Ads 468x60px

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

البحث القرآني عن مركزي الإدراك العقليّ

البحث القرآني عن مركزي الإدراك العقليّ





النظرية القرآنية للإدراك العقليّ



البحث القرآني عن مركزي الإدراك العقليّ






المرحوم
عالم سبيط النيلي


البحث القرآني مركزي الإدراك العقليّ




قبل إجراء البحث اللفظي عن عناصر ومراكز الإدراك العقليّ لا بدّ من السؤال عما إذا كان القرآن الكريم قد ذكر هذين المركزين أم لا ؟ وهل ربط بينهما أم لا ؟ . الواقع أن القرآن قد ذكر القلب وذكر العقل في مواضعٍ كثيرةٍ . ومن المعلوم أنّه لا يريد بأحدهما عين الآخر فقد أثبتـنا أن الترادف باطل بهذا المعنى في لغة الخلق فضلاً عن اللسان العربي فضلاً عن كتاب الله المنزّل بهذا اللسان .
بل عندنا أن هذين المركزين يظهران عند ذكر كلّ منهما على انفراد ، ففي قوله تعالى :(لعلكم تعقلون )-في أيّ موضع تعليل للتعقّل من حيث وجود ذات لها إرادة وأمر وإذا أرادت التعقّل تعقّلت وإذا أبت فلا تتعقّل فالخطاب ليس موجَّها للعقل إذ سيكون قوله (لعلكم تعقلون ) عبثاً إذا كان المخاطب هو ذات العقل.
وتظهر علاقات المركزين في أكثر الموارد القرآنية حيث عبر عن قرارات ذات الإنسان بالإرادة والمشيئة وجعل مركز هذه القرارات هو القلب ، في وقت وبّخ فيه الذوات على عدم التعقّل من خلال إلقاء التبعة على المركز الأمر ( القلب ) واعتبره المسؤول عن عملية التعقّل أو عدمها .
فإذا كان القلب رافضاً للتعقّل لم يكن بيد العقل قدرة على التعقّل فهو مأمور من القلب . ولمّا كانت هناك جماعة تأبى الإذعان للبرهان العقليّ وتأمر عقولها بعدم استلام البرهان والإذعان لصدقه فلم تكن هناك إذن فائدة من محاورتهم ولذلك اخبره تعالى بأنّه مطلع على قلوبهم وأمره بالإعراض عنهم فانتبه لهذه الآية :
]أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فاعرض عنهم [ 36\4
وهذا الإخبار منه تعالى متعلِّق بعلمه ما في المركز الذاتي أيّ القلب ( يعلم الله ما في قلوبهم ) . فلا ينال النبي (صلى الله عليه واله وسلم )من محاورتهم سوى الجهد والتعب والسخرية ، ولا معنى لهذا الا أن عقولهم مكبّلة بأمرٍ خارج عنها وهو أمر الذات . وقال تعالى :
] أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبهم أقفالها [
42\47
فالتدبير عملٌ عقليٌّ بيد أنّه عزى سبب عدم التدبّر إلى إقفال القلوب . فالقلوب لا تفتح طريقاً لاستقبال أحكام العقل الا على صورة محدّدة فهي مقفلة على وضع معين وهذا مثل ما يحدث للحاسب الآلي حيث يمكن للمشغّل إقفاله على وضعٍ معينٍ بحيث لا يحسب الاشياء الا وفق هذا البرنامج .
وحينما يحصل مثل هذا الإقفال على القلوب تتغير حسابات العقل إذ أن الذات قد أقفل عليه بحساب معين ومحدّد سلعاً عندئذ يتعطّل جزء من عمل العقل ويحصل تغييب للشعور في هذه المرحلة قال تعالى :
( إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )
البقرة –12
ولكن مفتاح هذا القفل هو بيد الذات ويبقى بيده فإذا شاء أن يفتحه فعل . ولكنه إذا بلغ حدّاً من عناد الله وإنكار الحقائق أقفل ذاتياً أو كلّياً وعندئذ لا يمكنه فتحه مطلقاً ، إذ يقوم بتغييب المفتاح نفسه في هذه المرحلة فالإقفال ينطوي على مراحل منها الشدّ على القلوب كما في يونس /88 ، أو الطبع عليها كما في النحل /108 أو الختمّ كما في البقرة /7 أو الإقفال كما في محمد ( ص )/24 ـ الآية الإيمان ـ .
وتمّرُّ مراكز الذات ـ القلوب ـ بعدّةِ أحوالٍ خلال تلك المراحل كارتياب القلوب أو الزيغ أو الغمرة أو الإكنان أو الرين أو المرض أو القسوة أو الصغو او الاشمئزاز من التوحيد لأن فيه فناء الذات وغياب القرار الذاتي وأخيراًٍ العمى .
وكلّ واحدٍ من هذه الألفاظ قد ارتبط بلفظ القلب ويمثل مرحلة من المراحل التي يمرّ بها هذا المركز قبل الإقفال النهائي والختمّ عليه . ومن هنا ارتبط العلم من حيث هو مظهر الإدراك العقليّ بالقلب لا بالعقل . إذ العقل آلة حاسبة لا قرار لها الا بأمرٍ من القلب قال تعالى :
]كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون[
59\30
فحيث أصدرت الذات أمراً للعقل مخالفاً لتصميمه الأساسي غاب عنه العلم الفعلي بالتدريج ، فإذا بلغ مرحلة الذين لا يعلمون طبع على قلبه بعد حصول التأثير العكسي على المركز فأصيب بالعوارض الآنفة الذكر .
ولهذا السبب فإن التفقّه في الدِّين باعتباره إدراكا علمياً ارتبط قرآنياً بالقلب فقط في كافة الموارد القرآنية ، هذه الملاحظة وحدها تبطل الملازمات العقليّة فوراً . إذ أن موضع الفقه وأصوله قلبيٌّ لا عقليٌّ إذ لا واجب للعقل الا الاحتفاظ بالمعلومات وفرزها فهو آلة لا إرادة لها ولا علاقة لها بالفقه والفقاهة فربّ حامل علمٍ ليس بفقيه كما قال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في خطبته الشهيرة :
( ربّ حامل فقــهٍ إلى من هو افـقـــه منه ) .

هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي







0 التعليقات:

إرسال تعليق