بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعداء آل محمد من الاولين والاخرين من بدء الزمان الى قيام يوم الدين
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني
بدأت هذه المدرسة باعادة مجدها وبنيانها بعد ثورة الأخباريين والتي انتهت بتكفير الاخباريين وقتلهم وتهجيرهم إذ لم تنتصر المدرسة الاصولية بالحجة والبرهان بل انتصرت بالقوة والدم وشهدت تلك الفترة صراعات دموية غوغائية سوف نأتي على ذكره في موضوع مستقل إن شاء الله تعالى . بدء تزعم هذه المدرسة على يد السيد محمد باقر البهبهاني ﴿ 1117-1208﴾ الملقب ب " الوحيد البهبهاني " الذي كان يُدرس في كربلاء والذي كان معاصراً للمحدث البحراني الأخباري وقد أفتى البهبهاني بكفر الأخباريين وسجل انتصاراً في الظاهر للمدرسة الأصولية وأعاد الإجتهاد والفقه الإجتهادي إلى مسيره السابق الذي استمر به تلامذته من بعده إلى يومنا هذا . وقد استمرت المدرسة الأصولية على هذا المنوال وألفت كتب في الأصول الفقهية على يد فقهاء هذه المدرسة أمثال الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1128هـ والسيد مهدي بحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ والسيد علي الطباطبائي المتوفى سنة 1231هـ وولده السيد محمد بن علي الطباطبائي المتوفى سنة 1241هـ والشيخ أحمد بن محمد النراقي المتوفى سنة 1244هـ والشيخ محمد حسن النجفي المعروف ب ﴿صاحب الجواهر﴾ المتوفى سنة 1266هـ والذي ألف أكبر كتاب فقهي وفقا لآراء المدرسة الأصولية حيث يبلغ ثلاثة وأربعين مجلداً . اما الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة 1281هـ فقد كان له دور كبير في إكمال ما قام به الوحيد البهبهاني من ترسيخ الفقه الإجتهادي الأصولي وتشييد أركان أصول الفقه حيث يعتبر استاذاً ومرجعاً في الأصول الفقهية لهذه المدرسة . إن التأريخ يشير إلى أن الأنصاري أول من أحدث أبواباً للإجتهاد والتقليد في الكتب الفقهية فقد كانت تدرس قبل مجيئه في الكتب الأصولية حصراً ولم يعقد فقيها قبله باباً للإجتهاد والتقليد في مباحث الفقه وهذه نتيجة طبيعية للتطور المشهور في تلك الازمان , فبعد أن كان باب التقليد والإجتهاد يعقد لذمهما والبرائة منهما كما في الكافي والوسائل وغيرها من كتب الحديث أصبح وبمرور الزمن أمراً معكوساً انعكاساً كلياً , فقد عقد لهما أبوباً لبيان حجيتهما في الشريعة !! إن هذا التحول في الفقه يعزى إلى انكسار الحركة الأخبارية وتقوقعها في بلدان نائية , فلم يكن لهم صوتاً ولا مدارس معروفة بسبب مبالغة الأصوليين بعداوتهم وتشريدهم واصدار الفتاوى ضدهم , مما جعلهم لا حول لهم ولا قوة وبمرور الزمن أصبح هذا الانعزال سمة من سمات الأخباريين فنراهم قد انعزلوا انعزالاً كلياً بعد سنين حتى انك في أيامنا هذه لو تكلمت بين أغلب الإمامية بل وحتى أغلب المثقفين منهم عن الأخبارية تراهم يستهجنون كلامك وموضوعك لجهلهم بهذه الحركة فضلاً عن عدم سماعهم بها أو قرائتهم عنها. لقد ذكرنا في موضوع سابق طرح في هذه المنتديات المباركة بعض الفروق بين المدرستين الأخبارية والأصولية , والآن سنبين وفق أقوال الفقهاء بأن علم الأصول وطرقه العقلية المعمول بها مأخوذ عن المخالفين لال محمد ﴿عليهم السلام﴾ وهذه من أعظم الطعون على شرعية هذه الأصول حيث يشير التأريخ إلى أن علم الأصول لم يتميز عن غيره إلا في القرن الثاني الهجري وكان للشافعي الدور الأساسي في جمع مباحث الأصول في كتابه ﴿الرسالة﴾ إضافة إلى تجديد وإضافة القواعد الأساسية في علم الأصول حتى تم تعديله وشرحه وإضافة القواعد الأخرى على يد فقهاء المخالفين حتى أنتقل هذا التصنيف إلى مختلف مذاهب العامة ولم تحضى تلك الأصول بتأييد من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ إذ لم يشهد التأريخ الإمامي ظهور تصنيف لهذا العلم قبل وقوع الغيبة الكبرى وما ان اغمضت الغيبة عيناها حتى بدء الفقهاء من المدارس الإمامية بالتصنيف والكتابة حول هذا الموضوع . لقد احتج بعض الفقهاء بأن الأصل في علم الأصول قد صدر من أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وانه ينتمى إلى هذه المدرسة واستندوا في كلامهم إلى عدة أدلة منها إن هناك شواهد في التأريخ تثبت لنا إن هشام أبن الحكم وهو من أصحاب الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ روي انه ألف رسالة في مباحث الألفاظ وينقل عن غيره من أصحاب الإمام أنه ألف رسالة في التعادل والتراجيح وغيره ذكر كتاب خبر الواحد وحجيته وهكذا ... لكن المتتبع والمتفكر في مثل هذه الأمور التي ذكرت لا تثبت لنا إن علم الأصول أصله إمامي وصادر عن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وذلك لأن الرسالة التي ألفها هشام بن الحكم هي في مباحث الألفاظ ومن المعلوم أن مباحث الألفاظ من مباحث علم اللغة سواءً كان بالبلاغة أم الصرف ودخولها على علم الأصول من باب اعتبارها مقدمة له فلا يثبت لنا ان رسالة الألفاظ هي رسالة أصولية . وأما مباحث التعادل والتراجيح فهي أيضاً من المباحث العامة التي يستعملها الأخباري والأصولي على حدٍ سواء في مرحلة التعارض بين الخبرين وترجيح إحدهما على الآخر أو خدش بعض الرواة أو توثيق غيرهم فهي ليست مختصة بالأصولي فقط وكذلك خبر الواحد ومدى صحته وعدمه فإنها أيضاً مشتركة بين الأخباري والأصولي . إن الذي يثبت المقام ويدل على أصل العلم هي المباحث العقلية والتي هي زبدة المخاض ونقطة الاختلاف بين الأخباريين والأصوليين . ونحن نتحدى أي شخص أن يجد في بطون الكتب رسالة أو خبر ينسب إلى أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ يدل على صحة الاستنباط بالأدلة العقلية ومباحث الدليل العقلي وإلا لو كانت موجودة في ذلك الزمن فلماذا لم تُنقل لنا كما نقلت رسالات أخرى حيث وصلت لنا في مباحث الألفاظ والتعادل والتراجيح وغيرها من المباحث والرسالات، إلا إنه لم ينقل أياً من المباحث العقلية وهذه حجة على الأصوليين بأن علم الأصول أصله ومنابعه من المخالفين وليس من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾. علاوة على ما تقدم فقد اقر فقهاء المدرسة الإمامية الاثني عشرية ومن كلتا المدرستين الأصولية والأخبارية بأن علم الأصول من اختراع المخالفين وقد دخل إلى مدارس الإمامية بعد وقوع الغيبة وقد ذكر المحقق الشيخ يوسف البحراني - وهو من الأخباريين كما تقدم - ما هذا نصة : ﴿لا ريب ان هذا العلم واختراع التصنيف فيه والتدوين لأصوله وقواعده ، إنما وقع اولا من العامة ، فإن من جملة من صنف فيه الشافعي ، وهو في عصر الأئمة - عليهم السلام - مع انه لم يرد عنهم - عليهم السلام - ما يشير إليه ، فضلاً عن ان يدل عليه ، ولو كان حقاً كما يدعونه ، بل هو الأصل في الأحكام الشرعية كما يزعمونه ، لما غفل عنه الأئمة عليهم السلام ، مع حرصهم على هداية شيعتهم ، إلى كل نقير وقطمير ، كما لا يخفى على من تتبع أخبارهم ، إذ ما من حالة من حالات الإنسان ، في مأكله ومشربه وملبسه ونومه ويقظته ونكاحه ونحو ذلك من أحواله ، الا وقد خرجت فيه السُنن عنهم عليهم السلام حتى الخلاء ، ولو أراد إنسان ان يجمع ما ورد في باب الخلاء لكان كتابا على حدة ، فيكف يغفلون عن هذا العلم الذى هو بزعمهم مشتمل على القواعد الكلية والأصول الجلية ، والأحكام الشرعية ، وكذلك أصحابهم في زمانهم عليهم السلام ، مع رؤيتهم العامة عاكفين على تلك القواعد والأصول﴾ الحدائق الناضرة – البحراني - ج 18 - ص140 إن قول المحقق البحراني هذا غني عن التعليق والبيان كما انه عين الحقيقة والبرهان فإذا كان هذا العلم هو أساس الشريعة كان لزاماً على الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بيانه لشيعتهم وطلابهم على وجه الخصوص وهذا مما لا آثر له كما ان الاثر الواضح للعيان ان هذا العلم قد دخل للتشيع بعد الغيبة بسنين كما يذكر ذلك السيد محمد باقر الصدر – وهو من اعلام الأصوليين – في قوله : ﴿فإن التأريخ يشير إلى أن علم الأصول ترعرع وازدهر نسبيا في نطاق الفقه السني قبل ترعرعه وازدهاره في نطاقنا الفقهي الإمامي ، حتى إنه يقال : إن علم الأصول على الصعيد السني دخل في دور التصنيف في أواخر القرن الثاني ، إذ ألف في الأصول كل من الشافعي المتوفى سنة ﴿182﴾ ه ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة ﴿189﴾ ه بينما قد لا نجد التصنيف الواسع في علم الأصول على الصعيد الشيعي إلا في أعقاب الغيبة الصغرى أي في مطلع القرن الرابع﴾ المعالم الجديدة للأصول - السيد محمد باقر الصدر - ص54 كما ذكر أبن تيمية مؤسس علم الأصول بقوله : ﴿فمن المعلوم أن أول من عرف أنه جرد الكلام في أصول الفقه هو الشافعي ... ﴾الفتاوى - 20/402 بما تقدم من كلام السيد الصدر وكذلك المحقق البحراني من قبل وكذلك ما جاء في قول أبن تيمية يثبت بأن هذا العلم هو من علوم المخالفين واختراعهم ولم يكن له أصل عند الإمامية قبل وقوع الغيبة . إننا حين نطالع هذه الكلمات يتوجب علينا بيان استفسار حول هذا الحدث التأريخي وهو اننا بحكم موالاتنا وتشيعنا لآل بيت النبوة الاطهار ﴿عليهم السلام﴾ يتوجب علينا اخذ كلامهم -والذي هو في الواقع أوامر- على جانب كبير من الأهمية ومن هذه الأقوال التي جاءت عن لسان الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ هو التمسك بأقوالهم وعدم الأخذ بأقوال المخالفين وقد عد الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بأن الخبائث هي قول من خالف والواجب على المؤمنين اجتنابها كما انه قد جاء عن أبي الحسن موسى بن جعفر ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم...﴾ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 82 وأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ في مخالفة العامة كثيرة قد غصت بها كتب الحديث , وبهذا يكون الأخذ بأقوال المخالفين وأصولهم عصيانا للأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وتمرد على أولي الأمر الواجبي الطاعة . بعد ما تقدم نحب أن نبين بأن الحوادث التأريخية التي مر بها المخالفون وقعت بعينها عند الإمامية ألا وهي الحاجة إلى التشريع في المسائل التي يجهلونها ، حاصل ما مر به المخالفين هو انهم قد وقعوا في تيه بعد رحيل النبي الخاتم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ نتيجه لعدم رجوعهم إلى الإمام المعصوم المفترض الطاعة فأدعوا بانهم اثبتوا جميع ما يحتاجونه في الفقه ولم يكن لديهم علم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ولم يكن لهم علم كافي بكتاب الله لا من حيث التفسير ولا من حيث التأويل فكانوا يُسألون فيستحون ان ينسبهم الناس للجهل فقالوا برأيهم وقياسهم ووضعوا القواعد والأصول شيئاً فشيئاً حتى جاء الشافعي كما ذكرنا وصنف علم الأصول وجعله علم مستقل بذاته . إن هذه التجربة قد استفاد منها بعض فقهاء المدرسة الإمامية بعد أن انقطع عنهم الحجة ووقعت الغيبة فبدأوا يُسألون فيستحون ان ينسبهم الناس للجهل فقالوا بأصول المخالفين وعملوا بالإجتهاد العقلي واستعملوا الظن وأتبعوا سبيل المخالفين وغيرها من الامور التي تقدم ذكرها، وعن هذه الامور يتحدث السيد نعمة الله الجزائري قائلاً : ﴿ إن أكثر الأصحاب قد تبعوا جماعة من مخالفينا من أهل الرأي والقياس ومن أهل علم الطبيعة والفلاسفة وغيرهم من الذين اعتمدوا على العقول واستدلالاتها وطرحوا ما جاءت به الأنبياء ﴿عليهم السلام﴾ حيث لم يأت على وفق عقولهم ... والحاصل انهم ما اعتمدوا في شيء من أمورهم الا على العقل فتابعهم بعض أصحابنا وإن لم يعترفوا بالمتابعة فقالوا انه إذا تعارض الدليل العقلي والنقلي طرحنا النقلي أو تأولناه إلى ما يرجع إلى العقل ومن هنا تراهم في مسائل الأصول يذهبون إلى أشياء كثيرة قد قامت الدلائل النقلية على خلافها لوجود ما تخيلوا انه دليل عقلي ... واما مسائل الفروع فمدارها على طرح الدلائل النقلية والقول بما أدت إليه الاستحسانات العقلية وإذا عملوا بالدلائل النقلية يذكرون اولا الدلائل العقلية ثم يجعلون دليل النقل مؤيداً لها وعاضداً اياها فيكون المدار والأصل إنما هو العقل ﴾الانوار النعمانية – السيد نعمة الله الجزائري – ج3 ص 129 إن هذه السبل لم يسلكها فقهاء الإمامية من باب الترف الفكري وإنما قد وقع فيهم ما وقع للمخالفين خصوصاً بعد غيبة الإمام العالم بحلال الله وحرامه وفقدانهم لمن يخبرهم بامور دينهم كما هو حال المخالفين بعد رحيل النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ . لم تكن غيبة المعصوم عنا خيراً أبداً وإنما هي العقاب لمن غضب الله عليهم وكلما زاد زمان الغيبة علمنا ان الغضب لازال موجود بدليل بقاء الإمام في الغيبة , يقول السيد محمد محمد صادق الصدر : ﴿ انه إذا زال الغضب زال البلاء واما ما دام البلاء موجوداً فنعرف من ذلك ان الغضب لا زال موجوداً وليس لنا استحقاق زواله . والبلاء في الدنيا كثير إلا إنه في محل حديثنا هو خفاء قبر الزهراء ﴿سلام الله عليها﴾ وخفاء شخص المهدي ﴿عليه السلام﴾. وهذا معناه اننا لا زلنا على مستوى القصور والتقصير والذلة أمام الله سبحانه وتعالى حتى سيد محمد الصدر انا لا اقصد غيري وإنما الجميع هكذا جيلاً بعد جيل حتى الحوزة العلمية حتى اكابر الحوزة العلمية فليدل واحد منهم على قبر الزهراء يقينا أو يعرفك بشخص المهدي يقينا ... وهذا معناه اننا لا زلنا على مستوى القصور والتقصير والذلة أمام الله سبحانه وعدم استحقاق الرحمات الخاصة لا استثني من ذلك أحداً من البشر كائنا من كان﴾ الجمعة الرابعة والعشرون بتاريخ 3 جمادي الثاني 1419 هـ- الخطبة الاولى إن من جملة العقوبات التي وقعت علينا جراء تقصيرنا تجاه أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ والإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ على وجه الخصوص هو جهلنا بأحكام الله تعالى والتخبط الذي حصل بعد غيبة المعصوم وقد ذكرنا ما قاله أهل بيت العصمة ﴿عليهم السلام﴾ بأن وقوع الغيبة يعني وقوع الغضب الإلهي على الناس أجمعين دون إستثناء ومن جملة هذا الغضب الإلهي هو وقوع الجهل بحلال الله وحرامه مصداقا لقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ﴾ فقد جاء تأويل هذه الآية عن الإمام الباقر ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿ نزلت في الإمام ، فقال إن أصبح إمامكم غائبا عنكم فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله تعالى وحرامه . ثم قال : أما والله ما جاء تأويل هذه الآية ولا بد أن يجئ تأويلها ﴾ الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 158 لقد وقع تأويل هذه الآية الكريمة بعد وقوع الغيبة وقد عانى الفقهاء من الجهل في معرفة الأحكام الشرعية وقد ذكر هذه المعاناه جملة من الفقهاء واوعزوا عدم معرفتهم بالأحكام الشرعية إلى وجود نقص بالكتاب والسُنة وقالوا ان علم الأصول هو المكمل لهذا النقص وهو الرافع للغموض عن بعض الأحكام , وقالوا إنما يعمل بهذه الأصول حال الغيبة اما بوجود المعصوم فلا حاجة لنا به , وهذا ما يؤكد اختراعهم لهذه الأصول أو قل استنساخهم لاختراعات المخالفين وكما مر ذكره وقد نسب الشيخ جعفر السبحاني العلة من الإجتهاد هو غيبة المعصوم وذلك في قوله : ﴿ نعم صارت الغيبة سبباً لحرمانهم من زيارة الإمام عن كثب مما حدا إلى انهاض الهمم بغية اعمال الفكر وتقوية ملكة الإجتهاد للاجابة على المستجدات من الأحكام فقد قيل : ان الفقر أبو الصنايع والحاجة أم الاختراع .﴾ ادوار الفقه الإمامي – الشيخ جعفر السبحاني – ص90 إن هذين المثلين الذي ذكرهما المحقق السبحاني ينطبقان في حال كوننا نعيش في سوق أو شركة استثمارية لا كوننا طائعين متبعين لأوامر الشريعة فالمتبع لأوامر الله ما عليه من هذه الأمثال بل ان ما يهمه هو الطاعة دون الاختراع ، فلا يخفى بأن هذا الاختراع هو تقدم على المعصوم والتقدم على المعصوم منهي عنه بل هو محظور في شريعتنا . كان الأفضل أن نقدم الأسباب الداعية إلى غيبة المعصوم ومحاولة اسقاطها لنحضى بشرف اللقاء بالإمام المظلوم إلا أن الأمر لم يكن بهذه الصورة بل حاول القوم إيجاد البدائل التي تغنيهم عن اللقاء بالإمام والتعلم منه وقد انغروا بما انغر به المخالفين وسلكوا سبلاً شتى محاولين اقناع أنفسهم بانهم قادرين على اصابة الأحكام التي يجهلونها حتى وان كانوا مخطئين كما فعل المخالفين بعد رحيل النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ حتى أصبحوا متقاربين في مستوى التفكير الإجتهادي مع المخالفين للعترة الطاهرة . ومما يؤكد التقارب الكبير الذي حدث بين المدرسة الإمامية ومدرسة المخالفين هو توحد الخط التشريعي بين الإمامية والمخالفين لآل البيت ﴿عليهم السلام﴾ - إلا في بعض الموارد البسيطة - وهذا التوحد قد ذكره جملة من الفقهاء منهم العلامة محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان , حيث قال ما هذا نصه : ﴿الحقيقة ان الموجود في خط التشريع الإمامي - انا اتكلم عن الشيعة الإمامية- هو موجود عند الشوافع أو الحنابلة أو الزيدية أو الاحناف يوجد مجتهدو مذاهب ويوجد مجتهدون في مذهب الشيعة الإمامية ومجتهدوا في مذهب الاحناف ﴾ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص15 إذن فالفرق أصبح في غاية البساطة وقد لا يُذكر طبعاً نحن نتحدث عن الفروق في الإجتهاد بين المدرستين وليس حديثنا في العقائد وأصول الدين فالفرق لازال موجوداً بعض الشيء إلا أن في جانب الفروع فالفرق أصبح شبه معدوم والقواعد التي يختلفون بها قليلة . إن أول من لفت إنتباهي الى ضعف القواعد الأصولية أو قل علم الأصول هو ما قرأته في صحيفة قمر بني هاشم في عددها ﴿3﴾ الصادر في عام 2003 حيث نشرت مقالة للسيد أبي عبد الله الحسين القحطاني ذكر فيها تسع نقاط بين من خلالها ضعف هذا العلم الوضعي وبعد قرأتي تلك بدأت البحث والتنقيب عن هذا العلم حتى تبين لي بأنه من العلوم الموضوعة التي يتخللها الضعف والعجز وكما سيتبين للقارئ الكريم . وكما اننا لا نريد ان نبخس حق الآخرين فقد كتب المرحوم عالم سبيط النيلي كتاب ﴿البحث الاصولي﴾ والذي بين من خلاله ضعف هذا العلم وعجزه عن معرفة الاحكام القطعية . إننا حين نتكلم عن علم الأصول الذي دخل إلى ساحة الفقهاء بعد وقوع الغيبة واعتقد البعض بانه كافل بمعرفة الأحكام , ولا بد من القول بأن هذا العلم ليس له قواعد ثابتة فكل مجتهد يأتي إلى ساحة الإجتهاد يجلب معه قواعد جديدة وأصول حديثة تستجد معها أحكاما جديدة . وقبل أن نناقش هذا الاختلاف ونطرق الأقوال فيه نحب أن نبين نبذة مختصرة عن علم الأصول. إن علم الأصول هو ذلك العلم الذي يستعمله المجتهد في عملية استنباط الأحكام الشرعية حيث يعتمد الفقهاء الأصوليين اعتمادا كبيرا عليه في ممارستهم لعملية الاستنباط وقد في اكثر من موضع طرح في هذا المنتدى المبارك بان عملية الاستنباط لا تتم في الشرع إلا من خلال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ , فقد جاء في كلام الإمام أبي جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ ... ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة ...﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 35 – 36 وقال المحقق البحراني في الحدائق : ﴿ قوله : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم . . " يدل على كون المستنبطين هم الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وبذلك توافرت الأخبار عنهم ﴿عليهم السلام﴾ ، ففي الجوامع عن الباقر ﴿عليه السلام﴾ : " هم الأئمة المعصومون " والعياشي عن الرضا ﴿عليه السلام﴾ : " يعني آل محمد وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام "﴾الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 31 – 34 وفي مقابل هذا النصوص قال السيد محمد باقر الصدر ما هذا نصه : ﴿حين نتسائل : هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط ؟ يجيء الجواب على البداهة بالايجاب ﴾المعالم الجديدة للاصول – السيد محمد باقر الصدر – ص37 لقد أصبحت عملية الاستنباط عند المجتهدين من البديهيات كما مر ولم يكن السيد الصدر متفرداً بهذا القول بل كل الفقهاء الأصوليين يجمعون عليه حتى أصبح من المسلمات كحال الكثير من القضايا التي أصبحت وبمرور الزمن أمراً طبيعياً بعد أن كانت على العكس في أول الزمان وقد يتسائل البعض قائلاً : إذا منع الفقيه من ممارسة الاستنباط ادى ذلك إلى فقدان عنوانه كفقيه ؟ نقول : إن عنوان الفقيه عند أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ هو العالم بأحاديثهم ورواياتهم الشريفة وليس هو الممارس لعملية الاستنباط فقد ذكر الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ ذلك في قوله : ﴿اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا ، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون محدثا ...﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 149 إذن فالمحدث أي العالم بأحاديثهم ﴿عليهم السلام﴾ هو الفقيه وليس المستنبط , فقد حصر الاستنباط بالأئمة ﴿عليهم السلام﴾ , وقد ورد عن الرضا ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿ ... " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " يعني آل محمد عليهم السلام ، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام ، وهم الحجة لله على خلقه﴾بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 23 - ص 295 - 296 نكتفي بهذا القدر ونقول : إن علم الأصول الذي يستخدمه الفقهاء في معرفة الأحكام يعتمد وبشكل كبير على الأدلة العقلية المنطقية والفلسفية والمباحث اللفظية ومباحث الحجة والظهور وغيرها اما اعتماده على الأخبار فهو قليل جداً حين مقارنته بالمباحث العقلية . ولقد تأثر هذا العلم الموضوع تأثراً كبيرا بالمنطق اليوناني والفلسفة المعقدة حتى أصبح في كثير من مواضعه بعيداً عن الشريعة الإسلامية وكان الغزالي ﴿وهو من المخالفين﴾ أول من استخدم المنطق في علم أصول الفقه وقد قابله في ذلك عدد من مشايخ المخالفين منهم أبن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد الرافضين لكل عمل فلسفي ، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية ﴿عكس ما أراد الغزالي توضيحه﴾ وذلك في كتابه ﴿الرد على المنطقيين﴾ اعُتبر من قبل بعض الباحثين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضا لها ، فنقده مبني على دراسة عميقة لأساليب المنطق والفلسفة. إذن فالتأريخ يشير إلى أن المخالفين والنواصب هم أساس هذا العلم بل هم من وضع المنطق اليوناني والفلسفة المعقدة كأدوات لهذا العلم بل ان بعضهم رفض هذا الشيء الدخيل على أدوات الشريعة . إلا اننا مع شديد الاسف نرى فقهاء المدرسة الإمامية الأصولية اخذوا هذه الأصول بفلسفتها ومنطقها من المخالفين حتى ضج جملة من الفقهاء بتدخل الفلسفة بهذا العلم والذي أصبح بمرور الزمن علماً له علاقة بالفلسفة أكثر بكثير من علاقته بالشريعة الإسلامية، حتى خرج في كثير من مواضعه عن مجاله الحقيقي . وقد ذكر العلامة محمد مهدي شمس الدين علم الأصول وتطوره في قوله : ﴿طوره الأصوليون الشيعة الإمامية في القرنين الاخيرين تطوراً مهماً في اتجاه العمق خرج به في كثير من الابحاث عن مجاله الأصلي وهو الشريعة ليجعل منه بحثاً فلسفياً – كلامياً تجريدياً لا علاقة له بقضية الاستنباط من الكتاب والسُنة من دون ان يساهم هذا على الإطلاق في توسيع مجال الاستنباط الفقهي .. إلى ان يقول .. صيغت المناهج الأصولية والقواعد متأثرة بالمنطق الارسطي وبعض الآراء الفلسفية ﴾ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص13 إننا حين نطالع روايات الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وأحاديثهم نجدهم يتكلمون بابسط الكلام لكي يفهمه المتلقي فهماً صحيحاً حيث ان كلامهم يخلو من استخدام الألفاظ الفلسفية المعقدة أو مفردات المنطق التي يستخدمها أغلب الأصوليين في كتبهم الفقهية مما جعل رواياتهم أكثر فهماً وتوضيحاً من الكتب الفقهية لمشايخ الأصوليين المتداولة اليوم . إن الصعوبة التي تجدها في الكتب الفقهية عند الأصوليين نابعة من تمسكهم بمفردات الفلسفة والمنطق التي تعلموها في مباحث الأصول على وجه الخصوص وهذه المفردات هي من الأسباب التي دعت الناس إلى النفور من هذه الكتب وعدم قرائتها وأكتفوا بالسؤال المباشر دون معرفة الأدلة التفصيلية التي ابتنى عليها جواب الفقيه ، والسبب الأول والاخير هو الصعوبة الموجودة في تلك المؤلفات التي تنحاز إلى جانب الفلسفة والمنطق أكثر من انحيازها إلى الفقه ومسائله علما بأن هذا الانحياز جعلها تبتعد ابتعاداً كلياً عن طبيعة الكتاب والسُنة وأسلوبهما وقد شكى عدد من الفقهاء هذه النتائج ومنهم العلامة محمد مهدي شمس الدين حين تحدث عن الخلل في علم الأصول وابتعاد منهجه عن طبيعة ومنهج الكتاب والسُنة وذلك في قوله : ﴿ فالخلل جاء من اننا نتعامل مع نص تشريعي في الكتاب والسُنة فيما نحسب وفقاً لمنهج لا يتناسب مع الغاية مع ذي المنهج وفي كثير من الحالات نتعامل مع نص الكتاب والسُنة بمنهج مختلف في طبيعته عن الكتاب والسُنة وضيق عن استيعاب الابعاد التشريعية للكتاب والسُنة ﴾ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص16 إننا حين نطالع الأصول الفقهية لفقهاء الإمامية نجدهم يذكرون مصطلحات غريبة وعجيبة لم تأتي باي خبر ولا حديث وقد ضج جملة من الفقهاء على هذا الواقع المرير منهم السيد نعمة الله الجزائري في قوله : ﴿وما سمعنا أيضاً الهيولى والصورة ولا الجزء الذي لا يتجزء في شيء من الأخبار﴾ الانوار النعمانية - السيد نعمة الله الجزائري - ج1 ص 149 لم تكن هذه المصطلحات من وضع الإمامية أبداً إلا أن الإمامية قاموا باستنساخ أقوال فقهاء العامة الأصولية بمصطلحاتهم التي اخذوها من فلاسفة اليونان يقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي في تقديمه لكتاب ﴿الإحكام في أصول الأحكام﴾ للآمدي : ﴿إنَّ الآمدي درس الفلسفة بأقسامها المختلفة وتوغَّل فيها وتشبَّعت بها روحه حتَّى ظهر أثر ذلك في تأليفه. ومن قرأ كتبَه وخاصَّةً ما ألَّفه في علم الكلام وأصول الفقه يتبيَّن له ما ذكرتُ، كما يتبيَّن له منها أنه كان قوي العارضة كثير الجدل واسع الخيال كثير التشقيقات في تفصيل المسائل والترديد والسير والتقسيم في الأدلة إلى درجة قد تنتهي بالقارئ أحياناً إلى الحيرة﴾ أما الرازي فهو أيضاً سلك هذا المسلك حيث قضى عمره في دراسة العلوم الفلسفية والكلامية فلم تنفعه شيئاً ، وكما اعترف هو في وصيته حين قال ما هذا نصه : وأرواحنا في وحشةٍ من جسومِنا * وحاصلُ دُنيانــا أذىً وَوَبـــــــــــالُ ولم نستفِدْ من بحثِنا طولَ عمــرنا * ســـوى أن جَمَعنا فيه قيلَ وقالوا ثم قال : ﴿ ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتُها في القرآن العظيم، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية إلى الله تعالى، ويمنع عن التعمّق في إيراد المعارضات والمتناقضات، وما ذلك إلاَّ العلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفيّة ﴾تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 43 - ص 221 إننا نجد أن المخالفين بعد تأسيسهم لعلم الأصول وادخال الفلسفة والمنطق في مضانه اعترفوا بأن ما ادخلوه ابعدهم عن منهج الشريعة الإسلامية وقربهم إلى الجدل والقيل والقال إلا إننا نجد فقهاء الإمامية لم يستفيدوا من هذه التجارب إلا بعد قرون عدة فبدأ كما قرأنا يشكون من تدخل الفلسفة والمنطق في أصول الفقه كما شكى المخالفين قبلهم بازمان بعيدة وقد ذكر العلامة محمد مهدي شمس الدين وهو يتحدث عن تأثر علم الأصول في الفلسفة وما أنتجه من ابتعاد عن الكتاب والسُنة : ﴿في علم الأصول حدث خلل برأيي وهو ان علم الأصول تأثر في وقت مبكر جداً بعلم الكلام والفلسفة فأصبح شيئاً فشيئاً مقصدا بذاته ... منهج البحث الفلسفي يختلف اختلافا موضوعيا وجذريا وطبيعيا عن منهج البحث في الكتاب والسُنة فنحن أصبحنا في علم الأصول في كثير من الحالات نذهب بوسيلة إلى غاية أخرى وتحول علم الأصول في كثير من الموارد إلى غاية بحد ذاته وهذه ناحية شديدة الخطورة واعتقد انها شلت الفقه الإسلامي في جوانب كثيرة وانعكست على وضع الأمة وعلى عقل المسلم ذلك اننا استخدمنا منهجاً سميناه ﴿﴿أصول الفقه﴾﴾ ذا علاقة ينبغي ان تكون عضوية تفاعلية مع نصي الكتاب والسُنة استخدمنا فيه منهجا فلسفيا لا علاقة له بكتاب ولا سُنة حدث خلل في علم الأصول ووصل حتى إلى مباحث الألفاظ الآن التأثير الفلسفي نجده حتى في مبحث الدلالة ﴾ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص16 إن هذه الصعوبات والثغرات الموجودة في هذا العلم تؤكد لنا بأن واضعيه أناس فاقدي العصمة والا لو خرج هذا العلم من المعصومين ﴿عليهم السلام﴾ لما وجدت به هذه الاخطاء وهذه الثغرات التي وصلت إلى حدٍ تبعدنا عن الشريعة فيما نحسب اننا وباستعمالنا لهذا العلم سوف نتقرب إلى معرفة الأحكام . إن هذه المسائل تدل وبشكل كبير إلى ان هذا العلم لم يخرج من أئمة الهدى ﴿عليهم السلام﴾ ومما يدل أيضاً على إن علم الأصول ليس من علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ هو وجود الاختلافات الكثيرة في حجية قواعده وقوانينه بين الفقهاء الأصوليين حيث بُدل الكثير منها واستحدث الكثير أيضاً وعن هذه الحالة يقول محمد جواد مغنية : ﴿ أحدث المتأخرون قواعد فقهية جديدة ، وعدلوا كثيراً من القواعد القديمة فنفوا أحكاماً أثبتها المتقدمون ، وأثبتوا أحكاماً لم يعرفها أحد مما سبقهم ﴾ مع الشيعة الإمامية – محمد جواد مغنية - ص90 وفي هذا السياق يقول مرتضى المطهري ما هذا نصه : ﴿نلاحظ أنه في كل بضعة قرون يظهر شخص يغير الأصول ويأتي بأصول جديدة مكانها ثم يتابعه جميع المجتهدين أرقى من العوام قليلاً﴾ التربية والتعليم – مرتضى مطهري – ص14 لقد اثر هذا التغيير في القواعد الأصولية والفقهية بشكل كبير على فتاوى الفقهاء في الأحكام حيث تغير العديد منها عند مقارنتها بفتاوى القدماء يقول العلامة الشيخ محمد مهدي الاصفي : ﴿فإن الخلاف في الفروع الفقهية نتيجة طبيعية في أصول الاستدلال والاحتجاج ﴾ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص112 وقد شكى الشيخ الاصفي هذا الخلاف ودعى إلى توحد مصادر الإجتهاد في قوله : ﴿وأفضل السبل لملئ فجوات الخلاف في الفروع والوصول إلى فهم مشترك في أصول الاستدلال أي ﴿توحيد مصادر الإجتهاد وادلته﴾﴾الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص112 إن مسألة الاختلاف نتيجة طبيعية جداً لأي علم يخترع من قبل الإنسان , ونحن نعلم إن علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ من الله جل جلاله لا اختلاف فيها مصداقاً لقوله تعالى : ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾ سورة النساء آية 82 وبما أن علم الأصول من العلوم الحاضنة للخلاف والاختلاف فهو يؤكد بذلك بانه علم ليس من عند الله وهذا شاهد كتبهم حيث نجدهم في مسألة واحدة يقولون كما ذكرنا في اكثر من موضوع. إن الأصوليين لم يكتفوا بمخالفة بعضهم البعض في حجية قواعد الأصول بل انهم خالفوا أنفسهم أو قل انهم جهلوا حتى تطبيق هذه القواعد على فروع الأحكام حيث ينقل الشيخ محمد جواد مغنية قول العلامة المجلسي ﴿ان الفقهاء لما رجعوا إلى الفروع كانهم نسوا ما اسسوه في الأصول ﴾ ثم علق قائلا : ﴿وإذا تتبعت الكثير من كتب الفقه تجد هذه الظاهرة بارزة في ثنايا السطور من ذلك –على سبيل المثال- ان منهم من قال في مباحث الأصول بأن الوصف لا مفهوم له وأن الشهرة في الفتوى ليست بحجة وأن الإجماع إذا عرف سببه لا يعتمد عليه وأن الأصل محكوم بالدليل وأن الاستعبادات والاستحسانات لا تصلح دليلاً للأحكام الشرعية وأسسوا – أي البعض – هذا في الأصول ولما وصلوا إلى الفقه استبعدوا واستحسنوا وقالوا بمفهوم الوصف أو توقفوا واعتبروا الشهرة في الفتوى والإجماع مع العلم بالسبب أو أحتاطوا وعارضوا الدليل بالأصل ... ﴾مع علماء النجف الاشرف – محمد جواد مغنية – ص128 إن هذا التخبط الذي وقعوا فيه يكشف وبشكل ملحوظ عدم معصومية هذا العلم الموضوع وكيف يبلغ العصمة وهو من اختراع المخالفين لأهل بيت العصمة ﴿عليهم السلام﴾ وقد ذكرنا شواهد عديدة تدل على عدم خروجه من هذا البيت الطاهر ومما يؤكد ان علم الأصول ليس من علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ هو إن هذا العلم علم إضطراري ووجوده نتيجة عدم وجود نص معصومي وخصوصاً مباحث العقل والأصول العملية وذلك لأنها تأتي في مرحلة متأخرة أي بعد فقدان النص ولذلك هو قائم حتى قيام الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ فكيف يأتي علم بعد مرحلة متأخرة عن المعصوم أو بعد مرحلة النص يكون صادرا من النص وهذا مما يثبت انه ليس منهم ﴿عليهم السلام﴾ وإلا لماذا يلغى بوجود المعصوم . ومن نقاط الضعف فيه إن هذا العلم ظني قائم على أسس منطقية ومبادئ لغوية ومباني فلسفية كما ذكرنا وله نتائج ظنية وأحكام ظاهرية وكلنا يعرف إن علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بعيدة عن هذه الأمور بل ورد النهي عن الخوض بمثل هذه الأمور والأكثر من ذلك إن الأصوليين يتفقون على إن نتائج علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أحكام واقعية وليست ظاهرية مما يؤكد بأن علم الأصول ليس من علومهم . إن علوم الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كلها لها أصل وتأريخ وشخصيات نقلت عنها مثل الفقه عن زرارة أبن أعين وعلم الكلام عن هشام أبن سالم وعلم الكيمياء والطب عن جابر أبن حيان الكوفي وعلم النحو عن أبي الأسود الدؤلي فيا ترى لمن ينسب هذا العلم ولماذا لا يُذكر له ولو شاهد واحد في روايات أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أو شاهدا من كلام بعض اصحابهم لا كلهم . إن العلوم التي خرجت من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ اما ظاهرية لها أصول وقواعد بل بالأحرى يكشف لها موضوع وتعريف وهكذا ، وإذا كانت باطنية تأويلية فهذه وان كانت لا يمكن الاحاطة بها وكشف موضوعها إلا أن علم الأصول ليس منها إنما هو من العلوم الظاهرية وإذا كان كذلك لماذا لم يكن له موضوع أو أصول يتفق عليها الأصوليين . إن علوم أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وأصولهم قائمة على أسس قرآنية , وان الأصول لا بد أن تلقى منهم ﴿عليهم السلام﴾ وعلينا التفريع فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، قال : ﴿ إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول ، وعليكم أن تفرعوا ﴾ مستطرفات السرائر - أبن إدريس الحلي - ص 575 وهذا الخبر وغيره يدل على بطلان جميع الأصول التي لم تخرج من أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ فالأصول هي ما ألقاها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ اما الأصول العقلية والقواعد الظنية التي وضعها الفقهاء النابعة من منابع المخالفين فهي باطلة جملةً وتفصيلاً ومصداق بطلانها هو ما جاء عن فضيل قال : سمعت أبا جعفر ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿ كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 74 – 75 وعن أبي مريم قال : قال أبو جعفر ﴿عليه السلام﴾ لسلمه بن كهيل والحكم بن عتيبة : ﴿ شرقا وغربا ، فلا تجدان علما صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 43 وهذا ما يؤكد بأن العلم الصحيح هو ما خرج من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وما عداه فهو من الباطل ولهذا المعنى جاءت الأخبار والأحاديث وقد بينا جزءاً يسيراً منها وعليه فقد أصبح من الواضح بأن أكثر هذه الأصول باطلة ولا نقول كلها فإن بعضها مأخوذ فعلا عن بعض الروايات إلا إنه قليل جداً بالمقارنة بالأصول الأخرى وهذه هي طبيعة لكل العلوم الباطلة فقد جاء عن أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ قال خطب علي أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ الناس فقال : ﴿... ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ﴾ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 315 - 316 إن من سُنن الماضين هو ما فعله السامري حين اخذ شيئاً من اثر الرسول وخلطه مع زينة القوم وصنع العجل وقال لبني إسرائيل هذا الهكم واله موسى وقد نسيه هاهنا وذهب يطلبه فعبدوه وهو أهلاً للكفر به . وتفاصيل هذه السُنن ستأتينا ان شاء الله في موضوع خاص قريباً . إننا حين تحدثنا عن علم الأصول المعمول به عند فقهاء المخالفين والإمامية أيضاً نحب أن نبين بأننا لا ننفي هذا العلم بأصله إذ انه موجود عند الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فقد أكدوا لنا بانه مامن أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال وقد غصت كتب الحديث في بيان هذه المعاني فقد جاء عن أبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿ ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال﴾الكافي – المحدث الكليني - ج 1 - ص 60 وقال المازندراني في شرح أصول الكافي في شرح هذه الرواية وفي بيان أصول كتاب الله ومدى اشتمالها قائلا : ﴿سواءً كان ذلك الأمر من أصول العقائد أو فروعها أو غير ذلك من الحالات الجزئية التي يحتاجون إليها في التمدن والتعيش والتكاسب والتعامل ﴾ شرح أصول الكافي - المازندراني - ج 2 - ص 286 وجاء عن محمد بن شريح قال قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ... انا والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول الا ما قال ربنا أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ﴾جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 1 - ص 130 ومما تقدم نفهم بأن أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كلها أصول قرآنية نابعة من الكتاب الكريم لا يعلمها إلا اهلها كما انها لا تبلغها عقول الرجال وهذا ما يؤكد بأن الأصول لا يمكن ان تكون عقلية لعلة بُعد العقل عن إدراك الأصول وبنص كلام المعصوم . كما أن هذه الأصول مخزونة عند الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ مثلما يخزن الناس الذهب والفضة وهذا العلم لو تعرض للكشف وعرفت طرقه للعدو والصديق فسيؤدي ذلك إلى خلق جهات مضلة بأسم الحق بمعنى ﴿مبطنة بالباطل﴾ . وبعدما تقدم نقول : كيف يمكن القول بأن هذه الأصول الموجودة اليوم في المدارس الأصولية والتي اختلف القائلون بها أيما اختلاف حتى بالغوا في مخالفة بعضهم البعض ليس في الفتوى فحسب بل في أصل القواعد الأصولية وحجيتها بانها أصول شرعية صادرة من الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ . إن هذه الأصول هي من أدوات الإجتهاد التي يستعين بها المجتهد في إقامة الدليل على الفتوى وكما ذكرنا في بداية الموضوع وقد ذكر مرتضى المطهري الإجتهاد في قوله : ﴿ان الإجتهاد ابتكار وأن يرجع الإنسان بنفسه الفرع إلى الأصل ولذا فالمجتهد الواقعي في كل علم هو كذلك﴾ التربية والتعليم – مرتضى مطهري – ص14 إن المجتهد عند الإمامية وغيرهم هو المبتكر للأحكام حسب تعبير المطهري كما انه يجب عليه في عقيدة الأصوليين عدم تقيده بفتاوى الآخرين وقد حرموا عليه التقليد . يقول السيد موسى الصدر : ﴿ والمجتهد أيضاً لا يتقيد بفتاوى الآخرين بل يحرم على المجتهد التقليد بحسب رأي الشيعة وما أكثر المجتهدين الذين خالفوا الماضين وأبدوا آراءً جديدة وفهماً جديداً للأدلة فقوبل عملهم هذا بالتكريم﴾ أبجدية الحوار – محاضرات وأبحاث السيد موسى الصدر ص23 عجباً لهذا الكلام هل اصبح الذي يخالف الاخرين يُكرم ويعظم ؟! بعد ان ذم الله الاختلاف في الدين في اكثر من آية صريحة منها قوله تعالى : ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ سورة ال عمران آية 105 . والآيات الكريمة التي تذم الاختلاف في الدين كثيرة منها قوله تعالى : ﴿اِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فإن اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ سورة ال عمران آية 19 . وقوله تعالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...﴾ سورة الشورى آية 13. . والآيات الكريمة كثيرة بهذا المعنى والأحاديث متواترة بذم الاختلاف في دين الله , فكيف جاز لنا الاختلاف والقول يتكريم الذي يخالف الاخرين ؟! بعد ماتقدم من الكلام احب ان ابين للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن أصول الائمة ﴿عليهم السلام﴾ ولذلك نقول : إن من سمات الطاعة والتسليم معرفة أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ فقد كثر الكلام حول علم الأصول أو ما يسمى بعلم أصول الفقه وكما تقدم , وقد كثر فيه القيل والقال وكثر فيه السؤال بين رافض له بالجملة وبين مبجل له إلى حد القدسية . وحين رجوعنا إلى كلام الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وجدنا لهذا العلم ما يؤكد وجوده في كلماتهم ولكن أي أصول يذكرها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ؟ وهل لها ترابط موضوعي بين ما يتناقلوه فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم في مصنفاتهم من قواعد أصولية وبين ما بينه أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ من أصولهم التي القوها على طلابهم وشيعتهم ؟ إننا حين نطلع على أصول الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ نجدها نابعة من الكتاب الكريم والسُنة الشريفة كما تقدم , فلم يلقوا علينا أي من الأصول التي يعتمدها القوم في أيامنا هذه وما سبقها واقصد القواعد العقلية وقواعد الإجماع والملازمة وغيرها والتي سنأتي على ذكرها بالتفصيل في مواضيع مستقلة إن شاء الله تعالى . لقد بين لنا الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بأنهم سوف يلقون علينا الأصول وعلينا التفريع وكما مر قبل قليل في الخبر , إلا اننا نقول : إن هذه الرواية من أعظم الحجج على أصحاب الأصول أنفسهم حيث إنها تبطل العديد من قواعدهم الأصولية التي وضعها الأصوليون للشريعة الإسلامية حيث أنها لا تدل على العمل بالأصول العقلية وغيرها من القواعد التي أعتمدها الفقهاء النابعة من منابع المخالفين لآل محمد ﴿عليهم السلام﴾ على حد قولهم , حيث لا يخفى أن إلقاء الأصول الذي ورد ذكره في الخبر لا يكون إلا منهم ﴿عليهم السلام﴾ بمعنى حصر إلقاء الأصول فيهم ﴿عليهم السلام﴾ كما إن في دلالة الخبرين بطلان الأصول الخارجة عن غيرهم فالمراد من الكلام أن القول بالأصول وقواعده لا يتم إلا من خلال أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وإنما علينا التفريع عليها فكل أصل لا يوجد ما يسنده من الأخبار ولا دليل عليه من كلامهم ﴿عليهم السلام﴾ فهو بمقتضى الخبر مردود لا يجوز العمل به والاعتماد عليه . وقد علق الحر العاملي على الخبرين الذين ذكرهما إبن ادريس الحلي قائلاً : ﴿ هذان الخبران تضمنا جواز التفريع على الأصول المسموعة منهم ، والقواعد الكلية المأخوذة عنهم ﴿عليهم السلام﴾ لا على غيرها ... مع أنه يحتمل الحمل على التقية وغير ذلك﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 62 لقد بين أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أن ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال فقد جاء عن المعلى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال﴾ الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 555 , وهذا الخب يؤكد بعد العقل عن الاصول فيكف يستقيم هذا الكلام مع الاصول المعمولبها اليوم فإن أكثر موادها عقلية ؟! وقد تبين ان الاصول إنما هي قرآنية , إلا أن هذه الاصول القرآنية بعيدة عن العقل والرأي فقد جاء عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿ ليس شيء أبعد من عقول الرجال عن القرآن﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 203 وبعد أن عرفنا منابع الأصول عند الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ سنورد فيما يلي جملة من الأصول التي ألقاها أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ على طلابهم وشيعتهم ومنها : 1- روي عن إسحاق بن عمار أنه قال : قال لي أبو الحسن الأول ﴿عليه السلام﴾ : ﴿إذا شككت فأبن على اليقين ، قال : قلت : هذا أصل ؟ قال : نعم﴾ من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 351 محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن أبن محبوب ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : ﴿ قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل . قال الله تعالى : ﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ ، امسح عليه ﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 1 - ص 464 2- عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبن مسكان ، قال : حدثني محمد بن ميسر قال : ﴿سألت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان ؟ قال : يضع يده ، ثم يتوضأ ، ثم يغتسل ، هذا مما قال الله عز وجل : ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾﴾ نفس المصدر السابق - ص 152 . عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير قال : ﴿ قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ إنا نسافر ، فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية ، فتكون فيه العذرة ، ويبول فيه الصبي ، وتبول فيه الدابة ، وتروث ؟ فقال : إن عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا ، يعنى افرج الماء بيدك ، ثم توضأ ، فإن الدين ليس بمضيق ، فإن الله يقول : ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ نفس المصدر السابق - ص 163. 3- وسأل زُرارة وبكير الإمام أبا جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ عن وضوء رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، فدعا بطست ، إلى أنْ قال : ﴿ إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ ... ﴾ فليس له أنْ يدع شيئاً مِن وجهه إلاّ غسله ، وأمر أنْ يغسل اليدين إلى المرفقين ، فليس له أنْ يدع شيئاً مِن يديه إلى المرفقين إلاَّ غسله ؛ لأن الله تعالى يقول : ﴿ ... فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ ...﴾ الحدائق الناظرة- المحقق البحراني - ج 2 - ص 243 . 4- وعن حكم بن الحكم ، قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول ، وسُئل عن الصلاة في البْيَع والكنائس ، فقال : ﴿ صلِّ فيها ، قد رأيتها ما أنظفها ﴾ قلت : أيُصلَّى فيها وإنْ كانوا يصلِّون فيها ؟ فقال : ﴿ نعم ، أما تقرأ القرآن ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيل ﴾ صلِّ إلى القبلة وغرّ بهم ﴾ الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 7 - ص233. 5- وفي حديث عن الإمام أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿ إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تبارك وتعالى : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإن لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأبن السَّبِيلِ ... ﴾ ، فنحن أصحاب الخُمس والفيء ، وقد حرَّمنا على جميع الناس ما خلا شيعتنا ﴾ الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 285 - 286. 6- وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : جُعلت فداك ، يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرني نيّة زيارة قبر أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ ، فأزوره وأفطر ذاهباً وجائياً ؟ أو أُقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال : ﴿أقمْ حتى تُفطر﴾ . فقلت له : جعلت فداك ، فهو أفضل . قال : ﴿ نعم ، أما تقرأ في كتاب الله ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 10 - ص 183 . نكتفي بهذا العدد من الروايات التي تحكي لنا عن كيفية إلقاء الأصول التي كان يعتمدها الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وطريقتهم الاستدلالية هذه تحكي عن كيفية تعليم الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ طلابهم وأصحابهم الأصول القرآنية التي يعتمدونها في الأحكام الشرعية وقد دلت روايات عديدة تركناها مراعاةً للاختصار على حصر الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ للأصول في الكتاب والسُنة دون غيرهما وعدوا ما سواه مما كلفه الشيطان لأتباعه وهو مما ليس عليه بيان من الثقلين ، فقد ورد في تفسير العياشي ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عن علي ﴿عليه السلام﴾ في حديث قال : ﴿فما دلك عليه القرآن من صفته ، وتقدمك فيه الرسول من معرفته ، فائتم به واستضئ بنور هدايته وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه ، ولا في سُنة الرسول وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 10 - ص 183 . وفي هذا الخبر وفي الأخبار الكثيرة المروية عن آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ والتي ذكرنا بعضها فيما تقدم نجد تركيز الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ على مسألة البعد الكبير بين ما يدركه العقل البشري من الأسباب وبين علل الأحكام الإلهية ، ولا نقصد هنا جميع الأحكام فقد بين الله لعباده بعض العلل لبعض الأحكام الشرعية والأمور العقائدية ، وأخفى عن عباده الكثير منها وذلك بسكوته عنها حيث لم يدعها نسيانا منه جل جلاله وحاشاه من النسيان . إن المسائل التي سكت الله عنها لم يجز لنا تكلفها والخوض في بحوثها وعللها وأسبابها وهذا ما ذكره أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ في قوله : ﴿إن الله افترض عليكم الفرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها﴾ الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 126 - 127 . وقوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ... ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم ، واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة﴾ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 102 - 103 . ولذلك نجد الكثير من المسائل والفروض إنما يعملها المكلف تعبداً كما يصطلح عليها وبمعنى مبسط أننا لا نعلم سبب الحكم الإلهي أو المصلحة في هذه الأحكام وإنما نقوم بها إمتثالاً لأوامر رب العالمين تبارك وتعالى . وبعد ما تقدم نقول : مع شديد الأسف إننا نلاحظ اليوم فقهاء المسلمين عموماً والإمامية على وجه الخصوص قد خاضوا في أشياء قد سكت الله عنها فتكلفوها ببحوثهم وراحت الآراء تتساقط منهم يمينا وشمالا وصارت الأقوال عندهم بعدد أنفاس الخلائق ولم يتفقوا على قول واحد في أي مسألة من المسائل بل انفرد كل واحد منهم بقول أو أكثر !! إن مسألة الطاعة لقول المعصوم يجب أن يكون مصداقها في أفعالنا وكلامنا وبحوثنا فإننا حين نقدم على أشياء قد ورد النهي عنها إنما نحن نقدم على الهلاك والتيه بأنفسنا والله يقول : ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ ﴾ سورة البقرة آية 195. اعاذنا الله وإياكم من هذا المنزلق الخطير والحمد لله رب العالمين .
(( هذا الموضوع ومواضيع أخرى تجدونها في كتابنا سقيفة الغيبة ))
|
||
الموضوع الأصلي: كشف الحقائق التأريخية للمدرسة الأصولية الإمامية الكاتب: ناطق سعيد المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق