| لمّا افتتن الناس بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم و تفرقوا في لجج الفتن و هلكوا في طوفان المحن, إلا شرذمة ممن عصمه اللَّه, وبسفينة أهل البيت عليهم السلام نجّاه, و بالتمسك بالثقلين أبقاه, استكتم الناجون دينهم و صانوا و تينهم, فاستبقى اللَّه عز وجل بهم رمق الدين في هذه الأمة, وأبقى بإبقاء نوعهم سنة خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم إلي يوم القيامة, فبعث إماما بعد إمام و خلف شيعة لهم بعد سلف لكان و لا تزال طائفة من الشيعة رضي اللَّه عنهم يحملون الأحاديث في الأصول والفروع عن أئمتهم عليم السلام بأمرهم و ترغيبهم ويروونها لآخرين ويروى الآخرون لآخرين و هكذا إلي أن وصلت إلينا و الحمد للَّه رب العالمين؛
وكانوا يثبتونها في الصدور ويسطرونها في الدفاتر و يعونها كما يسمعونها و يحفظونها كما يتحملونها و يبالغون في نقدها وتصحيحها ورد زّيفها و قبول صحيحها و تخريج صوابها و سليمها من أخطائها وسقيمها, حتى يرى احدهم لا يستحل نقل ما لا وثوق به ولا إثبات ذلك في كتبه إلا مقرونا بالتضعيف و مشفوعا بالتزييف, طاعنا فيمن يروى كلما يروى ويسطر كلما يحكى, و يظهر هذا لمن تنبع كتبالرجال و يتعرف منها الأحوال, و كانوا لا يعتمدون علي الخبر الذي كان ناقله منحصرا في مطعون أو مجهول و لا قرينة معه تدل علي صحة المدلول و يسمونه خبر الواحد الذي لا يوجب علما و لا عملا و كانوا لا يعتقدون في شييء من تفاصيل الأصول الدّينية و لا يعملون في شييء من الأحكام الّشرعية إلا بالنصوص المسموعة عن أئمتهم عليهم أفضل الصلوات ولو بواسطة ثقة أو وسائط ثقات, و كانوا مأمورين بذلك من قبل أولئك السادات, ولا يستندون في شيء منها إلي تخريج الرأي بتأويل المتشابهات, و تحصيل الظن باستعانة الأصول المخترعات, الذي يسمى بالاجتهاد, ولا إلي اتفاق آراء الناس الذي يسمى بالإجماع, كما يفعل ذلك كله الجمهور من العامة, و كانوا ممنوعين عن ذلك كله من جهتهم عليم السلام و من جهة صاحب الشرع بالآيات الصريحة و الأخبار الصحيحة, و كان المنع من ذلك كله معروفا من مذهبهم مشهوراً منهم حتى بين مخالفيهم كما صرح به طائفة منالفريقين , قال ابن أبى الحديد في شرحه لنهج البلاغة عند رده علي من زعم أن عمر كان أحسن سياسة واصح تدبيراً من أمير المؤمنين ع ما محصله أن عمر كان مجتهداً يعمل بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة ويرى تخصيص عمومات النصوص و يكيد خصمه و يأمر أمراءه بالكيد و الحيلة و يؤدب بالدرة و السوط من يغلب علي ظنه انه يستوجب ذلك و يصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستوجبون به التأديب كل ذلك بقوة اجتهاده و ما يؤديه إليه نظره و لم يكن أمير المؤمنين ع يرى ذلك و كان يقف مع النصوص والظواهر و لا يتعداه إلي الاجتهاد و الأقيسة و كان مقيداً بقيود الشريعة ملتزما لإتباعها ويطبق أمور الدنيا علي أمور الدين و يسوق الكل مساقا واحدا و لا يضع و لا يرفع إلا بالكتاب و النص و اختلف طريقتاهما في الخلافة و السياسة إلي آخر ما قاله أخذنا منه موضع الحاجة. |
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق