Ads 468x60px

الأحد، 26 أغسطس 2012

أطروحة معاصرة رجعة المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)


أطروحة معاصرة
رجعة المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)


ليس خفياً على المسلمين رجوع النبي عيسى عليه وعلى نبينا واله أفضل الصلاة والسلام في آخر الزمان مع الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد أجمعت على ذلك أحاديث وروايات كلا الفريقين السنة والشيعة.
وليس هناك أدنى شك في ذلك فالكل مجمعون على انه (عليه السلام) يخرج في آخر الزمان ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام). كما أن المسيحيين متفقون هم أيضا على رجعة عيسى بن مريم التي يسمونها عندهم بالقيام الثاني، فهم يعتقدون بأن المسيح (عليه السلام) قد قتل وانه قام في اليوم الثالث من قتله واختفى بعد ذلك وانه يقوم في أخر الزمان .
كما أن اليهود أيضا ينتظرون ظهور المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) لأنهم لا يعتقدون بان عيسى بن مريم هو المسيح الموعود وبهذا يتضح إن الديانات السماوية الثلاثة قد أجمعت على ظهور السيد المسيح في أخر الزمان إلا إن الاختلاف بينهم حول ظهور السيد المسيح في أخر الزمان يتركز في ثلاث محاور لا رابع لها.
فالمسلمين يقولون إن عيسى (عليه السلام) لم يقتل بل إن الله عز وجل قد رفعه إلى السماء والقى شبهه على أحد تلاميذه سواء أكان التلميذ يهوذا الاسخريوطي الذي سلمه أم غيره وانه بقي حياً طوال هذه الفترة استناداً إلى قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إنا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَان الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ أتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِـيناً}( ) .
ثم انهم يقولون إن الله تبارك وتعالى سوف ينزله في أخر الزمان عند بيت المقدس أثناء إقامة الإمام المهدي (عليه السلام) لصلاة الظهر أو الصبح على اختلاف الروايات، وعندئذ سوف يصلي خلف المهدي (عليه السلام) وقد استدلوا بأحاديث وروايات كثيرة في ذلك .
ففي الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) انه قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حكماً مقسطاً وإماما عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض المال)( - بحار الأنوار ج51 ص61) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما):
( فعند ذلك ينزل أخي عيسى بن مريم من السماء على جبل أفيق إماماً هادياً وحكماً عدلاً عليه برنس له مربوع الخلق أصلت سبط الشعر بيده حربه يقتل الدجال )( تاريخ مدينة دمشق ج47 ص505) .
والروايات في هذا الصدد كثيرة جداً نتركها مراعاة للاختصار .
أما المسيحيون فإنهم يعتقدون إن عيسى بن مريم (عليهما السلام) قد قتل وصلب ثم قام بعد ثلاثة أيام من ذلك ورآه تلاميذه ولم يتطرقوا إلى كيفية موته بعد ذلك واكتفوا بالقول انه يقوم مرة أخرى في آخر الزمان ويكون خلاص الناس وصلاحهم على يديه .
فقد ورد في نص الإنجيل:
( فكما بقي يونان ثلاثة أيام بلياليها في بطن الحوت، كذلك يبقى ابن الإنسان ثلاثة أيام بلياليها في جوف الأرض )( - متى 12) .
يريد بيونان النبي يونس (عليه السلام) وانه سيجري على عيسى ما جرى على يونس في بطن الحوت .
وجاء فيه أيضا:
( ولما مضى السبت وطلع فجر الأحد جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لزيارة القبر. وفجأة وقع زلزال عظيم، حين نزل ملاك الرب من السماء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه. وكان منظره كالبرق وثوبه ابيض كالثلج. فأرتعب الحرس لما رأوه وصاروا مثل الأموات.
فقال الملاك للمرأتين: ( لا تخافا أنا أعرف إنكما تطلبان يسوع المصلوب. ما هو هنا لأنه قام كما قال. تقدما وانظرا المكان الذي كان موضوعاً فيه. وأذهبا في الحال إلى تلاميذه وقولا لهم: قام من بين الأموات، وها هو يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه. ها أنا قلت لكما)( متى 28).
وجاء أيضاً :
( أما التلاميذ الأحد عشر، فذهبوا إلى الجليل، إلى الجبل، مثلما أمرهم يسوع، فلما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا. فدنا منهم يسوع وقال لهم: نلت كل سلطان في السماء والأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم )( متى 28).
وبهذا يتبين لنا أمران مهمان:
الأمر الأول: هو إن المسيحيين مطلقا يؤمنون بالرجعة أي قيامة الأموات كما يسمونها.
الأمر الثاني: هو إن عيسى بن مريم (عليه السلام) لابد أن يرجع في آخر الزمان أي يقوم كما يقولون القيام الثاني .
أما بالنسبة لليهود فهم ينقسمون إلى فئتين فئة تقول بالرجعة أي قيامة الأموات ورجوعهم إلى الحياة الدنيا، وفئة تنكر ذلك، فالذين يقولون بالرجعة وقيامة الأموات هم الفريسيون، وأما من ينكرون ذلك فهم الصديقيون .
أذن فالقول في رجعة عيسى بن مريم (عليهما السلام) ينقسم إلى قولين:
فالمسلمون يقولون إن رجعة عيسى بن مريم ليست بمعنى انه مات ودفن وسيرجع إلى الحياة الدنيا بعد الموت، لأنهم استدلوا على ذلك بالآيات القرآنية التي تنفي القتل والصلب عن النبي عيسى (عليه السلام) والأحاديث والروايات التي تشير إلى نزول عيسى (عليه السلام) من السماء في آخر الزمان مع الإمام المهدي (عليه السلام) .
أما المسيحيون فإنهم يؤمنون برجعة عيسى أو قيامته كما يسمونها ( القيام الثاني ) وهي رجعة بعد الموت، لأنهم استدلوا ببعض الآيات الواردة في الإنجيل التي تشير إلى أن عيسى (عليه السلام) قتل وصلب وانه قام بعد ثلاثة أيام وسيقوم مرة ثانية في آخر الزمان، وهذا الأمر في الواقع من أهم نقاط الخلاف بين المسلمين والمسيحيين وأستمر هذا الخلاف منذ فجر الإسلام الأول وإلى يومنا هذا .

ماهية هذه الأطروحة
نعتقد إن هذه الأطروحة المعاصرة في مسألة رجعة عيسى بن مريم (عليهما السلام) متكفلة برفع الخلاف بين الديانتين في هذه المسالة، والحقيقة إن هذه الأطروحة قد أوردنا على صحتها أدلة عديدة جعلت منها ممكنة الوقوع والصحة والأطروحة الجديدة تقوم على أساس مناقشة الآيات القرآنية التي تشير على عدم قتل وصلب النبي عيسى (عليه السلام) أو إن ذلك لم يقع إلا انه (عليه السلام) قد توفاه الله عز وجل ومعنى ذلك انه ليس كل ما قاله المسلمون صحيحاً ، فالصحيح إن عيسى بن مريم (عليهما السلام) لم يقتل ولم يصلب ، كما اخبر المولى تبارك وتعالى في القران { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} إلا إن ذلك لا يعني انه حي وانه ينزل في أخر الزمان من السماء بنفس ذلك الجسد الذي عاش فيه قبل أكثر من ألفي سنة بل انه مات (عليه السلام) ورفع الله روحه إلى السماء .


ابن الله وابن الإنسان
أما بالنسبة لما جاء في الأحاديث والروايات التي ذكرت نزوله في أخر الزمان من السماء في وقت خروج الإمام المهدي (عليه السلام) فانه سيكون بحسب الرجعة الروحية أي نزول روح عيسى بن مريم (عليه السلام) ورجوعها إلى هذه الحياة الدنيا لتسدد شخصاً مؤمناً له شبه كبير بعيسى بن مريم من حيث الخَلق والخُلق، وسوف يكون ذلك الشخص مولود من أم و أب آدميين لذلك فانه يدعى (ابن الإنسان).
وبذلك نفهم السر في إطلاق الإنجيل لهذا اللقب بكثرة حينما يتحدث عن قيامة عيسى (عليه السلام) في أخر الزمان بينما كان يطلق ابن الله على عيسى (عليه السلام) في ذلك الزمان وقد وقع خلاف كبير ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا حول هذا اللقب فالكثير من المسيحيين يعتقدون إن عيسى (عليه السلام) هو ابن الله لأنه لم يولد من أب .
بينما يرفض المسلمون ذلك بشدة إيمانا منهم بان الله سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة أو ولداً، كما ذكرت ذلك الآيات القرآنية الكثيرة.
والحقيقة هناك شبهة قد وقع بها المسيحيون، فالحق إن عيسى (عليه السلام) ابن الله بالتبني وليس بالمعنى المعهود في الأبوة والبنوة أي بالمعنى المادي لأنه (عليه السلام) لم يكن له أب يرعاه فكان المربي له والمتكفل به بصورة مباشرة هو المولى تبارك وتعالى وذلك من خلال تأييده بالروح القدس منذ صغره.
قال تعالى: { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالانجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إن هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ).
وبناءاً على هذا فيكون الكلام مقبولاً ولا إشكال فيه فإن الخلق كلهم أبناء الله أو على الأقل إن الأنبياء هم أبناء الله إلا إن هذا اللقب أشتهر به عيسى (عليه السلام) لهذا المعنى المذكور آنفاً.
أما مسألة ابن الإنسان فإننا لو تتبعنا الأناجيل لوجدنا أكثر الآيات التي ذكرت ابن الإنسان تتحدث عن مجيئه في آخر الزمان وهذا اللقب لا يكون منطبقاً انطباقاً تاماً وكاملاً إلا أن يكون الشخص مولود من أب وأم عندها يمكن أن نطلق عليه ابن الإنسان ويكون الإطلاق حينها مناسباً تماماً، نعم يصح أن يطلق هذا اللقب على مولود من أم فقط كما حصل مع عيسى (عليه السلام) إلا أن إطلاقه كاملاً وتاماً لا يستقيم لو كان المولود لام فقط .
وبهذا يتبين إن ابن الإنسان الذي هو عيسى آخر الزمان يكون مولود من أب وأم ويكون مسدداً من قبل روح عيسى (عليه السلام) ومؤيداً بها، والواقع إن إطلاق ابن الله على ابن الإنسان ليس مقبولاً تماماً بل إن ابن الله غير ابن الإنسان كما تبين، ولا ادري كيف يعتقد المسيحيون وفيهم المثقفون والعلماء والباحثون بان النبي عيسى هو ابن الله بالمعنى المتعارف عندهم فكيف قبلوا أن يكون لله ولداً ، كما كان من شان خلقه الذين جعلهم يتزاوجون ويولدون .
ومما يؤكد إن ابن الإنسان الذي يأتي في أخر الزمان هو شخص آخر شبيه لعيسى في الخلق والخلق ويكون مسدداً بروح عيسى (عليه السلام) وليس هو عيسى (عليه السلام) نفسه ما جاء في رؤيا دانيال حيث جاء فيها :
( كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام ، فقربه قدامه )( دانيال 13).
فانه رأى مثل ابن الإنسان ولم ير ابن الإنسان نفسه على فرض إن ابن الإنسان هو عيسى فلو كان ابن الإنسان عيسى (عليه السلام) فمن هو الذي رآه دانيال وقال عنه مثل ابن إنسان.
وهذا النص الموجود في التوراة يثبت عدم صحة من أعتقد من المسلمين إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه جاء فيه مثل ابن إنسان جاء إلى القديم الأيام )
فلو كان ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) فمن هو قديم الأيام يا ترى ؟!.
وإذا فرضنا إن قديم الأيام شخصاً آخر فكيف يستقيم المعنى إن الإمام المهدي (عليه السلام) على فرض هو ابن الإنسان يأتي ويسلم إلى شخص آخر علماً إن عقيدتنا في الإمام المهدي (عليه السلام) انه هو القائد والمنقذ في آخر الزمان وليس هناك ثمة شخص آخر أعلى مقاماً منه .
وللأسف فقد أخطأ الكثير من المسلمين وخاصة العلماء منهم حينما اعتقدوا إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث تسالم عليه عندهم وفي دراساتهم للإنجيل إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) .
وإن هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد على إن ابن الإنسان غير الإمام المهدي (عليه السلام) حيث وردت الكثير من النصوص في الإنجيل بلفظ ابن الإنسان وكان فيها دلالة واضحة وأكيدة على انه عيسى (عليه السلام) ولا يمكن أن نحمل ألفاظ تلك النصوص على غيره فقد ورد : ).
(وابن الإنسان سيموت كما جاء عنه في الكتب المقدسة، ولكن الويل لمن يُسلَّمُ ابن الإنسان أكان خيراً له أن لا يولد)( مرقس (14)).
فهذا النص لا يمكن حمله على غير النبي عيسى (عليه السلام) .
وقد ورد أيضا:
( فقالوا له من أنت ؟ فقال يسوع: أخبرتكم من البدء. عندي أشياء كثيرة أقولها فيكم، وأشياء كثيرة احكم بها عليكم. لكن الذي أرسلني صادق، وما سمعته أقوله للعالم. فما فهموا انه يحدثهم عن الأب، فقال لهم: متى عرفتم ابن الإنسان عرفتم إني أنا هو )( يوحنا 8) .
فمن هذا النص يتبين لنا واضحاً وبما لا يقبل الشك إن ابن الإنسان هو نفسه عيسى بن مريم (عليه السلام) ، فلماذا يقول الباحثون والعلماء حينما يذكرون إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي خاصة إذا ما سألهم المسيحيون عن ذلك ؟.
وقد ورد أيضا:
( سيسلم ابن الإنسان إلى أيدي الناس فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم من بين الأموات )( متى17).
وهناك الكثير من النصوص التي تؤكد وتدل على إن لفظ ابن الإنسان لا يصح حمله على غير عيسى (عليه السلام)، نعم فقد وردت بعض النصوص التي لا يصح حملها على عيسى (عليه السلام) الذي عاش في ذلك الزمان إلا أن ذلك لا يعني إن ابن الإنسان هنا هو الإمام المهدي (عليه السلام)، بل هناك أدلة كثيرة تؤكد إن ابن الإنسان هو أحد ممهدي الإمام (عليه السلام) وهو اليماني الموعود أشبه الناس بعيسى بن مريم (عليه السلام).
فقد ورد في التوراة هذا النص:
( وبينما كنت أرى، نصبت عروش، فجلس شيخ طاعن في السن وكان لباسه ابيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار، وتخدمه ألوف ألوف، وتقف بين يديه ربوات ربوات فجلس أهل القضاء وفتحت الأسفار- إلى إن قال- ورأيت في منامي ذلك الليل فإذا بمثل ابن إنسان آتيا على سحاب السماء، فأسرع إلى الشيخ الطاعن في السن فقرب إلى أمامه وأعطي سلطاناً ومجداً وملكاً حتى تعبده الشعوب من كل امة ولسان ويكون سلطانه سلطاناً أبدياً لا يزول وملكه لا يتعداه الزمن )( رؤيا دانيال (6-7)).
وفي ترجمة أخرى للإنجيل ورد بدلاً من الشيخ الطاعن في السن (قديم الأيام) فإذا كان ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) فمن هذا الشيخ الطاعن في السن أو القديم الأيام الذي ينصب له عرش يا ترى ؟ .
أليس في هذا الكلام (الشيخ الطاعن) أو(قديم الأيام) إشارة ودلالة واضحة على الإمام المهدي (عليه السلام)، وان المقصود من الشيخ الطاعن أو القديم الأيام هو طول عمره الشريف (عليه السلام) .
ومن المعلوم ان الإمام (عليه السلام) ليس فوقه أحد حتى إن المسيح يكون تابعاً له، فإذا تنزلنا جدلاً وقلنا إن ابن الإنسان هو الإمام (عليه السلام) فكيف يسلم ويأتي ويقدم أمام الشيخ الطاعن؟ ومن يكون ذلك الشيخ يا ترى حتى يسلم له ابن الإنسان؟.
ثم إننا لو تابعنا النص التوراتي المتقدم الذكر لوجدنا له انطباقاً في القران فقد قال تعالى {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }( ).
وقد ورد أن الإمام يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم .
فيتضح من ذلك إن هذه الآية هي عين ذلك النص الوارد في رؤيا دانيال وبذلك يتبين إن الشيخ الطاعن الذي يجلس على العرش فجلس أهل القضاء وتفتح الأسفار هو الإمام المهدي (عليه السلام) كما اخبر بذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في تأويل الآية المتقدمة .
ثم انه ورد: (فَقَالَ يَسُوعُ أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْن الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ) (مرقس 14 :62).
وهذا النص لا يدل على إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) نعم فهو لا ينطبق على عيسى (عليه السلام) إلا إننا لو عرضنا هذا النص على أحاديث وروايات النبي (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وأهل بيته (عليه السلام) لوجدناه مطابقاً لتلك الأحاديث والروايات .
فقد جاء في الرواية الواردة عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
( إذا أذن الإمام (عليه السلام) دعا الله باسمه العبراني فإنتخب له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف فهم أصحاب الألوية منهم من يفقد عن فراشهم ليلاً ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه ...)( غيبة النعماني ص326).
فهذه الرواية وغيرها كثير من الروايات تؤكد إن أصحاب الإمام (عليه السلام) ينتقلون بوسائل نقل متعددة وحديثة ومتطورة .
وأما من يقول بان ذلك معجزة ولا تكون المعجزة في آخر الزمان إلا للإمام (عليه السلام) فأقول جاء في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
( يركب المهدي الهواء لا بسحر ولا بفتنة عين، بل بعلم يعرفه من سبقوه .... )( المفاجأة ص47).
وبهذا يتبين إن المسير في السحاب يكون عن طريق العلم الحديث والذي يتضح من هذه الروايات التي تتحدث عن كيفية انتقال أصحاب الإمام المهدي ووصولهم إلى مكة بغاية من السرعة .
أقول يتضح إن منهم شخصاً واحداً يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه وان هذا الشخص كما أشارت الروايات هو أفضلهم أي أفضل الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إذن فهو وزير الإمام المهدي (عليه السلام) وهو صاحب دعوته لذلك يكون معروفاً باسمه واسم أبيه ومعروف الأوصاف والنسب من قبل الناس.
ومعنى هذا إن الشخص المذكور في النص الإنجيلي المتقدم هو نفسه هذا الشخص لأن الاثنين يسيران في السحاب، فدل هذا على أنهما شخص واحد لا شخصان، ولم تخبرنا الروايات إن الإمام المهدي حينما يخرج في مكة المكرمة يأتي محمولاً على السحاب بل إن الروايات دلت وأشارت إلى وزيره والذي هو أحد أصحابه والذي يأتي محمولاً على السحاب .
(وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْن الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ)
إن ابن الإنسان وهو وزير المهدي (عليه السلام) يأتي في السحاب بقوة وتسديد من الإمام (عليه السلام)، ودلت على ذلك رواية صريحة في هذا المعنى فقد وردت عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال:
( ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه { لو كان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} إلا تمنياً لقوة القائم المهدي وشدة أصحابه وهم الركن الشديد ......)( كمال الدين وتمام النعمة ص673) .
فالقوة التي تمناها لوط (عليه السلام) والتي ذكرها المولى في كتابه والتي بينها الصادق (عليه السلام) ،هي قوة القائم المهدي (عليه السلام)، إذن فالقوة في النص الإنجيلي المذكور هي قوة القائم المهدي أي إن ابن الإنسان حينما يأتي على السحاب يكون مؤيداً ومسدداً بقوة القائم المهدي (عليه السلام) .
وبهذا يتأكد إن ابن الإنسان غير الإمام المهدي (عليه السلام) ولمزيد من البيان نقول إن ابن الإنسان هو عيسى بن مريم (عليه السلام) في زمان بعثته والنصوص التي ذكرناها في بداية الجواب ، والتي قلنا انه لا يمكن حملها على غيره تتحدث عنه أما النصوص التي تحكي عن المستقبل ، والتي تبشر بمجيء ابن الإنسان في آخر الزمان فهي تتحدث عن اليماني الموعود والذي يخرج مسدداً ومؤيداً بروح عيسى (عليه السلام) وهو من يسير على السحاب كما بينا، وبحسب الروايات الشريفة فهو شبيه عيسى بن مريم (عليه السلام)، فكما كان للمسيح شبيه في زمانه قال تعالى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ }( ) .
وقد دلت الروايات على انه ألقى الشبه على أحد أصحابه ورفع إلى السماء وكذلك سيكون له شبيه في آخر الزمان، فإن مسألة الشبه ليست مستعصية أو صعبة بل هي حقيقة مؤكدة أثبتتها الكثير من الأحاديث والروايات والأخبار والقصص، بل إن واقعنا لا يكاد يخلو منها، ففي الكثير من الأحيان نلتقي أو نرى أناس متشابهون إلى درجة بحيث يصعب التفريق أو التمييز بينهم وهذا ما أثبته العلم الحديث( ).
فقد اكتشف علم الوراثة والجينات بان هناك أطلس كامل للجينات البشرية تحمل جميع صفات الإنسان الجسدية والسلوكية والأخلاقية بحيث يكون لكل صفة جين (موروث) ينتقل من الآباء إلى الأبناء حتى الوصول إلى المبدأ البشري وهو آدم (عليه السلام)، فالجينات الموجودة في الناس اليوم هي مجموعة الجينات الوراثية الواصلة إليهم من إبائهم وأجدادهم في القرون الأولى ولو نضدت هذه الجينات في مولود في زماننا هذا بنفس التنضيد لأحد أبائه في القرون الأولى لكان المولود شبيه لذلك الشخص الذي وجد قبل آلاف السنين مثلاً بل انه يصعب على الآخرين التمييز بينها لو أمكن وشوهد الاثنين معاً. وبناءً على هذا أمكن ظهور شخص في آخر الزمان يشبه عيسى بن مريم (عليهما السلام) .
فقد جاء في الرواية الشريفة التي أوردها الحر العاملي في الجزء الثالث من كتابه إثبات الهداة والتي جاء فيها :
( إن القائم المهدي من ولد علي أشبه الناس بعيسى بن مريم خَلقاً وخُلقاً وسُمتاً وهيبة ...)( غيبة النعماني ص149).
والمقصود بالقائم المهدي في هذه الرواية اليماني الموعود كما سيأتي.
فإن من المعلوم إن الإمام المهدي (عليه السلام) شبيه نبي الله موسى (عليه السلام).
ومعنى هذا إن هذا الممهد الذي يسير في السحاب يكون من ولد علي (عليه السلام) وهو شبيه عيسى (عليه السلام) لذلك فهو من يطلق عليه عيسى آخر الزمان ويسدد بروحه (عليه السلام) ، ومما يؤكد ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
( هناك ينادي مناد من السماء أظهر يا ولي الله إلى الإحياء وسمعه أهل المشرق والمغرب فيظهر قائمنا المتغيب يتلألأ نوره يقدمه الروح الأمين وبيده الكتاب المستبين ثم مواريث النبيين والشهداء والصالحين يقدمهم عيسى بن مريم فيبايعونه في البيت الحرام ...)( إلزام الناصب ج2 ص195) .
فمن هذه الرواية يتبين لنا إن عيسى (عليه السلام) يبايع الإمام في مكة المكرمة والمعلوم عندنا والذي دلت عليه الروايات إن الذين يبايعون الإمام في مكة هم أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر، ومعنى هذا إن عيسى (عليه السلام) أحدهم وهو أفضلهم، وان خروجه قد سبق قيام الإمام في مكة مما يعني انه أحد الممهدين للأمام بل هو أفضل الممهدين على الإطلاق والمعلوم إن أفضل ممهدي الإمام هو وزيره اليماني، إذن فعيسى في آخر الزمان هو اليماني الموعود.
ونختم الكلام في هذه الفقرة حول ما جاء في الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد قال:
( … بعد ذلك يموت المهدي ويدفنه عيسى بن مريم في المدينة بقرب قبر جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ...)( الزام الناصب ج2 ص182) .
فمن هذه الرواية يتبين إن الذي يلي تجهيز المهدي عند وفاته هو عيسى بن مريم (عليه السلام) إلا إن هناك روايات تؤكد إن الحسين (عليه السلام) هو من يتولى تجهيز المهدي (عليه السلام) ، فقد جاء عن أبي عبد الله :
( ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع قوم موسى بن عمران فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته)( بحار الأنوار ج53 ص103).
بينما تؤكد روايات أخرى إن الذي يخلف المهدي (عليه السلام) هو السيد القحطاني فقد جاء في الرواية الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) انه قال: ( سيكون من أهل بيتي رجل يملئ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم من بعده القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه )( الملاحم والفتن لابن طاووس ص77).
وجاء عنه ( صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أيضا :
وجاء عنه ( صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أيضا :
( القحطاني بعد المهدي والذي بعثني بالحق ما هو دونه )( الفتن لأبن حماد ص245 . فكما يتضح من هذين الحديثين إن القحطاني هو من يلي المهدي ويخلفه ، والقحطاني كما دلت عليه الأخبار هو اليماني ، فإن القحطاني لقب من ألقابه .
وهنا لابد من القول بان عيسى هو نفسه الحسين وهما نفسهما اليماني وزير المهدي (عليه السلام) الذي يكون مسدداً بروحيهما .

الأدلة على موت عيسى (ع)
وسنورد الآن الأدلة التي تؤكد موت النبي عيسى (عليه السلام) وان المرفوع إلى السماء هي روحه فقط، وليس روحه وجسده، علماً إننا على يقين تام ومطلق من إن عيسى المسيح (عليه السلام) لم يقتل ولم يصلب كما اخبر عن ذلك المولى عز وجل في كتابه، وهذا مما لا يحتاج إلى نقاش إلا إننا نقول إن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة نفت عن عيسى (عليه السلام) القتل والصلب ولكنها لم تنف الموت، بل إن المتتبع للآيات القرآنية يظهر له واضحاً إن عيسى (عليه السلام) ميت وإن المرفوع إلى السماء هي روحه بعد أن مات وفارقت روحه جسده.
قال تعالى {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى اني مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}( ).
فمن الآية الشريفة يتبين لنا إن عيسى (عليه السلام) مات لأن معنى قوله ( متوفيك ) من الاستيفاء وهو قبض الروح ولا يكون ذلك إلا عند الموت ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }، فلا يكون الرفع إلى الله تبارك وتعالى رفعاً مادياً، أي إن المرفوع بدن عيسى وروحه أي انه رفع إلى الله أو السماء وهو حي لان الله سبحانه وتعالى لا يؤين بأين ولا يكيف بكيف فهو لا تحده الحدود بل هو في كل مكان ولا يحل بمكان، فلا يصح أن يقال انه في السماء، إنما اقترن ذكر الله مع السماء للإشارة إلى العلو والارتفاع والمعنى، وبذلك فمن غير الصحيح إن يكون رفع عيسى كما يفهمه البعض رفعاً مادياً.
وبهذا يتبين لنا واضحاً إن رفع عيسى (عليه السلام) رفعاً معنوياً أي إن المرفوع إلى الله هي روحه الطاهرة لا جسده الشريف، كما يعتقد البعض فمن غير الممكن إن تسري قوانين عالم الملك على عالم الملكوت فعالم الملكوت عالماً معنوياً وروحياً، وليس عالماً مادياً جسمانياً، وقد حاول بعض المفسرين تفسير الوفاة تفسيراً لغوياً من قبيل المجازات وما شابه لكي يتلاءم مع تصورهم بان عيسى (عليه السلام) حي لم يمت، فقالوا إن الوفاة من الاستيفاء أي قبض الشيء واستيفاءه كاملاً من دون نقص فيه وما إلى ذلك من المعاني اللغوية للكلمة إلا إنهم لم يلتفتوا إلى إن المولى عز وجل قرن ذكره للوفاة في القران بالموت، فكلما ذكر الوفاة أشار إلى الموت من قبيل قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْانفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا }( ).
وقال تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }( ) .
وقال تعالى { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إني مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ }( ).
وقوله عز وجل { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً}( ).
وقوله تعالى {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}( ).
وقوله تعالى:
{إن الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي انفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ }( ).
وقوله تعالى:
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي انفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إن اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}( ).
وقوله تعالى:
{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}( ) .
وقوله تعالى:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}( ) .
وقوله تعالى :
{ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ }( ) .
وقال تعالى :
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}( ) .
وقال تعالى :
{ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ انتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنت عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}( ) .
فهذه هي الآيات التي ذكرت الوفاة في القران، وكلها كما هو واضح تتحدث عن الموت، ولم ترد آية واحدة تحدثت عن الوفاة في غير حال الموت، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على إن المولى عندما يذكر الوفاة ويتحدث عنها إنما يريد الموت ليس إلا فلا مبرر ولا مسوغ للمفسرين في تفسير الوفاة بحسب المعاني اللغوية كاستيفاء الشيء وغيره.
ثم إننا وبالرجوع إلى نفس الآية يتبين لنا من قوله تعالى {إلي مرجعكم} إن المقصود هنا هو الموت لأنه إشارة إلى القيامة والحساب في (مرجعكم) ولا تكون القيامة والحساب إلا بعد الموت .
وبهذا تبين لنا واضحاً أن الآيات التي تحدثت عن وفاة النبي عيسى (عليه السلام) كانت تشير إلى موته سلام الله عليه، أما إذا قيل فما معنى قوله عز وجل ورافعك إلي أليس في ذلك دلالة على انه لم يمت ؟ .
فأقول : ليس في ذلك دلالة على إن عيسى رفع حياً إلى السماء بل العكس هو الصحيح والحق إن المرفوع إلى السماء روحه دون بدنه (عليه السلام) على نحو العروج كما كان في عروج روح النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ليلة الإسراء والمعراج .
وهذا ما جاء في الروايات فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن أبي إسحاق السبيعي وغيره قال: (خطب الحسن بن علي (عليه السلام) في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ثم قال: ( لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولم يدركه الآخرون بعمل - إلى أن قال - ولقد توفي في الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم والتي قبض فيها يوشع بن نون وصي موسى(بحار الأنوار ج43 ص362.
وفي أثناء هذا العروج قبض الله عز وجل روح نبيه عيسى (عليه السلام) بين السماء والأرض بينما كان جسده في الأرض كما كان من شان إدريس النبي (عليه السلام) حيث قبضت روحه في السماء كما ذكرت ذلك الأخبار .
واليك ما يؤكد ذلك فعن علي بن الحسن الفضال عن أبيه عن الرضا (عليه السلام) انه قال في حديث طويل في وصف ألائمة (عليهم السلام) وإنهم يقتلون بالسيف أو بالسم وساق الحديث إلى أن قال (عليه السلام) :
(ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه عليهم السلام للناس إلا أمر عيسى ابن مريم وحده لأنه رفع من الأرض حياً - أشار إلى عروج روحه (عليه السلام) وهو حي - وقبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء ورد عليه روحه وذلك قوله عز وجل {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} . وقال عز وجل حكاية لقول عيسى(عليه السلام) :
(وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )( بحار الأنوار ج14 ص338) .
أما إذا قيل فما معنى قول الإمام الرضا (عليه السلام) (رد عليه روحه). والصحيح إن معنى (رد عليه روحه) أي أطلقها بعد إن قبضها ملك الموت واعوانه على غرار إطلاق أرواح الأنبياء والأئمة والأولياء (عليهم لسلام) لتنعم في الجنان التي أعدها الله لأنبيائه ورسله وعباده المتقين كما أطلق أرواح الأنبياء (عليهم السلام) من قبل وليس في ذلك دليل على إحياءه بعد موته كما قد يتصور البعض، وهذا المعنى يظهر واضحاً وجلياً في حديث الإسراء والمعراج حيث عاين النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) اخوانه من أنبياء الله ورسله في السموات وسلم عليهم وسلموا عليه فقد عاين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة هو عن معنى وماهية وجود الأنبياء المذكورين والذين رآهم الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) في السماء هل إن وجودهم بأرواحهم وأبدانهم أم بأرواحهم فقط؟.
علماً إن الأول مخالف لما عليه عقائد المسلمين، ثم إن هؤلاء الأنبياء ماعدا عيسى (عليه السلام) لا نقاش في موتهم ودفن أجسادهم في الأرض وبهذا يتعين إن الذين رآهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) في السماء هي أرواح الأنبياء (عليهم السلام) .
فيكون النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) قد رأى أيضا روح عيسى (عليه السلام) لا روحه وبدنه كما عاش في الدنيا لأنه أما أن نقول كل الأنبياء في السماء أحياء بأرواحهم وأبدانهم كما عاشوا في الدنيا وهذا قد تبين بطلانه، وإما أن نقول إن جميع من في السماء من الأنبياء هم أحياء بأرواحهم فقط من دون وجود لهذه الأبدان لأن طبيعة وماهية العوالم التي تمر بها الروح مختلفة وليست هي ذو طبيعة وماهية واحدة .
وتلك الحياة على غرار حياة الذين قتلوا في سبيل الله فهم قد دفنت أبدانهم في الأرض إلا إن المولى تبارك وتعالى عبر عنهم بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ومعنى ذلك حياتهم بأرواحهم في الجنان قال تعالى {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }( ) .
وبهذا يتبين لنا إن النبي عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حي عند الله يرزق على غرار حياة الأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، وقد يسأل سائل لماذا اقترن ذكر عيسى (عليه السلام) بالحياة دون باقي المقتولين في سبيل الله ممن ذكر آنفا لو كان الأمر كما تقولون ؟ .
فأقول : خصه بذلك لأنه سلام الله تعالى عليه لم يقتل، بل إن الله توفاه وأماته من دون إن يتدخل في ذلك إنسان كان قتله أو سمه وما إلى ذلك، فلكي لا يتوهم البعض إن عيسى (عليه السلام) دون غيره من الأنبياء في المرتبة وعلو المقام أشعرت بعض الآيات والأحاديث والروايات بأنه حي لم يمت كما هو الحال في إدريس (عليه السلام) فقد توفاه الله وقبض روحه في السماء كما دلت الأحاديث على ذلك وقال الله عز وجل عنه {ورفعناه مكاناً علياً} .
أما بالنسبة لمسألة نزوله (عليه السلام) في آخر الزمان من السماء في عصر الظهور الشريف فأقول: إن معنى ذلك هو نزول روحه الطاهرة إلى الأرض لكي تسدد وتؤيد شخص يدعو المسيحيين لنصرته بحسب مفهوم الرجعة الروحية التي تقدم الكلام عنها وقد أثبتنا صحة وقوعها وتحققها.
الخلاصة :-
وأخيراً نورد أقوال بعض العلماء الذين اعتقدوا بموت عيسى بن مريم (عليه السلام) فقد قال العالم والعارف ابن العربي ما هذا نصه: ( ولما كان مرجعه إلى مقره الأصلي ولم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله في آخر الزمان ببدن أخر )( تفسير ابن عربي ج1 ص184) .
وفي هذا القول إشارة واضحة إلى الرجعة الروحية .
وذكر الرازي في تفسير قوله تعالى: {إني مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} اي رافعك إلى محل كرامتي، وجعل ذلك رفعاً إليه للتفخيم والتعظيم (تفسير الرازي ج8 ص73
).
وأما ما جاء في الرواية الواردة والتي تقول (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)( بحار الأنوار ج51 ص93).
والتي حاول البعض التشكيك فيها وردها بدلاً من محاولة فهمها ومعرفتها، فنقول إن هناك نقطة استدلال لجميع البشر في العالم:
فإن المسلمين ينقسمون إلى سنة وشيعة، فأما السنة فإنهم ينتظرون المهدي الحسني الذي يولد في أخر الزمان فهم لا يؤمنون بالإمام المهدي (عليه السلام) إلا عن طريق هذه النقطة.
أما الشيعة فإنهم موعودين منتظرين لليماني الموعود صاحب دعوة الإمام والممهد له أما بالنسبة للمسيحيين فإنهم ينتظرون المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) .
أما اليهود فإنهم ينتظرون المسيح المنتظر، والحقيقة إن نقطة الاستدلال لابد أن تكون واحدة وإلا لما أمكن توحيد الشعوب وإيمانهم بقضية المنقذ الإلهي الإمام المهدي (عليه السلام) .
فلا بد أن يكون المهدي الحسني الذي ينتظره السنة هو نفسه اليماني الذي تنتظره الشيعة، وهو نفسه شبيه عيسى بن مريم (عليه السلام) والذي يدعو المسيحيين فيؤمن بدعوته الكثير منهم كما إنه هو من يقيم الحجة على اليهود ويثبت لهم انه هو من ينتظرونه وليس ثمة شخص آخر، فإذا اجتمعت كلمة الناس وآمنوا بأنه هو من كان ينتظرون عندئذ سوف يقوم بتسليم الأمر للإمام المهدي (عليه السلام) ويجمع الأمم تحت رايته .
وبهذا يتضح إن هناك نقطة استدلال للإمام (عليه السلام) على الأمم والشعوب وهذه النقطة لا بد إن تكون واحدة تستدل بها كل أمة على أمر المنقذ في آخر الزمان وبهذا يتضح لنا معنى الرواية المتقدمة ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) أي إن المهدي الحسني اليماني هو نفسه عيسى بن مريم في آخر الزمان على حسب مفهوم الرجعة الروحية.
ويكون ذلك الشخص حتماً هو ابن الإنسان في آخر الزمان لأنه مولود من أم وأب وله شبه خلقي وخلقي كبير من النبي عيسى (عليه السلام) كما سبق إن قلنا وهذا الشخص هو من يتكفل بدعوة المسيحيين في آخر الزمان، وتكون دعوته للمسيحية الحقة التي دعا لها عيسى بن مريم (عليهما السلام) من قبل والتي هي في الواقع منبثقة من الإسلام الحقيقي، كما قال تعالى: { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ انصَارِي إلى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ انصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِانا مُسْلِمُونَ}( ) .
وقال تعالى :
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ إن آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِاننَا مُسْلِمُونَ}( ) .
وسوف يؤمن البعض من المسيحيين بدعوة هذا الشخص بل إنهم سوف يعتقدون بأنه هو عيسى بن مريم (عليه السلام) كما يعتقد المسلمين ذلك إلا إنه سوف يبين لهم حقيقة الأمر الذي بات خافياً على الناس طوال هذه العقود من الزمن .

الموضوع من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني

0 التعليقات:

إرسال تعليق