Ads 468x60px

الاثنين، 14 يناير 2013

سد الأبواب التي فتحتها العامة للاستنباطات الظنية الاستحسانية

سد الأبواب التي فتحتها العامة للاستنباطات الظنية الاستحسانية







للاستنباطات الظنية الاستحسانية بوجوه تفصيلية


الفصل السادس من كتاب الفوائد المدنية للمولى الاسترابادي رض








فإن الوجوه الإجمالية قد تقدمت في الروايات المتقدمة و غيرها.
فأقول و بالله التوفيق و بيده أزمة التحقيق :
أما التمسك بالإجماع
بالمعنى الذي اعتبرته العامة و هو (اتفاق مجتهدي عصر على رأي في مسألة) و هو باطل من وجوه :
الأول : أنه لا إذن لنا في الشريعة بجواز التمسك به و لا دلالة عقلية قطعية على ذلك، و الأدلة المذكورة في كتب العامة مدخولة، و ذلك أنه اعترف علماء العامة بأن عمدة الأدلة على حجية الإجماع أنه وقع اتفاق الصحابة و التابعين اتفاقاً قطعياً على ذلك و على تقدمه على القاطع، و بأن سائر الأدلة المذكورة في إثبات حجية الإجماع مبني على الظواهر و جواز العمل بالظواهر مبني على الإجماع، ففيه دور.
و الجواب عن عمدة أدلتهم واضح ففي الشرح العضدي للمختصر الحاجبي (و هو أحسن كتبهم الأصولية و قد قرأته في أوائل سني في دار العلم شيراز – صانها الله عن الإعواز – على أعظم العلماء المحققين وحيد عصره و فريد دهره السيد السند و العلامة الأوحد سند العلماء المحققين و قدوة الأتقياء المقدسين الشاه تقي الدين محمد النسابة – قدس الله سره – في مدرة أربع سنين قراءة بحث و تحقيق و نظر و تدقيق) : أنهم أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف للإجماع فدل على أنه حجة، فإن العادة تحكم بأن هذا العدد الكثير من العلماء المحققين لا يجمعون على القطع في شرعي بمجرد تواطؤ أو ظن بل لا يكون قطعهم إلا عن قاطع فوجب الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك، فيكون مقتضاه و هو خطأ المخالف له حقاً، و هو يقتضي حقيقة ما عليه الإجماع.
و أورد عليه نقضاً : إجماع الفلاسفة على قدم العالم، و إجماع اليهود على أن لا نبي بعد موسى، و إجماع النصارى على أن عيسى عليه السلام قد قتل.
و الجواب : أن إجماع الفلاسفة عن نظر عقل و تعارض الشبه و اشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير، و أما في الشرعيات فالفرق بين القاطع و الظني بين لا يشتبه على أهل المعرفة و التمييز، و إجماع اليهود و النصارى عن الإتباع لآحاد الأوائل لعدم تحقيقهم، و العادة لا تحيله بخلاف ما ذكرناه.
و بالجملة، إنما يرد نقضاً إذا وجد فيه ما ذكرناه من القيود و انتفاؤه ظاهر.
لا يقال : على أصل الدليل أنكم إذا قلتم : أجمعوا على تخطئة المخالف فيكون حجة، فقد أثبتم الإجماع بالإجماع، و إن قلتم : أجمعوا على تخطئة المخالف فيكون حجة، فقد أثبتم الإجماع بالإجماع، و إن قلتم : الإجماع دل على نص قاطع في تخطئة المخالف فقد أثبتم الإجماع بنص يتوقف على الإجماع، و لا يخفى ما فيه من المصادرة على المطلوب.
لأنا نقول : المدعى كون الإجماع حجة و الذي ثبت به ذلك هو وجود نص قاطع دل عليه، و وجود صورة من الإجماع يمتنع عادة وجودها بدون ذلك سواء قلنا الإجماع حجة أم لا، و ثبوت هذه الصورة من الإجماع و دلالتها العادية على وجود النص لا يتوقف على كون الإجماع حجة، فما جعلنا وجوده دليلاً على حجية الإجماع لا يتوقف على حجيته، لا وجوده و لا دلالته، فاندفع الدور.
و أنهم أجمعوا على أنه يقدم على القاطع، و أجمعوا على أن غير القاطع لا يقدم على القاطع بل القاطع، هو المقدم على غيره فلو كان غير قاطع لزم تعارض الإجماعين، و إنه محال عادة انتهى الكلام.
ثم بعد هذه المقالة تكلم على سائر الأدلة بقوله : التمسك بالظواهر إنما يثبت بالإجماع، و لو لاه لوجب العمل بالدلائل المانعة من إتباع الظن انتهى كلامه.
أقول : بعد أن نطق كثير من الآيات الشريفة بالمنع عن العمل بالظن في نفس الأحكام الإلهية لو ظهر نص من النبي صلى الله عليه و آله مخصص لتلك الآيات بالأصول المتواتر إلينا – بل إلى انقراض أهل الدنيا – لتوفر الدواعي على أخذ مثل ذلك و على ضبطه و نشره، و لم يظهر باتفاق المتخاصمين، فعلم انتفاؤه في الواقع.
أنه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بعدم جواز التمسك به و بأنه معظم تدابير العامة، و قد تقدم طرف من تلك الروايات.
الوجه الثالث : أنه أمر مخفي غير منضبط، و مثله لا يصلح أن يكون مناط أحكامه تعالى، كما اعترفت به العامة في علة القياس.
و أما الإجماع بمعنى (اتفاق اثنين فصاعداً على حكم بشرط أن يعلم دخول المعصوم في جملتهم علماً إجمالياً) فهو من اصطلاح جمع من متأخري أصحابنا، و قد اعترف المحقق الحلي و غيره من المحققين بأنه من الفروض الغير الثابتة.
و أنا أقول : على تقدير تسليم ثبوته يرجع إلى خبر ينسب إلى المعصوم إجمالاً، فترجيحه على الأخبار المنسوبة إليه تفصيلاً – كما جرت به عادة المتأخرين من أصحابنا – غير معقول، و كأنهم زعموا أن انتساب الخبر إليه في ضمن الإجماع قطعي و لا في ضمنه ظني فلذلك رجحوه، و زعمهم هذا غير مسلم.
و اعلم أن جمعاً من أصحابنا أطلقوا لفظ (الإجماع) على معنين آخرين :
الأول : اتفاق جمع من قدمائنا الأخباريين على الإفتاء برواية و ترك الإفتاء برواية واردة بخلافها. و الإجماع بهذا المعنى معتبر عندي، لأنه قرينة على ورود ما عملوا به من باب بيان الحق لا من باب التقية. و قد وقع التصريح بهذا المعنى و بكونه معتبراً في مقبولة عمر بن حنظلة الآتية المشتملة على فوائد كثيرة، لكن الاعتماد حينئذ على الخبر المحفوف بقبولهم لا على اتفاق ظنونهم كما في اصطلاح العامة.
الثاني : إفتاء جمع من الأخباريين – كالصدوقين و محمد بن يعقوب الكليني، بل الشيخ الطوسي أيضاً فإنه منهم عند التحقيق و إن زعم العلامة أنه ليس منهم – بحكم لم يظهر فيه نص عندنا و لا خلاف يعادله. و هذا أيضاً معتبر عندي، لأن فيه دلالة قطعية عادية على وصول نص إليهم يقطع بذلك اللبيب المطلع على أحوالهم.
و أما القياس
فقد قال به ابن الجنيد من أصحابنا، ثم رجع عنه على ما قيل.
و أنا أقول : لا يجوز التمسك به، لأدلة :
الأول : عدم ظهور دلالة قطعية على جواز التمسك به في أحكامه تعالى.
الدليل الثاني : عدم انضباطه.
الدليل الثالث : أنه قل ما يخلو عن أنواع كثيرة من الاعتراضات المذكورة في بحث القياس.
الدليل الرابع : الوجوه المذكورة سابقاً لإبطال التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى و نفيها.
الدليل الخامس : أن بطلانه صار من ضروريات مذهبنا، لتواتر الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بذلك.
و أما استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب الله
من غير سؤال أهل الذكر عليهم السلام عن حالها : من كونها منسوخة أم لا، مقيدة أم لا، مأولة أم لا.
فقد جوزه جمع من متأخري أصحابنا و عملوا به في كتبهم الفقهية، مثل التمسك بعموم قوله تعالى : (أوفوا بالعقود) في إثبات صحة العقود المختلف فيها. و هو أيضاً غير جائز، و ذلك لوجوه :
من جملتها : عدم ظهور دلالة قطعية على ذلك.
و من جملتها : ترتب المفاسد على فتح هذا الباب، ألبا ترى أن علماء العامة قالوا في قوله تعالى : (و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) أن المراد السلاطين.
و من جملتها : أنه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بعدم جوازه معللاً بأنه إنما يعرف القرآن من خوطب به و بأن القرآن نزل على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية و بأنه إنما نزل على قدر عقول أهل الذكر عليهم السلام و بأن العلم بناسخه و منسوخه و الباقي على ظاهره و غير الباقي على ظاهره ليس إلا عندنا أهل البيت عليهم السلام و قد تقدم طرف من تلك الأخبار فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
و من جملتها أن ظن بقائها على ظاهرها إنما يحصل للعامة دون الخاصة، و قد مر بيان ذلك في الفصل الخامس.
و بالجملة، عند المحققين من الأصوليين التفحص عن الناسخ و المنسوخ و التخصيص و التأويل واجب، و طريق التفحص عندنا منحصر في سؤالهم عليهم السلام عن حالها.
و أما استنباط الأحكام النظرية من السنة النبوية
من غير تفحص عن حالها هل هي منسوخة أم لا، مقيدة أم لا، مأولة أم لا؟ بسؤال أهل الذكر عليهم السلام عن ذلك.
فقد جوزه جمع من متأخري أصحابنا و عملوا به، مثلاً تمسكوا بعموم قوله صلى الله عليه و آله : (لا ضرر و لا ضرار في الإسلام) و بإطلاق قوله صلى الله عليه و آله : (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) و هو أيضاً غير جائز بعين الوجوه المذكورة آنفاً في التمسك بظواهر القرآن من غير سؤالهم عليهم السلام عن حالها. مع زيادة هنا، و هي : أنه كثر الافتراء عليه صلى الله عليه و آله بحيث امتنع التمييز بين ما هو من باب الافتراء و بين ما ليس كذلك، و اختلطت السنة المنسوخة بالناسخة بحيث يتعذر التمييز بينهما إلا من جهة أهل الذكر عليهم السلام.
و أما شرع من قبلنا
فأقول : لم يحط علمنا بالآيات و السنن الواردة في شرعنا، فكيف يحيط بالآيات و السنن المتعلقة بشرع من قبلنا.
و أما التمسك بالملازمات المختلف فيها
مثل (أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن أضداده الخاصة الوجودية) فقد جوزه جمع من متأخري أصحابنا. و الأحاديث الناطقة بأن كل طريق يؤدي إلى اختلاف الفتاوى لا يجوز سلوكه جارية فيه.
و أما التمسك بالترجيحات الاستحسانية الظنية
المسطورة في كتب العامة و كتب جمع من متأخري الخاصة عند تعارض الأدلة الظنية.
فقد قال به جمع من متأخري أصحابنا و هو أيضاً باطل، لأدلة :
الدليل الأول : أنه لا إذن بذلك من جهة الشارع و لم تظهر دلالة قطعية عقلية عليه.
الدليل الثاني : أنه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بأنه يجب سؤالهم عن كل ما لم يعلم، و وجه الخلاص من الحيرة عند تعارض الأدلة من جملة ما لم نعلم.
الدليل الثالث : أنهم عليهم السلام عينوا لنا طريقة الخلاص من تلك الحيرة في ضمن قاعدة شريفة آتية، فلا يجوز العدول عنها إلى الوجوه الاستحسانية و الأمور الظنية.
الدليل الرابع : أنه قد تقرر في فن الآداب أن كل متكلم أعلم بمراده و يجب الرجوع إليه في تعيين قصده، فإذا كان التعارض في كلام الشارع يجب بمقتضى الآداب أيضاً الرجوع إلى صاحب الشريعة.
و من العجائب! ما وقع من بعض المتأخرين من صحابنا حيث زعم أن القاعدة الأصولية المذكورة في كتب العامة القائلة بـ (أن الجمع بين الدليلين مهما أمكن و لو بتأويل بعيد أولى من طرح أحدهما) جارية في أحاديث أئمتنا عليهم السلام و غفل عن أن تلك القاعدة إنما تجري على مذهب العامة، لعدم حديث وارد من باب التقية عندهم، و عن أنها لا تتجه عندنا، لورود كثير من أحاديث أئمتنا عليهم السلام من باب التقية، و كم من غفلة وقعت عن متأخري أصحابنا الأصوليين! و السبب فيها ألفة أذهانهم من صغر سنهم بكتب العامة، و سبب الألفة أنه كان المتعارف في المدارس و المساجد و غيرهما تعليم كتبهم، لأن الملوك و أرباب الدول كانوا منهم و الناس مع الملوك و أرباب الدول. و لا نظن برئيس الطائفة – قدس الله روحه – أن التوجيهات التي ذكرها بصد الجمع بين الأحاديث في كتابي الأخبار مبنية على غاية تلك القاعدة، بل قصده قدس الله سره رفع التناقض عن كلام الأئمة الأطهار – صلوات الله عليهم – بطريق العامة مهما أمكن. و السبب في ذلك ما نقله قدس الله سره في أول كتاب تهذيب الأحكام : مع أنه رجع بعض الناس عن الحق إلى مذهب العامة لما وجد الاختلاف بين أحاديث العترة الطاهرة عليهم السلام. و بهذا التحقيق اندفع اعتراضات المتأخرين عليه بأن كثيراً من توجيهاته بعيدة، و الحمل على التقية أقرب منها.
و أما تخيير المجتهد عند تعادل الأدلة في نظره
فقد قال به جمع من متأخري أصحابنا،و هو باطل، لعدم ظهور دلالة قطعية نقلية أو عقلية عليه، و لصراحة الأخبار المتواترة المأخوذة عن العيون الصافية غير النافذة في وجوب الرجوع إليهم عليهم السلام في كل موضع لم نعلم حكمه، و ما نحن فيهمن هذا القبيل، و بعد أن رجعنا على أحاديثهم عليهم السلام في كل موضع لم نعلم حكمه، و ما نحن فيه من هذا القبيل، و بعد أن رجعنا إلى أحاديهم عليهم السلام وجدنا فيها قاعدة شريفة متواترة معنى متعلقة بباب الخبرين المتعارضين مشتملة على بيان وجوه مترتبة من الترجيحات. و مع فقدها تارة رخصوا لنا بقولهم عليهم السلام : (بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم) و تارة لم يرخصوا بل أوجبوا التوقف. و سيجيء في كلامنا إن شاء الله تعالى تحقيق المقام على أكمل وجه و أتم تفصيل و تحقيق موضع الرخصة و موضع التوقف.
و أما التمسك بالبراءة الأصلية في نفي حكم شرعي
لأن الأصل في الممكنات العدم سواء ظهرت شبهة مخرجة عنها أو لم تظهره.
فقد قال به كل علماء العامة و كل المتأخرين من أصحابنا، حتى قال المحقق الحلي في أصوله : أطبق العلماء على أن مع عدم الدلالة الشرعية يجب إبقاء الحكم على ما تقتضيه البراءة الأصلية.
و قد قال أيضاً : إذا اتلف الناس على أقوال و كان يدخل بعضها في بعض – كما اختلف في حد الخمر، فقال قوم : ثمانون، وآخرون : أربعون أو في دية اليهودي فقيل : كدية المسلم، و قيل ثمانون، و قيل : على النصف، و قيل : على الثلث – هل يكون الأخذ بالأول حجة؟ حكم بذلك قوم و أنكره آخرون. أما القائلون بذلك فقالوا : قد حصل الإجماع على وجوب الأقل و الإجماع حجة، و اختلف في الزائد و البراءة الأصلية نافية له فيثبت الأقل و ينتفي الزائد بالأصل، لأن التقدير تقدير عدم الدلالة الشرعية، و قد بينا أن مع عدمها يكون العمل بالبراءة الأصلية لازماً.
لا يقال ك الذمة مشغولة بشيء و قد اختلف فيما تبرأ به الذمة، و في الأقل خلاف و بالأكثر تبرأ الذمة يقيناً، فيجب الأخذ به احتياطاً لبراءة الذمة.
لأنا نقول : لا نسلم اشتغال الذمة مطلقاً، لأن الأصل دال على خلوها فلا تشتغل إلا مع قيام الدليل و قد ثبت اشتغالها بالأقل فلا يثبت اشتغالها بالأكثر، و الاشتغال بالأكثر مغاير للاشتغال المجرد و مغاير للاشتغال بالأقل، فيكون الاشتغال بالأكثر و الاشتغال المطلق منفياً بالأصل.
لا يقال : فإن لم يثبت دلالة على الأكثر فإنه من الممكن أن يكون هناك دليل و لا يلزم من عدم الظفر به عدمه، فكان العمل بالأكثر أحوط.
لأنا نقول : ذلك الدليل المحتمل لا يعارض الأصل لأنا قد بينا أن مع تقدير عدم الدلالة الشرعية يجب العمل بالبراءة الأصلية و ذلك يرفع ما أومأ إليه من الاحتمال انتهى كلامه أعلى الله مقامه في كتاب الأصول. و قد رجع المحقق عن جواز التمسك بالبراءة الأصلية من حيث هي هي إنما يجوز قبل إكمال الدين، و أما بعد أن كمل الدين و تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة و كل واقعة تقع فيها الخصمة بين اثنين ورد فيها خطاب قطعي من قبل الله تعالى حتى أرش الكف فلا يجوز قطعاً، و كيف يجوز؟ فقد تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام بوجوب التوقف ي كل واقعة لم نعلم حكمها معللين بأنه بعد أن كمل الدين لا تخلو واقعة عن حكم قطعي وارد من الله تعالى و بأن من حكم بغير ما أنزل الله تعالى فأولئك هم الكافرون.
ثم أقول : هذا المقام مما زلت فيه أقدام أقوام من فحول الأعلام، فحري بنا أن نحقق المقام، فنوضحه بتوفيق الملك العلام و دلالة أهل الذكر عليهم السلام.
فنقول : التمسك بالبراءة الأصلية إنما يتم عند الأشاعرة المنكرين للحسن و القبح الذائبين، و كذلك إنما يتم عند من يقول بهما و لا يقول بالوجوب و الحرمة الذاتيين، و هو المستفاد من كلامهم عليهم السلام و هو الحق عندي. ثم على هذين المذهبين إنما يتم قبل إكمال الدين لا بعده، إلا على مذهب من جوز من العامة خلو واقعة عن حكم وارد من الله تعالى.
لا يقال : بقي أصل آخر، و هو أن يكون الخطاب الذي ورد من الله تعالى موافقاً للبراءة الأصلية.
لأنا نقول : هذا الكلام مما لا يرضى به لبيب، و ذلك لأن خطابه تعالى تابع للحكم و المصالح و مقتضيات الحكم و المصالح مختلفة، قد يكون إيجاباً، و قد يكون تحريماً، و قد يكون تخييراً، و قد يكون غيرها لا يعلمها إلا هو جل جلاله. و نقول : هذا الكلام في قبحه نظير أن يقال : الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل و العلو، و من المعلوم بطلان هذا المقال.
ثم أقول : الحديث المتواتر بين الفريقين المشتمل على حصر الأمور في ثلاثة : (أمر بين رشده و أمر بين غيه و شبهات بين ذلك) و حديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) و نظائرهما أخرج كل واقعة لم يكن حكمها بيناً عن البراءة الأصلية و أوجب التوقف فيها. و رأيت في آخر جمع الجوامع و شرحه من كتب أصول الشافعية حكاية حسنة في هذا المقام فاستمع لها، ففي جمع الجوامع : إذا خطر لك أمر فزنه بالشرع، فإن كان مأموراً فبادر فإنه من الرحمن، و إن كان منهياً فإياك فإنه من الشيطان، و إن شككت أمأمور أو منهي فأمسك.
و في شرح الفاضل بدر الدين الزركشي له : القسم الثالث أن نشك في كونه مأموراً أو منهياً، فالواجب الإمساك عنه لقوله صلى الله عليه و آله : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) و إنما اقتصر المصنف على هذه الأحوال الثلاثة، لأنها قطب العلم و عليها تدور رحى العمل. و قد بلغني عن بعض الأئمة : أنه رأى في ابتداء أمره في المنام أنه حضر الجامع فوجد فيه متصدراً فجلس ليقرأ عليه، فقال : كيف تقرأ علي و قد علمك الله المسائل الثلاث؟ فانتبه و أتى معبراً، فقال : اذهب فستصير أعلم أهل زمانك، فإن المسائل الثلاث التي أشار إليها أمهات العلم في قوله صلى الله عليه و آله : الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات ... الحديث. انتهى كلامه.
و أنا أقول : أيها الناظر اللبيب انظر كيف أنطقهم الله بالحق من حيث لا يدرون؟!
ثم أقول : الاشتباه قد يكون في جوب فعل وجودي و عدم وجوبه مثلاً، و قد يكون في حرمة فعل وجودي و عدم حرمته مثلاً، و قد جرت عادة العامة و عادة المتأخرين من علماء الخاصة بالتمسك بالبراءة الأصلية في المقامين. و لما أبطلنا جواز التمسك بها لعلمنا بأنه تعالى أكمل لنا ديننا، و لعلمنا بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة أو تخاصم فيها اثنان ورد فيها خطاب قطعي من الله عز و جل خال من معارض معادل، و لعلنا بأن كل ما جاء به نبينا صلى الله عليه و آله مخزون عند الأئمة الطاهرين عليهم السلام و لعلمنا بأنهم عليهم السلام لم يرخصونا في التمسك بالبراءة الأصلية فيما نعلم الحكم الذي ورد فيه بعينه، بل أوجبوا التوقف في كل ما لم نعلم حكمه بعينه،و أوجبوا الاحتياط أيضاً في بعض صوره، فعلينا أن نبين ما يجب أن يعمل به في المقامين، و سنحققه بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى في الفصل الثامن بتوفيق الملك العلام و جلالة أهل الذكر عليهم السلام و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم، و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
و قد رأيت في المنام و اليقظة أبواباً مفتوحة للوصول إلى الحق في هذه المقامات في الحرمين الشريفين، و شاهدت بعين البصر و البصيرة مصداق قوله تعالى : (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) و الحمد لله رب تعالى.
و أما التمسك بأن عدم ظهور مدرك شرعي لحكم عند المجتهد بعد تفتيشه مدرك شرعي لعدم الحكم في الواقع إجماعاً فإنما يتجه على مذهب العامة.
و قال المحقق في أوائل المعتبر – كما تقدم نقله - : الثاني أن يقال :عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه، و هذا يصح فيما يعلم أنه لو كان هناك دليل لظفر به، أما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف و لا يكون ذلك الاستدلال حجة، و منه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب و الحظر انتهى كلامه رحمه الله.
و قال في كتاب الأصول : اعلم أن الأصل خلوة الذمة عن الشواغل الشرعية، فإذا ادعى مدع حكماً شرعياً جاز لخصمه أن يتمسك في انتفائه بالبراءة الأصلية، فيقول : لو كان ذلك الحكم ثابتاً لكان عليه دلالة شرعية، لكن ليس كذلك فيجب نفيه، و لا يتم هذا الدليل إلا ببيان مقدمتين :
إحداهما : أنه لا دلالة عليه شرعاً بأن يضبط طرق الاستدلالات الشرعية و يبين عدم دلالتها عليه.
و الثانية : أن يبين أنه لو كان هذا الحكم ثابتاً لدلت عليه إحدى تلك الدلائل، لأنه لو لم تكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف إلى العلم به و هو تكليف بما لا يطاق، و لو كان عليه دلالة غير تلك الأدلة لما كانت أدلة الشرع منحصرة فيها، لكن بينا انحصار الأحكام في تلك الطرق، و عندهم هذا يتم كون ذلك دليلاً على نفي الحكم، و الله أعلم. انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
و أنا أقول : لقد أحسن و أجاد المحقق الحلي فيما نقلناه عنه، و ما رأيت فقيهاً يكون حكيماً بعد السيد المرتضى و رئيس الطائفة – قدس الله سرهما – إلا إياه، يشهد بذلك من تتبع كلامه في كتاب الأصول و في كتاب المعتبر و كلام غيره من المتأخرين.
و تحقيق كلامه : أن المحدث الماهر إذا تتبع الأحاديث المروية عنهم عليهم السلام في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها و لم يظفر بحديث يدل على ذلك الحكم، ينبغي أن يقطع قطعاً عادياً بعدمه، لان جماً غفيراً من أفاضل علمائنا أربعة آلاف منهم تلامذة الصادق عليه السلام – كما مر نقله عن كتاب المعتبر – كانوا ملازمين لأئمتنا عليهم السلام في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة، و كان همهم و هم الأئمة عليهم السلام إظهار الدين عندهم و تأليفهم كل ما يسمعونه منهم في الأصول، لئلا تحتاج الشيعة إلى سلوك طرق العامة و لتعمل بما في تلك الأصول في زمن الغيبة الكبرى فإن رسول الله صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام لم يضيعوا منه كان في أصلاب الرجال من شيعتهم – كما تقدم في الروايات المتقدمة – ففي مثل تلك الصورة يجوز التمسك بأن نفي ظهور الدليل على حكم مخالف للأصل دليل على عدم ذلك الحكم في الواقع، مثاله : نجاسة أرض الحمام، و نجاسة الغسالة، و وجوب قصد سورة معينة عند قراءة البسملة، و وجوب نية الخروج من الصلاة بالتسليم، و قد نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يدل على ما ذكرناه حيث قال لمحمد بن الحنفية ما مضمونه : لو سئلت عن دليل على وحدة الإله فقل : لو كان إله آخر لظهر منه أثر.
و أقول : تحقيق المقام أن الأصوليين و الكلاميين و المنطقيين يسمون تلك المقدمة و أمثالها بالقطعيات العادية، يشهد بذلك من تتبع شرح العضدي للمختصر الحاجبي و شرحي المواقف والمقاصد.
و لا يجوز التمسك به في غير تلك المسألة المفروضة إلا عند العامة القائلين بأنه صلى الله عليه و آله أظهر عند أصحابه كل ما جاءوا به و توفرت الدواعي على أخذه و نشره و ما خص أحداً بتعليم شيء لم يظهره عند غيره و لم تقع بعده صلى الله عليه و آله فتنة اقتضت إخفاء بعض ما جاء به صلى الله عليه و آله.

و أما التمسك باستصحاب حكم شرعي
في موضع طرأت فيه حالة لم يعلم شمول الحكم الأول لها، مثاله : من دخل في الصلاة بتيمم لفقد الماء ثم وجد الماء في أثنائها قبل الركوع أو بعده، و من عزم على إقامة عشرة ثم رجع قبل أن يصلي صلاة واحدة تامة أو بعدها.
فقد قال به الشافعية و بعض أهل الاستنباط من أصحابنا كالعلامة الحلية – قدس الله سره – في أحد قوليه و الشيخ المفيد. و أنكره الحنيفة و أكثر أهل الاستنباط من أصحابنا.
و الحق عندي قول الأكثر، و ذلك لوجوه :
الأول : عدم ظهور دلالة على اعتباره شرعاً، و ما ذكرته علماء الشافعية و من وافقهم في هذه القاعدة من حصول ظن البقاء و من جواز العمل بذلك الظن شرعاً مردود من وجهين :
أولهما : أن وجود الظن فيه ممنوع، لأن موضوع8 المسألة الثانية مقيد بالحالة الطارئة و موضوع المسألة الأولى مقيد بنقيض تلك الحالة، فكيف يظن بقاء الحكم الأول.
و ثانيهما : ما حققناه ببراهين قاطعة من أن الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها غير معتبر شرعاً.
الوجه الثاني : أنه قد ورد من الشارع في بعض الصور حكم يوافق الاستصحاب الذي اعتبروه، و في بعضها حكم يخالفه، فعلم أن الاستصحاب بالمعنى الذي اعتبروه ليس معتبراً شرعاً.
و من تأمل في الأحاديث الواردة في حكم المتيمم الذي وجد الماء بعد دخوله في الصلاة و في حكم المسافر الذي عزم على إقامة عشرة ثم بدا له و في رواية خلف بن حماد الكوفي قال : تزوج بعض أصحابنا جارية معصراً لم تطمث، فلما اقتضها سال الدم فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيام، قال : فأروها القوابل و من ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن، فقال بعضهن : هذا من دم الحيض و قال بعضهن : هو من دم العذرة، فسألوا عن ذلك فقهاءهم – كأبي حنيفة و غيره من بعض فقهائهم – فقالوا : هذا شيء قد أشكل، و الصلاة فريضة واجبة فلتتوضأ و لتصل و ليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض، فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة و إن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة، ففعلت الجارية ذلك. و حجت في تلك السنة فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت : جعلت فداك! إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعاً فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك و أسألك عنها، فبعث إلي إذا هدأت الرجل و انقطع الطريق فأقبل إن شاء الله. قال خلف : فرعيت الليل حتى إذا رأيت قد قل اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه، فلما كنت قريباً إذا أنا بأسود قاعد على الطريق، فقال : من الرجل؟ قفلت : رجل من الحاج، فقال : ما اسمك؟ قلت : خلف بن حماد، قال : ادخل بغير إذن فقد أمرني أن أقعد هاهنا فإذا أتيت أذنت لك، فدخلت و سلمت فرد السلام و هو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره، فلما صرت بين يديه سألني و سألته عن حاله فقلت له : إن رجلاً من مواليك تزوج جارية معصراً لم تطمث فلما اقتضها سال الدم فمكث سائلاً لا ينقطع نحو من عشرة أيام و إن القوابل اختلفن في ذلك، فقال بعضهن : دم الحيض و قال بعضهن : دم العذرة، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال : فلتتق الله، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر و ليمسك عنها بعلها، و إن كان من العذرة فلتتق الله و لتتوضأ و لتصل و يأتيها بعلها إن أحب ذلك، فقلت له : و كيف لهم أن يعلموا مما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟ قال : فالتفت يميناً و شمالاً في القسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد، قال : ثم نهد إلي فقال ك يا خلف سر الله سر الله! فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال، قال : ثم عقد بيده اليسرى تسعين، ثم قال : تستدخل القطنة ثم تدعها ملياً ثم تخرجها إخراجاً رفيقاً، فإن كان الدم مطوقاً في القطعة هو من العذرة و إن مستنقعاً في القطعة فهو من الحيض. قال خلف : فاستخفي الفرح فبكيت، فلما سكن بكائي قال : ما أبكاك؟ فقلت : جعلت فداك! من كان يحسن هذا غيرك؟ قال : فرفع يده إلى السماء فقال : و الله إني ما أخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه و آله عن جبرائيل عليه السلام عن الله عز و جل.
و في رواية زياد بن سوقة، قال : سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل اقتض امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً كيف تصنع بالصالة؟ قال : تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل و تمسك معها قطنة و تصلي، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض.
و في رواية إبان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فتاة منا بها قرحة في جوفها و الدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال : مرها فلتستلق على ظهرها و ترفع رجليها و تستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة.
و فيما روى بعدة طرق عن الصادقين عليهما السلام : في رجل رأى بعد الغسل شيئاً، إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ، و إن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل.
و فيما روي عنهم عليهم السلام بعدة طرق في رجل استبرأ بعد البول إن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول و لكنه من الحبائل يقطع بعدم جواز التمسك بالاستصحاب الذي اعتبروه.
الوجه الثالث : أن هذا الموضع من مواضع عدم العلم بحكمه تعالى، و قد تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بأن بعد إكمال الشريعة يجب التوقف في تلك المواضع كلها، و يجب الاحتياط في العمل أيضاً في بعضها. و قد تقدم طرف من تلك الأخبار و سيجيء طرف منها فيها الكفاية إن شاء الله تعالى.
ثم أقول : ينبغي أن يمسى هذا المسكل بالسراية لا بالاستصحاب، لأنه من باب سراية حكم موضع إلى موضع آخر.
ثم أقول : اعلم أن للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الأمة، بل أقول : اعتبارهما من ضروريات الدين :
إحداهما : أن الصحابة و غيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلى الله عليه و آله إلى أن يجيء صلى الله عليه و آله بنسخه.
و ثانيهما : أنا نستصحب كل أمر من الأمور الشرعية مثل كون رجل مالك أرض، و كونه زوج امرأة، و كونه عبد رجل آخر، و كونه على وضوء، و كون ثوبه طاهراً أو نجساً، و كون الليل باقياً و كون النهار باقياً، و كون ذمة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف، إلى أن نقطع بوجود شيء جعله الشارع سبباً لنقض تلك الأمور.
ثم ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين، و قد يكون قول الحجام المسلم أو من في حكمه، و قد يكون قول القصار المسلم أو من في حكمه، و قد يكون بيع ما يحتاج على الذبح و الغسل في سوق المسلمين، و أشباه ذلك من الأمور الحسية.
لا يقال : العدالة ليست من الأمور الحسية.
لأنا نقول : العدالة المعتبرة في باب الشهادات و إمام الجماعات عند قدمائنا و عند الأئمة الهداة عليهم السلام مركبة من أمر وجودي محسوس و من عدم أمر محسوس و كلاهما مما يدرك بالحس، و سيجيء تحقيقه بما لا مزيد عليه في كلامنا إن شاء الله تعالى.
و ينبغي أن نذكر أمثلة للصورة الثانية فإنها من معظم المسائل التي يعم بها البلوى، و سيجيء في كلامنا فانتظرها.

و أما التمسك باستصحاب نفي حكم شرعي
سواء ظهرت فيه شبهة مخرجة أم لا.
فقد قال به المتأخرون من أصحابنا و الشافعية و الحنفية، فاعترضت الشافعية على الحنفية بأن قولكم بالاستصحاب في نفي الحكم الشرعي دون نفسه تحكم.
و أنا أقول : عند النظر الدقيق لا تحكم، و ذلك لوجهين :
أحدهما : ما حققناه سابقاً من طرو حالة تغير بسببها موضوع المسألة. و ثانيهما : أن لاعتبار النفي الأزلي جهتين :
إحداهما : استصحابه. و الثانية : تساوي نسبته إلى جميع الأزمنة و الأحوال، لأن كل ممكن إذا خلي و نفسه كان معدوماً كما تقرر في موضعه، و منظور الحنفية اعتبار الجهة الثانية.
ثم أقول : قد رأيت في كلام أقوام من فحول الأعلام من الخاصة و العامة ما ينطق بعدم تفطنهم بالفرق بين استصحاب النفي الأزلي و بين أصالة النفي و سيجيء زيادة توضيح للفرق بينهما في الفصل المعقود لبيان الاصطلاحات التي يعم بها البلوى، إن شاء الله تعالى.
ثم أقول : كما لا يجوز التمسك بأصالة النفي كذلك لا يجوز التمسك باستصحاب النفي الأزلي بعين ما ذكرناه من الأدلة.

و أما الأمثلة الموعودة للصورة الثانية
من صورتي الاستصحاب المعتبرتين.
فمنها : صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام قال، قلت : له الرجل ينام و هو على وضوء أتوجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الأذن فإذا نامت العين والأذن و القلب وجب الوضوء، قلت : فإن حرك إلى جنبه شيء و لم يعلم به؟ قال : لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين، و إلا فإنه على يقين من وضوئه و لا تنقض اليقين أبداً بالشك و لكن تنقضه بيقين آخر.
و موثقة عمار الساباطي – بزعم العلامة و من وافقه من أصحابنا، و أما علي ما حققناه فهي كأخواتها كلها صحيحة بمعنى أقوى من المعنى الذي اصطلح عليه العلامة و من وافقه من أصحابنا على وفق اصطلاحات العامة – عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك.
و ما روي عن الصادق عليه السلام بعدة طرق : الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر.
و صحيحة زرارة قال : قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئاً و صليت، ثم إني ذكرت بعد ذلك؟ قال : تعيد الصلاة و تغسله. قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه و علمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته؟ قال : تغسله و تعيد. قلت : فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثم صليت فرأيت فيه؟ قال : تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت : لم ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً. قلت فإني قد علمت أنه قد أصابه و لم أدر أين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال : لا و لكنك إنما تريد أن يذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت : إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة؟ قال : تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و إن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك. فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك.
و صحيحة علي بن مهزيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليلة و أنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه و لم يره و أنه مسحه بخرقة، ثم نسى أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى؟ فأجابه بجواب قرأته بخطه : أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشيء إلا ما تحققت، فإن تحققت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلاة التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، و إذا كان جنباً أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتتنه، لأن الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء الله.
أقول : المراد أن حكم الحدث غير حكم النجاسة فلو كان بدنه نجساً يكون حكمه حكم نجاسة الثوب.
و منها : قول أمير المؤمنين عليه السلام :ما أبالي أبول أصابني أو ماء، إذا لم أعلم.
و قول الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي – بزعم العلامة و من وافقه - : إذا أحللتم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه، فإن ظن أنه أصابه و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينصحه بالماء.
و صحيحة عبد الله بن سنان قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا حاضر أني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير، فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه.
و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس – و هم أخباث و هم يشربون الخمر، و نساؤهم على تلك الحال – ألبسها و لا أغسلها وأصلي فيها؟ قال نعم. قال معاوية فقطعت له قميصاً و خطته و فتلت له أزراراً و رداءً من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار، فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة.
و صحيحة عبد الله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي، فقال : يرش بالماء.
و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا عليه السلام : الخياط و القصار يكون يهودياً أو نصرانياً و أنت تعلم أنه يبول و لا يتوضأ ما تقول في علمه؟ قال : لا بأس.
و صحيحة ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن السمن و الجبن نجه في أرض المشركين بالروم أنأكله؟ فقال : أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكل، و أما ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام.
و صحيحة حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل و أنا حاضر عن جدي رضع من خنزير حتى شب و اشتد عظمه، ثم استفحله رجل فيغنم له فخرج له نسل ما تقول في نسله؟ قال : أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه، و أما مالا تعرفه فهو بمنزلة الجبن فكل و لا تسأل عنه.
و صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قال أبو عبد الله : كل شيء يكون فيه حرام و حلال فهولك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.
و موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام – بزعم العلامة و المتأخرين عنه، و إلا فالحق أنها صحيحة كأخواتها على ما حققناه سابقاً – قال : سمعته يقول : كل شيء هولك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة.
و رواية معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يكون في داره يغيب عنها ثلاثين سنة و يدع فيها عياله ثم يأتينا هلاكه، و نحن لا ندري ما أحدث في داره و لا ندري ما حدث له من الولد، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئاً و لا حدث له ولد، و لا تقسم هذه الدار بين ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان، مات و تركها ميراثاً بين فلان و فلان أنشهد على هذا؟ قال : نعم. قلت : الرجل يكون له العبد و الأمة فيقول : أبق غلامي و أبقت أمتي فيوجد في البلد فيكلفه القاضي البينة أن هذا الغلام لفلان لم يبعه و لم يهبه، أنشهد على هذا إن كلفناه و نحن لم نعلم أحدث شيئاً؟ قال فكلما غاب عن يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد عليه.
و رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال له رجل : أرأيت إذا رأيت شيئاً في يد رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال : نعم. فقال الرجل ك اشهد أنه في يده و لا أشهد أنه له فلعله لغيره، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أفيحل الشراء منه؟ قال : نعم، فقال أبو عبد الله عليه السلام : لعله لغيره فمن أين جاز لك، أن تشتريه و يصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكنه من قبله إليك. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق.
و صحيحة فضيل و زرارة و محمد بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحم من الأسواق و لا يدرون ما صنع القصابون، قال : كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأله عنه يعني إذا اشتريته من رجل ظاهره الإسلام، لأنه في سوق المسلمين.
و يفهم من أحاديث هذا الباب إذا اجتمعت في الذهن أن من لم يقل بالتسمية في الذبح يحرم الذبيحة المأخوذة من يده، و أنه إذا وجدت مطروحة في أرض من لم يقل بالتسمية لا يحرم. و لا بعد في ذلك، لجواز أن يكون يد من لم يقل بالتسمية من أسباب الحرمة في حكم الشارع. و يؤيده أنه إذا أخذنا الدبس من يد من يقول بذهبا الثلثين نحكم بحليته، و إذا أخذناه من يد من لا يقول بذلك نحكم بحرمته، وقع التصريح بذلك في الأحاديث المسطورة في باب الأشربة.
و رواية قتيبة الأعشى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذبائح اليهود و النصارى، فقال : الذبيحة اسم و لا يؤمن على الاسم إلى المسلم.
و رواية سماعة قال : سألته عن أكل الجبن وتقليد السيف و فيه الكيمخت و الغراء؟ فقال : لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة.
و رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام : يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد و ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل : يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتى يعلموا.
و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل كانت له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فعزله و يعزل الميتة، ثم إن الميتة و الذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال : يبيعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه فأنه لا بأس به.
و رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين، إني أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له : أخرج الخمس من ذلك المال، فإن الله عز و جل قد رضي من المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم.
و رواية سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل معه إناء إن فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو، و ليس يقدر على ماء غيره؟ قال : يهريقهما و يتيمم.
و رواية محمد بن عيسى عن الرجل أنه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال : إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبداً حتى يقع السهم بها فتذبح فتحرق، و قد نجت سائرها.
و صحيحة زرارة قال و الله ما رأيت مثل أبي جعفر عليه السلام قط، قال : سألته قلت : أصلحك الله! ما يؤكل من الطير؟ قال : كل ما دف و لا تأكل ما صف. قال، قلت : فالبيض في الآجام؟ فقال : ما استوى طرفاه فلا تأكل و ما اختلف طرفاه فكل. قلت : فطير الماء؟ قال : ما كانت له قانصة فكل و ما لم تكن له قانصة فلا تأكل.
و رواية عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أكون في الآجام فيختلف علي الطير فما آكل منه؟ قال : كل ما دف و لا تأكل ما صف. قلت : إني أؤتي به مذبوحاً؟ قال : كل ما كانت له قانصة.
و اعلم أن الأحاديث التي نقلناها في هذا الموضوع كلها متواترة المعنى.
ثم أقول : اعلم أنه وقعت من جمع من المتأخرين من أصحابنا لقلة حذقهم في الأحاديث أغلاط في هذه المباحث :
من جملتها : أن الفاضل المدقق الشيخ علي رحمه الله أفتى في بعض كتبه بأن ظن غلبة النوم على الحاستين كاف في نقض الوضوء و قد علمت تواتر الأخبار بخلاف ما أفتى به.
و من جملتها : أن كثيراً منهم زعموا أن قولهم عليهم السلام : (لا تنقض يقيناً بشك أبداً و إنما تنقض بيقين آخر) جار في نفس أحكامه تعالى، و قد فهمناك أنه مخصوص بأفعال الإنسان و أحواله و أشباههما من الوقائع المخصوصة.
و من جملتها : أن بعضهم توهم أن قولهم عليهم السلام : كل شيء طاهر حتى تستيقن أنه قذر) يعم صورة الجهل بحكم الله تعالى، فإذا لم نعلم أن نطفة الغنم طاهرة أو نجسة نحكم بطهارتها. و من المعلوم أن مرادهم عليهم السلام : أن كل صنف فيه طاهر و فيه نجس – كالدم و البول و اللحم والماء و اللبن و الجبن – مما لم يميز الشارع بين فرديه بعلامة فهو طاهر حتى تعلم أنه نجس، و كذلك كل صنف فيه حلال و حرام مما لم يميز الشارع بين فرديه بعلامة فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه.
و من جملتها : أن كثيراً منهم لم يتفطنوا بالفرق بين ما إذا علمنا نجاسة شخص محصور بين شخصين معينين أو أشخاص معينة أو حرمته و لم نقدر على التميز بينهما أو بينهما، و بين ما إذا لم نعلم نجاسة شخص أو حرمته، فأجرا حكم الصورة الثانية و الأحاديث الواردة فيها في الصورة الأولى.
و من جملتها : أن جمعاً من أرباب التدقيق منهم زعموا أنه إذا علمنا نجاسة ثوب مثلاً لا نحكم بطهارته إلا إذا قطعنا بإزالتها أو شهد عندنا شاهدان عدلان لأن اليقين لا ينقض إلا بيقين أو بما جعله الشارع في حكم اليقين، وهو شهادة عدلين في الوقائع الجزئية.
و أنا أقول : لنا على بطلان دقتهم دليلان :
الأول : أن اللبيب الذي تتبع أحاديثنا بعين الاعتبار و الاختبار يقطع بأنه يستفاد منها : أن كل ذي عمل مؤتمن في عمله ما لم يظهر خلافه و إن شئت أن تعلم كما علمنا فانظر إلى الأحاديث الواردة في القصارين و الجزارين و حديث تطهير الجارية ثوب سيدها و الحديث الصريح في أن الحجام مؤتمن في تطهيره موضع الحجامة. لكن لا بد من قريحة قويمة و فطنة مستقيمة، و إلا تتعب نفسك و غيرك، فإن كلاً ميسر لما خلق له.
و الدليل الثاني : أن هذه المسألة مما يعم به البلوى، فلو كان حكمها مضيقاً كما زعموا لظهر عندنا منه أثر واضح بين، و لم يظهر منهم عليهم السلام إلا ما يدل على التوسعة. و الله أعلم بحقائق أحكامه.
و قد بلغني أن جمعاً من فحول علمائهم الورعين يهبون الثياب النجسة للقصارين ثم يسترجعونها، و من المعلوم عند الفقيه الحاذق أن هذه الحيلة غير نافعة. و قد نبهناك على طرف من أغلاط المتأخرين في فهم الأحاديث الواردة في الفروع أيضاً، لتعلم أنه يجب عليك سلوك طريق قدمائنا – قدس الله أرواحهم – بأن تعتمد في كل ما لم تعلم على معنى يكون الحديث صريحاً فيه أو يكون لازماً بيناً قطعياً للمعنى الذي صرح به الحديث.
و بالجملة، يجب عليك التوقف في كل موضع يمكن عادة أن يقع فيه غلط من الرعية، و لو لا وجوب إظهار الحق علي ما أظهرته. و الله مطلع على سرائر عباده.
و أما المصالح المرسلة
فالأدلة المتقدمة بإبطال التمسك بالظن جارية فيها.
و أما التمسك بالاستحسان
فكذلك

فائدة
كل من جوز الاستنباط من ظواهر كتاب الله و ظواهر السنة النبوية من غير أن يبلغه عن العترة الطاهرة عليهم السلام ما يدل على عدم طرو نسخ عليهما و على بقائهما على ظاهرهما يلزمه القول بالاجتهاد الظني التزمة أو لم يلتزمه.

فائدة
ما اشتهر ببين المتأخرين : من أصحابنا من أن قول الميت كالميت لا يجوز العمل به بعد موته، المراد به ظنه المبني على استنباط ظني. و أما فتاوى الأخباريين من أصحابنا فهي مبنية على ما هو صريح الأحاديث أو لازمه البين فلا تموت بموت المفتي. نعم، بعضها الذي كان مبنياً على حديث ورد في الواقع من باب التقية ينقطع العمل به إذا ظهر المهدي – صلوات الله و سلامه عليه – و كذلك فتاوى المتأخرين المبنية على صريح الحديث أو على لازمه البين لا تموت بموت صاحبها. لكن التمييز بين القسمين صعب على مقلديهم.

فائدة
كما لا اجتهاد عن الأخباريين لا تقليد أيضاً فانحصر العمل في غير ضروريات الدين في الرواية عنهم عليهم السلام.

فائدة
إذا ظهر عليك و انكشف لديك ما حققناه ظهر عليك سر حصرهم عليهم السلام القاضي في ثلاثة : في نبي و وصي نبي و شقي، و ذلك لأن القاضي من الرعية حينئذ يروي قضائهم عليهم السلام و ليس بقاض يستقل بالحكم كما تقول به العامة و العلامة و من وافقه من أصحابنا.





الكاتب: محب الائمة  

0 التعليقات:

إرسال تعليق