إن دابة الأرض المذكورة في القرآن هي دابة من جنس البشر وهي إنسان معين يخرجه الله عز وجل كآية في آخر الزمان فيسم المؤمن بعصى موسى فيعرف انه مؤمن، ويسم الكافر بخاتم سليمان فيعرف انه كافر.
وهذا الإنسان هو المهدي (عليه السلام) الذي سيخرج في آخر الزمان وهذا الأمر لا يتناقض مع ما أوردناه آنفاً حول إن الإمام علي (عليه السلام) هو دابة الأرض على حسب التنزيل الظاهري للقرآن في عصر صدر الإسلام، والذي سترجع روحه في آخر الزمان لتسدد دابة الأرض في آخر الزمان وهو المهدي (عليه السلام).
والدليل على ذلك وجود أخبار وروايات تفيد هذا المعنى، منها ما يؤكد اقتران خروج دابة الأرض زماناً مع خروج المهدي (عليه السلام)، فعليه يكون هو دابة الأرض في آخر الزمان والمسدد بروح الإمام علي (عليه السلام) كما ذكرنا سالفاً.
لأنه لا يمكن أن نتصور أن الإمام علي (عليه السلام) يخرج في الوقت الذي يخرج فيه المهدي (عليه السلام)، وهذا ما لم تدل عليه الروايات من جهة، وكما هو معلوم إن قيادة الأمة وإمامتها في آخر الزمان تكون للمهدي (عليه السلام) لأنه خاتم الأئمة الاثنا عشر المعصومين كما دلت على ذلك الكثير من الروايات الواردة عن طرقهم (عليهم السلام).
حيث ورد عن سلمان المحمدي عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( الأئمة بعدي اثنا عشر ثم قال كلهم من قريش ثم يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين )( ).
وجاء في رواية أخرى عن الصقر بن دلف بأنه سمع الإمام الهادي (عليه السلام) يقول: ( الإمام بعدي الحسن وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلما )( ).
وغيرها من الروايات التي تؤكد على ذلك( ).
وبناء عليه فلا يعقل ولا يصح القول أن الإمام علي (عليه السلام) هو دابة الأرض في آخر الزمان، على اعتبار رجعته مادياً، وذلك لأنه لا يمكن أن يكون (عليه السلام) مأمور وتابعاً للمهدي (عليه السلام) الذي سيخرج في آخر الزمان أيضاً، لأنه افضل منه وهذا مما لا نقاش فيه.
وعلى هذا الأساس تكون رجعة الإمام علي (عليه السلام) الذي هو دابة الأرض بحسب التنزيل رجعة روحية لتسدد دابة الأرض الفعلية في آخر الزمان وبحسب التأويل وهو المهدي (عليه السلام).
ومع قليل من التدبر في الروايات نجد أنها تشير إلى الترابط بين الإمام علي (عليه السلام) وبين المهدي (عليه السلام) وعلاقة كل منهما بدابة الأرض سواء الظاهرية في صدر الرسالة أو الباطنية في آخر الزمان.
حيث ورد عن جابر بن يزيد عن أبي عبد الله الجدلي قال:
( دخلت على علي بن أبى طالب (عليه السلام) فقال: ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل علي وعليك داخل؟
قلت: بلى.
فقال: أنا عبد الله وأنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ؟
قال: قلت بلى.
قال: فضرب بيده إلى صدره وقال أنا )( ).
وهنا نجد إن الإمام علي (عليه السلام) بدأ حديثه عن دابة الأرض، وأنه هو بحسب الظاهر، ثم أتم حديثه عن المهدي (عليه السلام)، مما يشير إلى وجود ترابط بين المهدي وبين دابة الأرض، لأنه هو (عليه السلام) دابة الأرض بحسب الباطن والذي يكون مسدد بروح دابة الأرض الظاهري، وذلك على اعتبار أن دابة الأرض ستخرج في آخر الزمان كما هو حال المهدي (عليه السلام) وهذا مما لا ينطبق على الإمام علي (عليه السلام) لأن رجعته تكون روحية فقط.
ولو تمعنا قليلاً في الرواية الآنفة الذكر نجد أنها تشير إلى رجعة روح الإمام علي (عليه السلام) وتسديدها للمهدي (عليه السلام) وذلك لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه انف المهدي وعينه، ولا يمكن حمل ذلك على الظاهر وإنما لا بد من تأويله وفق المعاني الباطنية.
فعليه يكون التأويل بهذه الصورة بأن انف المهدي فيه إشارة إلى الروح ، أي أن روح المهدي (عليه السلام) هي روح جده أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنها تكون مسددة له. وذلك لوجود علاقة وثيقة بين الأنف والروح من حيث أن آخر موضع تستل منه الروح هو الأنف.
أما العين فالمقصود بها هنا البصيرة والدين والعقيدة من ذلك قوله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}( )، وقوله تعالى {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ}( ).
والمراد هنا إن دين المهدي (عليه السلام) وعقيدته هو عينه دين وعقيدة جده أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي هي التوحيد الخالص لله عز وجل الذي لا يشوبه شرك مطلقاً .
ومن ذلك فقد عدّ حب الإمام علي (عليه السلام) وولايته هي العلامة الفارقة بين المؤمنين وبين المنافقين والكفار، حيث ورد عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال للإمام علي (عليه السلام) :
( يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق )( ).
ومن ذلك نستدل بأن المهدي (عليه السلام) هو دابة الأرض بعينها في آخر الزمان لأنه سيقوم بالتفريق بين المؤمنين والكافرين بشكل صريح وواضح للعيان عن طريق وسم كل منهما بسمة تدل عليه وفقاً لما تنطوي عليه سرائر وبواطن كل منهم.
وذلك كما كان جده الإمام علي (عليه السلام) الذي يمثل دابة الأرض في عصره، من حيث الظاهر علماً إنه يميز به المؤمن من الكافر بحسب ظاهر كل منهما بدلالة المحبة والمولاة.
فضلاً عن ذلك توجد أدلة تؤكد على أن دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان هي المهدي (عليه السلام) خاصة دون غيره منها إشارة العديد من الروايات الواردة عن طريق آهل البيت (عليهم السلام) والتي تشير إلى أن المهدي يخرج ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، وهذا بعينه ما مذكور بالنسبة لدابة الأرض من أنها تخرج ومعها خاتم سليمان وعصا موسى.
جاء عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: ( خروج دابة من الأرض من عند الصفا ومعها خاتم سليمان وعصا موسى...)( ).
وهذا بعينه ما سيقوم به المهدي (عليه السلام) عند خروجه في آخر الزمان فقد جاء في الرواية عن أبى الجارود عن الإمام أبى جعفر الباقر (عليه السلام) انه قال: ( إذا ظهر القائم (عليه السلام) ظهر براية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وخاتم سليمان وحجر موسى وعصاه ...)( ).
كما ورد أيضاً عن عبد بن سنان انه سمع الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: ( عصا موسى قضيب آس من ورد الجنة أتاه بها جبرائيل لما توجه تلقاء مدين وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم (عليه السلام) إذا قام )( ).
ويتبين لنا من خلال هاتين الروايتين إن خاتم سليمان وعصا موسى يكونان عند المهدي (عليه السلام) ويخرجهما معه، ولا تكونان مع غيره، وهذا دليل قاطع على أنه هو دابة الأرض التي أشرنا إلى أنها تخرج ومعها نفس الخاتم والعصا.
ولو اننا اعتبرنا إن دابة الأرض شيء أو شخص آخر غير المهدي، فهذا يعتبر تضارباً في كلام المعصومين (عليهم السلام) ورواياتهم بالظاهر، حاشاهم من ذلك، وذلك على اعتبار أن هناك روايات تصرح بأن خاتم سليمان وعصا موسى يخرجها المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان تارة، وفي روايات تخرجها دابة الأرض تارة أخرى.
فمن الممكن الجمع بين هذه الروايات وذلك إذا قلنا أن المهدي (عليه السلام) ودابة الأرض هما شيء واحد، وبمعنى آخر إن دابة الأرض هي المهدي نفسه والذي سيخرج في آخر الزمان ومعه خاتم سليمان وعصا موسى، وبذلك يزول التناقض.
ومن الأدلة الأخرى التي تثبت أن المهدي (عليه السلام) هو دابة الأرض هو إشارة الروايات أن كل منها يسم ويتوسم بالمؤمنين والكافرين.
حيث ورد عن دابة الأرض أنها تسم المؤمن بعصا موسى وتسم الكافر بخاتم سليمان، وذلك في الحديث المروي عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال :
( تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان تجلو وجه المؤمن بعصى موسى (عليه السلام) وتسم وجه الكافر بخاتم سليمان (عليه السلام) )( ) .
وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أيضاً واصفاً الدابة بقوله: ( دابة الأرض ... لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه كافر ومعها عصا موسى وخاتم سليمان فتجلو المؤمن وتحطم أنف الكافر بالخاتم، حتى يقال يا مؤمن ويا كافر )( ).
كما جاء في رواية ثالثة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ( خروج دابة من الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان وعصا موسى تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فيطبع فيه هذا مؤمن حقاً، وتضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه هذا كافر حقاً، حتى أن المؤمن لينادي الويل لك يا كافر، وان الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم مثلك فأفوز...)( ).
ومن ذلك يتبين لنا أن دابة الأرض تسم المؤمن والكافر بخاتم سليمان وعصى موسى، وهذا بدوره ما يؤكد ان دابة الأرض والمهدي (عليه السلام) شيء واحد بدليلين:
الأول: انه (عليه السلام) معه الخاتم والعصا كما مر بنا آنفاً.
والدليل الثاني: هو أن الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين (عليه السلام) أن المهدي (عليه السلام) وبشكل عام يعرف الموالين المؤمنين من الأعداء الكافرين بالتوسم.
فجاء عن إبان بن تغلب عن الإمام أبى عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( إذا قام القائم (عليه السلام) لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن، إلا عرفه صالح هو أم طالح، إلا وفيه آية للمتوسمين وهي السبيل المقيم )( ).
الموضوع من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني
الموضوع الأصلي: المهدي دابة الأرض على حسب التأويل الكاتب: ناصر الموعود المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق