Ads 468x60px

الجمعة، 16 نوفمبر 2012

نقض احتجاج الاصوليين بورود لفظ التقليد في النصوص

نقض احتجاج الاصوليين بورود لفظ التقليد في النصوص










المرحوم
عالم سبيط النيلي

احتجاج الاصوليين بورود التقليد النصوص








المسألة (36):في نقض احتجاجهم بورود لفظ التقليد في النصوص
التقليد كاصطلاح أصولي هو شيء وكلفظٍ يفيد معنى عاماً في اللغة هو شيء آخر . فهو كلفظ لغوي يفيد محاكاة المقلِّد للمقلَّد في ما يقوم به من أفعال والاقتداء به بحيث يكون كما لو كان نفسه ويقال تقليد البدنة بشيء ليعلم أنّها هدي والقلادة بمثابة العلامة وإذا قلّدت الحمّى رجلا صارت علامة له تأخذه كلّ يوم . وقلد الأمر : كلّه أو جميعه يقال أعطيته قلِدَ أمري أيّ فوضته إليه ولذلك يطلق اللفظ على ما اجتمع من ماء أو على الخزانة أو ما كان أصلاً للشيء أو علامة مميزة أو مفتاحا لمعرفته وفك رموزه … الخ .
ولكنهم في علم الفقه قالوا : هو جعل المكلّف عمله بمثابة القلادة في عنق الفقيه أي تحميله تبعة العمل بفتواه ويلزم منه إقرار الفقيه بتحمل تبعته إذا أفتى بغير علم(1).
والناتج من ذلك – وهو ناتج غريب – براءة ذمّة المكلّف بهذا التقليد .
فاحتجوا على هذا الاجتهاد والتقليد بورود هذا اللفظ في بعض المرويات وبالتالي فإن الملازمة ثابتة عقلا من حيث أن الاجتهاد يستلزم إعمال العقل والفحص . وفيه مناقشتان :

المناقشة الاولى :

المرويات التي جاء بها لفظ التقليد ، فقد ورد فيها بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي المتأخر ، بل أحيل في أحدهما اللفظ إلى تقليد المعصوم (عليه السلام) وهما حديثان :

الحديث الأوّل : في الوسائل عن العسكري (عليه السلام) قال :
(( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظا لدينه مخالفاً هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه و ذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم.)) (2)
والنص مخالف للمراد فيبطل به الاحتجاج لأنه (عليه السلام) عدد أربعة صفات في الفقيه كشرط لتقليده من قبل العوام وهي غير معلومة للعوام الا إذا امتلكوا قواعد أساسية في الفقه عموماً – فقه الدِّين – فلا لفظ العوام ولا لفظ الفقهاء ولا لفظ التقليد ينطبق على المفهوم منها في هذه العصور بعد تأسيس الأصول . ولذلك قال (عليه السلام) (( لا يكون ذلك الا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم )) ، ففيه تصريح بان تقليد بعضهم لا يجوز ومعناه أن هناك نوعان من الفقهاء .
وهذا هو موضوع البحث فنحن نقول أيضاً ما قال الإمام (عليه السلام) هناك نوعان من الفقهاء ، ويتوجب لتطبيق هذا النص أن يعطي الأصوليون بيانات واضحة جداً للتفريق بين نوعي الفقهاء من الشيعة بناء على الشروط الأربعة المذكورة في النص وهي : صون النفس وحفظ الدِّين ومخالفة الهوى وطاعة أمر المولى .
بالطبع هناك فقيه يعمل بالعقل وفقيه حافظ للحكم الشرعي وناقل له للمكلّف كما هو . فالأوّل ينقل الحكم بلفظ من عنده وبقواعد من عقله وبفهم لغوي راجع لعلماء اللغة . أما الآخر فهو مجرّد ناقل كما لو كان المعصوم (عليه السلام) نفسه موجوداً ويجيب بالراوية على المسائل . فالفرق بينهما كالفرق بين طالب الرئاسة وطالب الأجر ورضا المولى . لكن بعضهم ساق النص للاحتجاج به غير آبه بآخره ولا بالشروط بل افترض مسبقاً أن الشروط متحققة في الأصوليين وهذه مغالطة واضحة.

الحديث الثاني : ما في الوسائل أيضاً من حديث الرضا ( عليه السلام) قال قلت للرضا (عليه السلام) : جعلت فداك أن بعض أصحابنا يقولون نسمع الأمر يحكى عنك وعن آباءك فنقيس عليه و نعمل به فقال :
(( سبحان الله! لا والله ما هذا من دين جعفر (عليه السلام) هؤلاء قوم لا حاجة بهم إلينا قد خرجوا من طاعتنا وصاروا في موضعنا فأين التقليد الذي كانوا يقلدون جعفراً وأبا جعفر (عليه السلام) ؟)) (3)
أقول من أعاجيب الزمان أن يستشهدوا بهذا النص الصريح في مراده على عكس مراده ! .
فهو نص واضح في إبطاله المستقلات العقليّة والاجتهاد بالمعنى الاصطلاحي في الأصول والتقليد كذلك .
إذ زعموا أن القوم المذكورين هم من المخالفين تارّة أو من الذين يعملون بالقياس تارّة أخرى- على دعوى – أن المستقلات العقليّة والاجتهاد والتقليد بعيدة عن مفهوم القياس في النص أعلاه ! . وهذه كلّها مغالطات كما سيتضح من انطباق كافة أركان القياس على الملازمة العقليّة في موضعه قريباً .
لكن وبغض النظر عن هذا فالنص واضح لا لبس فيه فهؤلاء من فقهاء الشيعة قطعاً لقوله خرجوا من طاعتنا وقوله (عليه السلام) صاروا في موضعنا وقوله (عليه السلام) : لا حاجة لهم بنا وكلّها تصرح بأبلغ عبارة عن استعمالهم المقدمات العقليّة وتغيير الخطاب الشرعي بخطاب آخر فهم إذن مجتهدون لا فقهاء ، مشرّعون لا ناقلون للحكم الشرعي . فهذا كلّه لا يحدث حال أنّهم يكذّبون بنقل الأخبار فهذا محال ، لأن الكاذب لا يحل محل المشّرع ولا يقيس وإنما في حال توجيه الأخبار والحكم عليها بالقوة والضعف وتأويل النص والحكم على ضوء قواعد موضوعة سلفاً فيقومون بتطبيق تلكم القواعد على موضوعاتها . فقولهم المقصود بهم أهل القياس لإخراج الأصوليين منهم مردود ، لأن القياس الذي أنكره الإمام (عليه السلام) هو فرع من المستقلات العقليّة لا غير على المعنى المذكور عن الأصوليين . أما عند الإئمة (عليه السلام) فإنهم يقصدون به كلّ مقايسة مع أحكام العقل وهو يشمل كلّ المستقلات العقليّة كما سترى.


المناقشة الثانية :
إن الإقرار بتحمل الفقيه لتبعة الحكم الشرعي عن المكلّف حال تقليده لا يلزم منه براءة ذمة المكلّف في حال اختلاف الحكم عن الحكم الواقعي .
فهذا هو الآخر حكم عقليٌّ محض مخالف لصريح الخطاب القرآني بل تبقى مسؤولية التابع وتتضاعف مسؤولية المتبوع وهو أمر حصلنا عليه من الجمع بين الآيات القرآنية وفق منهج النظام الكلّي .
ولو تأملت في الموضوع ملياً لعلمت وجه الحقّ فيه إذ ليس من حق أحد أن يقول اتبعوني وتبرأ ذمتكم سوى المعصوم (عليه السلام) .
ومع وضوحه فإني سأحاول تلخيص هذا الأمر من الخطاب :
ثمة آيات قرآنية تشير إلى عدم تحمل أحد وزر آخر ، وان الخطايا المرتبة على مخالفة الحكم لا تحمل من قبل الزاعمين بحملها وذلك في قوله تعالى :
(( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) 18 / 35 و 15 / 17
وقوله تعالى :
(( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وإنّهم لكاذبون )) 12/29
و ذلك رداً على قول الذين كفروا :
(( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعونا ولنحمل خطاياكم )) 12/29 .
ومن المعلوم في النظام القرآني أن ( الذين كفروا ) هم غير ( الذين أشركوا ) فهم غير عبدة الأصنام بالمعنى المعروف إذ لا يعقل أن يقدموا عرضاً كهذا للذين آمنوا إنما هم الكفار عصياناً في نفس المجموعة حيث كفر كثيرون داخل الجماعة الإسلامية وهم من المنافقين ، فالمعلوم أن المنافق كافر يخفي كفره ووجودهم داخل الجماعة الإسلامية هو أمرٌ معلومٌ من صريح القرآن عدا الآيات التي تتحدّث عن ارتداد بعضهم و تآمر آخرين مثل :
(( أن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوّل لهم واملى لهم ))
إذن فالذين كفروا إنما كفروا بمثل ما كفر إبليس فلم ينكروا ربّاً ولا أنكروا الرسالة ولا القرآن وإنما كفروا من جهة تحكيم عقولهم واتباع أهواءهم وإخضاع الخطاب لها وفيه آيات كثيرة على طول القرآن .
وثمة آيات أخرى تتحدث عن حمل البعض لأوزار البعض الآخر أو أثقالهم التي ينوءون تحتها ومنه قوله تعالى :
(( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون )) 25/16
وكذلك قوله تعالى :
(( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ))
وذلك في حالة عودة الضمير في أوزارهم على مجموعة أخرى غير مجموعة الحاملين والذي هو المتحقق عندنا في النظام القرآني وعائدية الضمائر لاشتراك الآيتين بالنهاية وجري الحديث عن علاقة القادة بالاتباع.
فيظهر من ذلك عند النظر السطحي تناقض للآيات ولكن واقع الحال هو تأكيد الآيات بعضها لبعض في نظام محكم صارم لا يقبل تأويلاً آخر .
ويكمن الحلّ في إزالة التعارض إلى التأمل في الحمل والمحمول عنه والحامل فالآيات كلّها تؤكد حقيقتين :

الأولى : أنّهم لا يحملون عنهم قط إذ لا تزر وازرة وزر أخرى فالوزر باق ثابت على الموزور.

الثانية :أنّهم يحملون ( معهم ) لا عنهم ! إذ لما كانوا السبب في إضلالهم لكونهم قادة وأولئك اتباع فإنهم يحملون كامل أوزار ذواتهم مع أوزار أخرى تساوي مجموع أوزار الذين أضلوهم . ولكن إذا كان المخدوعون قد انخدعوا بغير علم منهم ولم يكن ثمة تقصير من قبلهم فإن الحمل يتضاعف على الحاملين ويحملون عنهم ذلك الجزء الخاص بعدم العلم ، ولذلك جاءت ( من ) التي تفيد التبعيض في سياق العلم قال تعالى (( ومن أوزار الذين يضلوهم بغير علم )) ، ثم نكّر الأثقال المحمولة في آية أخرى مع أثقالهم وسميت أثقالاً بدلا من أوزار و ذلك في قوله تعالى :

(( و ليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم )) 13 /29

وبصفة عامة تتوزع الأوزار والأثقال على الجميع بحسب النسبة والتناسب وبحسب المجموعات ومن هنا يتضاعف العذاب على مجموعات دون أخرى كما لاحظناه سابقاً .

على أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مفصلة غير هذه وكلّ ما نريد قوله هنا أنّه لا يوجد دليل شرعي بل ولا عقليٌّ بالمعنى الصحيح على قدرة غير المعصوم (عليه السلام) على براءة ذمة المكلّف بهذا الإلزام . فإنهم يحملون معهم وزرهم ولكن لا يحملون عنهم مطلقاً إذ لا يوجد حامل للوزر عن آخر الا في حالة عدم العلم وعدم التقصير في تحصيل العلم .
لكن الأعجب وهو ما يؤكد تحقّق نبوءة الرسول (صلى الله عليه واله و سلم ) عن عقول آخر الزمان – أن الفقيه ليس بحاجة أصلاً ليورط نفسه بهذه الورطة ويقدم براءة ذمة للمكلّف إذا عمل بفتواه فما هي حاجته لهذا ؟ . هل حاجته إليه ليطمئن المكلّف على حساب نفسه ؟ أم ليثبت له أنّه استفرغ الوسع في تتبّع الأحكام بحيث أن الله لم يعد له أيّة حجّة على معاقبته أو معاقبة تابعيه؟ ! . إني اعتقد أن هذا وحده فيه من الجرأة على الله وتزكية النفس ومخادعة المكلّفين ما هو حجّة بالغة لأن يعاقبه الله تعالى على فعله إذ لا حاجة له إلى هذا سوى ما يريده من امتداح نفسه ، والظاهر أنّه قد أمن من مكر الله ، وهذا ما لا يفعله المعصوم (عليه السلام) نفسه وأن أفتى ببراءة الذمّة .
ذلك أن مصدر الحكم عند المعصوم هو مصدر مباشر فهو مجرّد راوٍ أو ناقل عن الله .
فكذلك أراد المعصوم (عليه السلام) تخليص الخلق والفقهاء من التبعة فقال انقلوا أحاديثنا – أيّ انقلوا ذات الحكم بنفس لفظه إلى المكلّف . فبهذا الطريق وحده يلقى بالتبعة على الراوي أوّلاً . ولمّا كان الراوي لم يذكر شيئاً من نفسه بل ناقل للخبر فقد ألقى بالتبعة على المعصوم (عليه السلام) ! .
ولا تحسب أنّ المعصوم (عليه السلام) يؤخذ من مأمنه ! فهو الآخر ناقل للحكم فيلقي بتبعته على رسول الله (صلى الله عليه واله و سلم)الذي أُنزل عليه الوحي ! ورسول الله (صلى الله عليه واله و سلم) لم يتقوّل هو الآخر على الله بعض الأقاويل إذن لأخذ منه باليمين وقطع منه الوتين فيلقي بالتبعة على الله ! . فإذا ارجع الخلق كلّ أمرهم إلى الله فاعظم به من رؤوف رحيم ! . وألاّ من ذا الذي يقوم أمام سخطه وغضبه سوى رحمته ؟ . ومن ذا الذي يحكم ببراءة نفسه حتى يحكم ببراءة غيره ما لم يفوّض الأمر إلى الله ؟
ولكن لن يعمل أحد من المكلّفين بهذه الطريقة سوى الشيعة ! . وبالطبع فإنهم ليسوا طائفة الشيعة بل أفراد منهم وربما من غيرهم عددهم ( سبعون ألفا ) في كلّ التاريخ القادم للوجود البشري منذ البعثة إلى القيامة ! . وهؤلاء فقط يدخلون الجنة بغير حساب وهؤلاء هم الذين يقول الإمام الصادق (عليه السلام) أنّهم يأخذون بحَجَزتنا أهل البيت (عليه السلام) فيقوم الأئمة (عليه السلام) فيأخذون بحَجَزة رسول الله (صلى الله عليه واله و سلم ) فيقوم رسول الله فيأخذ بحجزة الله ! .
أتدرى ما معنى يأخذون بحجزة بعضهم البعض ؟ يقول الأدنى للأعلى : أنا في عنقك خلّصني فإني ما افتريت عليك شيئا لا زدت ولا أنقصت بل قلتُ ما قلت أنت لي فيقول الأعلى للأدنى : صدقت ! فيحمل عنه ، ويفعل بالأعلى كما فعل به الأدنى ثم يحملها كلّها رسول الله (صلى الله عليه واله و سلم ) ويحمل ذنوب هؤلاء ( الشيعة ) فيغفر الله له ما تقدم منها وما تأخر كما هو في تفسيرها عند أهل البيت (عليه السلام) (4)
وهذا منتهى الحقّ والعدل ! إذ لا يقوم أمام الله وينجو إلاّ من سلم أمره إلى الله ، إذ لا يحمل أحد الا ما حمّله الآخر أم تحسب أن المرء يحكم بغير حكم الإمام (عليه السلام) ويخالفه ويرد عليه ويجعل عقله حاكماً على الشرع ويبرّيء ذمة الآخرين ثم يقول : أنال الشفاعة ؟ وسوف يحمل الشفعاء عني ما حملت ؟ . سيقولون له : كذبت ! لأنك أصلاً ما أقررت بذنب حتى نشفع لك بل حكمت ببراءة ذمة هؤلاء والآن عليك أن تحمل أوزارهم كاملة وحدك مع وزرك الخاص! .



هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي


الهوامش :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاجتهاد والفتوى /41
(2)وسائل الشيعة 20 /ب 10.
(3) وسائل الشيعة ج2/ب10 صفات القاضي
(4) البرهان ج 25 /م4 / ح 7، 8،9








الكاتب: خادم المهدي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق