معاول العقول لقلع أساس الأصول
لمصنف الكتاب رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين كتابي لا يدانيه كتابُ *** خطابي ليس يعلوه خطابُ هو الحق الصراح بلا مزاح *** صواب لم يشابهه صواب وإن كان ألأساس له أساس *** قلعناه بحق لا يجاب جواب عقله منصور نقل *** ونقل ليس فيه مستراب شموس الحق فيه بازغات *** نجوم الصدق منه لا تغاب وها هي نسختي بدر منيرٌ *** ولكن ليس يحجبه سحاب وها هي نور مبينٌ *** حقايقها بظن لا يشـاب لقد أرختها والحق يعلو *** بدا منها خطاب مستطاب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد فهذا مما حداني إليه دواعي روعيّه للنبي عن الملة الأحمدية والمحجة المحمدية على الصادع بها أفضل التحية , ومما شجاني والعواذل وقّف * ولي أذن صُمّت هناك عن العذل فوسمتها بمعاول العقول لقلع أساس الأصول بل سيف الله المسلول على محّرفي دين الرسّول المعروف بقلع الأساس وقد هُدّت أركان الفضول والله ولي المأمول . ظباء سرت بالأبطحين عواطلا * وكنت أراها بالرعاث وبالحجل قال الفاضل المعاصر الولي السيد دلدار علي وفقه الله للرجوع إلى منهاج علّي : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل لنا العقل دليلا لا يخمد برهانه . (أقول) قال عليه السلام : العقل نور يفرق به بين الحق والباطل , وقال العقل آلة أعطيناها لمعرفة العبودية لا لدرك الربوبية , وقال إقباله نور وإدباره ظلمة , (قال) وحقّا لا يخذل أعوانه (أقول) ألا إن حزب الله هم الغالبون . (قال) ثم بعث لنا سيد الكل وهادي خير السبل حين فترة من الرسل فجعله للناس كافة بشيرا ونذيراً ونزل الفرقان عليه تبيانا لكل شيء إيضاحا وتفصيلاً فهو النور المبين والحبل المتين والعروة الوثقى والدرجة العليا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من الله العزيز الحكيم . (أقول) أراد في براعة استهلاله تعريضا على أهل العلم من المحدثين حيث زعم أنهم لا يقولون بحجية العقل ولا بحجية القرآن وهذا جهل منه ومن أمثاله بمذهب أهل العلم ومرادهم فإنهم لم ينكروا حجية العقل فيما يحكم فيه العقل ومن شأنه الحكم فيه وإنما نفوا حجية الامارات الوهمية التي سماها الظنيون أدلة عقلية ترويجاً لزيفهم وكذلك لم ينكروا حجية القرآن بل قالوا أن فهم مراد الله تعالى من ظواهر القرآن مشروط ببيان القيم المعصوم عليه السلام كما قال الظنيون أنه مشروط بانضمام نظر الفقيه الحي فصار القول بحجية الظواهر مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في الشرط ثم إن تاديته ناسب القول بفتح الباب حيث قال ( لا يخمد برهانه ) وحيث قال ( إيضاحاً وتفصيلاً ) فجرى الحق على لسانه ليتم عليه الحجة . (قال) والصلوة والسلام على نبيه وصفيه سيد المرسلين وخاتم النبيين المخصوص بتأييد شريعته المتين إلى يوم الدين . (أقول) تأييد شريعته عليه السلام ينافي التعبد بالاجتهاد في نفس الأحكام الشرعية المتغيرة بلا نسخ وتخصيص بمجرد تغير أنظارهم المبنية على الاعتقاد المبتدا المسمى عندهم بالتظنى والتخمين فيكون المتعبد بالمتغير كل حين غير متعبد بالثابت أبدا لا بدين . (قال) وعلى آله الهداة المهديين وأمناء الدين مهبط الوحي وسراج اليقين وموضع الرسالة ومختلف الملائكة معادن حكمة الله حفظة سر الله أرباب الصراط المستقيم . (أقول) الأبلغ الأنسب بالمنصوص بالخصوص إلغاء لفظ الأرباب والتعبير بقوله وصراطه المستقيم لقول علي عليه السلام " أنا الصراط المستقيم " . (قال) والنهج القويم من سلكه نجى واهتدى . (أقول) بشرط العلم واليقين لقوله عليه السلام " السائر على غير البصيرة لا أرضاً قطع ولا ظهرا أبقى ". (قال) ومن تخلف عنه ضل وغوى . (أقول) للظن والتخمين لابتنائه على ما يخطى ولا يصيب مراد ربّ العالمين لقوله عليه السلام " ولا يصيب " (قال) كما صح عن النبي صلى الله عليه وآله " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق " . (أقول) أي في أمواج تيار بحار الفتن والأهواء . (قال) أما بعد فيقول العبد الضعيف المفتقر إلى الله الموفق والمعين . (أقول) الأفصح الفاء الواو العاطفة . (قال) سيد على المدعو بسيد دلدار على ابن سيد محمد معين . (أقول) لو حذف لفظ السيد في الموضعين وقال على المدعو بدلدار على الحسيني لكان أنسب في التعبير وأوفق بسيرة الماضين وابعد من التبجح إذ لفظ السادة أعظم الإطراء وكيف يليق للأديب أن يطرى على نفسه بالسيادة وفي انتسابه إلى الحسين عليه السلام كان كفاية وزيادة . (قال) الهندي النصيرآبادي موطنا الكنوي مسكنا . (أقول) كان عليه أن يعبر عن تلك البلدة بقواعد التعريب فلو عبّر وقال القنوى لكان صحيحاً عربيا كما ورد في القاسان والقسمير والكاف الهندي لا يجوز التعبير عنه في العبارة العربية . (قال) تجاوز الله عن سيئاتهما وحشرهما الله مع مواليهما المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين . (أقول) لفظ الجلالة بعد قوله حشرهما زائد في غير محله . (قال) إن أعظم العلوم الدينية قدرا وأرجحها شرفا بعد علم التوحيد هو علم الأصول والأحكام لحل معاقد الحلال والحرام فإنه رئيس العلوم الدينية ورأسها ومبنى لقواعد الشرع وأساسها . (أقول) العجب من المصنف طوى كشحا عن ذكر علم التفسير الذي يعرف به خطاب الملك القدير وأنه علم يجمع جميع العلوم الإلهية ويكشف عن المعالم الدينية الجنانية واللسانية والاركانية لشرح مصالح الأفاق والأنفس بوجه أشرف أنفس وعلم أصول الفقه ما كان منه من العربية فحكمه حكم المبادي الأدبية مأمور به بقدر الكفاية من باب تحصيل المقدمة وما كان منه من المسائل الكلامية فحاله حالها قال عليه السلام " ويل لأصحاب الكلام " وقال عليه السلام " ويل لهم إذا تكلّموا بغير كلامنا " وأما سائر ما زاد من العلمين فهو من الخيالات الشعرية والتخيلات السفسطية والمموهات الصوفية كما سيتبين في محلّها إنشاء الله تعالى في الكاظميات النبوية على صادعها السلام والتحية " إنما العلم ثلاثة آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل " . (قال) في النهاية أراد بالعادلة العدل في القسمة أي فريضة معدله على السهام المذكورة في الكتاب والسنة من غير جور ثم قال ويحتمل أنّها مستنبطة من الكتاب والسنة فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما . انتهى (قلت) الفريضة العادلة أي القائمة على ما أنزلت عليه من غير عول ولا تعصب كما هو من مبتدعات الثاني وضروريّات المخالفين ثم الأعجب عدّه هذه الصناعة رأسا وأساسا بعد عدّها علماً وقياساً وذلك فاسد لوجوه : (الأول) أنه لا خلاف فيه بين أئمة العلم كون شرف العلم باعتبار موضوعه وغايته وان مرتبة علم الفقه الذي أصول الفقه خادمه متأخّرة عن الإلهيات أولا والتفسير ثانيا والحديث ثالثا لأن موضوع الإلهيات العلم بالله ونعوته وصفاته وأفعاله وغايته التقرب إليه تعالى وهو يبقى ببقاء الروح , وموضوع التفسير كلامه المجيد الذي هو صفة من صفاته " ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " , وموضوع علم الحديث كلام أمنائه الذين هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون سيّما سيّدهم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وغايته معرفة تفصيل الكتاب وغاية معرفة الكتاب التمكن في مقعد صدق عند رب الأرباب ومن الممتنع أن تفضل العلوم المرئوسة على الرئيسة . (الثاني) أن أئمة الظن والحسبان معترفة بان أصول الفقه هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية وان الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المستدلّ على أعيانها بالأدلة التفصيلية بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة وكيف يكون من جنس العلم المعبّر عنه بالاعتقاد الثابت الجاذم المطابق للواقع عند المتكلمين وبالعقل المضاعف عند الحكماء المتألهين لأنه لا بّد فيه من امور اربعة اثنين في العلوم وهو تحقق الأصل وعدم تحقق النقيض ووجوبهما , واثنين في العلم أن يكون دائما وضروريا وما راموا به حل هذا الإشكال سنذكره فيما سيأتي إنشاء الله تعالى مع أجوبته الشافية . (الثالث) أن علم الكتاب هبة من الملك الوهاب قال تعالى " الرحمن علّم القرآن " وعلم السنة هبة من أمناء الله وبه صح قوله صلى الله عليه وآله وسلم " العلماء ورثة الأنبياء " الحديث , وبه تحققت الخلافة , قال صلى الله عليه وآله وسلم " رحم الله خلفائي ثلاثا " الحديث , وهذه الصناعة بضاعة مزجاة من أوهام ابن زوطي كما قال تعالى " شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا " . (الرابع) إن العلم نور وضياءٌ يقذفه الله في قلوب الأولياء وأن العلم نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه وما لم ينته إلى الوحي بل يبتني على الأفكار والتخيلات هو صناعة دنيوية ليس لها من الدين نصيب فإن الشريعة بعضها وقضيضها حكم الله ووضعه قال تعالى " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا " الآية وقال " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ " وقال " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ " وقد ثبت التباين الكلي بين الأحكام الإسلامية والأحكام الاجتهادية باقيسة برهانية منها الحكم الاجتهادي متغير بتغير ظن المجتهدين بالضرورة ولا شيء من الحكم الإسلامي الحنتمى بمتغير أبدا بالضرورة فينتج فلا شيء من الحكم الاجتهادي بحكم إسلامي محمدي بالضرورة وقد تقدم أن التعبد بأحد المتباينين غير متعبد بالأخر " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " والحمد لله رب العالمين جزى الله ابن زوطي عن المصنف خير الجزاء , فإنه اخترع علما له صار به رئيس علم الله وعلم رسوله وأمنائه عليهم السلام من الكتاب والسنة المتلقاة عن الحجج الأطياب عليهم سلام الله الملك الوهاب فتم به نقصان دين الله وقد قال تعالى " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى " ثم قال عز من قائل " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " فبقي ما أكمله الله ناقصاً وما تّممه غير قامّ وما رضى به مسخوطا حتى ولد ابن زوطي فأكمل بفكره نقصان دين الله المبعوث به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم , قال أمير المؤمنين عليه السلام " أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه , أم كانوا شركاؤه فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى " إلى أخر الوجوه التي ذكرها عليه السلام . (قال) إذ يتعذّر بدونه امتثال الأوامر الإلهية واستعمال القوانين الشرعية . (أقول) ما كان من معرفة العلوم الأدبيّة مقدّمة لفهم الكتاب والسنة فقد بينّه الأئمة عليهم السلام وهو مجموع في كتاب المجازاة النبويّة للسيد الرضي طاب ثراه وكتاب العربية العلوية وكتاب اللغة المروية وكتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة المعروف بالكليات الخمس للمحدث العاملي ولو كان امتثال أوامره ونواهيه تعالى متعذرا بلا استعمال القواعد الأصوليّة للزم من ذلك عدم خروج الصحابة والتابعين وأصحاب الأئمة المعصومين أجمعين إلى زمن المتأخرين عن عهدة التكليف حتى عدى من أتباع ابن زوطي هذا الداء العُضال إلى كل وضيع وشريف ولله درّ علاّمة الزمان السيد سليمان الحلي رفع الله درجاته في أعلى غرف الجنان حيث قال في رسالته المعروفة ما لفظه ( فابنى علم هذه الأصول إلا على أساس المماراة والتكاثر والمحصول أو الوصول إلى ما به يصول إلى أن قال فيا ليت شعري هل خان الرسول حيث أمر لتبيّن للناس أم بنيت أخبار أهل العصمة على غير الأساس أم الشريعة يجوز فيها الاستحسان والقياس حيث جمعت بين المتفرقات وفرقت بين المجتمعات وأبانت المعلولات والمبتدعات أم أئمتنا أضلّونا حيث قالوا أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم ؛ إلى أن قال فلو عرفتم الله حق عرفانه وتبصرتم سبل أديانه عرفت قوله عليه السلام إن المؤمن مقبل على شانه عارف بأهل زمانه إلى أن قال فرضوا بالخسيس وزهدوا في النفيس وأراحوا إبليس فصارت الدنيا لهم مغناطيس تهلل الوجوه بصفق النعال مع حسن القول وقبح الفعال فكأنهم لم يسمعوا قول من قوله أحكم وأملك ما من رجل صفقت خلفه النعال ألا هلك وأهلك فاستجلبوا أهل الطمع والجهلة واستحلبوا بهم دراهم السفلة وسخروا الغفلة وسحروا الجملة يا سبحان الله كأنهم ما سمعوا مدحة التكفّف في قوله تعالى " يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ " وكأنهّم ما سمعوا بأذانهم وما وعوا بعقولهم لما أشربت قلوبهم من أصولهم "أن المؤمن كالغريب لا يعرفه إلا ربّه , إذا حضر لا يعد وإذا غاب لا يفقد" فيا سبحان الله فما أبعد الأقوال من الفعال وما أحب صفق النعال أقصّر أئمتنا عن الإيضاح وحاشاهم أم أضاعوا طريقهم وممشاهم ؛ إلى أن قال : يظهرون حب الأئمة ويبغضون أخبارهم , ولولا دهم كأنّهم لم يسمعوا بقولهم " كل شيء لم يخرج من هذا البيت فهو ضلال " . انتهى ملخصا وقال الفاضل الحلي قدس سرّه في رأيته المعروفة : ما بالكم ماذا دهاكم صدّكم * عن قول سادة الورى الأبرار إلى أخر ما قال ؛ وقال عليه السلام كلامكم نور وقال "إن لكلامنا نور وحقيقة فما لا نور له ولا حقيقة فهو كلام الشيطان " وقال عليه السلام " ليس من شيعتنا من لم يعرف كلامنا بلحن القول " وغير خاف فإن الأبصار والمبصرات محتاجة إلى الأنوار والنور غني في ظهوره وإظهار ما سواه عن النظار فكذا نور البصائر كلام الله تعالى وكلام أمنائه الأطهار سلام الله عليهم ما تعاقب ليل ونهار .فاترك ظنون القوم وأحذر رأيهم * وقفن مع المأثور والآثار وأبو حنيفة فاحذرنه وصحبه * تنجو سليما من عذاب النار وحديث سادتك الهداة فخذ به * واسلك طريقا أمن الأخطار وحديثهم يحي القلوب تلاوة * وكلامهم نور من الأنوار وحديثهم فيه النجاة من اللظى * وحديثهم فضل الرحيم الباري وحديثهم ذكر الإله وحمده * وحديثهم خير من الأذكار وحديثهم فيه الشفاء في العمر * وحديثهم سرّ من الأسرار أين الحنيث من الحديث * وإنما ذاك الحديث الفتية أحرار (قال) ويعلم بالضرورة من الدين أن ما كان شأنه هذا فهو من أهّم الواجبات والأعراض عنه من الموبقات ويوقع صاحبه في جوف الهلكات ولهذا ترى جمّا غفيرا من الأصحاب بذلوا جهدهم في تحقيق مطالبه ومآربه وسعوا غاية السعي في تشييد مبانيه وتهذيب قواعده . (أقول) ما كان في القدماء هذا الفّن مرغوبا بل كان من العلم غير محسوب ولا للدين مطلوبا , وإنما صنّف من صنّف من شذاذ القدماء مثل الشيخ طاب ثراه في العدة رداً على أصول العامة حيث ردّ فيها القول بإمكان حصول الظن في الشرعيات أو لا وأحال تحقق الإمارات في الوضعيات ـ ثانياً ـ وأبطل القول بالأقيسة والاجتهادات ـ ثالثاً ـ وصرّح بنفي التعبد بالظن مرّاة بعد مرّاة ـ رابعاً ـ كما سنذكر عباراته في هذا الكتاب حسبما يقتضيه الخطاب , وقد تنّبه بهذا الشهيد الثاني قدسّ سرّه في رسالة الاقتصاد في الاجتهاد بذلك , وصرح ببدعيتة الشيخ تقيّ الدّين الشافعي , ولا بد من ذكر بعض الكلام ليكون شاهدا على المرام , قال شيخنا التقي المجلسي طاب ثراه في كتاب روضة المتقين ما لفظه ( والحاصل أن الدلائل العقلية التي ذكرها بعض الأصحاب وبنوا عليها الأحكام أكثرها مدخولة , والحق في أكثرها مع الفاضل الاسترابادىّ رضي الله عنه لكنه رحمه الله أفرط في التشنيع على كل مع أن الأكثر لم يعملوا بها كما يظهر من التتبع وإن ذكروها فللرّد على العامة إلزاماً لهم كما يظهر من المبسوط والمعتبر والمنتهى ) انتهى . وقال الشيخ طاب ثراه في أول المبسوط ( أمّا بعد فإني لا أزال أسمع معشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية ويستهزؤن به وينسبونه إلى قلة الفروع وقلة المسائل ويقولون إنهم أهل حشو ومناقضة , فإن من نفى القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول لأن جلّ ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين ؛ وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمّل لأصولنا ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما خصوصاً أو عموماً أو تصريحاً أو تلويحاً , وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذهبنا لا على وجه القياس بل على طريقة توجب العلم ويجب العمل عليها ويسوغ المصير إليها ؛ إلى أن قال وكنت على قديم الوقت وحديثه يتشّوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك , تتوق نفسي إليه , فيقطعني عن ذلك القواطع ويشغلني الشواغل وتضعف نيتي لها فيه أيضاً قلّة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به , لأنّهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتى أن مسئلّة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم تعجبّوا منها وقصر فهمهم عنها , وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية وذكرت فيه جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولهم من المسائل وفرّقوه في كتبهم ؛ إلى أن قال : بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك ؛ وقال : إذا شبّهت شيئاً بشيء فعلى جهة المثال لا على وجه حمل أحدهما على الأخرى وعلى وجه الحكاية عن المخالفين دون الاعتبار الصحيح ) . وقال سيدنا المرتضى قدس سرّه : ( إن قالت العامة إذا كان الإجماع عندكم قليل الجدوى لبعد تحقّقه وعدم خروجه عن معنى الخبر لأن العمدة فيه قول المعصوم عليه السلام فلم جعلتموه دليلا مستقلا مغائرا للخبر ؟ قلنا لو كنا المبتدئين لذلك ورد علينا ما ذكرتم لكنكم لمّا اعتبرتم هذا الأصل وسألتمونا هل يتمشّى هذا عندكم أجبناكم نعم إذا تحقق قول المعصوم في جملة أقوال المجمعين عملنا بهذا الدليل فإن كان الإجماع الذي تدّعونه أصلاً هو هذا وافقناكم عليه وإلا فليس بحجة عندنا ) انتهى وقال الشهيد الثاني قدس سرّه في رسالة الاقتصاد ما لفظه ( وأما الأصول فلا شك في سقوط مباحث القياس والرأي والاستحسان وأمثالها ( وحكم المسائل التي هي داخلةٌ في العربية حكمها وكثير من مسائلها لا طائل تحتها والقدر الضروريّ كالإطلاق والتقييد وطرق العمل للخلاص من تعارض الإمارات ذكرها الأصحاب في الكتب الفقهية الاستدلاليّة بحيث لا مزيد عليه فالحكم بوجوب تعلّم هذا العلم مطلقا يحتاج إلى دليل ) إلى أن قال ( ولو تنزّلنا عن هذه المنزلة فلا شك في كفاية جانب من العلو الثلاثة ) . وقال السّيد المحقق الأواه السّيد نعمة الله في شرح تهذيب الأخبار ( وأمّا السّبب الذّي أحوج مخالفينا إلى العمل بالاراء والظنون فقد ذكر الشيخ تقي الدّين أحمد بن علي بن عبد القادر الشافعي في كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار حيث قال [ إن الله تعالى ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى كافة الناس جميعاً وكانت الصحابة حوله صلى الله عليه وآله وسلم يجتمعون إليه في كل وقت مع ما كانوا فيه من ضنك المعيشة وقلة القوة وكان الواحد منهم إذا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مسئلة أو جدّد حكما علمه من حضر ولم يعلمه من غاب في تحصيل المعيشة فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر تفرق الصحابة فمنهم من خرج لقتال مسيلمة وأهل الردة ومنهم من خرج لجهاد أهل الشام ومنهم من خرج لقتال أهل العراق وبقي من الصحابة بالمدينة مع أبي بكر عدة وكانت القضية إذا نزلت بأبي بكر قضى فيها بما عنده من العلم بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم يكن عنده سأل من بحضرته من الصحابة وإن لم يكن عندهم علم اجتهد في الحكم فلما مات أبو بكر وولي الأمر عمر بن الخطاب فتحت الأمصار وزاد تفرق الصحابة فيما فتحوه من الأقطار وكانت الحكومة تنزل بالمدينة أو في غيرها من البلاد فإن كان عند الصحابة الحاضرين بها في ذلك أثر عن رسول الله حكم فيها وإلا اجتهد أمير تلك المدينة في ذلك وقد يكون في تلك القضية حكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجود عند صاحب أخر في بلد أخر وقد حضر المدني ما لم يحضر المصري وحضر المصري ما لم يحضر الشامي وحضر الشامي ما لم يحضر البصري وحضر البصري ما لم يحضر الكوفي فمضى الصحابة على ما ذكرنا ثم خلف بعدهم التابعون الأخذون عنهم وكل طبقة من التابعين في البلاد التي تقدم ذكرها إنما تفقهوا مع من كان عندهم من الصحابة وكانوا لا يتعدون في فتاويهم فتاوى من حضر عندهم من الصحابة كاتباع أهل المدينة في الأكثر فتاوى ابن عمر واتباع أهل الكوفة في الأكثر فتاوى عبد الله بن مسعود واتباع أهل مكة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عباس واتباع أهل مصر في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص , ثم أتى بعد التابعين فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة وابن جريح بمكة ومالك بالمدينة وعثمان وسوار بالبصرة والأوزاعي بالشام وليث بن سعد بمصر وجروا على تلك الطريقة من أخذ كلّ واحد عن التابعين من أهل بلده فيما كان عندهم واجتهادهم فيما لم يجدوا عندهم , وذكر الكندي أنّ أبا سعيد بن عثمان بن سعيد أول من رحل من أرض مصر إلى العراق في طلب الحديث وتوفي سنة أربع وثمانين ومائة وكان حال أهل الإسلام من مصر وغيرها من الأمصار في أحكام الشريعة على ما تقدم ذكره , ثم كثر الترّحل إلى الأفاق وتداخل الناّس والتقوا وانتدب أقوام لجمع الحديث النبوي وتقييده , فكان أوّل من دون العلم محمد بن شهاب الزهري وكان ممن صنّف وبوّب سعيد بن أبي عروة وغيرهما من أهل كل بلد فوصلت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من البلاد البعيدة إلى من لم تكن عنده فقامت الحجة على من بلغه شيء منها وجمعت الأحاديث وعرف الصحيح من السّقيم وزيف الاجتهاد المؤدّى إلى خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستمر الحال إلى زمان خلافة هارون الرشيد , فلما قام هارون بالخلافة ولى القضاء أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم أحد أصحاب أبي حنيفة بعد سنة تسعين ومائة فلم يقلّده ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر إلا من أشار به القاضي أبو يوسف واعتنى به , وكذلك لما قام بالأندلس الحكم بن المرتضى من أولاد عبد الملك وتلقب بالمنتصر في سنة ثمانين ومائة اختص بيحي بن كثير الأندلسي وكان قد حج وسمع من مالك أبوابا وحمل عن ابن وهب وعن أبي القسم وغيره علما كثيرا وعاد إلى الأندلس فنال من الرياسة والحرمة ما لم ينله غيره , وعادت الفتيا إليه وانتهى السلطان والعامة إليه فلم يقّلد في سائر أعمال الأندلس قاض إلا بإشارته واعتنائه فصاروا إلى رأي مالك بعد ما كانوا على رأي الأوزاعّي ولم يزل مذهبه مشتهرا بمصر حتى قدم الشافعي محمد بن إدريس إلى مصر مع عبد الله بن عباس بن موسى سنة ثمان وتسعين ومائة فصحب من أهل مصر جماعة من أعيانها وكتبوا من الشافعي ما ألّف وعملوا بما ذهب إليه ولم يزل أمر مذهبه يقوى بمصر وذكره ينتشر . وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن على بن إسماعيل الأشعري , وشرط ذلك في أوقافه التي بمصر فاستمر الحال على عقيدة الأشعري بحيث من خالفه ضرب عنقه , والأمر على ذلك إلى اليوم , ولم يكن في الدولة الأيوبية ذكر لمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل ثم اشتهر في أخراها , فلما كان سلطنة الطاهر وُلّى بالقاهرة ومصر أربع قضاة شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي , فاستمر ذلك من سنة خمس وستين وستمائة حتى لم يبق في مجموع الأمصار مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه الأربعة وعقيدة الأشعري , وعملت لأهلها المدارس والزّوايا والربط في سائر ممالك الإسلام واوذى من يذهب إلى غيرها وانكر عليه, ولم يوّل قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والتدريس أحد ممن لم يكن مقلد أحد هذه المذاهب , وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب إتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم , والحق الذي لا ريب فيه أنّ دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجهر لا سر تحته وهو كله لازم كل أحد لا مسامحة فيه , ولم يكتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشريعة ولا كلمة , ولا أطلع أخص الناس به من زوجة أو ابنة أو صاحب أو ابن عم على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم , ولا كان عنده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا رمز ولا باطن غير ما دعى الناس إليه , ولو كتم شيئاً لما بلّغ كما أُمر , ومن قال بهذا فهو كافر بالإجماع وأصل كل بدعة في الدين والبعد عن كلام السّلف ) . انتهى كلام الفاضل الشافعي وحاصله أن الذي دعى الناس إلى العمل بالظّنون والآراء والاجتهاد هو أهل هذه المذاهب الأربعة , وتوجّه السّلاطين إليهم والعمل بأقوالهم حتّى أنه لو ظهر للناس حديث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلاف فتاويهم أوّلوه أو طّرحوه أو تكلّموا فيمن رواه حتى عمّت البلية وتهدمت أركان الدين , وأما السبب الأخر الذي دعاهم إلى العمل بالامارات والظنون فهو أنهم لم يعملوا بكلام أهل البيت عليهم السلام للعداوة والحسد القديمين اللذين انتهيا إليهم من الخلفاء الثلاثة منضّما إلى ما فعله لهم سلاطين زمانهم من الاحترام والاعتبار ممن لم يأخذ الحديث من الأئمة الطاهرين , فلم يكن عندهم من الأخبار النبوّية ما تفي بالوقائع الواردة في العبادات والمعاملات فاضطروا إلى العمل بالآراء والقياس , وأما شيعة أهل البيت عليهم السلام فقد ألقوا عليهم السلام إليهم الأحكام وكتبوا عنهم كتبا كثيرة في ألأخبار المشتملة على كلّ الأبواب , ولم يبقوا لهم واقعة خالية من الدلائل , ألا ترى أن أخسّ أمور الإنسان الدخول إلى الكنيف وقد ورد في آدابه من الأخبار ما لو استقصى لبلغ مقدار كتاب , فإذا كان الحال على هذا المنوال فلا نحتاج في العمل إلا إلى أخبارهم عليهم السلام . إلى أخر ما أفاد طاب ثراه وقد صرح أستاذ المتقدمين أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة قدس سرّه بهذا المطلب حيث قال ما لفظه : ( ومذهب الإمامية أن الأحكام منصوصة , وأعلموا أنا لا نقول منصوصة على الوجه الذي تسبق إلى القلوب ولكن المنصوص عليه بالجُمل التي من فهمها فهم الأحكام من غير قياس ولا اجتهاد ) . ويؤيده ما صرح به شيخ الطائفة المحقق قدس سرّه في كتاب عدة الأصول ما لفظه : (فصل في ان النبي (ع) هل كان مجتهدا في شئ من الأحكام وهل كان يسوغ ذلك له عقلا أم لا وان من غاب عن الرسول في حال حيوته هل كان يسوغ له الاجتهاد أو لا وكيف حال من بحضرته في جواز ذلك اعلم ان هذه المسألة تسقط على أصولنا لانا قد بينا أن القياس والاجتهاد لا يجوز استعمالها في الشرع وإذا ثبت ذلك فلا يجوز للنبي (ع) ذلك ولا لأحد من رعيته حاضرا كان أو غايبا لا حال حيوته ولا بعد وفاته استعمال ذلك على حال ) إلى أخره و وقد بيّن فيما قبله وقال في فصل في ذكر صفات المفتى والمستفتي وبيان احكامهما لا يجوز لأحد أن يفتى بشئ من الأحكام إلا بعد أن يكون عالما به لان المفتى يخبر عن حال ما يستفتى فيه فمتى لم يكن عالما به فلا يأمن أن يخبر بالشئ على غير ما هو به وذلك لا يجوز فإذا لابد من أن يكون عالما (إلى أن قال ) فان اخلّ بذلك أو بشئ منه لم يأمن أن يكون ما أفتى به بخلاف ما أفتى به وذلك قبيح وقد عد من خالفنا في هذه الأقسام انه لابد أن يكون عالما بالقياس والاجتهاد وأخبار الآحاد ووجوه العلل والمقاييس واثبات الامارات المقتضية لغلبة الظن واثبات الأحكام وقد بينا نحن فساد ذلك وأنها ليست من أدلة الشرع ) . انتهى فإذا كانت الغاية من معرفة الامارات الاجتهادية من تحصيل غلبة الظّن فيما لا دليل عليه بزعمهم فاسدا عند الإمامية لامتناع تحقق الامارات في الشرعيات اولا كما بينه الشيخ المفيد قدس سرّه في كتاب العيون والمحاسن , والسيد طاب ثراه في كتاب الشافي والشيخ رحمه الله في كتاب تلخيص الشافي , ولقبح التعبد بالظن بعد فرض إمكان حصوله ثانيا كما برهن عليه القدماء سيّما الشيخ أبو جعفر بن قبة والمفيد والمرتضى وابن إدريس والمحقق قدس سرهم وسيجيء كلامهم إنشاء الله عند ذكرهم , ولقبح العبادة بما لم يرد التعبد به ثالثا : كان تحصيل المبادى الاجتهادية لغوا لا طائل تحته شرعا بل محرم شرعا لكونه مبتدعا كما قال عليه السلام " كل من خالف السّنة فهو البدعة " وقال " كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة سبيلها إلى النار " , وقال تعالى " إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا " وقال " فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ " , وقال عليه السلام " كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل " إلا أن يكون من باب إلزام الخصم لقوله عليه السلام " الزموهم بما لزموا به على أنفسهم " أو لتمييز الحق من الباطل لقوله عليه السلام في حديث له " إنكم لن تعرفوا الهدى حتى تعرفوا الضلال " وسيجيء تمام الكلام إنشاء الله تعالى . (قال) ثم نرى من بعد ذلك نبتت نابتة ونجمت ناجمة تغمز على هؤلاء الأجلاء بكونهم منحرفين عن طريق الأسلاف , وتغمض عليهم بتبعية أهل الخلاف , ويزعم أن الباعث لهم على اختراع هذه القواعد الأصولية والأدلة الشرعية , هو أنسهم بكتب المخالفين للإمامية بلا ضرورة داعية إليه وبدون قيام حجةّ حاكمة له . (أقول) الظاهر من عباراة المصنف بانضمام ما سيأتي منه زعمه أن هذا الإنكار أول ما صدر من المحدّث المحقق الأمين الاسترابادي طاب ثراه , وهذا اعتقاد فاسد يخبر عن جهله بحال من تقدّم وإنكار الإمامية بعضهم على بعض عند التعدّي عن مفاد الكتاب والسنة , والدخول في مخترعات العامة ليس بأمر حادث جديد تفرد به الفاضل الحميد , وها أنا أذكر ما يزيل الإبهام , ويثبت جهله بحال الأعلام , قال شيخ الطائفة طاب ثراه في فهرست الشيعة في ترجمة ابن الجنيد : ( كان جيد التصنيف إلا أنه كان يرى القول بالقياس , فترك لذلك كتبه ولم يعول عليها ) وقال الشيخ النجاشي في ترجمة المفيد : ( له كتاب الرد على ابن الجنيد في نقض اجتهاد الرأي ) وقال الشيخ في ترجمة شيخ المتكلمين من أصحابنا إسماعيل بن علي بن اسحق بن أبي سهل بن نوبخت : ( وصنف كتبا كبيرة منها ـ إلى أن قال ـ كتاب نقد مسئلة عيسى بن أبان في الاجتهاد ـ إلى أن قال ـ وكتاب نقض اجتهاد الرأي على ابن الرواندي ) . نعم أنه رحمه الله أول من تفطن بغفلة بعض المتأخرين في اختيارهم طريقة الاجتهاد , فبين ما كان واجبا عليه , وليس على إنكار المنكر إنكار , والسنة أحق أن يحمى عنها , والبرهان أحق أن يقتفى أثره . قال أستاذ المتقدمين ابن قبة طاب ثراه : ( واعلم علمك الله الخير وجعلك من أهله إنما نعمل بالكتاب والسنة ولا نخالفهما ـ إلى أن قال ـ وليعلموا أنه ليس في العمل بما يوافق الكتاب والسنة عيب وهذا بين ) انتهى ثم بأي كتاب أم بأية سنة *** ترى أسوة الأطياب عيبا فتعتب . يتبــــــــــــــــــــــــــــــع إن شاء الله تعالى | ||
الموضوع الأصلي: معاول العقول لقلع أساس الأصول
الكاتب: الباحث
المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق