سبب حدوث الاجتهاد والإجماع عند الإمامية وشبهاتهم فيه
ثم لما انقضت مدة الأئمة المعصومين صلوات اللَّه عليهم, و انقطعت السفراء بينهم و بين شيعتهم, وطالت الغيبة و أشددت الفرقة, و امتدّت دولة الباطل, و خالطت الشيعة مخالفيهم والفت في صغر سنهم بكتبهم, إذ كانت هي المتعارف تعليمها في المدارس و المساجد و غيرها, لان الملوك و أرباب الدول كانوا منهم و الناس إنما يكونون مع الملوك و أرباب الدول, فعاشرتهم في مدارسة العلوم الدينية و طالعوا كتبهم التي سقوها في أصول الفقه التي دونوها لتسهيل اجتهاداتهم التي عليها مدار أحكامهم, فاستحسنوا بعضا و استهجنوا بعضا, أداهم ذلك إلي أن صنفوا في ذلك العلم كتبا إبراماً و نقضا, و تكلموا فيما تكلم العامّة فيه من الأشياء التي لم يأت بها الرسول صلي اللَّه عليه و آله و الأئمة المعصومون صلوات اللَّه عليهم, و كثروا بها المسائل و لبسوا علي الناس طرق الدلائل, و كان العامة أحدثوا في القضايا و الأحكام أشياء كثيرة بآرائهم و عقولهم في جنب اللَّه, و اشتبهت أحكامهم بأحكام اللَّه, و لم يقنعوا بإبهام ما أبهم و السكوت عما سكت اللَّه, بل جعلوا للَّه شركاء حكموا كحكمه فتشابه الحكم عليهم بل للَّه الحكم جميعا و إليه يرجعون و سيجزيهم اللَّه بما كانوا يعلمون, ثم لما كثرت تصانيف أصحابنا في ذلك و تكملوا في أصول الفقه و فروعه باصطلاحات العامة, اشتبهت أصول الطائفتين و اصطلاحاتهم بعضها ببعض, وانجر ذلك إلي أن ألتبس الأمر علي طائفة منهم حتى زعموا جواز الاجتهاد و الحكم بالرأي و وضع القواعد و الضوابط لذلك, و تأويل المتشابهات بالتظنى و الترؤى و الأخذ باتفاق الآراء و تأيد ذلك عندهم بأمور: أحدها: ما رأوه من الاختلاف في ظواهر الآيات و الأخبار التي لا تتطابق إلا بتأويل بعضها بما يرجع إلي بعض و ذلك نوع من الاجتهاد المحتاج فيه إلي وضع الأصول و الضوابط. و الثاني: ما رأوه من كثرة الوقايع التي لا نص فيها علي الخصوص مع مسيس الحاجة إلي معرفة أحكامها. و الثالث: ما رأوه من اشتباه بعض الأحكام و ما فيه من الإبهام الذي لا ينكشف و لا يتعين إلا بتحصيل الظن فيه بالترجيح, و هو عين الاجتهاد, فأولوا الآيات و الأخبار الواردة في المنع منالاجتهاد و العمل بالرأي بتخصيصها بالقياس و الاستحسان و نحوهما من الأصول التي تختص بها العامة, و الواردة في ذم الأخذ باتفاق الآراء بتخصيصها بالآراء الخالية عن قول المعصوم لما ثبت عندهم أن الزمان لا يخلو من إمام معصوم, فصار ذلك كله سببا لكثرة الاختلاف بينهم في المسائل, و تزايده ليلا و نهارا, و توسعة دائرته مدارا و إعصارا, حتى انتهى إلي أن تريهم يختلفون في مسألة واحدة علي عشرين قولا أو ثلاثين أو أزيد, بل لو شئت أن أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها لقلت, و ذلك لأن الآراء لا تكاد تتوافق, و الظنون قلما تتطابق, و الأفهام تتشاكس, و وجوه الاجتهاد تتعاكس, و الاجتهاد يقبل التشكيك, و يتطرق عليه الركيك, و يتشبه بالقوم من ليس منهم, و يدخل نفسه في جملتهم من هو بمعزل عنهم, فظلت المقلدة في غمار آرائهم يعمهون و أصحبوا في لجج أقاويلهم يغرقون. | ||
الموضوع الأصلي: سبب حدوث الاجتهاد والإجماع عند الإمامية وشبهاتهم فيه
الكاتب: ناصر الموعود
المصدر: منتديات كهف المستضعفين
0 التعليقات:
إرسال تعليق