Ads 468x60px

الخميس، 15 نوفمبر 2012

الرد على الاصوليين في مسألة احتجاجهم بحكم العقل

الرد على الاصوليين في مسألة احتجاجهم بحكم العقل








المرحوم
عالم سبيط النيلي

الرد الاصوليين مسألة احتجاجهم بحكم العقل


المسألة (27): في إبطال قطع العقل بالحكم:

صاغه المظفر على النحو الأحكام :
( العقل النظري يقطع باللازم اعني حكم الشارع بعد قطعه بثبوت الملزوم الذي هو حكم الشرع أو العقل ( (1)
وهذه الصياغة متناقضة ولا يثبت القطع بهذا الملزوم مطلقاً فالملزوم في هذه الصياغة هو عينه اللازم لأنه فسره فقال ( حكم الشارع ) ثم قال عن الملزوم ( هو حكم الشرع ) . أم أن الفارق هو بين شرع وشارع !!!؟
وهل يحسب أن تغيير اللفظ من شرع إلى شارع سيعمي بصيرة الناقد ؟
كلّ ما في هذا الكلام هو أن العقل يحكم بقطع الحكم الشرعي لاحقاً بحكم عقليّ تابع للنظري دون العملي وذلك بعد ( قطعه بثبوت الحكم الشرعي ) إذ هو الملزوم ! وهي عبارة عجيبة التركيب !
فإذا حكم العقل بثبوت حكمه الخاص قاطعاً به إلى جنب حكمه أو حكم الشارع فما معنى أن يحكم بعد ذلك قاطعاً بحكم الشرع ؟
وإذا كان المظفر المتخصّص بشؤون المنطق الارسطي يصوغه على هذا النحو فما بالك بالآخرين ؟


المسألة (28) : الرد على احتجاجهم لحكم العقل بالكبريات

لقد لاحظت مثالاً لها من قبل في حفظ النوع وأشباهه من حسن العدل وقبح الظلم وهي جميعاً خارج البحث ، إذ لا خلاف في أوليّات وكبريات أحكام العقل إنما الخلاف هو في الحكم العقليّ المستقل بشأن أفعال العباد وإرجاعها إلى العناوين الكبرى لأوّليات العقل . بل الصحيح هو القول أن إحدى كبريات العقل هي عدم قدرته على الحكم المستقل وإرجاع الأفعال إلى عنوانها الا بشرط شديد القسوة هو سلامة القلب مطلقاً بحيث لا مدخل له في حكم العقل ، مع صحة مطلقة للمعلومات القادمة من الحواس ! وهذا لا يتحقق كما ذكرنا الا للمعصوم الذي يأتيه علم تفصيلي بالأشياء مع سلامة قلب مطلقة فيمكنه إرجاع الأفعال إلى عنوانها ومع ذلك فإنه يستعين عليه بالحكم الشرعي والخطاب الإلهي ، فهو بدونه يضل كما صرّح القرآن فكيف الأمر بغيره من الناس ؟ .
لكن العجيب أنّهم أرادوا إثبات هذا الحكم القطعي للعقل في التفاصيل من خلال الكبريات ولم يأتوا بأمثلة الا منها . فإن كانوا صادقين فليأتوا بأمثلة من الأفعال لا من الأسماء كالعدل والظلم ونحوه إذ لا خلاف في ذلك .
قال المظفر وهو يدافع عن حجّية العقل :
(( وهل تثبت الشريعة الا بالعقل ؟))
فما المقصود بثبوت الشريعة بالعقل ؟ فإن عقول الذين كفروا أنكرت الشريعة ومع ذلك فإنهم من جملة عقلاء الاصطلاح الأصولي .
قال :
( وهل يثبت التوحيد والنبوة الا بالعقل وإذا سلخنا أنفسنا عن حكم العقل فكيف نصدق برسالة وكيف نؤمن بشريعة وهل العقل الا ما عبد به الرحمن وهل يعبد الديان الا بالعقل ) (2)
أقول : هذا كلام منَشّأ لا علاقة له بالبحث المذكور ، إذ لا خلاف في كبريات العقل فبه يستعين القلب على معرفة الحقّ من حيث أن النبوات والرسالات أمرت بالعدل ونهت عن المنكر فيحكم العقل بحسن ما جاءت به ويقبح معارضة الرسل هذا صحيح . ولكن بعد الإيمان بالرسل (عليه السلام) يحكم العقل بوجوب الطاعة قطعاً ويحكم بضرورة أخذ الأحكام عن الشرع لرضا المولى ولا يحكم كما هو واضح بأنّه يستقل بالحكم في مواضع دون أخرى إذ لا معنى له الاّ أنه يريد أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض وهؤلاء هم الكافرون حقاً كما قال تعالى :
(( و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقاً )) -151/4
إنما موضوع الخلاف هو تلك الأحكام التفصيلية والحكم على كلّ فعل بالحسن والقبح فهو محال معرفته عن طريق العقل مستقلاً عن الشرع .
على أن الزعم بان العقل موضع الإيمان هو من قولهم إذ الخطاب ارجع الإيمان إلى القلب فالعقل واحد والقلوب والأهواء مختلفة ولذلك اختلف الناس . فإذا أعطيت للعقل الانفراد بالحكم فكأنما أعطيت حجّة للذين كفروا على الله .
وكما ذكرنا فالعقل مسلوب الإرادة وهو آلة حاسبة مأمورة من قبل الذات فإذا شاء القلب أن يؤمن بالحقّ أوضح له العقل كبريات الأحكام وحكم عليه باتباع الشرع في التفاصيل وهذه هي الفكرة القرآنية وعليها أحاديث أهل البيت (عليه السلام) كما سيأتيك منها المزيد وهي عكس ما ذكروه تماماً .
وقال أيضاً:
( إن التشكيك بحكم العقل سفسطة ما وراءها سفسطة )(3)
أقول : إنما السفسطة تكمن في الزعم بوجود عقل جمعي عام حاكم على الاشياء مستقلاً عن الشرع خلافاً للنصوص القرآنية التي سردت وبإسهاب إهلاك الأمم والشعوب والقرى التي اتبع بعضها بعضاً وجعلها أحاديث وتمزيقها كلّ ممزق وما ربك بظلام للعبيد . وما ذاك إلاّ لأنّهم حكموا بعقولهم وطلبوا من الرسل أن يكونوا اتباعاً لا متبوعين.
والسفسطة التي ما وراءها سفسطة الزعم باتباع حكم شرعي يأتي على مقتضى الحكم العقليّ السابق من خلال ( ضرورة ) لازمة حكم بها العقل لنفسه مستقلاً !!
والسفسطة أيضاً هي في ادعاء الإيمان بإله واحد مطلق مع الزعم بتلازم حكمه مع حكم عقل جمعي عام وتعليق إرادته على إرادة خلق فإنه لا وجود له على الحقيقة الا بكون وجوده معلـّق بإرادة الله الذي إذا شاء أعاده إلى العدم ثم الادعاء بان هذا الطريق هو منتهى التعبد بشرعه .
إن الملازمة المذكورة تفترض علاقة مع الله لو ادعاها الابن مع والده لعدّه الناس في العرف العام شخصاً سيئ الأخلاق رغم اختلافهم الشدّيد في الأحكام .
ذلك أنّ هذا الابن يقول أنّه لا يحكم الا بحكم أبيه وأن حكمه المستقل عن أبيه هو دوماً حكم صحيح وأن حكم أبيه هو دوماً مطابق لحكمه !
فماذا ترى في هذا ؟ أليس هذا شخصاً يحتال على الأمر فيجعل نفسه حاكماً على أبيه بعد إقراره بحكم أبيه عليه ؟ هذا بالرغم من تقارب العقلين عقل الأب وعقل الابن من حيث كونهما بشرين فكيف تصحّ القاعدة المذكورة بين طرفين متناقضين في كلّ شيء بين خالق أزلي ومخلوق عدمي ؟
إنما الابتلاء كلّه هو في هذه المسألة والدِّين كلّه هو في هذه القضية بالذات ولذلك أفردت لها شرحاً مطوّلاً وأدلّة كثيرة لأنه بعد دراسة الخطاب القرآني وكلامهم ظهر لنا أنها في ولاية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
ولا معنى في الواقع لولاية علي (عليه السلام) الا هذا ولذلك ابتلي الخلق بولاية علي من الملائكة إلى آدم إلى آخر مخلوق يأتي في الدنيا .
فالقول بالولاية شيء والولاية بذاتها شيء آخر . إذ رب قائل بالولاية يحكم عقله وإذن فهو كاذب . ولذلك قال : أن أمره مشكل وصعب مستصعب لم يحتمله ملك مقرب ونبي مرسل وعبد صالح . فأما الملك المقرب فهو أحد الملائكة وله قصة معروفة . وأما المرسل فهو يونس (عليه السلام) إذ حكم معقباً على الحكم الإلهي وظن أن العذاب لابد أن يقع ما دام الله قد وعد به . وهذا هو منشأ الإشكال والذي أدّى إلى عقابه فالتعقيب ممتنع وسوف نوضحه بحديث زرارة كما وعدنا في موضوع البداء . وأما العبد الصالح فهو أحد أتباع الإمام علي (عليه السلام) شك في القدرة عندما رأى ضعف الولي ولم يكن شكه قد زاد على ثلاث ساعات من النهار .
وعلى ذلك فليس كلّ قائل بالولاية مؤمن ما لم يسلم بالحكم الإلهي ويتخلّى عن الحكم العقلي المستقل بل يتخلى عن التعقيب على الحكم ولو بالصحة .
ألا ترى الناس في العرف كيف يفعلون ؟ إذا تكلّم الأمير أو الملك وقال له واحد من أدنى الرعية : هذا صحيح ! لاموه وعنفوه وعدّوه بليداً إذ ليس من الأدب ممن في مقامه أن يصحح للملك إذ لا معنى له الاّ أنّه إذا لم يعجبه قول الملك ولم يعقله في مرة أخرى أن يقول : هذا خطأ كما قال في المرة الأوّلى هذا صحيح ! .
فكيف إذا حكم بالسبق ومع من ؟ مع الملك الحقّ؟ .



هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي



الهوامش
(1) أصول الفقه للمظفر / ج 3 /فقرة 4 ب 4 / ص 129

(2) أصول الفقه / ج 2 /129

(3) نفس المصدر









الكاتب: خادم المهدي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق