الخوئي... ماذا يقصد بهذه العبارة ؟؟؟
تبدل الرأي بعد نقل الفتوى :
.... أو أن المجتهد أفتى بشئ ثم تبدل رأيه - كما تعرض له في المسألة التاسعةوالستين - فهل يجب على الناقل أو المجتهد نفسه إعلام المقلدين ومن سمع منه الفتوىالأولى أو لا يجب ؟وذلك فإن المجتهد قد يفحص عن أدلة المسألة ومداركها - بالمقدار اللازمفي الاجتهاد - كما لو فحص عنها في مظانها والأبواب المناسبة لتلك المسألة ولايظفر بما يدله على الحرمة أو الوجوب ومن هنا يفتي في المسألة بالجواز ، ويقف بعدذلك في غير الباب المناسب لها على ما يدله على الحرمة والوجوب فيضطر بذلك إلىالعدول عن فتواه الأول بالجواز .وأحسن مثال لتلك الكبرى مسألة حرمة تمكين الزوجة الحائض زوجها مننفسها فإن قوله عز من قائل : فاعتزلوا النساء في المحيض ( * 1 ) خطاب للأزواجوالأخبار الدالة على حرمة وطئ الحائض - في الأبواب المناسبة لها - كلها يختص بهمفمن فحص عن حرمة وطئ الحائض لا يعثر في الأبواب المناسبة لها على دليل يدلعلى الحرمة بالإضافة إلى الزوجة لاختصاص الأدلة بالزوج ، ومن هنا وقع الكلامفي أن الحائض هل يجوز أن تمكن زوجها من نفسها كما إذا أراد الوقاع عصيانا- من غير ناحية الإعانة على الإثم - أو كان زوجها مجنونا أو غير بالغ حتى يخرجعن شبهة الإعانة على الإثم . لعدم حرمة الوطئ بالإضافة إليها أو لا يجوز ؟ فالمجتهدالفاحص عنها في مظانها لا يكاد تصله الحرمة بالإضافة إلى الزوجة ومعه يفتيبجواز تمكينها .إلا أنه إذا عثر في أبواب العدد على باب أن المعتدة بالأقراء إذا رأت الدمفي أول الحيضة الثالثة جاز لها أن تزوج ، ولم يجز لها أن تمكن من نفسها حتىتطهر ( * 2 ) ورأي الأخبار الدالة على حرمة التمكين على الحائض من نفسها اضطرإلى العدول والافتاء بالحرمة في المسألة فهل في تلك الموارد المذكورة يجب على المجتهدأو ناقل الفتوى السابقة اعلام من سمع منه الفتوى الأولى بعد العدول أو لا يجب ؟والصحيح عدم وجوب الاعلام لعدم دلالة الدليل عليه والوجه فيه : أن المقلد السامع للفتوى الأولى وإن كان يقع في مخالفة الواقع من جهة اخبار المجتهدأو الناقل إلا أن التسبيب إلى وقوعه في المحرم إنما هو من الله سبحانه دون الناقل أو المجتهد ، فإن الفتوى الأولى للمجتهد حجة شرعية في ظرفها ، والمجتهد أو الناقل كانكلاهما مرخصين في بيانها ، فإن المقدار المعتبر في الفحص إنما هو الفحص عنالمسألة في مظانها والأبواب المناسبة لها كما مر ، ولا يجب الفحص عنها في جميعالأبواب الفقهية بوجه .(كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 394 – 396)
***يقول الخوئي:ان فتوى المجتهد حجة شرعية في ظرفها وان كانت خطأ...وان سبب وقوع المقلد في الحرمة هو الله سبحانه وتعالى (استغفر الله العظيم).
جواب الاستاذ ناطق سعيد
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعداء آل محمد من الاولين والاخرين من بدء الزمان الى قيام يوم الدين
بارك الله فيك على هذه الالتفاتة المهمة والخطيرة ..
إن المجتهد الأصولي يزعم أنه إذا استفرغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي ولم يظفر بالحكم حصل له العذر من الله تعالى فيما أستنبطه وفق عقله وفهمه .. وبما أنه قد تحصل على العذر فأن اللوم يقع بعد ذلك على الله إذا تبين بأن ما أستنبطه لا يوافق الحكم الواقعي لان المجتهد يزعم بأن العذر يحصل بعد استفراغ الوسع في تحصيل الحكم ..
ولمناقشة هذا الكلام الفارغ والذي نشأ وتربى في أحضان المخالفين عليهم لعنة الله نقول :
إن العذر الذي زعم تحققه المجتهدين لا واقع له في الأخبار والآثار الشريفة بل العكس تماماً , حيث حذر الائمة ع من الإفتاء بلا علم وقد بينا ذلك في موضوع ( أفهم الشريعة من لسان الرسول وآل البيت ﴿عليهم السلام﴾ :) الموجود في المنتدى المبارك , إلا أن المجتهدين قد غضوا الطرف عن آثار الائمة ع حتى أنهم إذا اتاهم من الآثار ما ينفي الاجتهاد قالوا بان هذا الخبر ساقط لإسقاطه الاجتهاد بالكلية, وكما بينا ذلك في أكثر من موضوع .
نقول : إن أساس هذا الطرح هم المخالفين كما قلنا, وأول من ادخله بشكل مفصل وشرحه عند الإمامية هو المحقق الحلي وقد بينا ذلك في كتاب سقيفة الغيبة ولا بأس بالتذكر بأدلة المحقق ونقاشها هنا :
أدلة وضع الاثم عن المجتهد المخطئ والتي احتج بها المحقق الحلي في قوله : ﴿ويدل على وضع الاثم عنه وجوه :
أحدها : انه مع استفراغ الوسع يتحقق العذر ، فلا يتحقق الاثم .
الثاني : إنا نجد الفرقة المحقة مختلفة في الأحكام الشرعية اختلافاً شديداً حتى يفتى الواحد منهم بالشيء ويرجع عنه إلى غيره ، فلو لم يرتفع الاثم لعمهم الفسق وشملهم الاثم ، لأن القائل منهم بالقول اما أن يكون استفرغ وسعه في تحصيل ذلك الحكم أو لم يكن ، فإن لم يكن ، تحقق الاثم ، وان استفرغ وسعه ثم لم يظفر ، ولم يعذر ، تحقق الاثم أيضاً .
الثالث : الأحكام الشرعية تابعة للمصالح ، فجاز أن تختلف بالنسبة إلى المجتهدين ، كاستقبال القبلة ، فإنه يلزم كل من غلب على ظنه أن القبلة في جهة أن يستقبل تلك الجهة - إذ لم يكن له طريق إلى العلم - ثم تكون الصلوات مجزية لكل واحد منهم ﴾﴿[1]﴾.
إن الأحكام التي تفتقر إلى اجتهاد كما يقول المحقق هي تلك الأحكام التي لم يرد بها نص صريح سواءً من الكتاب ام من السُنة الشريفة والمتمثلة بأحاديث النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ والسؤال الذي يطرق الأذهان هو هل أجاز لنا أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أن نسلك هذا الطريق في هذه الحالة ؟ أي أن نسلك طريق الاجتهاد إذا فقد النص ؟
والجواب يأتي من أخبار أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وأثارهم الشريفة فقد ورد عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة فننظر فيها ؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل﴾﴿[2]﴾.
إن سؤال أبي بصير واضح في النظر في الأحكام التي لم ترد في الكتاب والسُنة بل أن أبي بصير لم يوجه السؤال بهذه الكيفية كما قراءنا بل انه قال ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة نبيه ولعل القارئ يقول ما الفرق بين التعبيرين ؟
فنقول : إن الفرق كبير وهو إننا إذا قلنا أن حادثة من الحوادث لم ترد في كتاب الله ولا سُنة نبيه فقد كذبنا لأن الله يقول : ﴿ ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ... ﴾﴿[3]﴾
أما إذا قلنا كما قال أبي بصير فقولنا الحق لأن أي حادثة تحدث فحكمها موجود في كتاب الله ولكننا قد لا نعرفه، وهذا فرق عن قولنا أن هذه الحادثة حكمها غير موجود في كتاب الله فتامل الفرق بين التعبيرين، على ان الفقهاء قد قالوا بأن الكتاب غير متكفل ببيان جميع الأحكام وهذا قول في قبال النص الثابت وهو مرفوض ومردود كما بيناه في كتاب سقيفة الغيبة .
إن ما يهمنا الآن هو جواب الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ لأبي بصير حيث ان الإمام بين لأبي بصير رفضه التام للنظر في تلك الأحكام التي غفل العقل عن إيجاد حكمها من الكتاب والسُنة وكذلك فإن الإمام ﴿عليه السلام﴾ قد بين بأنه إذا نظر في تلك الأحكام التي لا يعرف حكمها من الكتاب ولا السُنة فإن أصاب لم يؤجر وان اخطأ كذب على الله, وهذا عكس ما قاله المحقق الحلي حيث ذكر بأن المجتهد إذا أخطأ في حكمه لم يكن مأثوما وهذا القول من المحقق اجتهاد في قبال النصوص كما لا يخفى على القارئ اللبيب.
ولعل قائل يعترض فيقول بأن هذه الرواية ضعيفة وما إلى ذلك من الأمور التي يتمنطقون بها فنقول : إن هذه الرواية قد اقر المحققون وأصحاب الرجال بصحتها كما ذكرها المحقق الخوئي في رجاله قائلا بصحتها﴿[4]﴾ وبعدهذا لا يبقى عذر لمعترض ، أما إذا أرادوا التأويل والتصريف على وجوه ما انزل الله بها من سلطان كقولهم بأن النظر غير الاجتهاد فنقول : لقد قلتم بأن الإجتهاد كان يمارسه أصحاب الأئمة ﴿عليه السلام﴾ فإذا تنزلنا جدلا وقبلنا بهذه المقولة فإن أبا بصير كان مجتهد على نفس الطريقة التي تعتمدونها وبذلك فإن اخطأ لزم ان يكون غير مأثوم كما يقول المحقق الحلي وهذا لم يكن بحاصل مع أبي بصير بنص قول الصادق ﴿عليه السلام﴾ بل ان الإمام قد بين بانه إذا اصاب لم يؤجر وان اخطأ كذب على الله وهذا عكس ما ذهب إليه المحقق الحلي .
وأما إذا اعترض قائل بأن الإجتهاد الذي يمارسه فقهاء الإمامية لم يكن موجودا في زمن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وهذا هو عين الصواب وهذا ما ذكره السيد الخميني في قوله : ﴿الإجتهاد بهذا المعنى المتعارف في زماننا ، لم يكن في الصدر الأول﴾﴿[5]﴾.
قلنا من سمح لنا اذن بممارسة الإجتهاد !!؟؟ إذا كان الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لم يقولوا بالإجتهاد ولم يعلموا طلابهم هذه الطرق الإجتهادية. فمن سمح لنا بممارسته اذن ؟؟ فنحن نعلم بأن الواجب علينا هو التسليم والإتباع دون التقدم على الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وإذا كان الإجتهاد حق لزم على الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ أن يبينوه لأتباعهم ويعلموهم كيفية الإجتهاد وطرقه في الحوادث النازلة بهم فيما لا يعلمون حكمها في الكتاب والسُنة وهذا مما لم يحصل أبداً .
واما الأخبار التي تنهى عن الإجتهاد في تلك الحوادث التي لا نعلم حكمها في الكتاب والسُنة فهي كثيرة منها وما ورد عن حمزة بن الطيار أنه عرض على أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له : كف واسكت ، ثم قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون ، إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ، ويجلوا عنكم فيه العمى ، ويعرفوكم فيه الحق ، قال الله تعالى : ﴿ فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ ﴾﴿[6]﴾.
وجاء عن زرارة ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا﴾﴿[7]﴾
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن ﴿عليه السلام﴾ عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاء بينهما ؟ أو على كل واحد منهما جزاء ؟ قال : ﴿ لا ، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ماعليه فقال : إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألواعنه فتعلموا ﴾﴿[8]﴾.
ولا يخفى فإن الاحتياط الوارد في الرواية بمعنى التوقف حتى سؤال الإمام عن الحكم الصحيح .
وجاء عن حسان أبي علي عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ - في حديث - قال : ﴿حسبكم أن تقولوا ما نقول ، وتصمتوا عما نصمت ، إنكم قد رأيتم أن الله عز وجل لم يجعل لأحد في خلافنا خيرا ﴾﴿[9]﴾.
لقد بين الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ سُنة رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ في الأمور الواقعة بنا من الأحكام الشرعية وقد بين رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ان الأمر المختلف فيه يجب رده إلى الله أي بمعنى رده إلى أولياء الله المعصومين ﴿عليهم السلام﴾ فقد ورد عن جميل بن صالح ، عن الصادق ﴿عليه السلام﴾ ، عن آبائه ﴿عليهم السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾- في كلام طويل : ﴿الأمور ثلاثة : أمر تبين لك رشدة فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل﴾﴿[10]﴾.
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على اجتناب الإجتهاد في الدين وبأي طريقة أو أسلوب كان بل ان منتهى ما يجب علينا فعله هو الإنقياد لأقوال المعصوم والتوقف في الامور التي لا يعلم عقلنا القاصر حكمها من الكتاب والسُنة لا ان نتكلفها ونسن لها القواعد والقوانين وندعي بانها كافلة لبيان أحكام الله وشريعته , ثم بعد ذلك نفاجئ الجميع بالقول بان ما أسسناه وما أفتينا به لم يكن يوافق الواقع بل كنا مخطئين وبعد ذلك نبدل الفتوى ثتم نعدل مرة أخرى وهلم جرا كما هو حال السيد الخوئي وغيره من المجتهدين الذين بدلوا العديد من الفتاوى بفتاوى آخرى بعد مرور سنين على عمل مقلديهم بالفتوى الآولى ؟!!!! فهل هذا دين يا أصحاب العقول ؟؟؟ .
في الحقيقة إن هذا المسلك مشابه لمسلك المخالفين فإنهم قد احتجوا بجملة من الأصول والقواعد التي استخرجوها من ظواهر الكتاب وزعموا بانها كفيلة لبيان الأحكام ، كما فعل أبو حنيفة فقد استدل على القياس والرأي بجملة من الآيات وهذه الآيات وان كانت في الظاهر تدعم ما يدعيه إلا أن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بينوا انحرافه في ذلك وقالوا ان القرآن لا يمكن تفسيره بالعقل والرأي بل ان ابا بكر نفسه كان يقول : ﴿أية أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم﴾ فكيف بنا ونحن ندعي الولاء والطاعة لأهل بيت العصمة ﴿عليهم السلام﴾ .
لقد اشار الكتاب الكريم الثقل الأول إلى التوقف في الامور التي لاعلم لنا بحكمها وذلك واضح في قوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾﴿[11]﴾.
كما ان هنالك العديد من الآيات الكريمة التي تنهى عن القول في الحلال والحرام الا بعلم من الله ورسوله قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾﴿[12]﴾. وقال تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾﴿[13]﴾.
وبهذا يتضح لنا ان أمر الحلال والحرام من الله فقط والله يبلغ أنبيائه ورسله وهم بدورهم يبلغون الناس حلال الله وحرامه كما مر في الأخبار فكيف جاز لنا ممارسة الإجتهاد وهو لم يجز لرسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وقبل أن ننهي نقاشنا هذا يجب علينا مناقشة الأدلة التي وضعها المحقق الحلي وزعم بانها دافعة لوقوع الاثم عن المجتهد المخطئ في إجتهاده وكان اولها ان المجتهد مع استفراغ الوسع يتحقق العذر له فلا يتحقق الاثم عليه ان أخطئ في حكمه .
ويرد عليه بانه من أذن للفقيه في الإجتهاد في الحوادث التي لا يعلم حكمها فقد اوردنا الأخبار الدالة على منع أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أصحابهم من النظر بما لا يعلمون حكمه من الكتاب والسُنة فمن اجاز لنا النظر والإجتهاد في تلك الحوادث فإن قال قائل هذا ما توصل إليه المحقق قلنا بأن المحقق لا حجة في أقواله على الناس ان كان قوله بلا دليل من الثقلين فقد ورد عن عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿... إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال﴾﴿[14]﴾.
والروايات بهذا المعنى كثيرة جداً إذ لا حجة الا في قول المعصوم وبهذا يتضح لنا عدم الحجية في قول المحقق الحلي هذا نعم إذا نقل المحقق حكماً نابعاً من الكتاب والسُنة أي الثقلين فهو حجة والحجة هنا لم تأتي لقول المحقق بل ان الحجة لكلام المعصوم الذي ينقله المحقق.
اما الدليل الثاني الذي احتج به المحقق والذي هو إجماع الفقهاء على الإجتهاد فيرد عليه ان هذا الإجماع باطل في أصولكم قبل أي شيء وان الفرقة المحقة هي التي تمتثل لأوامر أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ولا تتعدى حدود الله التي رسمها لعباده فهؤلاء الفقهاء المختلفين ان أجمعوا على قول أو فعل فهل في إجماعهم حجة شرعية وهم أنفسهم يقولون ان إجماعنا ليس بحجة إذا لم يكن المعصوم داخلا فيه .
وعليه فإن تصرفهم ليس بحجة على أحد فإن اخطئوا فعليهم ان يحملوا اثامهم واثام من اتبعهم إلى يوم القيامة وان احسنوا في إجتهادهم فلا اجر لهم وهذا هو قول الصادق ﴿عليه السلام﴾ كما ان الفرقة المحقة لا تختلف في الأقوال والأفعال فهل قول الله واحد ام هو متعدد فلو اختلف أحد الفقهاء مع آخر في إحدى المسائل فهذا يقول بالحرمة وذاك يقول بالحلية فهل كلا الفقيهين على صواب وإذا كان كذلك فإن حلال الله وحرامه على حد سواء وهذا مما لا يقبله العقل والرب فإن حكم أحد بغير حكم الله فقد حاد الله ورسوله والله تعالى يقول : ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴿[15]﴾ ... فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴿[16]﴾... فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾﴿[17]﴾.
ويظهر مما تقدم ان الذين يحكمون بغير ما نزل من حكمه فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون فكيف جاز للمحقق ان يقول ان اخطئ المجتهد في حكم الله لم يؤثم .
إن كثرة الفقهاء الذين يختلفون في الإجتهاد والتي احتج بها المحقق لا تعني شيء إطلاقاً بل ان الله قد ذم الكثرة وفي مواطن عديدة من كتابه الكريم وذلك واضح البيان فقد ورد عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى أبن جعفر ﴿عليهما السلام﴾ في حديث طويل إلى ان قال : ﴿ ... ثم ذم الكثرة ، فقال : ﴿وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ وقال : ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ... يا هشام ثم مدح القلة ، فقال : ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾. وقال : ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ وقال : ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾...﴾﴿[18]﴾.
إن مسألة الكثرة والقلة لا تفيد الاحتجاج إطلاقاً كما انها ليست بحجة وإذا كانت حجة لاحتج بها المشركون والكفار على أنبياء الله ورسله فما كان المؤمنون الا قليل ولو ان كل الفرقة سلكت مسلك خاطئ إلا واحد فلا يضر الله شي، فكيف إذا علمنا بأن المتقدمين من أصحاب الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لم يسلكوا هذا المسلك كما ان عدد من الأخباريين لم يسلكوا هذا المسلك أيضاً وعليه فإن الاحتجاج بالكثرة مما عليه مسالك المخالفين وليس مسلك الفرقة المحقة كما يقول المحقق فإن الفرقة المحقة هي التي تتمسك بأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ولا تحلل أمر في الشرع مما هو في أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ محرم مذموم فإن الاحتجاج بالأكثرية أو بالإجماع الفاقد للشرعية مما تواترت الأخبار بالمنع منه.
فقد ورد في الحديث القدسي ان الله يستغني بعبادة مؤمن واحد مع إمام عادل عن جميع الخلق فقد جاء عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : قال الله عز وجل : ﴿ ... ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما ولجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجان إلى انس سواهما ﴾﴿[19]﴾.
وجاء عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ : قال الله عز وجل : ﴿لو لم يكن في الأرض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج معه إلى أحد ﴾﴿[20]﴾.
ولا يخفى في الخبر الثاني بأن الله يستغني عن جميع الخلق بعبادة مؤمن واحد ولا يخفى بأن ذلك المؤمن هو الحجة لأن الارض لا تخلو من حجة فإن كان الحجة هو المؤمن الوحيد في الارض وجميع مافي الارض مخالفين لأوامر الله لاستغنى الله به عن جميع الخلق .
والحاصل مما تقدم ان اختلاف جميع الفقهاء في الفتيا ليس بحجة على عباد الله على الإطلاق وان حكم الله واحد وحلاله واحد وحرامه واحد اما من تكلف في افتاء الناس بما لا يعلم حكمه علم اليقين فإن الأثم واقع عليه وليس اثمه فقط بل اثم من عمل بفتياه شاء ام ابى قال تعالى : ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾﴿[21]﴾.
اما الدليل الثالث الذي احتج به المحقق الحلي وهو قوله ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح وجاز ان تختلف بالنسبة إلى المجتهدين كأستقبال القبله فإنه يلزم كل من غلب على ظنه ان القبله في جهة أن يستقبل تلك الجهة ثم تكن الصلوات كلها مجزية !!
ويرد على هذا الكلام بأن المثال الذي ضربه المحقق حكماً خاص لواقعة خاصة فكيف جاز له تعميمه على كل الحوادث التي لا نعلم حكمها في الكتاب والسُنة؟
ان هذا المثال الذي استدل به المحقق مردود لعلة ورود ما يقابله في الأخبار الشريفة فقد روى الشيخ الطوسي في الاستبصار بسنده عن خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت : ﴿ له جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت علينا فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الإجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه ﴾﴿[22]﴾
ولا يخفى ان أصحاب الإجتهاد كانوا يحتجون على أتباع أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بهذا المثال الذي ضربه المحقق الحلي كدليل على إجتهاد الفقهاء ولكن جواب الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ كان رادعا لعملية الإجتهاد عند هؤلاء الفقهاء .
اما ما نقله الشيخ الطوسي من الأخبار التي تجيز الصلاة على الظن باتجاه القبله فإنه من باب الضرورة القصوى وقد علق الشيخ الطوسي على تلك الأخبار بقوله : ﴿فالوجه في هذه الأخبار ان نحملها على حال الضرورة التي لا يتمكن الإنسان فيها من الصلاة إلى أربع جهات فإنه يجزيه التحري فأما إذا تمكن فلا بد من الصلاة إلى أربع جهات ﴾﴿[23]﴾
إن الفقهاء قد تركوا هذه الرواية وعملوا بغيرها لأنها في نظرهم تسقط القول بالإجتهاد وبالكلية وذلك واضح في قول المجتهدين حين ذكروا هذه الرواية فقالوا : ﴿متروكة الظاهر من حيث تضمنها سقوط الإجتهاد بالكلية ، فلا تعويل عليها﴾﴿[24]﴾
ولا يخفى ما في قولهم من الصراحة والجرأة فهل وصل بنا الحال إلى اسقاط الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بحجة انها تسقط الإجتهاد بالكلية وإذا كان كذلك فيجب علينا ترك أخبار أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بالكلية أيضاً لأنها غير نابعة من منابع المجتهدين بالأساس فالأحكام الواردة عن أئمة الهدى ﴿عليهم السلام﴾ لا تمت إلى الإجتهاد بصلة .
إن كلام المحقق في دليله الثالث تضمنه الخلط بين ما هو عام وما هو خاص كما أنه قد وقع في الوهم بأن أحكام الله تابعة للظنون ان أحكام الله لا تكون الا قطعية كضوء الشمس في رابعة النهار فأما الشك والظن فإنه محبط للعمل فقد ورد في وصية المفضل قال سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿[25]﴾
كما ان هنالك العديد من آيات الكتاب الكريم تذم الظن منها قوله تعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾﴿[26]﴾ وقوله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾﴿[27]﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾﴿[28]﴾.
والآيات والأخبار بهذا المعنى كثيرة جداً فكيف جاز للمجتهد الاعتماد على ظنه في أحكام الله وشريعته نعم هنالك من الظن ما هو جائز كالمثال الذي ضربه المحقق في استقبال القبلة ولكن الإشكال ان هذه الواقعة خاصة وليس لنا تعميم حكمها لمعرفة أحكام الله وفق الظنون التي لا تغني من الحق شيء.
الى هنا يتبين لنا ضعف الأدلة التي احتج بها المحقق وتناقلها من تلاه بالرضا والقبول دون تمعن بما هو عليه ثابت الأخبار والأقوال الشريفة المعصومة , حتى وصل الامر الى السيد الخوئي فكتب بكل جرأة على الله بان الاثم يتحمله الله أذا ثبت للمجتهد أن فتواه خطأ !!
أعتذر أخي العزيز حسين العيسى على الاطالة لكن الموضوع متجذر تأريخيا ولا يمكن أن يكون جوابه بسطور بل أن للموضوع وللكلام بقية نسأل الله أن يوفقنا لبينا الحق وأن يكتبنا وأياكم ممن ينتصر به لدينه أنه سميع عليم والحمد لله رب العالمين ..
الهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 181 -182
[2] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 56
[3] - سورة النحل آية 89
[4] - معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 1 - ص 19
[5] - الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 48
[6] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 155
[7] - نفس المصدر السابق - ص 158
[8] - نفس المصدر السابق - ص 154
[9] - نفس المصدر السابق - ص 128
[10] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 162
[11] - سورة الإسراء آية 36
[12] - سورة النحل آية 116
[13] - سورة يونس آية 59
[14] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 126
[15] - سورة المائدة آية 44
[16] - سورة المائدة آية 45
[17] - سورة المائدة آية 47
[18] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 1 - ص 135
[19] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 350
[20] - الجواهر السنية - الحر العاملي - ص 118 - 119
[21] - سورة النحل آية 25
[22] - الاستبصار - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 295
[23] - نفس المصدر السابق
[24] - مدارك الأحكام - السيد محمد العاملي - ج 3 - شرح ص 137
[25] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400
[26] - سورة الانعام آية 116
[27] - سورة الانعام آية 148
[28] - سورة النجم آية 28
تبدل الرأي بعد نقل الفتوى :
.... أو أن المجتهد أفتى بشئ ثم تبدل رأيه - كما تعرض له في المسألة التاسعةوالستين - فهل يجب على الناقل أو المجتهد نفسه إعلام المقلدين ومن سمع منه الفتوىالأولى أو لا يجب ؟وذلك فإن المجتهد قد يفحص عن أدلة المسألة ومداركها - بالمقدار اللازمفي الاجتهاد - كما لو فحص عنها في مظانها والأبواب المناسبة لتلك المسألة ولايظفر بما يدله على الحرمة أو الوجوب ومن هنا يفتي في المسألة بالجواز ، ويقف بعدذلك في غير الباب المناسب لها على ما يدله على الحرمة والوجوب فيضطر بذلك إلىالعدول عن فتواه الأول بالجواز .وأحسن مثال لتلك الكبرى مسألة حرمة تمكين الزوجة الحائض زوجها مننفسها فإن قوله عز من قائل : فاعتزلوا النساء في المحيض ( * 1 ) خطاب للأزواجوالأخبار الدالة على حرمة وطئ الحائض - في الأبواب المناسبة لها - كلها يختص بهمفمن فحص عن حرمة وطئ الحائض لا يعثر في الأبواب المناسبة لها على دليل يدلعلى الحرمة بالإضافة إلى الزوجة لاختصاص الأدلة بالزوج ، ومن هنا وقع الكلامفي أن الحائض هل يجوز أن تمكن زوجها من نفسها كما إذا أراد الوقاع عصيانا- من غير ناحية الإعانة على الإثم - أو كان زوجها مجنونا أو غير بالغ حتى يخرجعن شبهة الإعانة على الإثم . لعدم حرمة الوطئ بالإضافة إليها أو لا يجوز ؟ فالمجتهدالفاحص عنها في مظانها لا يكاد تصله الحرمة بالإضافة إلى الزوجة ومعه يفتيبجواز تمكينها .إلا أنه إذا عثر في أبواب العدد على باب أن المعتدة بالأقراء إذا رأت الدمفي أول الحيضة الثالثة جاز لها أن تزوج ، ولم يجز لها أن تمكن من نفسها حتىتطهر ( * 2 ) ورأي الأخبار الدالة على حرمة التمكين على الحائض من نفسها اضطرإلى العدول والافتاء بالحرمة في المسألة فهل في تلك الموارد المذكورة يجب على المجتهدأو ناقل الفتوى السابقة اعلام من سمع منه الفتوى الأولى بعد العدول أو لا يجب ؟والصحيح عدم وجوب الاعلام لعدم دلالة الدليل عليه والوجه فيه : أن المقلد السامع للفتوى الأولى وإن كان يقع في مخالفة الواقع من جهة اخبار المجتهدأو الناقل إلا أن التسبيب إلى وقوعه في المحرم إنما هو من الله سبحانه دون الناقل أو المجتهد ، فإن الفتوى الأولى للمجتهد حجة شرعية في ظرفها ، والمجتهد أو الناقل كانكلاهما مرخصين في بيانها ، فإن المقدار المعتبر في الفحص إنما هو الفحص عنالمسألة في مظانها والأبواب المناسبة لها كما مر ، ولا يجب الفحص عنها في جميعالأبواب الفقهية بوجه .(كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 394 – 396)
***يقول الخوئي:ان فتوى المجتهد حجة شرعية في ظرفها وان كانت خطأ...وان سبب وقوع المقلد في الحرمة هو الله سبحانه وتعالى (استغفر الله العظيم).
الكاتب: حسين العيسى
المصدر: منتديات كهف المستضعفين
جواب الاستاذ ناطق سعيد
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعداء آل محمد من الاولين والاخرين من بدء الزمان الى قيام يوم الدين
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني
أخي الحبيب حسين العيسى السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهبارك الله فيك على هذه الالتفاتة المهمة والخطيرة ..
إن المجتهد الأصولي يزعم أنه إذا استفرغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي ولم يظفر بالحكم حصل له العذر من الله تعالى فيما أستنبطه وفق عقله وفهمه .. وبما أنه قد تحصل على العذر فأن اللوم يقع بعد ذلك على الله إذا تبين بأن ما أستنبطه لا يوافق الحكم الواقعي لان المجتهد يزعم بأن العذر يحصل بعد استفراغ الوسع في تحصيل الحكم ..
ولمناقشة هذا الكلام الفارغ والذي نشأ وتربى في أحضان المخالفين عليهم لعنة الله نقول :
إن العذر الذي زعم تحققه المجتهدين لا واقع له في الأخبار والآثار الشريفة بل العكس تماماً , حيث حذر الائمة ع من الإفتاء بلا علم وقد بينا ذلك في موضوع ( أفهم الشريعة من لسان الرسول وآل البيت ﴿عليهم السلام﴾ :) الموجود في المنتدى المبارك , إلا أن المجتهدين قد غضوا الطرف عن آثار الائمة ع حتى أنهم إذا اتاهم من الآثار ما ينفي الاجتهاد قالوا بان هذا الخبر ساقط لإسقاطه الاجتهاد بالكلية, وكما بينا ذلك في أكثر من موضوع .
نقول : إن أساس هذا الطرح هم المخالفين كما قلنا, وأول من ادخله بشكل مفصل وشرحه عند الإمامية هو المحقق الحلي وقد بينا ذلك في كتاب سقيفة الغيبة ولا بأس بالتذكر بأدلة المحقق ونقاشها هنا :
أدلة وضع الاثم عن المجتهد المخطئ والتي احتج بها المحقق الحلي في قوله : ﴿ويدل على وضع الاثم عنه وجوه :
أحدها : انه مع استفراغ الوسع يتحقق العذر ، فلا يتحقق الاثم .
الثاني : إنا نجد الفرقة المحقة مختلفة في الأحكام الشرعية اختلافاً شديداً حتى يفتى الواحد منهم بالشيء ويرجع عنه إلى غيره ، فلو لم يرتفع الاثم لعمهم الفسق وشملهم الاثم ، لأن القائل منهم بالقول اما أن يكون استفرغ وسعه في تحصيل ذلك الحكم أو لم يكن ، فإن لم يكن ، تحقق الاثم ، وان استفرغ وسعه ثم لم يظفر ، ولم يعذر ، تحقق الاثم أيضاً .
الثالث : الأحكام الشرعية تابعة للمصالح ، فجاز أن تختلف بالنسبة إلى المجتهدين ، كاستقبال القبلة ، فإنه يلزم كل من غلب على ظنه أن القبلة في جهة أن يستقبل تلك الجهة - إذ لم يكن له طريق إلى العلم - ثم تكون الصلوات مجزية لكل واحد منهم ﴾﴿[1]﴾.
إن الأحكام التي تفتقر إلى اجتهاد كما يقول المحقق هي تلك الأحكام التي لم يرد بها نص صريح سواءً من الكتاب ام من السُنة الشريفة والمتمثلة بأحاديث النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ والسؤال الذي يطرق الأذهان هو هل أجاز لنا أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أن نسلك هذا الطريق في هذه الحالة ؟ أي أن نسلك طريق الاجتهاد إذا فقد النص ؟
والجواب يأتي من أخبار أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وأثارهم الشريفة فقد ورد عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة فننظر فيها ؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل﴾﴿[2]﴾.
إن سؤال أبي بصير واضح في النظر في الأحكام التي لم ترد في الكتاب والسُنة بل أن أبي بصير لم يوجه السؤال بهذه الكيفية كما قراءنا بل انه قال ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة نبيه ولعل القارئ يقول ما الفرق بين التعبيرين ؟
فنقول : إن الفرق كبير وهو إننا إذا قلنا أن حادثة من الحوادث لم ترد في كتاب الله ولا سُنة نبيه فقد كذبنا لأن الله يقول : ﴿ ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ... ﴾﴿[3]﴾
أما إذا قلنا كما قال أبي بصير فقولنا الحق لأن أي حادثة تحدث فحكمها موجود في كتاب الله ولكننا قد لا نعرفه، وهذا فرق عن قولنا أن هذه الحادثة حكمها غير موجود في كتاب الله فتامل الفرق بين التعبيرين، على ان الفقهاء قد قالوا بأن الكتاب غير متكفل ببيان جميع الأحكام وهذا قول في قبال النص الثابت وهو مرفوض ومردود كما بيناه في كتاب سقيفة الغيبة .
إن ما يهمنا الآن هو جواب الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ لأبي بصير حيث ان الإمام بين لأبي بصير رفضه التام للنظر في تلك الأحكام التي غفل العقل عن إيجاد حكمها من الكتاب والسُنة وكذلك فإن الإمام ﴿عليه السلام﴾ قد بين بأنه إذا نظر في تلك الأحكام التي لا يعرف حكمها من الكتاب ولا السُنة فإن أصاب لم يؤجر وان اخطأ كذب على الله, وهذا عكس ما قاله المحقق الحلي حيث ذكر بأن المجتهد إذا أخطأ في حكمه لم يكن مأثوما وهذا القول من المحقق اجتهاد في قبال النصوص كما لا يخفى على القارئ اللبيب.
ولعل قائل يعترض فيقول بأن هذه الرواية ضعيفة وما إلى ذلك من الأمور التي يتمنطقون بها فنقول : إن هذه الرواية قد اقر المحققون وأصحاب الرجال بصحتها كما ذكرها المحقق الخوئي في رجاله قائلا بصحتها﴿[4]﴾ وبعدهذا لا يبقى عذر لمعترض ، أما إذا أرادوا التأويل والتصريف على وجوه ما انزل الله بها من سلطان كقولهم بأن النظر غير الاجتهاد فنقول : لقد قلتم بأن الإجتهاد كان يمارسه أصحاب الأئمة ﴿عليه السلام﴾ فإذا تنزلنا جدلا وقبلنا بهذه المقولة فإن أبا بصير كان مجتهد على نفس الطريقة التي تعتمدونها وبذلك فإن اخطأ لزم ان يكون غير مأثوم كما يقول المحقق الحلي وهذا لم يكن بحاصل مع أبي بصير بنص قول الصادق ﴿عليه السلام﴾ بل ان الإمام قد بين بانه إذا اصاب لم يؤجر وان اخطأ كذب على الله وهذا عكس ما ذهب إليه المحقق الحلي .
وأما إذا اعترض قائل بأن الإجتهاد الذي يمارسه فقهاء الإمامية لم يكن موجودا في زمن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وهذا هو عين الصواب وهذا ما ذكره السيد الخميني في قوله : ﴿الإجتهاد بهذا المعنى المتعارف في زماننا ، لم يكن في الصدر الأول﴾﴿[5]﴾.
قلنا من سمح لنا اذن بممارسة الإجتهاد !!؟؟ إذا كان الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لم يقولوا بالإجتهاد ولم يعلموا طلابهم هذه الطرق الإجتهادية. فمن سمح لنا بممارسته اذن ؟؟ فنحن نعلم بأن الواجب علينا هو التسليم والإتباع دون التقدم على الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وإذا كان الإجتهاد حق لزم على الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ أن يبينوه لأتباعهم ويعلموهم كيفية الإجتهاد وطرقه في الحوادث النازلة بهم فيما لا يعلمون حكمها في الكتاب والسُنة وهذا مما لم يحصل أبداً .
واما الأخبار التي تنهى عن الإجتهاد في تلك الحوادث التي لا نعلم حكمها في الكتاب والسُنة فهي كثيرة منها وما ورد عن حمزة بن الطيار أنه عرض على أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له : كف واسكت ، ثم قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون ، إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ، ويجلوا عنكم فيه العمى ، ويعرفوكم فيه الحق ، قال الله تعالى : ﴿ فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ ﴾﴿[6]﴾.
وجاء عن زرارة ، عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : ﴿لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا﴾﴿[7]﴾
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن ﴿عليه السلام﴾ عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاء بينهما ؟ أو على كل واحد منهما جزاء ؟ قال : ﴿ لا ، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ماعليه فقال : إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألواعنه فتعلموا ﴾﴿[8]﴾.
ولا يخفى فإن الاحتياط الوارد في الرواية بمعنى التوقف حتى سؤال الإمام عن الحكم الصحيح .
وجاء عن حسان أبي علي عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ - في حديث - قال : ﴿حسبكم أن تقولوا ما نقول ، وتصمتوا عما نصمت ، إنكم قد رأيتم أن الله عز وجل لم يجعل لأحد في خلافنا خيرا ﴾﴿[9]﴾.
لقد بين الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ سُنة رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ في الأمور الواقعة بنا من الأحكام الشرعية وقد بين رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ان الأمر المختلف فيه يجب رده إلى الله أي بمعنى رده إلى أولياء الله المعصومين ﴿عليهم السلام﴾ فقد ورد عن جميل بن صالح ، عن الصادق ﴿عليه السلام﴾ ، عن آبائه ﴿عليهم السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾- في كلام طويل : ﴿الأمور ثلاثة : أمر تبين لك رشدة فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل﴾﴿[10]﴾.
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على اجتناب الإجتهاد في الدين وبأي طريقة أو أسلوب كان بل ان منتهى ما يجب علينا فعله هو الإنقياد لأقوال المعصوم والتوقف في الامور التي لا يعلم عقلنا القاصر حكمها من الكتاب والسُنة لا ان نتكلفها ونسن لها القواعد والقوانين وندعي بانها كافلة لبيان أحكام الله وشريعته , ثم بعد ذلك نفاجئ الجميع بالقول بان ما أسسناه وما أفتينا به لم يكن يوافق الواقع بل كنا مخطئين وبعد ذلك نبدل الفتوى ثتم نعدل مرة أخرى وهلم جرا كما هو حال السيد الخوئي وغيره من المجتهدين الذين بدلوا العديد من الفتاوى بفتاوى آخرى بعد مرور سنين على عمل مقلديهم بالفتوى الآولى ؟!!!! فهل هذا دين يا أصحاب العقول ؟؟؟ .
في الحقيقة إن هذا المسلك مشابه لمسلك المخالفين فإنهم قد احتجوا بجملة من الأصول والقواعد التي استخرجوها من ظواهر الكتاب وزعموا بانها كفيلة لبيان الأحكام ، كما فعل أبو حنيفة فقد استدل على القياس والرأي بجملة من الآيات وهذه الآيات وان كانت في الظاهر تدعم ما يدعيه إلا أن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ بينوا انحرافه في ذلك وقالوا ان القرآن لا يمكن تفسيره بالعقل والرأي بل ان ابا بكر نفسه كان يقول : ﴿أية أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم﴾ فكيف بنا ونحن ندعي الولاء والطاعة لأهل بيت العصمة ﴿عليهم السلام﴾ .
لقد اشار الكتاب الكريم الثقل الأول إلى التوقف في الامور التي لاعلم لنا بحكمها وذلك واضح في قوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾﴿[11]﴾.
كما ان هنالك العديد من الآيات الكريمة التي تنهى عن القول في الحلال والحرام الا بعلم من الله ورسوله قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾﴿[12]﴾. وقال تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾﴿[13]﴾.
وبهذا يتضح لنا ان أمر الحلال والحرام من الله فقط والله يبلغ أنبيائه ورسله وهم بدورهم يبلغون الناس حلال الله وحرامه كما مر في الأخبار فكيف جاز لنا ممارسة الإجتهاد وهو لم يجز لرسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وقبل أن ننهي نقاشنا هذا يجب علينا مناقشة الأدلة التي وضعها المحقق الحلي وزعم بانها دافعة لوقوع الاثم عن المجتهد المخطئ في إجتهاده وكان اولها ان المجتهد مع استفراغ الوسع يتحقق العذر له فلا يتحقق الاثم عليه ان أخطئ في حكمه .
ويرد عليه بانه من أذن للفقيه في الإجتهاد في الحوادث التي لا يعلم حكمها فقد اوردنا الأخبار الدالة على منع أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أصحابهم من النظر بما لا يعلمون حكمه من الكتاب والسُنة فمن اجاز لنا النظر والإجتهاد في تلك الحوادث فإن قال قائل هذا ما توصل إليه المحقق قلنا بأن المحقق لا حجة في أقواله على الناس ان كان قوله بلا دليل من الثقلين فقد ورد عن عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿... إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال﴾﴿[14]﴾.
والروايات بهذا المعنى كثيرة جداً إذ لا حجة الا في قول المعصوم وبهذا يتضح لنا عدم الحجية في قول المحقق الحلي هذا نعم إذا نقل المحقق حكماً نابعاً من الكتاب والسُنة أي الثقلين فهو حجة والحجة هنا لم تأتي لقول المحقق بل ان الحجة لكلام المعصوم الذي ينقله المحقق.
اما الدليل الثاني الذي احتج به المحقق والذي هو إجماع الفقهاء على الإجتهاد فيرد عليه ان هذا الإجماع باطل في أصولكم قبل أي شيء وان الفرقة المحقة هي التي تمتثل لأوامر أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ولا تتعدى حدود الله التي رسمها لعباده فهؤلاء الفقهاء المختلفين ان أجمعوا على قول أو فعل فهل في إجماعهم حجة شرعية وهم أنفسهم يقولون ان إجماعنا ليس بحجة إذا لم يكن المعصوم داخلا فيه .
وعليه فإن تصرفهم ليس بحجة على أحد فإن اخطئوا فعليهم ان يحملوا اثامهم واثام من اتبعهم إلى يوم القيامة وان احسنوا في إجتهادهم فلا اجر لهم وهذا هو قول الصادق ﴿عليه السلام﴾ كما ان الفرقة المحقة لا تختلف في الأقوال والأفعال فهل قول الله واحد ام هو متعدد فلو اختلف أحد الفقهاء مع آخر في إحدى المسائل فهذا يقول بالحرمة وذاك يقول بالحلية فهل كلا الفقيهين على صواب وإذا كان كذلك فإن حلال الله وحرامه على حد سواء وهذا مما لا يقبله العقل والرب فإن حكم أحد بغير حكم الله فقد حاد الله ورسوله والله تعالى يقول : ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴿[15]﴾ ... فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴿[16]﴾... فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾﴿[17]﴾.
ويظهر مما تقدم ان الذين يحكمون بغير ما نزل من حكمه فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون فكيف جاز للمحقق ان يقول ان اخطئ المجتهد في حكم الله لم يؤثم .
إن كثرة الفقهاء الذين يختلفون في الإجتهاد والتي احتج بها المحقق لا تعني شيء إطلاقاً بل ان الله قد ذم الكثرة وفي مواطن عديدة من كتابه الكريم وذلك واضح البيان فقد ورد عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى أبن جعفر ﴿عليهما السلام﴾ في حديث طويل إلى ان قال : ﴿ ... ثم ذم الكثرة ، فقال : ﴿وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ وقال : ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ... يا هشام ثم مدح القلة ، فقال : ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾. وقال : ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ وقال : ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾...﴾﴿[18]﴾.
إن مسألة الكثرة والقلة لا تفيد الاحتجاج إطلاقاً كما انها ليست بحجة وإذا كانت حجة لاحتج بها المشركون والكفار على أنبياء الله ورسله فما كان المؤمنون الا قليل ولو ان كل الفرقة سلكت مسلك خاطئ إلا واحد فلا يضر الله شي، فكيف إذا علمنا بأن المتقدمين من أصحاب الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لم يسلكوا هذا المسلك كما ان عدد من الأخباريين لم يسلكوا هذا المسلك أيضاً وعليه فإن الاحتجاج بالكثرة مما عليه مسالك المخالفين وليس مسلك الفرقة المحقة كما يقول المحقق فإن الفرقة المحقة هي التي تتمسك بأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ ولا تحلل أمر في الشرع مما هو في أقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ محرم مذموم فإن الاحتجاج بالأكثرية أو بالإجماع الفاقد للشرعية مما تواترت الأخبار بالمنع منه.
فقد ورد في الحديث القدسي ان الله يستغني بعبادة مؤمن واحد مع إمام عادل عن جميع الخلق فقد جاء عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : قال الله عز وجل : ﴿ ... ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما ولجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجان إلى انس سواهما ﴾﴿[19]﴾.
وجاء عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قال رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ : قال الله عز وجل : ﴿لو لم يكن في الأرض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج معه إلى أحد ﴾﴿[20]﴾.
ولا يخفى في الخبر الثاني بأن الله يستغني عن جميع الخلق بعبادة مؤمن واحد ولا يخفى بأن ذلك المؤمن هو الحجة لأن الارض لا تخلو من حجة فإن كان الحجة هو المؤمن الوحيد في الارض وجميع مافي الارض مخالفين لأوامر الله لاستغنى الله به عن جميع الخلق .
والحاصل مما تقدم ان اختلاف جميع الفقهاء في الفتيا ليس بحجة على عباد الله على الإطلاق وان حكم الله واحد وحلاله واحد وحرامه واحد اما من تكلف في افتاء الناس بما لا يعلم حكمه علم اليقين فإن الأثم واقع عليه وليس اثمه فقط بل اثم من عمل بفتياه شاء ام ابى قال تعالى : ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾﴿[21]﴾.
اما الدليل الثالث الذي احتج به المحقق الحلي وهو قوله ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح وجاز ان تختلف بالنسبة إلى المجتهدين كأستقبال القبله فإنه يلزم كل من غلب على ظنه ان القبله في جهة أن يستقبل تلك الجهة ثم تكن الصلوات كلها مجزية !!
ويرد على هذا الكلام بأن المثال الذي ضربه المحقق حكماً خاص لواقعة خاصة فكيف جاز له تعميمه على كل الحوادث التي لا نعلم حكمها في الكتاب والسُنة؟
ان هذا المثال الذي استدل به المحقق مردود لعلة ورود ما يقابله في الأخبار الشريفة فقد روى الشيخ الطوسي في الاستبصار بسنده عن خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت : ﴿ له جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت علينا فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الإجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه ﴾﴿[22]﴾
ولا يخفى ان أصحاب الإجتهاد كانوا يحتجون على أتباع أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بهذا المثال الذي ضربه المحقق الحلي كدليل على إجتهاد الفقهاء ولكن جواب الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ كان رادعا لعملية الإجتهاد عند هؤلاء الفقهاء .
اما ما نقله الشيخ الطوسي من الأخبار التي تجيز الصلاة على الظن باتجاه القبله فإنه من باب الضرورة القصوى وقد علق الشيخ الطوسي على تلك الأخبار بقوله : ﴿فالوجه في هذه الأخبار ان نحملها على حال الضرورة التي لا يتمكن الإنسان فيها من الصلاة إلى أربع جهات فإنه يجزيه التحري فأما إذا تمكن فلا بد من الصلاة إلى أربع جهات ﴾﴿[23]﴾
إن الفقهاء قد تركوا هذه الرواية وعملوا بغيرها لأنها في نظرهم تسقط القول بالإجتهاد وبالكلية وذلك واضح في قول المجتهدين حين ذكروا هذه الرواية فقالوا : ﴿متروكة الظاهر من حيث تضمنها سقوط الإجتهاد بالكلية ، فلا تعويل عليها﴾﴿[24]﴾
ولا يخفى ما في قولهم من الصراحة والجرأة فهل وصل بنا الحال إلى اسقاط الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بحجة انها تسقط الإجتهاد بالكلية وإذا كان كذلك فيجب علينا ترك أخبار أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بالكلية أيضاً لأنها غير نابعة من منابع المجتهدين بالأساس فالأحكام الواردة عن أئمة الهدى ﴿عليهم السلام﴾ لا تمت إلى الإجتهاد بصلة .
إن كلام المحقق في دليله الثالث تضمنه الخلط بين ما هو عام وما هو خاص كما أنه قد وقع في الوهم بأن أحكام الله تابعة للظنون ان أحكام الله لا تكون الا قطعية كضوء الشمس في رابعة النهار فأما الشك والظن فإنه محبط للعمل فقد ورد في وصية المفضل قال سمعت أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ يقول : ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿[25]﴾
كما ان هنالك العديد من آيات الكتاب الكريم تذم الظن منها قوله تعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾﴿[26]﴾ وقوله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾﴿[27]﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾﴿[28]﴾.
والآيات والأخبار بهذا المعنى كثيرة جداً فكيف جاز للمجتهد الاعتماد على ظنه في أحكام الله وشريعته نعم هنالك من الظن ما هو جائز كالمثال الذي ضربه المحقق في استقبال القبلة ولكن الإشكال ان هذه الواقعة خاصة وليس لنا تعميم حكمها لمعرفة أحكام الله وفق الظنون التي لا تغني من الحق شيء.
الى هنا يتبين لنا ضعف الأدلة التي احتج بها المحقق وتناقلها من تلاه بالرضا والقبول دون تمعن بما هو عليه ثابت الأخبار والأقوال الشريفة المعصومة , حتى وصل الامر الى السيد الخوئي فكتب بكل جرأة على الله بان الاثم يتحمله الله أذا ثبت للمجتهد أن فتواه خطأ !!
أعتذر أخي العزيز حسين العيسى على الاطالة لكن الموضوع متجذر تأريخيا ولا يمكن أن يكون جوابه بسطور بل أن للموضوع وللكلام بقية نسأل الله أن يوفقنا لبينا الحق وأن يكتبنا وأياكم ممن ينتصر به لدينه أنه سميع عليم والحمد لله رب العالمين ..
الهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 181 -182
[2] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 56
[3] - سورة النحل آية 89
[4] - معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 1 - ص 19
[5] - الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 48
[6] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 155
[7] - نفس المصدر السابق - ص 158
[8] - نفس المصدر السابق - ص 154
[9] - نفس المصدر السابق - ص 128
[10] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 162
[11] - سورة الإسراء آية 36
[12] - سورة النحل آية 116
[13] - سورة يونس آية 59
[14] - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 126
[15] - سورة المائدة آية 44
[16] - سورة المائدة آية 45
[17] - سورة المائدة آية 47
[18] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 1 - ص 135
[19] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 350
[20] - الجواهر السنية - الحر العاملي - ص 118 - 119
[21] - سورة النحل آية 25
[22] - الاستبصار - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 295
[23] - نفس المصدر السابق
[24] - مدارك الأحكام - السيد محمد العاملي - ج 3 - شرح ص 137
[25] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400
[26] - سورة الانعام آية 116
[27] - سورة الانعام آية 148
[28] - سورة النجم آية 28
0 التعليقات:
إرسال تعليق