فلســفة الاكراه
جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) في ذكر المهدي (ع) (فيأتي بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره يقال له ان أبيت ضربنا عنقك ، يبايعه مثل عدة اهل بدر يرضى عنهم ساكن السماء وساكن الارض) معجم الملاحم والفتن. فان الامام المهدي (ع) كما اكدت الاحاديث والروايات الواردة عن النبي المصطفى واهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين يبايع وهو مكره فان اصحابه يهددونه بالقتل ان لم يقبل البيعة ويقوم بالامر ويعلن الثورة وقد يستغرب ويتعجب الكثير من الناس كيف يقوم احد باكراه الامام على قبول البيعة بل كيف يقوم اصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر باكراه الامام على البيعة وهم من قد ورد ذكرهم في احاديث النبي(ص) ورويات الائمة فقد اجمعت تلك الاخبار على مدحهم وانهم افضل من اصحاب النبي واصحاب والائمة الطاهرين وانهم حكاما الارض فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) في البحار ج52 عن ابي جعفر (ع) قال : ( قال رسول الله (ص) ذات يوم وعنده جماعة من اصحابه : اللهم لقني اخواني مرتين ، فقال من حوله من اصحابه : اما نحن اخوانك يارسول الله(ص) ؟ فقال: لا ، انكم اصحابي واخواني قوم من اخر الزمان امنوا بي ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله باسمائهم واسماء ابائهم من قبل ان يخرجهم من اصلاب ابائهم وارحام امهاتهم ، لاحدهم اشد بقية على دينه خرط القتاد في الليلة الظلماء ، او كالقابض على جمر القضا اولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة) . فان النبي(ص) يقصد اصحاب المهدي(ع) الا ان ماذكر في هذا الحديث من وصف ينطبق عليهم كان هذا وصفهم كما ذكرته الاخبار الاخرى. كما انه قد ورد في وصفهم ماجاء عن المفضل بن عمر قال قال ابو عبد الله(ع) : (اذا اذن الامام دعا الله باسمه العبراني فاتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف، فهم اصحاب الالوية ، منهم من يفقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم ابيه وحليته ونسبه قلت: جعلت فداك ، ايهم اعظم ايماناًُ؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً وهم المفقودين وفيهم نزلت هذه الاية {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً} . فانظر عزيزي القارئ الى فضل اصحاب المهدي(ع) وكيف انه نزلت فيهم بعض الايات القرآنية ويصدر منهم هذا الفعل وهو اكراه الامام المهدي(ع) على البيعة وعن ابي عبد الله (ع) قال : (ان صاحب هذا الامر محفوظة له اصحابه لو ذهب الناس جميعاً اتي الله له باصحابه، وهم الذين قال الله عزوجل عنهم {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }الأنعام89. وهم الذين قال الله فيهم{َسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} . فعندما نتأمل في ثناء الله على اصحاب المهدي(ع) فما معنى انهم يكرهون الامام(ع) على البيعة ، لقد وردت الكثير من الروايات التي تمدح اصحاب المهدي(ع) فنعرض عنها مراعاة للاختصار لكن التساؤل الذي يتردد في افكارنا الان هو هل يعني فعلهم هذا وهو اكراه الامام المهدي(ع) على البيعة صحيح ام فعل خاطئ؟ والحق ان فعلهم هذا ليس فيه باس ولا اثم عليه فقد ورد في الرواية الشريفة عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (ع) انه قال:( ينادي باسم القائم فيؤتى وهو خلف المقام، فيقال له : قد نودي باسمك فما تنتظر ؟ ثم يؤخذ بيده فيبايع . قال : قال لي زرارة : الحمد لله قد كنا نسمع ان القائم (ع) يبايع مستكرهاً فلم نكن نعلم وجه استكراهه ، فعلمنا انه استكراه لا اثم فيه ) غيبة النعماني- وبعد ان عرف الجواب يرد تساؤل اخر مفاده لم هذا الاكراه ؟ وللجواب عليه لابد ان نعرف ان الامام المهدي(ع) لايطلب البيعة على احد الا ان تطلب الناس هي ذلك الشيء وذلك لاقامة الحجة من الله والامام المهدي على الناس وكي لاتكون للناس على الله والامام الحجة ولايقول احد بعد ذلك انني استطيع ان اقيم العدل وان احقق الخير للبشر فلماذا تكون الامور والحكم بيد المهدي(ع) وحده فقد ورد في الرواية الشريفة عن الامام الصادق(ع) (لا يظهر صاحب الامر ما لم يصل الى الحكم جميع اصناف الناس حتى لا يقول احد عندما تشكل حكومة المهدي(ع) لو اننا وصلنا الى الحكم لعملنا بالعدل) ولا تكون للخارجين على الامام (ع) من فرق الضلالة حجة اما بالنسبة لاصحاب الامام المهدي(ع) ولماذا يكرهون الامام(ع) على البيعة فذلك يعود لعدة اسباب : الاول :- لانهم على يقين مطلق بانه لا يستقيم الامر الا بقيام الامام(ع) وانشاء دولته. الثاني:- ان من الاصحاب وزير الامام(ع) ونقبائه وهم يعرفون الامام(ع) جيدا ويعلمون ان الامام المهدي(ع) لا يقبل البيعة ولا يدعوا لها بل لابد من ان يبايع مكرها ويقوم بالامر لان الامام وحسب معرفتهم به ساخطا على الامة وعلى المسلمين بدليل انه يخرج (ع) غضبان وياتي الى مكه ثلاث مرات ويحاول اصحابه ان يبايعوه ولكنه يتنكر لهم ولا يعّرفهم بنفسه علما ان وزيره ونقبائه كانوا مأمورين من الامام نفسه بأن لا يعّرفوا الاخرين به فقد جاء في الروايات ان اصحاب الامام(ع) يرونه حول البيت الحرام ثلاث مرات ولكنه يرفض البيعة في المرتين الاوليتين ويقبلها في الثالثة بعدما هددوه بالقتل ان لم يفعل ، وقد رفض الامام(ع) في المرتين الاوليين ان يعرفهم بنفسه ويقبل البيعة لانه اراد ان يختبرهم ويعلم مدى صبرهم ولان لديه شروط على اصحابه اذا طلبوا منه البيعة وكان الوزير والنقباء على علم بان الامام(ع) لايبايع الا بشروط لذلك وحينما علم باقي الاصحاب بان للامام شروط عليها واعلنوا عن استعدادهم لقبولها ظهر اليهم وعرفهم بنفسه . الثالث: ان الامام لا يطلب البيعة لنفسه وذلك اكراما واحلالاً لآل محمد فانهم لا يسالون الناس شيئاً مهما كان فقد قال تعالى{َلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } فان الناس بحاجة للامام وليس الامام بحاجة لاحد . وهذا هو منهج الائمة عليهم السلام فانهم لم يطلبوا من الناس يوماً ان يقبلوا بهم كائمة او اوصياء بل الناس هم من كان ياتون ويطلبون منهم البيعة والقيام بالامر والسيطرة على الحكم فهذا امير المؤمنين (ع) عندما مات عثمان ورغم ان الثوار اجتمعوا على ان يعيدوا الحق الى اهله رفض امير المؤمنين(ع) ان يكون خليفة وابى عليهم ولكنهم ازدادوا الحاحاً ولم يفارقوا باب علي(ع) لا في ليل ولا في نهار حتى استمر الحال الى ثلاثة ايام بلياليها هم يصرون وعلي يرفض حتى وصل بهم الامر الى ان هددوا الامام بالقتل ان لم يستلم امر الخلافة وينهض باعباء الامة وهم شيعته ومواليه كما لا يخفى فقد ورد في كلام الامام امير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة(وقام ثالث القوم نافجاًً حضيه بين نشليه ومعتلفه وقاموا معه بنوا ابيه يخضمون مال الله خضم الابل نبت الربيع حتى اجهز عليه عمله وكسبت به مطيته فما راعني الا والناس الي كعرف الضبع قد انثالوا علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وانشق عطفاي حتى اذا نهضت بالامر نكثت طائفة وفسقت اخرى ومرق اخرون) والامام المهدي (ع) هو خير من يسير بسيرة علي (ع) فلابد ان يبايع مكرها كما بويع جده علي(ع) مكرها وهذا ما حصل ايضاً مع الامام الحسين (ع) حيث انه(ع) لما اراد الخروج على يزيد عليه اللعنة واعلان الثورة انتظر مايكون من الناس وهو كما لا يخفى يعلم نتيجة المعركة وخذلان الناس ولكن كل ذلك من اجل اقامة الحجة على الناس وفعلا فقد بايعوا الحسين(ع) وارسلوا الكتب والعهود حتى طلبوا منه ان ياتيهم فبعث اليهم اخيه وابن عمه مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهو الامام المعصوم ويعلم ان ابن عمه مقتول لا محال ولكن كل ذلك اتماما للحجة وتاكيدا عليها ولكي لا يحتج احد على الله والامام ان الامام المهدي بعمله هذا وهو عدم قبول البيعة انما هو غضباً وعدم الرضى من قبله على الناس الذين اختاروا غيره عليه وقدموا من ليس باهل لادارة امور المسلمين على الخليفة الشرعي وكل عملهم هذا كان بحجة او اخرى واستمر حالهم هذا مئات السنين وهم تاركين لامر مولاهم وامامهم الحق لاهثين وراء هذا وذاك حسب ما تقضيه اهوائهم وترتضيه نفوسهم ويحسبون بعملهم ذلك انما يحسنون صنعا فكيف يرضى عن الامام المهدي(ع) ونريد منه ان يحقق لنا امنيتنا بخروجه الشريف ونحن متناسين لامره مقدمين غيره عليه نضع دستورنا بايدينا ونبتدع احكامنا من نفوسنا وعقولنا ونقول هي من عند الله والامام المهدي بل ان الادهى والامر من ذلك اننا نرضى بمن يصافح اليهود والنصارى ويضع يده بايديهم ويستعين بدساتيرهم الوضعية النابعة من عقيدتهم المنحرفة ليجعلها دستورا للمسلمين ويتركون دستور الاسلام وهو القرآن العظيم وراء ظهورهم فهل هذا الفعل يرضي الامام المهدي(ع) يا ترى ؟
الموضوع من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني
|
||
الجمعة، 31 أغسطس 2012
فلســفة الاكراه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق