Ads 468x60px

الجمعة، 16 نوفمبر 2012

الرد على احتجاج الاصوليين بورود لفظ ( الفتوى ) في النصوص

الرد على احتجاج الاصوليين بورود لفظ ( الفتوى ) في النصوص








المرحوم
عالم سبيط النيلي

الرد احتجاج الاصوليين بورود الفتوى النصوص




المسألة (37) : رد احتجاجهم بورود لفظ ( الفتوى ) في النصوص



فمنه حديث الباقر (عليه السلام) لأبان بن تغلب قال :
(( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني احب أن يرى مثلك في شيعتي ))(1)
قالوا : يلزم منه جواز عمل الرواة بالفتوى والاجتهاد .
أقول : الاحتجاج به غريب عن موضوع البحث إذ يحتاج إلى إثبات أن الفتوى المذكورة مستندة إلى الحكم العقليّ والملازمة وما انبثق منها من قواعد أصولية أخرى وهي موضوع الخلاف وهو ممتنع بما مرّ عليك من نصوص قرآنية وحديثية كافية ، بل النص يثبت عكس مطلوبهم تماماً لأن الفتوى المذكورة مشروطة بشروطها المذكورة في حديث أبي عبيدة مثلاً عن الباقر (عليه السلام) قال :
(( من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب و لحقه وزر من عمله ))
انتبه إلى ألفاظ : الرحمة – العذاب – الوزر وتذكّر الموضوع السابق .
إذن فهو مشروط بشروط : العلم والهدى من الله – والملازمة العقليّة إنما ظهرت أصلاً لحل الإشكال في العلم حيث لا يوجد قطع فكيف يصلح نص كهذا لتبرير العمل بها ؟ . ما لكم أين عقولكم التي تدّعون أنها تحكم باستقلال عن الشرع إذا كانت تقع في مصادرات مثل هذه ؟ .
وعلى ذلك فإن أمره (عليه السلام) لأبان بن تغلب يحمل شرطه معه فإن أبان يفتي بعلم وهدى من الله فيخرج عن محل النزاع أن لم نقل يثبت بطلان الاجتهاد بمعناه الاصطلاحي ، ذلك لأنه ناقل للحكم حافظ للنصوص وليس مجتهداً كما زعموا .
معلوم أن الإفتاء اصطلاح لا يقصد به الآن ما كان يقصد به في ذلك الزمان شأنه شان كلّ اصطلاحات الفقهاء مثل فقه واجتهاد وتقليد . والغريب أن الأصوليين يقرّون باختلاف اصطلاحاتهم عن المقصود اللغوي العام في الخطاب الإلهي لهذه المفردات ومع ذلك يحتجون بأحاديث وردت فيها هذه الألفاظ !! .
لذلك لا اعتقد بوجود ضرورة لذكر النصوص جميعاً فإنها تصلح لإثبات مقصودنا فقط دون مقاصدهم .
فالإفتاء وهو ذكر الحكم للمستفتي بأيّ وجه يعلم به الحكم الشرعي يختلف من شخص لآخر ، فإن إفتاء أبان بن تغلب وهو على هدى من ربه ولا مدخل لعقله في الحكم بل ينقله بأمانةٍ تامةٍ بنفس لفظه يختلف عن إفتاء ربيعة الرأي مثلاً الذي جلس في المجلس وكان الصادق ( ع ) حاضراً فجاء إعرابي فسأل ربيعة على المسألة فقال الإعرابي : أهو في عنقك ؟
فسكت ربيعة . وأعاد الإعرابي : أهو في عنقك ؟
فسكت ربيعة وفي الثالثة قال أبو عبد الله (عليه السلام) مجيباً الإعرابي :
:(( هو في عنقه قال أو لم يقل وكلّ مفت ضامن )) (2)
أقول أن آخر الحديث ( كلّ مفت ضامن ) هو قاعدة هامة ونص صريح تسقط بموجبه كافة مباحث المستقلات العقليّة فوراً .
وبيان ذلك : أن كلّ مفت ضامن للمكلّف وزر مخالفة الحكم فالفرق بين أبان وربيعة هو فرق جوهري وهو أن أبان ضامن بالنيابة وليس بضامنٍ فعلي نهائيٍّ إذ هو مضمون من قبل المعصوم لأن النص والحكم لا دخل له فيه مطلقاً .
وقد أقرّ الأصوليون بل والمدافعون عنهم أن رواة أهل البيت (عليه السلام) كانوا يذكرون نفس نص المعصوم بحيث إذا زادت مفردة أو نقصت لم يسمعوا بها من قبل كانوا يستغربون.
قال المطهري نقلا عن المبسوط للطوسي : (حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها )!(3)
أما ربيعة الرأي فقد قال برأيه ما شاء وغيّر الحكم بلفظ آخر – وهنا إشكال لغوي – إذ يستحيل تطابق جملتين في المعنى ولذلك قلنا أن المجاز والترادف كان بدعة اخترعت من قبل أهل الكتابين لتحريف حكم الله وإدخال آراءهم فيها وألاّ فإن النظام اللغوي يأبى ذلك وعليه سليقة الخلق .
فمن أين يلقى ربيعة بالضمان على غيره ؟ ولذلك فلن يجد ما لم يكن قد تاب عن ذلك لن يجد ولياً ولا نصيراً ولا شفيعاً .
فلو مضيت في النص القرآني لملاحظة هذه الألفاظ وسبب حجب الولي والنصير عن بعض دون بعض لعلمت أن السبب فيه هو التسليم بالحكم الإلهي أو عدمه ! إبقاءه كما هو أو تغيير لفظة ومعناه أو كلّيهما. لذلك لا يجد هؤلاء شفعاء يشفعون لهم كالذين يحبّهم وهم الذين سلّموا .
قال تعالى :
(( عليه ما حمل و عليكم ما حملتمّ ))-54/24
فلا يكون المرء من الشيعة حتى يرجع إليهم ويرد الحديث لهم لا عليهم إذ كيف يحكم على الشيء بعقله ثم يطلب من الإمام (عليه السلام) أن يحمل عنه إذا اخطأ ؟ إنما يحمل عنه إذا اقتصر على النقل وإنما يتحمل الإمام (عليه السلام) ما حمّله الرسول( ص ) و يتحمل الرسول (ص) ما حمله الله . فكذلك على الفقيه أن يتحمل ما حمله الإمام فإنه لا يقدر عليه بل لا تقوم له السماوات والأرض بأجمعها فإذا جهلت من هو الإمام فاعلم أنّه نور الله الذي ضرب به الأمثال فقال مثل نوره كمشكاة .. الآية .
لذلك قال الصادق :
(( والله ما كلّف الله تعالى أحدا ذلك الحمل غيرنا ولا استعبد أحدا سوانا وأن عندنا شيئا من ذلك أُمرنا بتبليغه عن الله عز وجل فبلغنا ما امرنا بتبليغه عنه تعالى من نجده فلم نجد له موضعاً ولا أهلا ولا حمالة يحملونه …)).
أقول : هذا النص الذي يتحدّث عن الحمل و كيفيته يلخّص لنا كلّ ما نريد قوله بأوجز عبارات وأبين مفردات ممن أوتوا جوامع الكلم ولذلك سأنقل لكم تمامه :
قال (عليه السلام) : ((… فلم نجد له موضعاً ولا أهلا ولاحمالة يحملونه حتى خلق الله أقواما خلقوا من طينة خلق منها محمد (صلى الله عليه واله و سلم ) و ذريته (عليه السلام) من نور خلق الله منه محمداً و ذريته و صنعهم بفضل صنع رحمته التي صنعه الله تعالى منها فبلغناهم عن الله عز وجل ما امرنا بتبليغه فتقبلوه واحتمّلوه و بلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا و حديثنا فلولا أنّهم خلقوا من ذلك لما كانوا كذلك قبلوه واحتمّلوه ثم قال (عليه السلام) (( أن الله خلق قوما لجهنم والنار فامرنا أن نبلغهم كما بلغنا أولئك فاشمأزوا منه و نفرت قلوبهم وروده علينا ولم يحتملوا و كذبوا به))وقالوا ساحر كذاب فطبع على قلوبهم وأنساهم ذلك ثم أطلق ألسنتهم ببعض الحقّ فهم ينطقون به و قلوبهم منكرة ليكون ذلك دفعاً عن أولياءه وأهل طاعته ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه فامرنا بالكف عنهم والسر والكتمان منهم ثم رفع يده وبكى وقال :
(( اللهم أن هؤلاء شرذمة قليلون فاجعل محياهم محيانا و مماتهم مماتنا ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم …))(4).
إذن فالعجب كلّ العجب من قول المطهري :
) لقد كان ظهور الحركة الإخبارية كارثة على حياة الشيعة العلمية والعقليّة(!!
متناسياً أنّه قال قبل ذلك أن الاجتهاد والفتوى والتقليد وقواعد الأصول لم تكن سوى قواعد سنّية المنشأ لا وجود لها عند الشيعة إلى زمن العلامة الحلّي .
إذن فالحركة التي جاءت طارئة على الشيعة هي الأصولية فالإخبارية هي السيرة الأولى فكيف اصبح الأصل هو الكارثة ؟ . فقارن أقواله ما بين صفحة (1-44) ستجد جملة من التناقضات الغريبة هذه اقلها شانا وهو أن الأصل كارثة والطارئ هو الصحيح وكأن وجود أهل البيت (عليه السلام) كان مانعاً عن دخول الصحيح إلى التشيّع ، ذلك أنّه فسر امتناع الشيعة الأوائل عن الأصول السنية هو لوجود المعصوم (عليه السلام) بينهم . نعم لم يكونوا بحاجة إلى الأصول المبتدعة لأنهم القوا بأصول عملية ثابتة لقواعدهم فأما أن تكون طريقتهم صحيحة فالطارئ هو الكارثة وأما أن تكون خاطئة ، فعلامَ إذن يتبنّى الأصوليون مبدأ الإمامية ؟ .
إنما وجدوا فرصتهم بعد الغيبة فأدخلوا المستقلات العقليّة بديلا للقياس الذي حاربه الأئمة ! والمستقلات العقليّة اعظم شراً من القياس في الاصطلاح – لأن القياس الذي حاربه الأئمة هو ذاته المستقلات العقليّة كما سترى في موضعه . إنما هي فتنة ( ولتعلمن نبأه بعد حين ).



هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي

الهوامش :

(1) النجاشي في الرجال /7
(2) وسائل الشيعة ح 2 /ب 7 .
(3) مبدأ الاجتهاد في الإسلام / المطهري .
(4) بصائر الدرجات ج 2 /155 . قال ورواه في الكافي في باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية .

















الكاتب: خادم المهدي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق