دفع توهم الدور في العمل بالمأثور
إشارة إلي كنه استبعاد مخالفة المشهور, أما قولك أنى ادعيت أمراً أمراً وجئت شيئا نكراً, فالوجه فيه أن طبعك قد اعتاد المشهورات, و انقاد المسلمات, و استصعب في البرهان و تحصيل الإيمان بالإيقان, و سيما إذا أدى ذلك إلي مخالفة ما رسخ فيه علي طول الزمان, و لو أنك أخرجت رقبتك عن رقبة الاعتياد, وفككت جيدك من قلادة التقليد و الانقياد, لصار ما رأيته نكراً عرفاً, و ما حسبته صعباً ذلولاً, فمن يك ذا فم من مريض يجد مرا به الماء الزلالا, و بعد فإني أنبأتك أولاً أن هذه الرسالة ليست إلي ما سمع نَائَيْنَ و لا إلي إِنَّا وَجَدُّنَا آبين وقد أعذر من أنذر؛ و أما قولك أنى خالفت طائفة من مشاهير الفقهاء ففيه أن أول من فعل ذلك أولئك فإنهم خالفوا طريقة القدماء الإخباريين, و غيّروا سنة أجلة الفقهاء المعتبرين, و عدلوا من الأخبار إلي الأصول, و ارتكبوا الفضول, و نحن نريد إحياء تلك الطريقة و تجديد تلك السنة القديمة, لأنها الحق الذي لا ريب فيه, و المتيقن الذي لا شبهة تعتريه, و الحق أحق أن يتبع و أحرى أن يتبع, علي أن القدماء أجل شأنا و أرفع مكاناً و إلي الأئمة اقرب زماناً من المتأخرين, والاعتماد عليهم أكثر و برهانهم أبهر, و ستسمع فيهم من الأئمة المعصومين ما تعرف به قدرهم و رجحانهم علي من خالفهم إنشاء اللَّه تعالي؛ و أما قولك أنى رددت الظن بالظن, و أبطلت الاجتهاد بالاجتهاد, و اثبتّ الخبر بالخبر, فحاشاي حاشاي من أن أخالفكم إلي ما أنهيكم عنه, إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت, و ما توفيقي إلا باللَّه عليه توكلت و إليه أنيب, بل إنما رددت الظن باليقين, و أبطلت الاجتهاد بالنص المبين, و أستمسك بالعروة الوثقى و الحبل المتين, و جئتك من سبأ بنبأ يقين, وأعرضت عن ممنوع منه إلي مرغوب فيه, و عما يريب إلي ما لا ريب يعتريه. ثم انك إن كنت لم تؤمن بإمامة الأئمة المعصومين, أو حديث الثقلين المنقول عن سيد المرسلين, و أمثاله, فليس لنا معك كلام فاذهب أنت من هيهنا و نحن من هيهنا, و إن كنت آمنت بذلك و لكنك ظنت أن العلم بأخبارهم عليهم السلام لابدّ أن يكون كالعلم بوجودهم في الوضوح والإنارة و القوة, أو تواترها كتواتره و إلا فهي أخبار آحاد لا تفيد إلا ظنا, فما أريك إلاّ لم تعرف بعد أن اليقين كالظن له مراتب في القوة و الضعف, و أن في الأحكام الشرعية يكتفي بأقل مراتبه, مع أن أكثر الأخبار الأحكامية ليست في القوة بأقل من أخبار الإمامة متناً و سنداً؛ ثم إني لم أكلفكم بالعمل بكل ما يروى, بل بما أطمئنت إليه أنفسكم منها و إلا فذروه في سنبله, و أهمله كما أهمله اللَّه في سبله, فعلمه موكول إلي اللَّه, و العمل موسع علينا من اللَّه, و بعد فان العمل بالأخبار متفق عليه بين الإمامية قاطبة, و ما أظنك تستطيع رده ورد كتب الحديث رأسا و خصوصاً الأصول الأربعة التي عليها المدار في ساير الأعصار, و إنما الخلاف بيننا وبينك في العمل بالأصول الفقيهة خاصة, فالأصوليون متفقون مع الإخباريين في العمل بالأخبار, لا يخالفهم إلا شاذ منهم كالسيد المرتضى و أتباعه, بل و لا هم لأنهم لا يردونالأخبار الغير المتواترة رأسا, وإنما يردون نوعاً منها يسمونه خبرا واحدا لا يوجب علماً و لا عملا, و ليس اصطلاحهم في ذلك موافقاً لاصطلاح من تأخر عنهم, فإن المتأخرين يسمون كلما ليس بمتواتر آحادا, فالخبر الواحد في اصطلاحهم أعم منه في اصطلاح من تقدم عليهم, و بهذا يندفع التدافع بين كلامي السيد المرتضى و العلامة في خبر الواحد رداً و قبولا, و دعواهما الاتفاق علي طرفي النقيض, و لنذكر كلاهما و كلام من تأخر عنهما حتى يتبين لك الحق في ذلك إنشاء اللَّه تعالي. | ||
المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق