Ads 468x60px

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

الاتجاه الذاتي للإدراك العقليّ

الاتجاه الذاتي للإدراك العقليّ








النظرية القرآنية للإدراك العقليّ


الاتجاه الذاتي للإدراك العقليّ





المرحوم
عالم سبيط النيلي

الاتجاه الذاتي للإدراك العقليّ




قسّموا الإدراك العقليّ إلى مرحلتين هما التصوّر والتصديق وأخذ بهذا التقسيم جميع الفلاسفة ومن بعدهم المتكلّمون ثم انتقل إلى الأصوليين فاستعانوا به لترتيب مقولاتهم في حجّية العقل . ومع أني أشكّك في أساس التقسيم حيث لا يمكن الاعتقاد بان التصوّر يمكن أن يكون تصوّراً متكاملاً الاّ بعد التصديق مما يدعونا إلى إلغاء التقسيم المذكور واعتبار عملية الإدراك عملية واحدة قد تكون حقيقية أو وهماً وأن نسبة الوهم والحقيقة فيها متغيرة ولا حدود لها بحسب العقول وقوتها وقدرتها في الإدراك وبحسب المعطيات الخاصة بالموضوع الحسيّة والعقليّة – أقول مع ذلك فإني هنا أريد التنويه إلى الطابع الذاتي للإدراك عند كلّ العقلاء باستثناء من ألزم نفسه بالتخلّي عن ذاتية الإدراك وهو ليس سوى الأنبياء والرسل(عليه السلام) . فالتقسيم الناتج منه بشأن الاتجاهات الفلسفية إلى ذاتية وموضوعية هو تقسيم باطل . وعملية الإدراك التي تتّسم بالموضوعية النسبية هي فقط البحوث العلمية المرتبطة بالرياضيات وعلم القياس . ولذلك أدركت الأيدلوجيات الذاتية الطابع عدم اتصافها بالموضوعية فأضافت إلى نفسها صفة ( العلمية ) من أجل الاعتراف بها مختلفةً عن الاتجاه الذاتي بنحو من الأنحاء وهي مخادعة مكشوفة – وذلك أن كلّ عملية أدراك عقليٍّ فيها أحكام تركيبية لا تستند إلى قياس رياضي أو حكم الهي فوقي هي عملية ذاتية بصورة أو بأخرى . فالسمة الذاتية للإدراك هي سمة ثابتة لكلّ الخلق باستثناء المعصوم (عليه السلام) حيث يحاول ] الذين آمنوا و عملوا الصالحات [ اللحاق به واتباع طريقته في الإدراك الموضوعي حيث تخلّت ذاته تماماً عن السيطرة على العقل وحررته كلّياً ليحكم على الموضوع بما هو موضوع بمساعدة الحكم الشرعي الذي فتح له أبواباً من المعرفة اللامتناهية بالأشياء .
ولذلك يؤكد الإمام الصادق ( عليه السلام ) على تسميته بالحجّة دون سائر الأسماء بل لم يستخدم مفردة ( المعصوم ) أصلاً أحدٌ من الأئمة (عليه السلام) ، الاّ أنّه معصوم فعلاً من حيث أنّه موضوعي لا ذاتي ، فهوا إذن حجّة لله على الخلق فإنه يحتج به عليهم فيما إذا زعموا أن عقولهم قصرت عن الإدراك أو التبس عليهم الأمر . إذ أن عملية الإدراك مرتبطة قبل العقل بالذات الآمرة أيّ القلب ، فهو تعالى يحتجّ به من جهة التسليم والطاعة لأمره .
على أن التقسيم الفلسفي نفسه ينبئ من طرف آخر إلى المركز الآمر وإلى وجود عنصرين هما العقل والذات من خلال تقسيم الاتجاهات الفلسفية إلى ذاتية وموضوعية ، إذ يفترض أن يكون العنصر الذاتي مختفياً في الاتجاه الموضوعي ، والذي يحدّد نوع الحكم عنده هو الموضوع . ولكن هذا كما علمت هو مجرّد إدعاء يتصف به على ( نحوٍ محدّد ) العلم التجريبي وحده دون سواه .
أن ظهور السمة الموضوعية في البحث العلمي التجريبي ليس بسبب الأمانة في البحث العلمي وإنما بسبب غياب المصالح الذاتية ( الطبقية أو الفئوية أو المذهبية ) في البحث العلمي ومن هنا فلا خلاف في تأويل النص العلمي في علوم الفلك والطب بالرغم من أنّها نصوص لغوية . بينما يحصل الاختلاف بصورة دائمة في النص الفكري لوجود المصلحة الذاتية التي تنعكس على البحث.
أن المبادئ الأوّليٌّة في العقل هي الأساس في عمله وهي أشبه شئ بالبرنامج الموجود في الحاسبة والذي بدونه لا يمكن أن تعمل اللهم الاّ عملاً عشوائياً ويسمّى هذا الجزء في الحاسبة بـ ( الهارد ) وهو قريب من لفظ ( هارت ) بالإنكليزية والمترجم إلى قلب ودلالته الصلابة بحيث لا يمكن خرقه وهو في لفظ ( حرد ) وحرود العربي الذي يعني الشدّيد الصلابة ، فالمصمِّم يضع مبادئ وأسس منطقية متّفق عليها في دائرة مقفلة داخل الحاسبة يسميها بنفس الاسم ولا يمكن تغيير ما فيها بل يمكن تغييرها كاملة دفعة واحدة . ذلك أن أيّ خرقٍ لعنصر فيها هو تخريب لكلّ المبادئ المرتبطة مع بعضها البعض .
فإذا حدث أيّ خرقٍ لهذا النظام ظهرت لافتةٌ تقول : ( أخطأت افعل كذا أولا تفعل كذا .. ) ومعناه أن هذا الخرق يعني عدم الاتفاق وأنه خلاف المبادئ المتفق عليها سلفاً.
إن المركوز في العقل الإنساني وما صُدِّر به هذا العقل هو مبادئ أوّليٌّة متفقٌ عليها بين الخالق الحكيم وبين المخلوق وقد اظهر النص القرآني هذا الميثاق والاتفاق في آية الميثاق الذرّي في عالم الذر الشهيرة التي تمّ تأويلها بمختلف السُبل اللغوية . إن المبادئ الأوّليٌّة في العقل هي في واقع الأمر تمّثل هذا الميثاق المأخوذ على الخلق قبل ظهورهم الفعلي وحسب نص الإمام الصادق (عليه السلام) في شرح الآية أن الميثاق سبق وإن أخذ منهم ولولا ذلك لما عرف أحدٌ ربّه وخالقه و رازقه فقال ما نصه :
( ثبتت المعرفة في ذلك وأنسوا الموقف ).
وهذه عبارة هامة جداً تدلّـل على أن ثبوت المعرفة هو الهدف فلا ضرورة لمعرفة وقت الواقعة ولا أهمية له على الإطلاق .. وهذا بديهيٌّ فإن مشغل الحاسبة لا يسألها متى اتفقـّنا على تلك المبادئ ! بل هو سؤال مضحك جداً لأن ما يهمّه هو ظهور البرنامج بصورته الصحيحة على المبيِّن ( الشاشة الزجاجية ) .
إن تغيير المبادئ الأوّليٌّة وخلافاً – لصناعة الحاسوب – غير ممكن عملياً . لأن الإنسان قاصر العلم ويقوم بتطوير لغة الحاسوب لجهله بأفضل طريقةٍ للتعامل اللغوي مع الآلة .
أما الحكيم سبحانه وتعالى فإنه خلق الإنسان في أحسن تقويم وهو اي الإنسان ذاته حسيب على نفسه بالحرّية التي وهبها له الباري عزّ وجلّ ولذلك فإن المبادئ واحدةٌ لا تتغير – فهي مرتبطة بكلِّ الوجود تصميماً وكذلك لا يمكن إنكارها ولا تبديلها بمبادئ أخرى – لأنها مبادئ الوجود ذاته لا سواه . فهو مخلوق ( أيّ الإنسان ) مصمَّم لإدراك العلم ولكن هذا الإدراك له شرطان الأوّل أن لا تقف الذات حائلاً دون تطبيق المبادئ على الظواهر والثاني الحكم على الاشياء وفق تلك المبادئ بالاستعانة بالحكم الإلهي الذي جاء أصلاً لابتلاء الذات لا العقل .
فماذا يفعل المنكر لهذا الميثاق الأوّليٌّ ؟ أنّه لا يستطيع إنكاره علناً ولا يقدر على تبديل المبادئ لأنها مبادئ الوجود ذاته ولذلك يحتال على الأمر بأساليب منها:
الأوّل : أنّه يعترف بتلك المبادئ ويقرّ بها لأنها تجعله من العقلاء وبخلافه لا يعترف به جملتهم .
الثاني : أن يدّعي عدم انطباق الحقائق على المبادئ فإذا جاءه رسول من الله فإنه لا يقول له : ( إن ما جئت به قبيح ) بل يقول : ( أنت كاذب وأن الله لم يرسلك ) أو ( لولا أرسل غيرك ) ولا يزعم أن الله غير موجود أو ان الظلم حسن والعدل قبيح . فإنه لا يغير المبادئ وإنما ينسب الأفعال إلى عناوين مختلفة .
ولو استعرضت القرآن كلّه فلن تجد أحداً أنكر الخالق ولا تجد القرآن يردّ على منكرٍ لوجود الله إذ لا وجود لمنكرٍ حقيقي ، بل العكس تماماً فقد اعتمد القرآن حقيقة وجود الله كمسلّمة أوّليٌّة لترتيب نتائج عليها .
هذا يعني أن الكفر والجحود هما موقف أخلاقي لا اعتقادي بخلاف الشرك وهذا الفهم هو من أهم أركان هذه النظرية التي استخلصت من النظام القرآني ، فإن إبليس كفر لا عن شكٍّ بوجود الخالق إذ هو يحاوره بشأن آدم ويخاطبه بالربوبية ولكنه كفر للموقف الذاتي حيث اعتمد على حكمة العقليّ ورفض الحكم الإلهي . قال تعالى:
] إلا إبليس أبى واستكبر و كان من الكافرين [
البقرة/34 فلاحظ تقدم الإباء والاستكبار على الكفر بيد أن ( كان ) هنا تأخذ موضعها الماضوي من حيث أنّه كفر داخلياً فقد كان من الكافرين قبل ظهور الإباء والاستكبار خلافاً للظاهر ، إذ ليس الاستكبار هو علة الكفر بل العكس الكفر هو علة الاستكبار .
فالذين كفروا يعترفون بالرب وبأنّه خلقهم ورزقهم بيد أن كفرهم جاء من قبل رفضهم اتباعه وحده . فالتوحيد مرتبط بالموضوع الأخلاقي قبل ظهوره على صورة عقائد – إذ العقائد هي عمل عقليٌّ مضاف لتبرير الموقف الذاتي من الخالق وتأسيس عقيدة ذاتية له فالشرك على هذا وليد الكفر ولذلك قال الصادق ( عليه السلام )عبارةهي من عجائب كلامه الجامع للمفاهيم قال :
]الكفر أقدم من الشرك[
وبصفةٍ عامةٍ فإن لهذا الموضوع تكملات في كتبنا الأخرى وهو يحتاج من العلماء والدارسين إلى وقفة وتوسيع لخطوطه العريضة وأمامهم عشرات الآيات والنصوص المؤيدة ليس هنا موضعها .
الثالث : أن يدعي المنكر أن أفعاله تتفق مع مبادئ العقل الأوّلى . وهذا العمل هو من باب إرجاع الأفعال إلى غير عناوينها الرئيسية لخداع الآخرين وتبرير الفعل وهذا هو الجزء الخاص بالحكم العقليّ على الأفعال مستقلاً عن الشرع فهناك قوم يرجعون القبائح إلى عنوان الفضائل وهناك قوم يرجعون كلّ نوع إلى عنوانه الحقيقي فالنوع الأوّل هم الذين كفروا والنوع الثاني هم المؤمنون .
ولكلّ فرد في النوعين قدرات مختلفة جداً في إرجاع التفاصيل إلى عناوينها بحسب درجة الهدى والضلال والمعطيات والمعارف وخصائص حواسهم وقدراتهم الذاتية فلا أحد منهم يشبه الآخر شبهاً كاملاً .
ومن هنا يسقط المبحث بالكامل لاعتماده على وحدة العقل وهي غير صحيحة الاّ في المبادئ ، بينما المقصود من الحكم المستقل ما هو غير المبادئ أيّ الحكم في التفاصيل والفروع وإرجاعها إلى مبادئها الأولى من حسن وقبح . فالحديث عن الحكم العقليّ المستقل و حجّيته بغض النظر عن الحكم الشرعي لا معنى له لأن كلّ عملية إدراك من غير خطاب إلهي مشكوك فيها – وسبب ذلك أن الخطاب إنما يتحدّث عن تلك التفاصيل ولذلك قال :
] وكلّ شيء فصلناه تفصيلاً[
الاسراء / 12
وقال تعالى :
] ما فرطنا في الكتاب من شيء [
الأنعام / 37 وقال :
] و تفصيلاً لكلّ شيء [
الأعراف /144
وهو يتحدّث عنها ( أيّ التفاصيل ) على صورة أحكامٍ بنظامٍ موحدٍ مقابل النظام الداخلي المركوز في العقل والمتضمن للمبادئ. فإذا حكم العقل على التفاصيل من غير خطاب إلهي فكأنّه اعتمد كلّياً على العلم المتحصّل لديه من الحواس وهي حواس تخطئ أخطاءاً شنيعةً في كثيرٍ من الأحيان فلا يقدر على اتخاذ قرار منفصل فيها يبلغ درجة القطع واليقين ولو مع سلامة الذات وسماحها للعقل بالحكم الحرّ وفق مبادئه فكيف وجميع الذوات مصابة بمرض الأنا والرغبة في إصدار الأحكام المسبقة باستثناء المعصوم (عليه السلام) فالقرار أو الحكم المستقل لا يتمّ الاّ عند حصول عملية إدراك متكامل للقضية المعروضة وهذا الإدراك المتكامل لا يتمّ الاّ عند تحقق شروط ثلاثة :
الأوّل: أن تكون المعلومات الواصلة عن طريق الحواس وافية وكاملة بصورة شاملة .
الثاني :أن تكون تلك المعلومات صحيحة كلّها ولا احتمال في خطأ أو زيف أحدها ، إذ أن خطأ أحدها يؤثر على تكامل العناصر اللازمة للإدراك المتكامل .
الثالث :أن تكون المعلومات داخلة على عنوانها الفعلي من المبادئ .
وبالطبع فمن المستحيل تحقيق هذه الشروط الثلاثة سوية على أيّة صورة بما في ذلك البحث العلمي – إذ بالرغم من أن العنصر الذاتي غائب عن عملية الإدراك وهو ما يكون في صالح هذه العملية الاّ أن الإدراك العلمي ينقصه جزء من الشرط الأوّل إذ لا تتكامل عناصر الشيء المدرك والمعلومات عنه بأيّة صورة بحيث لا يحتمّل زيادتها مستقبلاً وينقصه جزء آخر من الشرط الثاني فإن الكثير من المعلومات يحتمّل خطأها أو عدم ارتباطها المباشر بموضوع الإدراك وينقصه المعلومات الخاصة بإرجاع التفاصيل إلى عنوانها بسبب اختلاط العلل والحاجة إلى دقة التحليل وإعادته وتكراره آلاف المرات وهو من مقومات الشرط الثالث .
وإذا كان هذا هو حال البحث العلمي فيما هو ملاحظ وفيما هو محسوس من مواضيع الإدراك فما بالك بالموضوع الميتافيزيقي أو الفكري المحض والذي تجتمع فيه المصائب كلّها : رغبة الذات وغياب تام للمعلومات عن الشيء المدرك وعدم وجود أدوات للقياس وخطأ فاضح في المعلومات والأهواء التي تريد إرجاع المعلومات إلى عناوينها المحدّدة سلفاً بحكم سابق ذاتي المنشأ؟؟ .
ومن هنا فإن الحكم العقليّ التركيبي الميتافيزيقي حكم باطل جملة وتفصيلاً . وإن نقده من قبل المادّية هو نقدٌ صحيحٌ لأنه لا يستند إلى العلم ولا إلى خطاب الوحي فهو محض أوهام .
وإني لأعجب من إصرار مفكري الإسلام على الدفاع عن الميتافيزيقيا البغيضة بحجّة الدفاع عن الفكر الإلهي فإن الطاغوت والصنمية بجميع صورها إنما هي من مبتكرات الميتافيزيقيا ، إذ هي الأوثان المشار إليها في القرآن والأفك المختلق المذكور في النص القرآني . ذلك لأنها تفكير عقليٌّ ذاتيُّ النزعة والذي هو العدو اللدود للوحي الإلهي لأنه ينكر وجود واجب الوجود ابتداءً ويحاول البرهنة على وجوده من خلال حكمه العقلي ويجعل من حكمه العقلي المسبق قانوناً متقدماً على الله ذاته فهو من أبغض صور الإلحاد ومن أسوأ صور وألوان الكفر بالوحي لأنه فكر ضالٌ مضلـّل خطره على الدِّين أكبر من خطر المادية – لأن المادية سلكت سبيل الكشف عن زيفها وتناقضها بذاتها – أما الميتافيزيقيا فإنها ماكرة مخادعة تلبس الحقّ بالباطل وتحتال على اللغة وتمّثل دوراً حقيراً في التباكي على الطريق البرهاني في وقت تقوم فيه بتدمير البرهان وتعلن عن تقديسها للمبادئ الأوّليّة للعقل وفي وقت تقوم فيه بتعطيل العقل عن عمله وشلّ حركته بسيطرة الذات الآمرة عليه وإنكار عناصر الموضوع ، فهي تتجاهل مصادر العلم الأساسية بالأشياء من الجهتين ، من جهة الموضوع بما هو موضوع حيث تعادي العلم الحديث وأساليبه ، وتتجاهل الحكم القطعي الصادر من الوحي على الأشياء من حيث هو علم تفصيلي وتدّعي إجماليته وعمومه في وسيلة خبيثة للانفراد بالحكم التفصيلي لها وحدها في صورته الذاتية . وما تأكيد الإمام الصادق ( عليه السلام ) على هلاك المتكلّمين ومحاربته لهم الاّ موقف يحتّمه العلم بالأشياء بصورتها التفصيلية من خلال الوحي لإبطال الأوهام الميتافيزيقية والتصدي لعملها التخريبي للعقول وتضليل الخلق عن الحقّائق وسوف تأتي بعض النصوص التي تؤكد ذلك في موضعها بأذن الله .
إن الخطاب الإلهي خطاب ضروري من حيث أنّه تفصيل للأحكام فهو يقترن بكافة التفاصيل المتعلِّقة بالوجود ]تفصيلاً لكلّ شيء وهدى و رحمة [– متجاوزاً جميع المشاكلّ الثلاثة في العملية الإدراكية للعقل فبدونه تبقى الأحكام ولو كانت بطريق البحث العلمي التجريبي ناقصة في الأنحاء الثلاثة وبه وحده يمكن الكشف عن أسرار الموجودات والتوصل إلى الحكم الخاص بها فهو خطاب كلّي شامل مفصّل لا يتعلق بصور العبادات في شكلها الظاهري بل هو كمجموع يتحدّث بالتفصيل عن الموجودات ذاتها ويعبر عن الأسلوب الأمثل للتعامل معها ويصدر الأحكام الحقيقية بشأنها وموضوعه الأساسي هو ( الذات )- إذ واجبها التنحّي جانباً وترك العقل ليقوم بعملية الإدراك بصورة حرّة بمساعدة الوحي وحكمه المسبق وتمرير المعلومات المأخوذة من الحواس لتأخذ عنوانها الفعلي الواقعي في أوّليات العقل وتقع على مبادئها المطلوبة حيث تنتفع الذات تلقائياً وبشكلّ لا نهائي من ارتداد النتائج فتخرج من الظلمات إلى النور ومن الشكّ إلى اليقين . فالحديث عن الحكم العقليّ المستقل عن الوحي والحكم الشرعي إنما هو حديث الميتافيزيقيا العدو اللدود للرسل والأنبياء والأوّليّاء (عليه السلام).


هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي





الكاتب: خادم المهدي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق