|
المرحوم
عالم سبيط النيلي
وهو تكملة لما سبق في المسألة (25) :
أن التفقّه في الدِّين ليس فرعاً ليكون مشمولاً بالمعذرية حال التقليد لأن التفقّه بالدِّين من جملة أحكام العقائد لا من جملة أحكام الفقه فالواجب أن لا تسري عليه أحكام الفقه ، لأنكم قلتمّ أن العقائد لا تقليد فيها وهذا تناقض إذ أوجبتم على المكلّف التقليد في ( التقليد ) وهو بديل التفقّه الذي هو من العقائد .
على أن التفقّه في الدِّين في الخطاب القرآني عام وليس مقيداً بأحكام دون أخرى – واصطلاح الحلال والحرام – ناقص (اصطلاحاً) فإن متعلِّقات التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة كلّها من باب الحلال والحرام . والذي لا يتمكن من ربط العقائد والأحكام أو اختص بمعرفة بعضها دون بعض لا يمكن أن نسميه فقيهاً .
نعم . يمكن أن نسمّيه كذلك إذا احسن الربط لمجموع الخطاب وإن لم يكن فقيهاً على الاصطلاح وهذا هو مفهوم الفقه في القرآن إذ هو مرتبط بالنيّة لا بمقدار العلم لاقترانه بالقلب كما مر عليك . قال تعالى :
(( لهم قلوب لا يفقهون بها ))
وهذا ذم لهم فالفقاهة إذن من أعمال القلوب لا العقول . فإذا قيل : أن وجوب التفقّه على الجميع أمر جديد لم يقل به أحد فإجماع الفقهاء هو في سقوط هذا الواجب إذا تصدّى له البعض ويأثمون فقط إذا لم يتصدى له أحد.
أقول : هذا إجماع ( فقهاء ) ليس فيهم المعصوم (عليه السلام) إذ هو موضوع البحث فلا يحتج به . ويحتاجون إلى دليل لإثبات ذلك وهو مفقود بل الأدلة كلّها ضده . فالدِّين ليس فيه اختصاص خلافاً لكلّ علم آخر لأنه رأس كلّ العلوم وهو رحمة للعالمين كافة – نعم الجاهل يتعلم من العالم وواجب العالم تعليم الجاهل ولكن ليس من الدِّين في شيء بقاء العالم على علمه ثم إبراء ذمة الجاهل على جهله.
وغاية ما لديهم على أن التفقّه واجب كفائي هو قوله تعالى :
(( ما كان للمؤمنين أن ينفروا كافة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدِّين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ))
والآية الكريمة ضدهم من جميع الوجوه لأنهم ظنوا أن الطائفة النافرة للتفقّه أسقطت الوجوب عن الفرقة بينما مراد الآية هو عكس ذلك تماماً وهو أن ينذرهم بهذا الوجوب – إذ أمر العارفين والقادرين على تعليم غير العارفين ونقل التفقّه إلى العاجزين بل هو إطلاق جاء له بألفاظ فرقة وطائفة قصداً لكي لا يستثنى منه أحد إذ ترجع الطائفة لتعليم بقية الفرقة . علماً بأن اللفظين اختيرا هنا لإيضاح التداخل إذ يمكن أن تكون الطائفة أصلاً أكثر عدداً من كلّ فرقة على انفراد .
ثم أنّه تعالى قال (( في الدِّين )) كلّه ومنه العقائد بل هي الأصل فإنها إذا فسدت لم تنفع العبادات وإذا صلحت العقائد صلحت الأخلاق وقبلت العبادة وأنزلت الأرزاق . وإنما الناس في أزمة عقيدة دوماً وليسوا في أزمة معرفة للمناسك .
ثم ذكر في صدر الآية ( المؤمنين ) وقال (( ما كان للمؤمنين أن ينفروا كافة ))- فيحسب المرء أن المؤمنين لفظ يعود المراد منه على المجموع ولذلك خصص منهم طائفة وهذا خطأ أثبتناه في كتاب ( نظام المجموعات ) بل المؤمنون أقلية قليلة جداً ولا تصدق هذه الصفة الاّ على أفراد معدودين لهم صفات عالية جداً فهم فقهاء أصلاً وقد نفروا وإنما ألقى باللائمة على الباقين لينفروا فتأمل الآية جيداً .
هذا البحث القيم مقتبس من كتاب البحث الاصولي
للمرحوم عالم سبيط النيلي
|
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق