّنه من الملك والسلطان وقال له: أنت أحق بالملك لأنك النائب عن الإمام، وإنما أكون من عمالك، أقوم بأوامرك ونواهيك وقد أعطى الكركي الشاه طهماسب إجازة لحكم البلاد بالوكالة عن نفسه باعتباره نائبا عن الإمام المهدي، ولقبه الشاه بنائب الإمام وعينه ﴿شيخا للإسلام﴾ ﴾
وذكر صاحب رياض العلماء حال المحقق الكركي عند الشاه طهماسب ما هذا نصه : ﴿ واتصل بصحبة السلطان ﴿الشاه طهماسب الصفوي ثاني سلاطين الصفوية﴾ فكان معظما مبجلا في الغاية عند ذلك السلطان وقد عين له وظائف وادارات كثيرة ، حتى أنه قرر له سبعمائة تومانا في كل سنة بعنوان " السيور غال " في بلاد عراق العرب ، وكتب في ذلك حكماً وذكر فيه أسمه في نهاية الإجلال والإعظام ﴾﴿[12].
إننا حين نقرأ هذا الكلام ننعصر حرقةً لمظلومية أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بشكل عام والإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ بشكل خاص فكيف يمكن ان يتصور العقل هذا الاستخفاف بمنصب النيابة عن الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ حتى أصبحت بهذا الشكل المخزي الرخيص الذي يعطى كما تعطى المناصب الأخرى لمن يتقرب للسلاطين ، وكيف سكتت الإمامية على هذا الأمر وهم لم يشاهدوا أحداً من قدماء فقهاء الإمامية قد قال بهذا الكلام أو أدعى هكذا منصب .
وقد نقلنا ما ورد من الناحية المقدسة بحق الشيخ المفيد من الاطراء والمدح ولكنه رحمه الله لم يقل بهكذا أقوال ولم تنسب إليه أياً مما قاله المحقق الكركي وليس الأمر منحصرا بالشيخ المفيد بل لم يتجرأ أحد من الفقهاء على القول بانه نائب عن الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ بالمعنى الذي ذهب إليه المحقق كما ان موقف المحقق من السلاطين والرؤساء وتقربه إليهم فيه معارضة للنصوص الصريحة الوارد عن أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ والتي تتحدث عن عدم إتباع السلاطين والتقرب إليهم، كما انها قد خصت الفقهاء على وجه الخصوص فقد ورد عن السكوني ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ : ﴿الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله : وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ﴾﴿[13].
وجاء عن أبأن قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿يا معشر الأحداث ! اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء وغيرهم حتى يصيروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، انا - والله - خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ﴾﴿[14].
وجاء عن عبد الله بن مسكان قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك ﴾﴿[15].
والروايات بهذا المعنى كثيرة جداً فكيف جاز لنا مخالفة النص الصريح والعمل بما يعارض أخبار أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ووصاياهم والتي ملئها الخير والصواب لأتباعهم والانجرار وراء ما أتبعه السلاطين بل وموافقتهم على ظلمهم وأي ظلم أعظم من إدعاء النيابة عن خاتم الأوصياء دون دليل معتبر .
إننا حين نراجع هذه الحقبة الزمنية نجد ان التأريخ قد اعاد نفسه في ذلك الزمان وقد حصل ما يشبه الذي حصل في زمن الشيخ المفيد فقد ذكرنا ان الشيخ المفيد كان تليمذا لأبن الجنيد وكان من اشد المعارضين لإجتهادات أبن الجنيد وقياسه في أحكام الله وكتب في معرض الرد على استاذه الكتب والرسائل والحال هي في زمن المحقق الكركي فقد انتفض في ذلك الزمن جملةمن الفقهاء لرد آراء الكركي وكان من اشهر هؤلاء المنتفضين تلميذه الفاضل الشيخ إبراهيم القطيفي والذي ذكره المجلسي في قوله : ﴿الشيخ إبراهيم القطيفي ﴿رحمه الله ﴾ كان في غاية الفضل ، وكان معاصرا للشيخ نور الدين المروج " الكركي " وكانت بينهما مناظرات ومباحثات كثيرة"﴾﴿[16].
بعد تقرب الشيخ الكركي إلى بلاط السلاطين قام بتاليف كتابه المعروف بأسم ﴿قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج﴾ وانتهى منه سنة 916هـ كما يقول العلامة الطهراني ويحتمل ان تكون فكرة هذا الكتاب قد جاءت من بلاط السلاطين أيضاً لما يتحقق لهم من فوائد مادية من الخراجات التي تجلب لصالح الدولة الصفوية .
وبعد أن انتهى المحقق الكركي من تاليف كتابه في السنة المذكورة عرض هذا الكتاب على تلميذه﴿[17] الشيخ الفاضل القطيفي فقال بانها اوهى من نسيج العنكبوت ودمع الشريعة الإسلامية على ما فيها ساكب وإليكم نص ما قاله الفاضل القطيفي بحق كتاب استاذه الكركي : ﴿وإن بعض إخواننا في الدين ﴿يعني المحقق الكركي﴾ قد ألف رسالة في حل الخراج وسماها " قاطعة اللجاج " وأولى بأسمها أن يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ! ولم أكن ظفرت بها مند ألفها إلا مرة واحدة في بلد " سمنان " وما تأملتها إلا كجلسة العجلان . وأشار إلى من يجب طاعته بنقضها ليتخلق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر الآن . وما بلغت منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك . فلما تأملته الآن مع علمي بأن ما فيها أوهى من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عائر . . فاستخرت الله تعالى على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر من أهل العلم والعمل الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك . . فألفت هذه الرسالة وجعلتها واضحة الدلالة ، وسميتها " السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج " . ومن الله تقدس أسمه أسأل العصمة في المقاصد والمصادر والموارد﴾﴿[18]
وفي هذا المقام أيضاً قال القطيفي في معرض الرد رسالة المحقق الخراجية ما هذا نصه : ﴿وإذا فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالته " الخراجية " وكشف لبس ما رتبه فيها من المباحث الإقناعية " وهو مما يقضى منه العجب العجيب ، كما لا يخفى ذلك على الموفق الأريب ﴾﴿[19].
ولا يخفى ما في هذه الواقعة من الشبه بتلك الواقعة التي حدثت في زمن الشيخ المفيد حين تعرض المفيد لرد آراء أبن الجنيد في إجتهاد الرأي إلا أن هذه الواقعة اقرب إلينا بكثير من تلك مما جعل الكُتاب يذكرون بعض الحوادث التي حصلت في ذلك الزمن منها المواجهة التي حصلت بين المحقق الكركي وتلميذه الفاضل القطيفي في ضريح الإمام الرضا ﴿عليه السلام﴾ حين دخل القطيفي ووجد المحقق ومعه جملة من فقهاء ذلك الزمن وكانت نقطة النزاع تكمن في جواز اخذ جوائز الحكام ام لا حيث كان المحقق الكركي من المؤيدين لأخذ الجوائز والهدايا من الحكام والسلاطين بينما كان الفاضل القطيفي من المعارضين لذلك ولمزيد من التفاصيل لنقرأ ما قاله القطيفي عن تلك الحادثة حيث قال ما هذا نصه : ﴿ أني دخلت يوما إلى ضريح الرضا ﴿عليه السلام﴾ فوجدته هناك فجلست معه ، فاتفق حضور بغية العلماء الوارثين وزبدة الفضلاء الراسخين جمال الملة والدين فابتدأ بحضوره معرضا علي : لم لم تقبل جائزة الحكام ؟ !
فقلت : لأن التعرض لها مكروه .
فقال : بل واجب أو مستحب .
فطالبته بالدليل . فاحتج بفعل الحسن عليه السلام مع معاوية وقال : إن التأسي إما واجب أو مندوب ، على اختلاف المذهبين .
فأجبته عن ذلك واستشهدت بقول الشهيد " رحمه الله تعالى " في " الدروس " : " ترك أخذ ذلك من الظالم أفضل ، ولا يعارض ذلك أخذ الحسن عليه السلام جوائز معاوية ، لأن ذلك من حقوقهم بالأصالة " . فمنع أولا - كون ذلك في " الدروس " ثم التزم بالمرجوحية . وعاهد الله تعالى هناك أن يقصر كلامه على قصد الاستفادة بالسؤال والإفادة بالجواب . ثم فارقته قاصدا إلى المشهد الغروي على أحسن الحال . فلما وصلت تواترت الأخبار عنه من الثقات وغيرهم بما لا يليق بالذكر إلى أن انتهى الأمر إلى دعواه العلم ونفيه عن غيره . فبذلت وسعي بجميع أنواع الملاطفة في رضاه بالاجتماع للبحث والمذاكرة فأبى " ﴾﴿[20]
ولا يخفى في قول القطيفي من الحق فإن الدنيا وما فيها هي ملك الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ واخذ الحسن ﴿عليه السلام﴾ لهدايا معاوية إنما هو استرداد لحقة المغصوب من الظالمين كما ان القطيفي قد ذكر في كتابه ﴿السراج الوهاج﴾ ما قاله الفقهاء السابقين حول هدايا السلاطين حيث ذكر جملة من الأقوال منها القول بالحرمة والكراهة وغيرها كثير .
إن الفاضل القطيفي أشار إلى نقطة مهمة جداً وهي دعوى المحقق الكركي العلم ونفيه عن غيره وهذه الدعوى تعتبر من أوائل الأقوال بالأعلمية والتي جرت بعدها الويلات ثم الويلات فكم من فقيه اليوم يدعي الأعلمية دون غيره وكم من فقيه اليوم ينادي بالمناظرات والمطارحات وهذه الامور في حقيقة الأمر ليس فيها مصلحة لعامة المسلمين الا المصلحة الشخصية للمدعي للاعلمية ولا يخفى ما في هذه الدعوات من القول بالانا والانجرار إلى أمراض النفوس والعياذ بالله كما ان أغلب المدعين ان لم نقل كلهم إذا وجهت الاجابة لهم على تلك المناظرات والمباحثات لاثبات أعلميتهم تحججوا بحجج واهية واعذار خاوية حتى يصل بهم الحال إلى عدم الرضا بالمناظرات كما حدث ذلك في زمن الحقق والقطيفي حيث ابى المحقق مناظرة القطيفي كما مر ذكره .
بعد أن شهدت تلك المرحلة ما شهدت من الأحداث والوقائع رجع جملة من طلاب المحقق الكركي عن استاذهم والتحقوا بالشيخ إبراهيم القطيفي ودعوا الشيخ القطيفي لمناظرة الكركي في مجلس الشاه طهماسب ولكن هذه المناظرة لم تنعقد أصلاً وهذه الوقائع ذكرها الميرزا الافندي في كتابه رياض العلماء في قوله : ﴿إن الشيخ إبراهيم القطيفي لما خاصم الشيخ علي الكركي رجع الأمير نعمة الله الحلي الذي كان من تلامذة الشيخ علي الكركي رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي مع جماعة من العلماء في ذلك العصر : كالمولى حسين الأردبيلي والمولى حسين القاضي مسافر المولى حسين وغيرهم ممن كان بينهم وبين الشيخ علي كدورة ، ودفع الأمير نعمة الله الحلي مع الجماعة من العلماء دفعوا الشيخ إبراهيم القطيفي على أن يباحث مع الشيخ علي الكركي في مجلس السلطان الشاه طهماسب في مسألة صلاة الجمعة ، ووعده ذلك الجمع من العلماء أن يعاونوه في البحث في المجلس ، وكان يعاونهم في ذلك جماعة من الأمراء أيضاً ، عداوة للشيخ علي ولكن لم يتفق هذا المقصود ولم ينعقد ذلك أصلا﴿[21].
كما يذكر صاحب رياض العلماء كثرة المعارضات التي حدثت بين القطيفي والكركي حتى وصل الحال إلى رد القطيفي على أكثر الايرادات التي اوردها الكركي في كتبه ورسائله وذلك في قوله : ﴿وتكثرت المعارضات بينه وبين الشيخ علي الكركي ، حتى أن أكثر الإيرادات التي أوردها الشيخ علي في بعض رسائله في الرضاع والخراج وغيرهما رد عليه﴾﴿[22].
إن هذه الطعون التي جرت بين القطيفي والكركي لم تنحصر بين هذين الشيخين كما انها لم تنحصر بين المفيد وأبن الجنيد من قبل ولا حتى بين أبن إدريس والطوسي بل ان المتتبع لأخبار الفقهاء وأحوالهم يجدها من الامور الطبيعية جداً حتى أصبحت وبمرور الزمن من العادات المتبعة في حياة الفقهاء كما انجر جملة من الفقهاء إلى الطعن في عدالة المقابل ورميه بالجهل كما يحدثنا المحقق البحراني عن ذلك بعد أن ذكر المعارضات والمشادات التي حدثت بين الكركي والقطيفي في قوله : ﴿ولكن هذه طريقة قد جرى عليها جملة من العلماء من تخطئة بعضهم بعضاً في المسائل ، وربما انجر إلى التجهيل والطعن في العدالة﴾﴿[23]

والأقوال بهذا الصدد كثيرة جداً نتركها مراعاة للاختصار والحمد لله رب العالمين .

(( هذا الموضوع ومواضيع أخرى تجدونها في كتابنا سقيفة الغيبة ))

[1] - لؤلؤ البحرين - ص 152
[2] - جامع المقاصد - المحقق الكركي - ج 1 - تكملة مقدمة التحقيق- ص 31 - 32
[3] - رسائل الكركي - المحقق الكركي - ج 1 - ص 28
[4] - تاريخ الشاه إسماعيل - ص 88
[5] - إيران في العصر الصفوي - راجر سيوري - ص 26
[6] - رسائل الكركي - المحقق الكركي - ج 1 - ص 142
[7] - نفس المصدر السابق - ص 143
[8] - المفيد من معجم رجال الحديث - محمد الجواهري - ص 425
[9] - بحوث في فقه الرجال - تقرير بحث الفاني لمكي - ص 213
[10] - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 218
[11] - تحرير الأحكام - العلامة الحلي - ج 1 - ص 430
[12] - رياض العلماء - ج 3 - ص 441
[13] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 46
[14] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
[15] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 297
[16] - بحار الأنوار – العلامة المجلسي - ج 1 ص 46
[17] -الخراجيات - المحقق الكركي - ص 16
[18] - السراج الوهاج - الفاضل القطيفي - ص 12 - 13
[19] - نفس المصدر السابق - لؤلؤة البحرين :ص 162-161
[20] - السراج الوهاج - الفاضل القطيفي - ص 8 - 9
[21] - رياض العلماء - ج3 - ص 452
[22] - رياض العلماء - ج1 - ص 17
[23] - لؤلؤة البحرين - ص 163





0 التعليقات:

إرسال تعليق