هناك بعض الآراء التي لها ما يؤيدها من الحقائق العلمية المتوفرة الآن ، ومنها إن الإنسان ذكراً كان أو انثى ، يحمل في البداية اتجاهاً ثنائياً من الدافع الجنسي ، وقد راى فرويد مثل هذا الراي ، وشاركه في ذلك اخرون ، ممن افترضوا بأن الطفل عند الولادة هو ثنائي الجنسية من الناحية السلوكية ، غير إن الشكل النهائي لسلوكه الجنسي يعتمد على الظروف المحيطه به .
ويعتقد آخرون بما لا يخالف هذا الراي ويرون بأن الطفل يولد بجنسية ثنائية محايدة ، وبان اتجاهه بعد ذلك نحو طبيعة جنسية أو أخرى هو أمر يتقرر بمجموعة عديدة من العوامل التربوية والاجتماعية والمحيطية ، والتي من شإنها أما أن تؤكد وتعزز الإتجاه نحو الجنسية المطابقة لواقعة الجنس ذكراً أو انثى أو أن تضعف من هذا الاتجاه وتتجه بدلاً من ذلك نحو جنسية مخالفة لواقعه .
ولعل من الطريف أن نذكر هنا بأن الاعتقاد بثنائية الجنسية ليس بالشيء الجديد ، فقد ورد ما يشير إليه في الأساطير والمعتقدات القديمة في بلدان الشرق الأوسط والصين والاساطير الاغريقية ، ولعل أكثر هذه الأساطير أيضاحاً هي اسطورة ( هيرموفروديش) الاغريقية ، وتفيد الأسطورة بأنه كان شاباًَ جميلاً وابناً لكل من الآلهة هيرميس وإلهة الجمال افروديت ، وقد وقعت في حبه الحورية الجميلة سلاميس والتي طلبت منه الآلهة أن تتحد به ولا تفترق عنه أبدا ، فكان لها ما أرادت وجمعت الآلهة بينهما في جسم واحد ، فكان هيرموفرود الشاب الجميل نصفه ذكر ونصفه الآخر انثى .
وحتى افلاطون قد اشار في أحدى محاوراته ( السمبوزيون) بأنه في البداية وجدت ثلاثة اتجاهات جنسية : الذكرية والانثوية ثم الجنسية الثنائية التي تجمع بينهما ، وإن هذه الجنسية الأخيرة قد اختفت وخلفت الاسم فقط .
أما في العصر الحديث فقد اهتم العالم النفسي (يونغ) بتفسير اسطورة هيموفروديش ، ووجد فيها تعبير عن العقل البدائي وخيالاته ، وهو يرى في ذلك بأن للمراة جانباً رجولياً سماه بالانيموس وإن للرجل جانباً من الانوثة سماه بالاينما ، وقد ارتأى يونغ بأن في هذين الجانبين ( الاينما ، والانيموس ) ما يمثل أعظم القوى الفعالة في حياة كل من الذكر والانثى ، فالاينما في الرجل هي التي تدفعه نحو البحث عن شريكه في الحب ، وهي تتساوى مع الجانب الانثوي في نفسه ، بينما الانيموس أو جانب الذكر في المراة فهي تتوق إلى أن تجد نفسها ( الذكرية) في الشخص الذي تحبه .
وهنالك راي آخر في هذا الموضوع مؤداه إن الفرد يحمل في نفسه طوال حياته اتجاهاً جنسياً ثنائياً وليس فقط اثناء طفولته وحداثته ، وكل ما يمكن أن يحدث له اثناء عمليات نموه ونضوجه الجنسي هو فقط التخلي الجزئي عن بعض مظاهر جنسيته الثنائية وبالقدر الذي يتوافق مع ضرورات ومتطلبات العرف والتقاليد الاجتماعية .
وبهذا فإن عدم ظهور اتجاه جنسي ثنائي لا يعني بأن الإتجاه غير موجود وانما يعني فقط بأنه خفي أو مكبوت ، وبأن له أن يظهر بشكل ما فيما إذا تهيأت الظروف الملائمة لظهوره ، ومن الجلي بأن هذه النظرية تفسر الكثير من الحالات الجنسية الثنائية والمثلية وغيرها من الإنحرافات في الممارسة الجنسية والسلوك الجنسي.
ومع إنه ليس لدينا حتى الآن أي برهان قاطع من الناحية البايلوجية على وجود ثنائية الجنس ، إلا إن عدم توفر ذلك لا ينفي إمكانية وجود هذا الأساس في الأدوار الأولى من تكوين الجنسين ، وبأن الإتجاه بعد ذلك يتقرر تبعاً لمؤثرات هرمونية مبرمجة في وضائفها ، وهناك بعض الإتجاهات العلمية التي تؤيد الجنسية الثنائية عن طريق آخر ، وتتجه نحو التأكيد بان الجنسية الفعلية للجنسين في البداية هي جنسية الانثى ، وان التحول الذي يحدث بعد ذلك يأتي بسبب فعل الهرمونات ، فإن كانت انثوية استمر الجنين في الاتجاه نحو الانثوية الجنسية ، وإذا كانت الهرمونات الذكرية تتحول إلى جنسية ذكرية .
ومهما كان الرأي النهائي في هذا الموضوع ، فإننا لا نستطيع اغفال دافع الاتجاهات الجنسية الثنائية في حياة الكثيرين من الناس وبدرجات متفاوته من المشاركة .
إذن لا بد من محاولة تفسير هذه الاتجاهات ويبدو إن افتراض الجنسية الثنائية بمضامين بايلوجية ونفسية واجتماعية فيه الكثير مما يعين على فهم الظواهر والممارسات الجنسية المختلفة والتي لا يمكن فهمها على أساس من الاستقطاب الكامل والقاطع للذكر والانثى .
وقد ذكر الدكتور علي كمال في كتابه النفس معرفاً الجنسية الثنائية قائلاً: وهي حمل صفات الذكورة والانوثة للجنس البشري الواحد ذكراً كان أو انثى في طبيعة خلقته الادمية .
لقد نظر الناس إلى هذه النظرية بشك وريبة وجزم بعضهم بعدم صحتها ولكننا من خلال هذا البحث سنثبت إنشاء الله تعالى صحتها من خلال القرآن الكريم واحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم .
1- قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}( ).
من خلال مناقشة هذه الآية الكريمة نقول إن النفس الواحدة هي أما ذكراً أو انثى ، فإن كان ذكر كيف خرج منها انثى ، وان كانت انثى كيف خرج منها ذكر ، ونحن نعلم إن النفس الواحدة الواردة في الآية الكريمة هو آدم (عليه السلام) .
نستدل من هذه الآية إن حواء (عليها السلام) هي جزء من آدم وكلمة (من) تفيد التبعيض والجزئية ، وقد وردت روايات بهذا المعنى حيث خلق الله سبحانه وتعالى حواء من ضلع آدم وفي رواية أخرى من ضلع اعوج ، وبالرغم من ضعف هذه الرواية لكننا نسلم بصحة المعنى الذي اشرنا إليه .
وان الذي يدل على هذا المعنى بشكل دقيق ما جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) :( خلقت حواء من فاضل طينة الضلع الايسر لأدم(عليه السلام) )( ) .
وكذلك جاء عن علل الشرائع : في خبر ابن سلام أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : هل خلقت حواء من يمين آدم أو من شماله ؟ قال : بل من شماله ، ولو خلقت من يمينه لكان للأنثى كحظ الذكر من الميراث ، فلذلك صار للأنثى سهم وللذكر سهمان ، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل)( ).
ومن خلال الحديثين يتضح لنا نفس المعنى الذي أشارت إليه الآية سالفة الذكر، وبذلك نستدل على إن الإنسان يحمل صفات (الذكورة والأنوثة ) في الجنس الواحد بعدما تكاثرت البشرية من خلال تزاوج آدم وحواء ، وحواء هي من آدم (عليه السلام) .
إذن فالجانب الأيسر انثوي والجانب الأيمن ذكري ، وكذلك الجانب الأيمن يمثل القوة ، أما الأيسر فيمثل الضعف ، لأن الرجل ليس كالانثى في طبيعة خلقته في جميع النواحي .
2- كانت هناك نظرية تقول بأن الدماغ البشري مقسم إلى قسمين (ايمن وايسر) ، فالايمن مسؤول عن الجهة اليمنى للجسم والأيسر مسؤول عن الجهة اليسرى للجسم ، ولكن بعد فترة من الزمن تطور العلم فاكتشف العكس حيث ان الجهة اليمنى للدماغ تحرك الجانب الأيسر للجسم والجهة اليسرى من الدماغ تحرك الجانب الايمن للجسم ،وهنا نؤكد صحة هذا الاكتشاف بعدة أمور :-
أ- ما ورد في كيفية غسل الجنابة فإنه يبدأ بغسل الرأس مستقلا مع الرقبة ، ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر للجسم ، ولو كانت الجهة اليمنى للرأس تحرك الجانب الايمن للجسم والجهة اليسرى للرأس تحرك الجانب الأيسر للجسم لآكتفينا بغسل الرأس على جانبيه فقط ، ولكن بسبب الاختلاف العكسي بين جهتي الرأس وجانبي الجسم اقتضى غسل الرأس مستقلا ومن ثم جانبي الجسم . وهذه إشارة إلى ثنائية الجنس (اختلاف عكسي).
ب- ماورد في المأثور حول كيفية معرفة جنس الجنين ، إذا كان الثدي الأيمن منتفخ فيكون الحمل ذكر ، أما إذا كان الثدي الأيسر منتفخ فيكون الحمل انثى ، ومن جانب آخر إن خصية الرجل إذا كانت البيضة اليمنى منها منتفخة فيكون الإنجاب ذكور أما إذا كانت اليسرى منتفخة فيكون الإنجاب إناث.
وقد ورد في ( المناقب لابن شهر اشوب ) مما أجاب الإمام الرضا (عليه السلام) بحضرة المأمون لصياح بن نصر الهندي وعمران الصابي عن مسائلتهما قال عمران : ما بال الرجل إذا كان مؤنثاً والمراة إذا كانت مذكره . قال الإمام (عليه السلام) : (ذلك إن المراة إذا حملت وصار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثاً وإذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكر وذلك إن موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها والجارية مما يلي مياسرها وربما ولدت المراة ولدين في بطن واحدة فإن عظم ثدياها جميعا تحمل تؤامين وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلاً على إنها تلد واحد ، إلا إنه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولود ذكراً ، وإذا كان الايسر اعظم كان المولود انثى ، واذا كانت حاملاً فضمر ثديها الأيمن فإنها تسقط غلاماً وإذا ضمر ثديها الأيسر فإنها تسقط انثى وإذا ضمرا ثدييها جميعاً تسقطهما جميعاً )( ) .
وما جاء عن معاوية بن ميسرة بن شريح قال :حدثني أبي عبد الله بن معاوية عن أبيه ميسرة عن أبيه شريح قالت ميسرة : تقدمت إلى شريح ، فقالت : إني جئتك مخاصمة ، فقال لها : وأين خصمك ، فقالت : أنت خصمي ، فاخلى لها المجلس وقال لها تكلمي ، فقالت إني إمراة لي إحليل ولي فرج فقال : قد كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا قضية ، وسألها من حيث جاء البول؟ قالت : إنه يجيء منهما جميعاً فقال لها من أين سبق البول ؟ قالت ليس منهما شيء يسبق البول ، يجيئان في وقت واحد وينقطعان في وقت واحد ، فقال لها إنك لتخبرينني بعجب ، فقالت : أخبرك بما هو أعجب من هذا ، تزوجني ابن عم لي واخدمني بخادمة فوطاتها فأولدتها وانما جئتك لما ولد لي لتفرق بيني وبين زوجي ، فقام من مجلس القضاء ودخل على أمير المؤمنين علي(عليه السلام) فأخبره بما قالت المراة ، فامرها فادخلت وسألها كما قال القاضي ، فقالت هو الذي اخبرك قال : فاحضر زوجها ابن عمها ، فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) أهذه إمراتك وابنة عمك ؟ قال نعم ، قال له علي (عليه السلام): قد علمت ما كان ؟ قال نعم ، قد اخدمتها بخادمه فوطاتها فأولدتها ، قال(عليه السلام): ثم وطأتها بعد ذلك؟ قال : نعم ، قال له علي(عليه السلام): لأنت اجرأ من خاصي الأسد ، عليّ بدينار الخرجي ، وكان معدلاً وبأمرأتين فاتي بهم وقال لهم (عليه السلام) خذوا هذه المراة إن كانت امراة فادخلوها بيتاً والبسوها نقاباً ، وجردوها من ثيابها وعدوا اضلاع جنبيها ، ففعلوا ثم خرجوا إليه ، فقالوا له عدد الجنب الأيمن اثنى عشر ضلعاً والجنب الايسر أحد عشر ضلعاً ، فقال (عليه السلام) :الله أكبر أتوني بالحجام فأخذ من شعرها واعطاها رداءا وحذاءا والحقها بالرجال ، فقال الزوج يا أمير المؤمنين امراتي وابنة عمي الحقتها بالرجال ، ممن اخذت هذه القضية ؟ قال : إني ورثتها من أبي آدم (عليه السلام) وأمي حواء خلقت من ضلع آدم ، وإن أضلاع الرجال أقل من أضلاع النساء بضلع ، وعدة اضلاعها اضلاع رجل ، وامر بهم فأخرجوا)( ).
ونستدل بذلك على ( ثنائية الجنس) حيث إن الجانب الأيسر انثوي والأيمن ذكري .
ج- قال تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ}( ) هذه اشارة واضحة إلى إن جهة اليمين تمثل القوة ، واليسار تمثل الضعف وبما إن اليمين تمثل الخشونة والرجولة فإن اليسار تمثل العاطفة والشاعرية والتي تتجسد غالباً في المراة .
إن الكثير من المهارات التي تحتاج إلى الوجدان والاحاسيس الشاعرية تجد معظم اصحابها ممن يستخدمون اليد اليسرى كالخطاطين والرسامين واصحاب الحرف الفنية والمهارات اليدوية ذات الطابع الفني . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى قد ذكر القلوب القاسية بشكل مذموم فقد قال تعالى : {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }( ) ، وإن القلوب هي مصدر العاطفة وهي في جهة اليسار والمراة تمثل اليسار وهذا ترابط وثيق بالتدليل على عاطفة المراة وشاعريتها ، واليمين هي تمثل القوة والشدة وبذلك فهي تدلل على الرجال.
وقد اثبت العلم الحديث إن الاذن اليسرى أكثر ميول لسماع الموسيقى والغناء من الأذن اليمنى وكل ما يتصل بالوجدان والاحساس العاطفي هو للجهة اليسرى ، وورد أيضاً إن الشيطان يوسوس للإنسان من الجهة اليسرى التي تمثل ضعف النفس ولذلك ورد ذكر أصحاب الشمال بشكل مذموم وأصحاب اليمين بشكل ممدوح في القرآن الكريم .
وقد جاء في المأثور إن الإنسان إذا راى في منامه حلم سيء واستيقض مرعوباً فليتفل على الجهة اليسرى كون الشيطان يجيء من جهة اليسار ، وقد قال تعالى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} جاء في تفسيرها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : خيلك هي النساء . وأيضاً إن النساء حبائل إبليس .
نستنتج مما تقدم مايلي :
أولاً :- اثبات صحة نظرية (ثنائية الجنس) عند الإنسان ونستدل كذلك على جميع اعضاء الجسم ومكوناته فيكون الأيسر اضعف من الأيمن بما فيها السمع والبصر وغيرهما وسوف يكتشف العلم هذه النظرية عاجلاً ام اجلاً.
ثانياً :- إن مسألة الخنثى هي (توازن) بين الشقين الأيمن والأيسر أي بين الذكري والانثوي وليس لأحدهما صفة غالبة على الآخر.
ثالثاً :- إن حالة الخشونة والرجولة عند النساء نتيجة طغيان جانب على آخر ، فالخنوثة طغيان الأيسر على الأيمن عند الرجال والرجولة عند النساء هي طغيان الأيمن على الأيسر، وسبب الشذوذ الجنسي يتمثل بهذه الفقرة حيث قلة الذكورة عند الرجال التي تمثل الجانب الأيمن وقلة الأنوثة عند النساء والتي تمثل الجانب الأيسر فيحدث الشذوذ في السلوك والتصرف والطبيعة الجسمانية وإن العين اليسرى شإنها شأن بقية أجزاء الجسم اليسرى في الضعف فإنها تميل إلى النظر إلى الفساد أكثر من غيرها .
نقلا عن الموسوعة القرآنية للسيد القحطاني
الموضوع الأصلي: نظرية ثنائية الجنس بين الاسلام والعلم الحديث الكاتب: ناصر الموعود المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق